خودوركوفسكي.. «سجين ضمير» أم «بلا ضمير»؟

صراع الثروة والسلطة في روسيا يجسده قطب نفط نافذ

TT

ميخائيل خودوركوفسكي يسميه البعض بـ«سجين الضمير»، فيما يعتبره آخرون سجينا «معدوم الضمير». وثمة من يقول إنه كان أحد أبرز رموز حقبة «رأسمالية اللصوص وقطاع الطرق» حسب تعبير بوريس نيمتسوف أحد زعماء اليمين الروسي نائب رئيس الحكومة الروسية الأسبق إبان سنوات حكم بوريس يلتسين. لن نتعجل بإصدار الأحكام، رغم أن الحكم صدر أمس عليه بسجنه 14 عاما، بل نكتفي بسرد الوقائع.

أكد الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين غير مرة أن محاكمة خودوركوفسكي الذي كان أكبر مليارديرات روسيا وصاحب مجموعة «يوكوس» النفطية ليست قضية سياسية، وأنها تعود إلى أسباب اقتصادية. ورغم أن الواقع يقول إنها بالفعل اقتصادية المضمون، فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أطيافها السياسية التي اختلط فيها الخاص مع العام. وإذا كان خودوركوفسكي اعترف بخطاياه الاقتصادية في رسالة بعث بها من وراء الأسوار يناشد فيها الكرملين العفو، معربا عن استعداده «للتصالح»، فقد عاد ليقول إن ما يجري ليس سوى تسوية لحسابات شخصية لا علاقة لها بأي مخالفات اقتصادية.

وقد يكون ذلك صحيحا أيضا في بعض جوانبه، نظرا لأن ما ارتكبه خودوركوفسكي سبق أن فعل مثله آخرون كثيرون لا يزالون يرفلون بنعيم السلطة ويتدثرون بدفئها ممن يعرفهم العالم تحت اسم «الأوليغاركيا» أو «أثرياء روسيا الجدد». ويذكر المراقبون أن بوتين كان قد اجتمع مع أحد عشر من رجال المال والأعمال في أعقاب انتخابه رئيسا للدولة الروسية في 2000، ليؤكد لهم أنه لا نية لديه لتأميم أو مصادرة، شريطة الالتزام بعدد من الأمور من أجل تحسين العلاقة بين الثروة والسلطة، منها عدم التدخل في السياسة، والالتزام بدفع الضرائب، وعدم تهريب الأموال إلى الخارج، والاهتمام بتطوير القطاعات التي يعملون بها، إلى جانب المساهمة في تطوير البنية التحتية للمناطق التي توجد بها مؤسساتهم، ورفع مرتبات العاملين بما يكفل ظهور الطبقة الوسطى على أسس سليمة.

ورغم أن بوتين أشار أيضا في أكثر من مناسبة إلى عدم وجود أي نوايا تستهدف اعتقال كبار رجال المال والأعمال، فقد جرى القبض على خودوركوفسكي في مطار نوفوسيبيرسك بعيدا عن موسكو بسبب عدم مثوله أمام النيابة العامة للتحقيق في ما نسب إليه وإلى عدد من نوابه، منها ما يتعلق بالنصب والتزوير والتهرب من دفع الضرائب.

وقد جرى ذلك في أعقاب الضجة الهائلة التي تعالت إثر اعتقال بلاتون ليبيديف، نائب خودوركوفسكي، في ربيع عام 2003، وما قيل حول احتمالات إعادة النظر في تبعات الخصخصة والاستعدادات للانتخابات البرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) 2003. وكانت موسكو فشلت في استعادة عدد من أثرياء روسيا الذين لاذوا بالفرار، ومنهم بيريزوفسكي الذي منحته لندن حق اللجوء السياسي، وجوسينسكي الذي استقر في إسرائيل بعد أن رفضت أجهزة الأمن اليونانية وقبلها الإسبانية طلب روسيا حول إعادته. وبهذه المناسبة فقد سارع ليونيد نيفزلين، نائب رئيس المؤتمر اليهودي الروسي وأحد أكبر المساهمين في شركة «يوكوس»، بالهروب إلى إسرائيل التي حصل على جنسيتها، معلنا بعد إعلان القبض على خودوركوفسكي «التوبة»، ومؤكدا امتناعه لاحقا عن التدخل في السياسة واستعداده للتصالح اقتصاديا مع السلطة بعد أن شارك في تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية لإيرينا خاكامادا، الرئيس المناوب لتحالف القوى اليمينية في روسيا، والتي اتهمت الرئيس بوتين بارتكاب الكثير من الأخطاء والجرائم في الشيشان.

