المحافظ الباكي

جون بينهر رئيس مجلس النواب الأميركي الجديد: من أنصار استخدام القوة العسكرية ضد إيران

TT

تستعد العاصمة الأميركية لسلسلة من المواجهات الجديدة بين البيت الأبيض والرئيس الأميركي باراك أوباما من جهة، والحزب الجمهوري المعارض من جهة أخرى، بداية العام المقبل، حيث يدخل الكونغرس الأميركي دورة جديدة ابتداء من يناير (كانون الثاني) المقبل بقيادة الجمهوريين لمجلس النواب. وبعد فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصبح النائب الجمهوري المحافظ عن ولاية أوهايو جون بينهر المرشح لتولي رئاسة مجلس النواب، وبذلك يصبح ثالث أكثر الرجال النافذين في واشنطن بعد الرئيس الأميركي ونائبه جو بايدن.

وبحسب الدستور الأميركي، في حال توفي الرئيس ونائبه، يتولى رئيس مجلس النواب الأميركي منصب الرئيس. ولذلك يتمتع منصب رئيس مجلس النواب بثقل سياسي، بالإضافة إلى أهمية ترؤسه مجلس النواب مع دور المجلس في إصدار التشريعات، حيث إن مجلس النواب حصريا مسؤول عن إصدار القوانين المالية في البلاد. وذلك سيقوي كفة الجمهوريين في الدورة التشريعية المقبلة والنصف الأخير من ولاية أوباما الرئاسية.

وبينهر معروف على الساحة الداخلية الأميركية بسبب تقدمه في صفوف القيادة الجمهورية، حيث تولى رئاسة الجمهوريين في مجلس النواب منذ عام 1994. إلا أنه ليس معروفا كثيرا على الساحة الدولية بسبب اهتمامه الحصري بالشؤون والسياسات الداخلية، وقليلا ما يرد اسمه مرتبطا بالسياسة الخارجية الأميركية. وذلك عكس سلفه الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، التي اشتهرت بعد زيارتها إلى سورية في أبريل (نيسان) 2007، عندما أصبحت أرفع مسؤولة أميركية تزور دمشق منذ عام 2003، خلال قطيعة إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بها. وحرصت بيلوسي على زيارة دول عدة مثل السعودية والأردن والعراق وإسرائيل في مد الجسور مع دول المنطقة. ولكن بيلوسي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب رئيس مجلس النواب الأميركي، اعتادت على كسر الحواجز الخارجية.

أما بينهر فمواقفه الخارجية تتماشى مع الجناح المحافظ من الحزب الجمهوري، فكان من أبرز المنتقدين لأوباما في ما يخص الحرب في العراق، خصوصا بعد أن كان أوباما قد عارض إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى العراق في عهد بوش. وبينما يعتبر أوباما أن استراتيجيته «للانسحاب المسؤول» من العراق تأتي نتيجة لجهوده، يعتبر بينهر أن أوباما لم يكن عادلا في الاعتراف بنجاح استراتيجية بوش بإرسال المزيد من القوات عام 2007 لمواجهة التمرد في العراق. وقال بينهر نهاية أغسطس (آب) الماضي: «بعض القادة الذين عارضوا وانتقدوا وحاربوا من أجل وقف استراتيجية إرسال المزيد من القوات الآن يفخرون بنتائج تلك الاستراتيجية ويعتبرونها تابعة لهم».

ويعارض بينهر استراتيجية إدارة أوباما الحالية في العمل على نقل السلطات الأمنية إلى الأفغان ابتداء من يوليو (تموز) 2011، حيث يعتبر أن «على الرئيس أن يشدد على التزامه بضمان النجاح بدلا من التركيز على جداول زمنية عشوائية للانسحاب». وهذا موقف غالبية الجمهوريين، على رأسهم عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي المرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة جون ماكين.

