صالحي.. رجل نجاد «المعتدل»

وزير الخارجية الإيراني الجديد عالم في الفيزياء النووية ويحظى بتقدير الغربيين

TT

في لحظة تفاوضية بدت بالنسبة لبعض المراقبين حاسمة بشأن الملف النووي الإيراني الذي يشك الغرب في أنه يهدف إلى تصنيع أسلحة نووية، فاجأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد العالم باختياره الدكتور علي أكبر صالحي وزيرا للخارجية بالإنابة، بعد الإطاحة بسلفه منوشهر متقي في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وبينما لا يزال مراقبون يبحثون في أسباب عزل الأخير وتعيين صالحي، رأى آخرون أن إيران بخطوتها تلك استعدت لجولة جديدة من المفاوضات بالشخص المناسب.

تكشف السيرة الذاتية لصالحي الذي يحظى بثقة كل من نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي أسباب سريان هذا الاعتقاد. فالرجل الذي كان يعد رمزا للصداقة الأميركية - الإيرانية زمن الشاه، قبل أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى درس في «العواقب غير المقصودة» بعد التحولات السياسية العميقة في إيران مع قيام الثورة الإسلامية عام 1979، هو أكاديمي وسياسي شغل منصب ممثل إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأكثر من أربع سنوات.

وقبل تعيينه في منصبه الجديد كوزير للخارجية بالإنابة شغل منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وهو أيضا أستاذ وعميد لجامعة شريف للتكنولوجيا، وعضو في الأكاديمية الإيرانية للعلوم والمركز الدولي للفيزياء النظرية في إيطاليا. حصل على درجة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت، وعلى درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية عام 1977 أثناء مشروع تاريخي بين الحكومة الإيرانية ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتدريب الجيل الأول من العلماء النوويين الإيرانيين.

ويحظى صالحي، عالم الفيزياء النووية، بتقدير الغربيين لمواقفه التي يعتبرونها «معتدلة». وفي انتظار نهجه الدبلوماسي الذي ستكشف عنه الشهور القليلة المقبلة. ولا يزال الغرب يذكر للرجل أنه من وقع بالأحرف الأولى في يناير (كانون الثاني) عام 2003، على البروتوكول الإضافي الذي قبلت إيران بمقتضاه السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش على أنشطتها النووية، وهو البروتوكول الذي أوقف تطبيقه الرئيس أحمدي نجاد عام 2006، بعدما أصدر مجلس الحكام في وكالة الطاقة الذرية قرارا بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي.

مع هذه التحولات، أصبح صالحي يظهر باستمرار في وسائل الإعلام معلنا النجاح تلو الآخر في مسار برنامج طهران النووي، رغم العقوبات الدولية التي تهدف إلى إثناء طهران عن المضي قدما في هذا البرنامج الذي يشك الغرب في أنه يهدف إلى تصنيع سلاح نووي. ومن أهم تصريحات صالحي الذي ينتظر موافقة مجلس الشورى رسميا على تعيينه وزيرا للخارجية بموجب القانون الإيراني، قوله في 27 أغسطس (آب) 2010 إن إيران أنتجت 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة لمفاعلها الطبي في طهران. كما تناقلت وكالات الأنباء الإيرانية قوله إن إيران ستحول اليورانيوم المخصب في نهاية المطاف إلى قضبان وقود، ولهذا الغرض فإنها تحاول إتمام إنشاء أول موقع لإنتاج الوقود بحلول سبتمبر (أيلول) العام المقبل. وقد اعترف صالحي أيضا بحصول إيران على معلومات بشأن التقنيات النووية من السوق السوداء قبل نحو عشر سنوات، مشيرا إلى أن إيران قدمت هذه المعلومات للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويوجه صالحي انتقادات دائمة للمدير الحالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيو أمانو متهما إياه بمحاولة خلق شبهات حول طبيعة الملف الإيراني. لكن الأمور مرشحة للتفاقم على خلفية ما تم تسريبه من برقيات أميركية عبر موقع «ويكيليكس»، حيث نقلت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية عن برقيات دبلوماسية أميركية مسربة، قولها إن أمانو لمح قبل توليه المنصب العام الماضي، إلى أنه في صف الولايات المتحدة بوضوح في عدد من القضايا، بما في ذلك الملف النووي الإيراني. وذكرت البرقية أن أمانو ذكر السفير الأميركي في عدة مناسبات بأنه سيضطر إلى تقديم تنازلات إلى الدول النامية «لكنه في صف الولايات المتحدة بوضوح في كل قرار استراتيجي مهم من تعيين شخصيات رفيعة المستوى إلى التعامل مع برنامج التسلح النووي لإيران».

