حماس بعد 23 عاما.. «عين على الضفة»

لا حرب ولا سلم ولا مصالحة.. و3 تحولات مهمة في مسيرتها أهمها دخولها السلطة

عنصر أمن من حماس يقوم بالحراسة خلال احتفال الحركة في غزة بمناسبة مرور 23 عاما على إنشائها الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

تمثل حركة المقاومة الإسلامية، حماس، رأس حربة «الإخوان المسلمين» في العالم، فهي أول من اتبع في الإخوان نهج العمل العسكري، وأول من سيطر في انتخابات تشريعية سيطرة مطلقة، وأول من نجح في انتزاع السلطة بالقوة.

وبعد 23 عاما على انطلاقة حماس التي صادفت هذا الأسبوع، لم تتراجع أبدا طموحات الحركة الفتية، وفي وقت تواصل فيه ترسيخ أقدامها على الأرض في غزة، تتطلع من دون أدنى شك إلى الضفة، وفوق ذلك فإنها تريد تحرير فلسطين، كل فلسطين، من النهر إلى البحر، كما قال رئيس حكومتها المقالة في غزة إسماعيل هنية قبل يومين.

لكن من غير المعروف إلى أي حد يمكن أن تنجح حماس في تحقيق طموحاتها هذه، وجربت الحركة في مسيرتها الطويلة سلسلة من الانتصارات والكبوات، والتحولات، كل تجربة فيها، تقول إن المستقبل مفتوح على عدة احتمالات، فقد تذهب الحركة إلى مصالحة تاريخية مع فتح تأخذ من سطوتها في القطاع، وقد لا تصالح فتح، بل قد تصبح بديلا لها وتقضي عليها نهائيا، وقد تنتظرها حرب مع إسرائيل تدمر سطوتها تلك، وقد تصالح إسرائيل وتفاوضها وتوقع معها اتفاق سلام، وقد يبقى الحال كما هو عليه الآن سنين طويلة «لا حرب لا سلم لا مصالحة».

وهذا الكلام ليس ضربا من الجنون، بالنظر إلى مواقف حماس المتغيرة والممكن في عالم السياسة، وتاريخ حماس شاهد على تحولات كبيرة. واختصارا يمكن سرد تاريخ حماس، كحماسين، «حماس المقاومة» و«حماس السلطة»، وهذا تعريف ترفضه الحركة التي تقول إنها تزاوج بين المقاومة والحكم، وهي تجربة ما زالت تحت المجهر والتشريح.

حماس التي تعرف نفسها على أنها حركة مقاومة شعبية وطنية تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال الغاصب، تصف نفسها بأنها جزء من حركة النهضة الإسلامية، وقد انطلقت مسيرتها في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1987، كامتداد لحركة «الإخوان المسلمين».

كانت فتح آنذاك حركة الشعب الفلسطيني، بلا منازع، وواجهت حماس صعوبات كبيرة حتى بدأت تأخذ من نصيب فتح.

قالت حماس إن موقفها الثابت من الصراع هو «تحرير كل فلسطين بحدودها الانتدابية من نير المحتل»، ورفضت الحركة «حصر القضية في الأراضي المحتلة عام 1967». وهناك سببان دفعا حماس إلى الانطلاقة، حسب مذكرات الحركة، وهما، أولا التطورات السياسية الفلسطينية، التي تمثلت في تراجع الكفاح المسلح لدى فصائل منظمة التحرير، وتعرض المنظمة إلى سلسلة انتكاسات داخلية وخارجية، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية. وثانيا، الصحوة الإسلامية، إذ إنه بحسب مذكرات حماس، فإن فلسطين شهدت تطورا واضحا وملحوظا في نمو وانتشار الصحوة الإسلامية كغيرها من الأقطار العربية، (..) وكانت حماس التعبير العملي عن هذه الصحوة.

