جوائز.. لمقاعد شاغرة

منظمو جائزة نوبل يعتقدون أن اختيار صيني منع من الحضور لمنحه جائزة السلام دليل على صحة الاختيار

تعليق ميدالية جائزة نوبل للسلام لكرسي شاغر في مدينة أوسلو (أ.ب)
TT

قبل أسبوعين، وفي أوسلو عاصمة النرويج، غاب المعارض الصيني ليو تشياوبو، الحائز على جائزة نوبل للسلام، عن تسلم جائزته لأنه لا يزال في السجن. ورمزت له لجنة نوبل بكرسي شاغر خلال حفل تسليم الجائزة. وقال مدير معهد نوبل، غير لوندشتاد، لوكالة الصحافة الفرنسية: «يترك الكرسي الفارغ انطباعا قويا. ويؤكد ثبات خيارنا لهذه السنة. ويعكس الضوء على وضع حقوق الإنسان في الصين».

كانت الحكومة الشيوعية في الصين سجنت ليو، أستاذ الآداب، وعمره 54 سنة، بتهمة «تعريض النظام للخطر». لم تكن هذه أول مرة يشتهر فيها ليو. كان أبرز قادة حركة الاحتجاج المطالبة بالديمقراطية في ساحة «تيان انمين» في بكين عام 1989. اعتقل في ذلك الوقت، ثم أفرج عنه، ثم اعتقل مرة أخرى، ثم أفرج عنه. وأخيرا، حوكم بالسجن عشر سنوات يوم عيد الكريسماس عام 2009، قبل سنة، بتهمة «تخريب سلطة الدولة وتهديدها»، في هذه المرة الأخيرة، أخذ عليه أنه أسهم في صياغة «ميثاق 2008»، الذي صدر في السنة قبل الماضية، والذي طالب بالديمقراطية في الصين.

وقال بعد الحكم عليه: «إنني مدرك منذ فترة طويلة أنه حين يعارض مثقف حكومة ظالمة، فإن الخطوة الأولى نحو الحرية تفرض في غالب الأحيان دخول السجن»، وأضاف: «ها أنا ذا أخطو الخطوة الأولى، وها هي الحرية أصبحت قريبة»، وكان ليو قال لتلفزيون «سي إن إن» قبل سنتين: «النضال لنيل حق حرية الرأي ولتحسين حقوق الإنسان يجب ألا يكون مشكلة في بلد ديكتاتوري»، وفي نفس الحفل، تسلم فائزون جوائز نوبل الخمس الأخرى لعام 2010، في مجالات: العلوم، والفيزياء، والاقتصاد، والطب، والآداب. فاز بالأخيرة ماريو فارغاس يوسا من ليما، عاصمة بيرو.

المرة الأولى التي كان فيها الكرسي الخاص بالفائز بجائزة نوبل للسلام شاغرا كانت عام 1935، حين لم يتمكن الصحافي الألماني كارل فون أوسياسكي من حضور حفل تسليم الجائزة، حيث كان رهن الإقامة الجبرية في أحد المعسكرات النازية في ذلك الوقت، لأنه عارض نظام أدولف هتلر.

كان أدين بالخيانة العظمى والتجسس في عام 1931 بعد نشر تفاصيل انتهاك ألمانيا لمعاهدة فرساي (الاتفاقية التي حرمت ألمانيا من التسلح بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وقعت في فرساي، في فرنسا، التي كانت انتصرت على ألمانيا بعد أن كانت ألمانيا غزت فرنسا واحتلتها). في سنة 1931، ومع صعود نجم هتلر، لكن قبل أن يصير رئيسا لألمانيا، حقق أوسياسكي سبقا صحافيا عندما نشر أن الحكومة الألمانية تبنى سرا أول سلاح جوي لها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، واعتقل وحوكم بالسجن المؤبد.