وفي أول تقرير له حول إيران في فبراير (شباط) الماضي، ألقى أمانو بثقله وراء الشكوك الغربية وعبر عن مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن طهران ربما تعمل على تطوير صاروخ قادر على حمل رأس نووي.

وكانت إيران قد بدأت في عملية التخصيب بنسبة 20 في المائة في فبراير من العام الحالي. وزعم صالحي أن البلاد يمكنها إنتاج خمسة كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة شهريا. كما صرح صالحي بأن مفاعل طهران الذي أنشئ قبل أكثر من 40 عاما سيتم استبداله في نهاية المطاف بمفاعل طبي أكثر قوة. وخططت إيران في البداية لمبادلة اليورانيوم المخصب لديها بنسبة 3.5 مع روسيا وفرنسا مقابل وقود أعلى مستوى لمفاعلها النووي في طهران. لكن ثمة أسبابا للتفاؤل مع تسلم صالحي المولود في كربلاء العراق في عام 1949 مهام منصبه الجديد، إذ عرف عنه توجهاته الفكرية المعتدلة. ويعد صالحي من الشخصيات القليلة التي تقلدت مناصب خلال فترتي الرئيسين محمد خاتمي الإصلاحي المقبول غربيا، ومحمود أحمدي نجاد الذي يقف على الطرف النقيض من سابقه.

ورغم أن وزارة الخارجية الإيرانية لا تتدخل كثيرا في المفاوضات حول الملف النووي الذي يتولاه حاليا سعيد جليلي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، فإن الخطوة الإيرانية بتعيين صالحي في منصب وزير الخارجية بالإنابة أثارت ردود فعل مختلفة. وبينما حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تخفي مخاوفها بهذا الشأن عبر تقليلها من أهمية تغيير الأشخاص على السياسة الإيرانية، مع ترحيبها بما قالت وزيرة الخارجية الأميركية إنه «بداية إيرانية طيبة في المحادثات مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي»، أعربت عن أملها ألا تؤثر إقالة متقي على مسار المفاوضات.

الموقف نفسه عبر عنه وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، الذي دعا طهران إلى الاستمرار في التفاوض مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، معربا عن أمله في ألا تؤدي إقالة متقي وتعيين صالحي إلى تعطيل أو تأخير المباحثات. وقد سارع صالحي بالقول إن إيران والاتحاد الأوروبي سيستفيدان إذا غير الاتحاد الأوروبي موقفه حيال طهران في أسرع وقت، مضيفا أنه «رغم سلوك الاتحاد الأوروبي الظالم والذي يتنافى مع المنطق، فإن أعضاء في الاتحاد ما زالوا يسعون إلى علاقات مقبولة مع إيران لعدد من الأسباب، من بينها مسألة الطاقة، وإذا حول الاتحاد الأوروبي أسلوبه من تصادمي إلى إيجابي فإن ذلك سيكون في مصلحة الجانبين». وعزز من قبول صالحي على رأس وزارة الخارجية تصريحات الرئيس الإيراني التي أتت بعد أيام من إقالة متقي، حيث قال للتلفزيون الرسمي الإيراني إن مفاوضات جنيف مع دول مجموعة 5+1 كانت «جيدة جدا»، مضيفا أن الوقت حان للانتقال من «سياسة المواجهة إلى سياسة التفاهم».