أما في ما يخص إسرائيل، فبينهر يركز على تأييد إسرائيل وكان من أبرز الجمهوريين المنتقدين لإدارة أوباما بسبب ضغوط سابقة على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لدخول مفاوضات السلام. وقال بينهر في خطاب الصيف الماضي: «من حيث أنا آتٍ، يجب أن تقف بجوار أصدقائك والذين يشاركونك قيمك، ولا ترسل رسالة قوة إلى أعدائك من خلال إبعاد أصدقائك وحلفائك». وستكون هذه من بين المواقف التي يشدد عليها بينهر وعدد من الجمهوريين النافذين في مجلس النواب المحافظ. وذلك مرتبط بموقف بينهر والحزب الجمهوري حول إيران، حيث يعتبر بينهر أن «إيران المصدر الحقيقي لعدم الاستقرار في المنطقة». وبينهر من أنصار طرح استخدام القوة العسكرية ضد إيران بسبب تقدم برنامجها النووي، حيث قال: «علينا أن لا نتوقع بسذاجة أنه من الممكن احتواء إيران مسلحة نوويا».

كل هذه المواقف لبينهر تتعارض مع مواقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولكن وجه الاختلاف ليس فقط في السياسة الخارجية. ومنذ دخوله مجلس النواب الأميركي قبل 20 عاما، عمل بينهر على قضايا عدة متعلقة بالإنفاق، على رأسها تقليص الضرائب على الأميركيين. وهذه هي القضايا التي يعد بينهر بالتركيز عليها في مهمته الجديدة بقيادة مجلس النواب للعامين المقبلين.

وبحسب برنامجه السياسي على موقعه الإلكتروني، يعتبر بينهر العجز والدَّين الأميركي مشكلة أساسية، وسيركز جهوده على تخفيض الإنفاق الحكومي. وبينهر من المؤمنين بأن الإنفاق العام المفرط سبب في تراجع الاقتصاد الأميركي، وهو من أتباع سياسات الرئيس الأميركي الجمهوري السابق رونالد ريغان ويؤمن بتقوية القطاع الخاص وتقليص القطاع العام. وتعهد بينهر بأنه سيبدأ يومه الأول في تولي رئاسة مجلس النواب بتخفيض الإنفاق في الكونغرس، وتعهد بتخفيض الإنفاق بنحو 5 في المائة من خلال تقليص عدد الموظفين في مكاتب أعضاء الكونغرس أو رواتبهم. وتعتبر هذه خطوة شعبوية لكسب تأييد الناخبين وإظهار التزامه بتخفيض العجز الأميركي. ويخصص بينهر عمله في الكونغرس على «مبادرات إصلاح الحكومة» التي تشمل «المسألة». وقد حرص في بداية التسعينات من القرن الماضي على إصدار قوانين «لتنظيف الكونغرس»، شملت إغلاق المصرف الخاص بمجلس النواب الأميركي. ويقول بينهر إنه ملتزم بـ«المسؤولية المالية» التي يجب أن تتبعها الحكومة، وينوي جعل هذه القضية ركنا أساسيا في عمله خلال الفترة المقبلة.

وقد اصطدم بينهر منذ الشهر الماضي مع أوباما استعدادا لتولي الجمهوريين القيادة في مجلس النواب. ويصف بينهر أوباما بأنه «بالتأكيد ذكي ورائع، ولكننا نأتي من خلفيات مختلفة، وآراؤنا حول الاقتصاد تختلف كثيرا أيضا». وبينما الاختلاف في وجهات النظر حول الاقتصاد طبيعية بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، فالاختلاف بين الرجلين في الخلفية عامل أساسي في إظهار الفرق بينهما. فأوباما الذي ولد في جزيرة هاواي من أب كيني وأم أميركية ترعرع في مدن مختلفة، بينها جاكرتا. أما بينهر فيأتي من عائلة أميركية أنغلو-سكسونية، وولد وترعرع في نفس البلدة الصغيرة في ولاية أوهايو.