وفي سنة 1935، عندما منحته لجنة نوبل جائزة السلام، منعته حكومة هتلر من السفر. ومن لسجن المستشفى (حيث كان يعالج من مرض السل الرئوي، تحت حراسة شرطة «غستابو» السرية) كتب الآتي: «جعلت من قرار قبول جائزة نوبل للسلام تأكيدا لدعوتي للسلام. ولا أتفق مع الذين قالوا إن قبولي للجائزة يستثنيني من المجتمع الألماني. والسبب هو أن جائزة نوبل للسلام لا تشجع أي صراع سياسي داخلي، ولكنها لزيادة التفاهم بين الشعوب».

وفي الأسبوع الماضي، كان هناك كرسي فارغ آخر في حفل في ستراسبورغ، في فرنسا، يرمز لغياب المناضل الكوبي غييرمو فاريناس الفائز بجائزة «ساخاروف». بالنيابة عنه، وضع علم كوبا، وبطاقة عليها اسمه، فاز فاريناس بميداليات في عام 1981 لشجاعته عندما كان يحارب مع القوات الكوبية في أنغولا. كانت تلك سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشيوعي، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تؤيد مقاتلين ضد حكومة أنغولا اليسارية. وكانت كوبا تؤيد الحكومة، وفي عام 1982 ذهب فاريناس إلى روسيا حيث تلقى تدريبات عسكرية. وفي عام 1993، انتخب في كوبا لمنصب الأمين العام لنقابة عمال الرعاية الصحية.

لكن في عام 1995 بدأت مشكلاته مع الرئيس فيدل كاسترو، على الرغم من أنه كان يساريا مثله، وأرسل إلى السجن بعد أن أزاح الستار عن أنشطة فاسدة من جانب مدير المستشفى المركزي في هافانا. ومنذ ذلك الوقت، ظل يدخل السجن، ثم يخرج منه، ثم يدخله. وفي عام 2007، قال في مقابلة مع مجلة «هاربر» الأميركية إن شرطة الأمن الكوبي قالت إنه مصاب بانهيار عصبي، وأدخلته قسرا مستشفى للأمراض النفسية حيث حقن بحقن أثرت عليه نفسيا.

في الأسبوع الماضي، لم يكن مقعد فاريناس خاليا لأنه في السجن فقط، ولكن أيضا لأنه أضرب عن الطعام. ونشرت لجنة الجائزة صورة له هربت من داخل السجن أوضحت أنه فقد كثيرا من وزنه.

في سنة 1875، بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب الأهلية في الولايات المتحدة (بين ولايات الشمال وولايات الجنوب بسبب تجارة الرقيق السود في ولايات الجنوب)، احتفلت الجمعية الماسونية بضحايا الحرب المجهولين. ووضعت في أتلانتا (عاصمة الولايات المتمردة) كرسيا شاغرا كان رمزا لهم، ويعتقد أن هذه كانت أول مرة يستعمل فيها الكرسي الشاغر في الولايات المتحدة.

وفي سنة 1975، ظهر الكرسي الشاغر في واشنطن. شهدت تلك السنة نهاية حرب فيتنام (عندما حاربت القوات الأميركية مع قوات جنوب فيتنام، ضد ثوار فيات كونغ الذين أيدتهم فيتنام الشمالية)، ووضعت جمعية «أميركان ليجون» (الفيلق العسكري الأميركي) التي تمثل المحاربين القدماء، كرسيا شاغرا في رئاستها ليرمز إلى الجنود الأميركيين الذين فقدوا في فيتنام، ولم يعودوا إلى وطنهم، أو قتلوا وفقدت جثثهم ولم تعد إلى وطنهم.

وفي وقت لاحق، وضعت جمعية المحاربين القدماء، وجمعية الجنود المفقودين، وجمعية بنات الثورة الأميركية (حفيدات الجنود الأميركيين الذين قتلوا في حرب الاستقلال الأميركية) كرسيا شاغرا في ميدان «مول» الذي يقع في قلب واشنطن بالقرب من البيت الأبيض ومبنى الكونغرس.

وفي مناسبات احتفالية، كان متطوعون يزينون الكرسي، ويعزفون قطعا موسيقية وطنية، ويقرأون أشعارا أو خواطر أو مقتطفات من الإنجيل والتوراة.