دخلت حماس الانتفاضة، لكن رويدا رويدا، وعانت الحركة في بداياتها من اتهامات بالغمز واللمز من فصائل العمل الوطني، بأنها كانت صنيعة الاحتلال، وجاءت كبديل لمنظمة التحرير. لم تشترك بقوة في العمل العسكري، وظلت فتح لسنوات تسيطر على الجماهير. وشيئا فشيئا بدأت حماس تدخل اللعبة، وكانت أكبر حملة اعتقالات تعرضت لها الحركة آنذاك في شهر مايو (أيار) 1989، وطالت تلك الحملة مؤسس الحركة أحمد ياسين. في ذلك العام يمكن القول إن حماس خرجت من المساجد، ولم تعد تكتفي بالدعوة والدعاء، نفذت عمليات بالسكاكين ضد يهود، ما استوجب مزيدا من الاعتقالات والإبعادات.

في عام 1991 أسست جناحها العسكري «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، وراح عناصر الجناح ينفذون عمليات عسكرية، أخذ اسم حماس يكبر معها. وفي ديسمبر 1992 نفذ مقاتلو الحركة عملية أسر جندي إسرائيلي يدعى نسيم توليدانو، وكانت العملية كفيلة بحمل إسرائيل على إبعاد 415 مسؤولا في حماس والجهاد الإسلامي إلى لبنان كأول سابقة في الإبعاد الجماعي.

رفض مبعدو الحركتين القرار وقضوا عاما في مخيم مؤقت في مرج الزهور، واضطرت إسرائيل للاستجابة إلى الضغوط الدولية وإعادتهم. وكانت هذه مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة يمكن القول إنها معها أصبحت رقما صعبا.

نشط جهاز حماس العسكري في العام الذي ذهبت فيه منظمة التحرير لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وكأن حماس أرادت القول إننا البديل في الكفاح المسلح. وفعلا في عام 1993 نفذت حماس عدة عمليات مسلحة ضد إسرائيل، وأعلنت حربا شاملة على اليهود في العام الذي يليه، ونفذت عدة عمليات تفجيرية في قلب إسرائيل.

كانت السلطة تأسست عام 1993، واستمرت حماس في عملها العسكري حتى بعد تأسيس السلطة التي راحت تضيق الخناق أكثر وأكثر على الحركة التي رفضتها ورفضت كل الاتفاقيات التي وقعتها، لكنها لم تدخل أبدا معها في صدام.

أصبح عمل حماس محل نقاش كبير، «إلى أي حد يخدم القضية الفلسطينية أو يضر بها»، ودوما في الشارع الفلسطيني كان هناك تياران كبيران يؤيدان ويرفضان.

وقال المحلل السياسي أكرم عطا الله لـ«الشرق الأوسط»: «أصابت حماس بانضمامها متأخرة لحالة النضال الفلسطيني وأضافت لهذا النضال بأدائها البارز، لكن مشكلة هذه الإضافة أنها لم تكن جزءا من البناء السياسي للشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير». وأوضح «كانت حماس الجناح الذي يعمل خارج إطار المنظمة وبدا كأنها موازية للعمل الفلسطيني منذ اللحظة الأولى». وأردف «بدت في الحقيقة تحمل بذور الانقسام الفلسطيني منذ البداية، ومع دخولها الانتخابات أصبحت جزءا من هذا الانقسام (..) أبدا لم يكن الانقسام نتاج السنوات الأخيرة».

وعمليا لم تستطع حماس في عهد ياسر عرفات، الذي كان ممسكا بزمام الأمور في الضفة وغزة، أن تفكر حتى في الانقلاب على السلطة، كان عرفات يتمتع بكاريزما خاصة وتاريخ كبير وشعبية أكبر، وتجربته عميقة في «غابة البنادق»، وبوفاته فقط يمكن القول إن حماس تنفست الصعداء أكثر.

في 2006، فاجأت الحركة، جماهيرها والفلسطينيين والعالم بقبولها المشاركة في الانتخابات التشريعية 2006، وكان هذا يعني أنها قررت الدخول في النظام السياسي الفلسطيني الذي طالما أخذت عليه أنه بني ومضى تحت سقف الاحتلال.