أما من وجهة نظر المعارضة الإيرانية، فقد وصفت مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية الإقالة المفاجئة لمتقي بأنها «من آثار انهيار هيمنة الولي الفقيه، وانحسار هيبته وتفاقم التمزق والصراع الذي تشهده الساحة الداخلية للنظام الإيراني»، معتبرة أن هذه الخطوة من «زلازل مرحلة النظام النهائية». وقالت رجوي أيضا إن الأزمة التي يواجهها الملالي في مجال المشاريع النووية وفرض العقوبات الدولية، فضلا عن رغبة دول المنطقة في إسقاط النظام الإيراني التي كشفت عنها في عمليات الفضح الأخيرة وهزائم الملالي بفعل المقاومة الإيرانية في الساحة الدولية والدعم الواسع والمتزايد لمجاهدي أشرف، تعد من الأسباب البارزة لإقالة متقي. وترى المعارضة الإيرانية أن إقالة وزير الخارجية السابق تعتبر محاولة يائسة لتبرير الهزائم والإخفاقات وجعل متقي كبش الفداء.

ولم تذكر السلطات الإيرانية أسباب إقصاء متقي عن منصبه الذي كان يشغله منذ عام 2005، وبعد ثلاثة أيام فقط من استئناف الحوار بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين) وألمانيا حول ملفها النووي. لكن مصادر إيرانية وغربية رجحت أن يكون السبب هو خلاف قديم بين نجاد ومتقي ظل مستترا على الدوام، وذلك بسبب ما قالت المصادر إنه تدخلات نجاد في قرارات وزارة الخارجية وخاصة تعيينات السفراء والدبلوماسيين.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن الرئيس الإيراني قوله مخاطبا متقي في قرار الإقالة «أشكر وأقدر لكم عملكم وخدماتكم التي أديتموها طوال فترة عملكم في وزارة الخارجية»، وتابع: «آمل أن تنال جهودكم الجزاء من عند الله وأن تنجحوا في باقي حياتكم في خدمة شعب أمتكم الإسلامية». ويعيد خبر إقالة متقي أثناء زيارة له للسنغال، إلى الأذهان ما حدث في 22 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007، الذي تناقلته وسائل الإعلام الإقليمية والدولية عن إقالة رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الذي سمع خبر إقالته من الإذاعة والتلفزيون وذلك على خلفية الموقف الروسي الملتبس إزاء الملف الإيراني. وتضارب الادعاءات بين لاريجاني وبوتين حول تسليم المقترح الروسي حول البرنامج النووي الإيراني، ومدى التزام روسيا بتطوير مفاعل بوشهر، وقد أدى هذا الالتباس وقتها للإطاحة بلاريجاني أحد كبار الساسة الإيرانيين، أبرز المنافسين في سباق الرئاسة مع نجاد، ويومها اعتبر كثير من المراقبين أن السبب الحقيقي هو إزاحة لاريجاني عن طريق نجاد.

استهل وزير الخارجية الإيرانية الجديد علي أكبر صالحي عمله بالتأكيد على أن أولويته الكبرى تكمن في تعزيز العلاقات مع السعودية وتركيا. وقد شارك يوم الأربعاء الماضي في تركيا في أول اجتماع إقليمي له بعد توليه مهام منصبه، وقد صرح من إسطنبول بأن «تركيا دولة قوية لديها وضع استراتيجي ونقاط التقاء أيديولوجية وثقافية مع إيران». وفي محاولة لتحديد مهامه، أعلن صالحي الذي لا يزال يدير برنامج إيران المثير للجدل بالإضافة لمهامه الجديدة، أن كبرى أولويات إيران دبلوماسيا في الفترة المقبلة ينبغي أن تتركز على التقرب من جيرانها والعالم الإسلامي، قائلا: «في هذا الإطار للسعودية وتركيا مكانة خاصة»، وقد أكد على أن السعودية تستحق إقامة علاقات سياسية مميزة مع إيران، فإيران والسعودية يمكنهما كدولتين فاعلتين في العالم الإسلامي حل الكثير من المشكلات معا.

لكن تحديات أخرى في انتظار صالحي خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث من المنتظر أن يبدأ البرلمان الإيراني دراسة قطع العلاقات الدبلوماسية مع لندن على خلفية انتقادات بريطانية لملف حقوق الإنسان في طهران، بعد أن نال القرار الأغلبية اللازمة لتمريره.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»