وربما العامل الأبرز الذي يشتهر به بينهر ليس خلفيته العائلية أو سياساته الاقتصادية، بل خصلة نادرا ما يراها الناس بين السياسيين، وهي البكاء العلني في مناسبات وخطابات عدة. فمن منبر مجلس النواب إلى مقابلات تلفزيونية لا يخجل بينهر من البكاء ومسح دموعه عند الحديث عن القضايا التي يقول هي الأقرب إلى قلبه. ويشدد بينهر في خطاباته على «الحلم الأميركي»، ذلك المصطلح المرتبط بالثقافة الأميركية، بأنه يمكن تحقيق النجاح في الولايات المتحدة إذا كان المرء عازما.

وعند إعلان فوزه للمرة العاشرة بمقعد تمثيل ولاية أوهايو ليل 2 نوفمبر الماضي، والإعلان عن فوز الجمهوريين بمجلس النواب، ألقى بينهر خطاب الفوز بحماس. إلا أن خطاب الفوز لم يختصر على شعارات التغيير والنصر، بل كان لديه طابع آخر، فمع تسليط عدسات كاميرات الصحافيين عليه ووقوف عائلته خلفه ومناصريه أمامه، اختنق بينهر وهو يقرأ خطابه باكيا مع تذكّره شبابه وخلفيته البسيطة. وقال بينهر وهو يبكي: «لقد قضيت حياتي كلها ألاحق الحلم الأميركي.. لقد أكملت دراستي بالقيام بكل وظيفة حقيرة» لتمويل تعليمه. وعلى الرغم من انشغال الإعلام الأميركي في تغطية لحظات غرق بينهر بالدموع أمام مناصريه في احتفال الفوز في واشنطن، فإن متابعيه يعلمون أن هذه ليست المرة الأولى التي يبكي فيها علنا، ولن تكون الأخيرة. وشرح بينهر لبرنامج «60 دقيقة»، الذي حصل على مقابلة حصرية معه الأسبوع الماضي، أسباب بكائه قائلا: «أريد أن أضمن أن يحصل الأطفال على فرصة تحقيق الحلم الأميركي مثلما أنا حصلت عليه»، ليكرر بكاءه مجددا في البرنامج. وعندما سألته الصحافية حول ما إذا كان يحاول أن يمنع نفسه من البكاء علنا، رد بثقة: «لا، ما يراه الناس هو الواقع، كل الذين يعرفونني يعلمون أنني إنسان عاطفي».

وكثيرا ما تظهر عاطفة بينهر عندما يتحدث عن تاريخ حياته وأصوله البسيطة. فهو الأخ الثاني من بين 12 طفلا لعائلة بينهر البسيطة. ومنذ أن كان عمره 10 أعوام عمل في مقهى «إنديز» الذي يملكه والده. وعائلة بينهر عائلة محافظة، كانت تحرص على الذهاب إلى الكنيسة كل صباح، ولها روابط قديمة في البلدة الصغيرة. ومقهى «إنديز» الواقع في بلدية ريدينغ الصغيرة في أوهايو وسط الولايات المتحدة هو موقع رعرعة بينهر وإخوانه الـ8 وأخواته الثلاث، ولكنه كان وحيدا عندما دخل الجامعة، إذ هو الوحيد من بين إخوته الذي أكمل دراسته الجامعية.

وعندما التقى جون بينهر بزوجته ديبي كان وضعه الاقتصادي صعبا وهو يحاول إكمال دراسته في جامعة خافيير بإدارة الأعمال. وكان يعمل منظفا في شركة الصيدلة التي عملت فيها زوجته عندما التقيا. وكثيرا ما يتحدث بينهر عن كيف التقيا وهو يفرغ سلة مهملات مكتبها، ولكنها أعجبت به وتزوجا بعد فترة وجيزة من ذلك.

وديبي، التي ما زالت متزوجة ببينهر منذ 37 عاما، قليلا مع تظهر في الإعلام. فبينما بينهر يعمل في واشنطن منذ دخوله الكونغرس عام 1980، اختارت زوجته البقاء في أوهايو لتربية ابنتيهما ليندسي وتريشا وإبعادهما عن الحياة السياسية. وتنوي ديبي مواصلة الإقامة في سينسيناتي على الرغم من تسلم زوجها المنصب الأرفع للحزب الجمهوري.