كان موقف حماس قبل ذلك، يقول إن «سلطة الحكم الذاتي ليست أكثر من إفراز من إفرازات اتفاقات التعايش مع العدو الصهيوني وتؤمن الحركة أن الصهاينة وافقوا على إقامة هذه السلطة لتحقيق مجموعة من أهدافهم الآنية والبعيدة». وأن «السلطة بصورتها المرتهنة لاتفاقات أوسلو تشكل ستارا من شأنه إضفاء نوع من الشرعية على الاحتلال وممارساته».

ولفهم التحول في موقف حماس، يكفي قراءة بيانها الذي صدر في 1996 بعد إجراء الانتخابات التشريعية الأولى للسلطة التي رفضت حماس المشاركة فيها، وانتقدت حماس، الانتخابات، «تحت حراب المحتل الصهيوني، وبتغييب ثلثي الشعب الفلسطيني وتحت سقف اتفاق أوسلو المشؤوم، وفي الوقت الذي لا يزال فيه الاحتلال يجثم على صدور أبناء شعبنا في القدس والخليل، ويفرض إرادته السياسية على السلطة الفلسطينية». وجاء في البيان أن الحركة تجدد موقفها «الرافض لاتفاقيات أوسلو وكل إفرازاتها».

طبعا لم يتغير شيء بعد 10 سنوات، أي في انتخابات 2006، غيب ثلثا الشعب وكان الاحتلال ما زال جاثما على الأرض وأجريت الانتخابات تحت سقف وموافقة أوسلو، لكن حماس شاركت وانتصرت، غير أنها بعد ذلك راحت تمنع العمل المسلح الذي كانت تنادي به من قبل. وعقب عطا الله، «لم تخطئ حماس في دخولها الانتخابات، كانت في مرحلة البحث عن شرعية وجودها، كانت تحاول دخول النادي الدولي». ويرى عطا الله «أن حماس تذهب في مسار طبيعي في الطريق الذي ذهب إليه (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات». وأضاف «الظروف تجبرها على أن تخوض تجربة ياسر عرفات، بدأت في الكفاح المسلح، وعمليا أوقفته بعدما دخلت السلطة، كانت تنادي بكل الأرض الفلسطينية، وقالت الآن إنها تقبل بهدنة في أرض 1967، والآن بدأت في حوارات مع الأميركيين، قد تكون من بينها حوارات سرية كما أعلن الأسبوع الماضي». وأردف «السلوك يتكرر».

أما حماس نفسها ففسرت دخولها النظام السياسي الفلسطيني، بقولها إنها أرادت «وقف مسلسل التنازلات»، وقال عيسى النشار، أحد مؤسسي حماس القلائل، «إن قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية استغرق الكثير من المشاورات داخل الحركة، فكان القرار بالمشاركة انطلاقا من الرغبة في وقف مسلسل التنازلات وإبقاء القضية الفلسطينية حية». قضية ثالثة، غير دخولها النظام السياسي ووقفها العمل المسلح، تراجعت فيها حماس، وهي قبولها بنتائج مباحثات السلام بين السلطة وإسرائيل إذا وافق الشعب الفلسطيني على هذه النتائج، وهو ما أعلنه هنية قبل أسبوعين. وكانت حماس تقول قبل ذلك: لا استفتاء على الثوابت. ورغم ذلك ترفض حماس تشبيهها بفتح، وقال القيادي في حماس محمود الزهار إن حركته لن تتحول إلى نسخة أخرى من حركة فتح بعد توليها السلطة وإدارتها حكم قطاع غزة. لكن فتح ترد بمنطق بسيط، ساقه الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مرة متسائلا عن الفرق بين حماس وفتح، قائلا «لا نطلق رصاصة ولا يطلقون رصاصة بل يلاحقون مطلقي الرصاص، نريد دولة على 1967 ويريدون هدنة في 1967، نحاور الأميركان ويسعون لحوارهم بأي ثمن، ونعبد الله مثلهم، طيب ما الفرق؟».