وفي سنة 2004، بعد زيادة عدد القتلى العسكريين الأميركيين في حرب العراق، وضعت هذه المنظمات قواعد «احتفالات الكرسي الشاغر»، منها:

أولا: يرتدي الجنود ملابسهم العسكرية، وأيضا الجنود القدامى، مع كل الميداليات التي فازوا بها.

ثانيا: يرتدي المدنيون ملابس رسمية، بدلات للرجال وفساتين طويلة للنساء.

ثالثا: تراعى الدقة والنظام عند قراءة الأناشيد وتراتيل التوراة والإنجيل.

في وقت لاحق، تطور رمز «الكرسي الشاغر» ليضيف «المائدة الشاغرة»، وصارت الاحتفالات كالآتي:

أولا: مائدة صغيرة مغطاة بقماش أبيض يرمز إلى «نقاء هدف الدفاع عن الوطن».

ثانيا: يوضع الكرسي قريبا من المائدة يرمز إلى «شخص واحد يجلس وحيدا، كأنه يواجه الظلم وحيدا».

ثالثا: يزين الكرسي بشريط أصفر يرمز إلى «تصميم عدم نسيان الغائبين».

رابعا: توضع على الكرسي وردة حمراء ترمز إلى «الدم الذي يسكب دفاعا عن الوطن».

خامسا: صحن عليه قطعة ليمون يرمز إلى «مرارة المعاناة في سبيل الدفاع عن الوطن». وذرات ملح ترمز إلى «دموع الغائبين ودموع أهلهم وأصدقائهم».

سادسا: كأس مقلوبة ترمز إلى «لا احتفالات ولا فرح».

سابعا: شعلة ترمز إلى «ضوء الأمل».

ثامنا: الكتاب المقدس.

تركت لجنة جائزة نوبل كرسيا شاغرا، وأيضا لجنة جائزة ساخاروف. لكنهما لم تنشدا نشيد «الكرسي الشاغر». هذا نشيد أميركي يعود إلى سنوات الحرب الأهلية (احتفالا بالجنود الغائبين الذين لم يعودوا). ولا يزال ينشد حتى اليوم في احتفالات الكرسي الشاغر في الولايات المتحدة. نشر أول مرة سنة 1861.

تقول بعض كلماته: «نجتمع، وهو ليس معنا. هذا كرسي شاغر له. نود أن نمسك بيديه ونحن نصلى صلاة غروب الشمس. ليته كان معنا».

رغم أن نشيد «الكرسي الشاغر» كتب لجندي من ولايات الشمال خلال الحرب الأهلية الأميركية، وكان ينشد في احتفالات ولايات الشمال، صار أيضا ينشد في احتفالات ولايات الجنوب (الكونفدرالية التي كانت تمردت).

مباشرة بعد منع الصيني ليو الجائزة وترك مقعده شاغرا، والإشارة إلى أن الألماني أوسياسكي منح الجائزة وترك مقعده شاغرا، ظهر مركز «المقعد الشاغر لجائزة نوبل للسلام». ومن الأسماء التي رشحت:

أولا: موردخاي فانوفو، الإسرائيلي الذي حوكم بالسجن المؤبد لأنه أفشى لصحيفة بريطانية أسرار المفاعل النووي الإسرائيلي.

ثانيا: برادلي ماننغ، الجندي الأميركي المعتقل بتهمة تسريب وثائق أميركية إلى موقع «ويكيليكس» في الإنترنت. ويتوقع أن يحاكم بالسجن لفترة طويلة، وربما بالسجن المؤبد.

ثالثا: جوليان أسانج، الأسترالي الذي أسس ويدير موقع «ويكيليكس» في الإنترنت، والذي يعتقد أنه يمكن أن يسجن في السويد بسبب شكاوى مضايقات جنسية من فتاتين سويديتين، ثم ينقل إلى الولايات المتحدة ليسجن، ربما بالسجن المؤبد، بتهمة إيذاء الأمن الوطني الأميركي.