ويشدد بينهر على صورة أصوله البسيطة في محاولة للتغير من الصورة الرائجة عنه اليوم، فهو معروف بعلاقاته مع شركات مجموعات الضغط في واشنطن، التي تدعم بينهر وحملاته الانتخابية، بينما يراعي هو مصالح القطاع الخاص في مجلس النواب. وارتباطه بمجموعات الضغط وعلاقاته مع الشركات العملاقة جزء من صورة بينهر الغني اليوم، الذي يتمتع بممارسة رياضة الغولف وتدخين السجائر.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن بينهر «يبقي علاقات وثيقة مع عدد من ممثلي مجموعات الضغط والمساعدين الذين يمثلون كبرى الشركات الأميركية، منها بنك (غولدمان ساكس) و(غوغل) و(سيتي غروب) و(يو بي إس)». وكشفت الصحيفة في تقرير مطول في سبتمبر (أيلول) الماضي عن مدى تعاون بينهر مع مجموعات الضغط، وقد حصل على دعم مالي كبير من مجموعات الضغط لتمويل حملاته الانتخابية. واتهمت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بينهر بأنه تعاون «مرات لا تحصى مع مجموعات ضغط لمصالح خاصة من أجل وقف القوانين القوية» ضد المصالح الخاصة. ويذكر أن دائرة بينهر الانتخابية في أوهايو هي من أكثر الدوائر الزراعية في البلاد، وكان فعالا في لجنة الزراعة في مجلس النواب. وكان من أبرز المناصرين لقانون «حرية الزراعة» لعام 1996 التي قلصت من تدخل الحكومة الفيدرالية في قوانين العمل والقطاع الزراعي، ويعمل على التأثير على قوانين مماثلة تخص قطاع الزراعة من موقع قوة الآن.

ولا يخفي بينهر تأييده للقطاع الخاص، الذي يعتبره العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، الذي ساعده لتحقيق «الحلم الأميركي». فعندما وُلد بينهر في نوفمبر 1949 في مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو كانت عائلته عائلة بسيطة تسعى إلى المحافظة على مردودها من مقهى بسيط في بلدة ريدينغ. وقد عاش بينهر طول عمره في الولاية، مع الإقامة في واشنطن فقط خلال أيام العمل في الكونغرس.

وبعد تخرجه من جامعة خافيير عام 1977، عمل بينهر في شركة «نوسيت» في صناعة البلاستيك. وأثبت بينهر قدرته على العمل وحرصه على التقدم، ليصبح رئيسا للشركة خلال سنوات قليلة، ولكن كانت أنظاره على السياسية، حيث التحق بالعمل في إحدى النقابات المحلية ثم انتخب للمجلس التشريعي المحلي لولاية أوهايو بين عامي 1984 و1990. وعندما لمع في المجلس التشريعي المحلي بدأ بينهر يفكر في الكونغرس الأميركي وإمكانية الانتقال من تمثيل ولاية أوهايو، وعدد سكانها 11.3 مليون، إلى تمثيل الشعب في مجلس النواب الأميركي. وبذلك ترشح وفاز بتمثيل الدائرة الثامنة من أوهايو في الكونغرس الأميركي، وهو المقعد الذي ما زال يشغله حتى اليوم. ومنذ نوفمبر 2006 انتخب الجمهوريون بينهر ليصبح قائدهم في مجلس النواب، وكان جوهريا في ضمان فوز الجمهوريين بمجلس النواب مجددا بعد أن كان الديمقراطيون قد سيطروا عليه لدورتين. وسيتولى زملاء بينهر من الجمهوريين رئاسة اللجان في مجلس النواب في الدورة المقبلة، بينما سيكون هو الوجه الأبرز للحزب المحافظ في الفترة المقبلة. وبينما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات الرئاسة خلال عامين، بدأت الحملات الانتخابية غير الرسمية للحزبين يوم انتهاء انتخابات الكونغرس الأخيرة. ويكرس بينهر جهوده لضمان نجاح الجمهوريين في انتخابات الكونغرس المتزامنة مع انتخابات الرئاسة عام 2012، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن أعين الجمهوريين على البيت الأبيض.