لكن من يكون خودوركوفسكي؟ ولد في يونيو (حزيران) 1963، وتخرج في معهد مندلييف للكيمياء بموسكو عام 1986، ثم معهد بليخانوف للاقتصاد القومي في عام 1988. انخرط في نشاط الشبيبة الشيوعية - الكومسومول، ونجح مع رفاقه في تشكيل ما سمي بمركز «ميناتيب» - مركز البرامج العلمية التقنية متعددة الأفرع - في 1990/1991. وقد تفرغ هذا المركز لشراء اختراعات الشباب بمقابل مادي يبلغ أضعاف ما كانت تدفعه الحكومة. لكن المسؤولين لم يكونوا يدفعون لهم سوى النزر اليسير مما يحققه المركز من مكاسب طائلة لقاء بيع براءات اختراعاتهم للمؤسسات الصناعية الكبرى بعيدا عن رقابة الدولة.

«بداية مشجعة» كانت مقدمة لتأسيس ما هو أشبه بشركات «غسيل الأموال» التي انطلقوا منها إلى التجارة في أجهزة الكومبيوتر ثم تجارة الخمور المغشوشة تحت أسماء فرنسية، قبل التحول في عام 1990، أي خلال أقل من سنة واحدة، إلى افتتاح البنك الذي حمل أيضا اسم «ميناتيب». ورأس خودوركوفسكي مجلس مديريه، وهو البنك الذي قالت صحيفة «ازفيستيا» إنه استولى عمليا على أموال مودعيه من دون حساب أو عقاب، وكان سبيلا إلى المزيد من الثراء من خلال تمويله لتجارة العقارات والأراضي والمصانع.

ومن هذا الموقع تسلل خودوركوفسكي إلى رئاسة الصندوق الاستثماري لصناعات الوقود والطاقة بصلاحيات نائب وزير الطاقة والوقود في عام 1992، وحتى شغل منصب مستشار رئيس الحكومة الروسية، ومنه إلى منصب نائب وزير الوقود والطاقة في مارس (آذار) عام 1993. آنذاك وجد خودوركوفسكي وصحبه ضالتهم في نائب وزير المالية الذي استصدروا منه تصريحا يقول «إن روسيا لا تجد ما تسدد به قيمة الأوراق المالية الخاصة بالدين الخارجي»، مما كان سببا في تعجل أصحاب هذه السندات إلى سرعة التخلص منها، الأمر الذي استغله بنك «ميناتيب» الذي عاد وطرح السندات للبيع محققا أكبر قدر من المكاسب المالية. وقام البنك أيضا من خلال ما توافر لديه من أرصدة مالية بشراء الكثير من المؤسسات الصناعية تحت ستار المشاركة في برامج تحديثها.

ويمضي خودوركوفسكي متلمسا الطريق إلى «مطبخ السلطة» الذي عثر فيه مع أقرانه على المزيد من مفاتيح «الكرار»، ومنهم أناتولي تشوبايس، ويجور جايدار، وبوريس نيمتسوف. وكان تشوبايس وراء مشروع إصدار «صكوك الخصخصة» التي جرى توزيعها على ما يقرب من مائة وأربعين مليونا من أبناء الدولة الروسية لضمان مساهمتهم في خصخصة المؤسسات الحكومية المعروضة للبيع. وتحمس يلتسين لهذا المشروع، وقال «إننا في حاجة إلى ظهور الملايين من الملاك وليس إلى حفنة محدودة من المليونيرات».

لكن النتيجة لم تتعد قيام هذه الحفنة المحدودة بجمع هذه الصكوك عبر أساليب الخداع وبأثمان بخسة نظرا للغموض المتعمد لخطة تشوبايس وصحبه، وعدم قدرة الملايين على المضاربة في بورصة الأوراق المالية رهانا على المؤسسات التي يمكن المشاركة فيها، في الوقت الذي ظهر فيه المضاربون ممن استولوا على هذه الصكوك، لينتهي الحال بكل مؤسسات الدولة إلى الوقوع في براثن تلك الحفنة المحدودة من المليونيرات التي سبق وحذر يلتسين منها. وكانت الأسعار الحقيقية لهذه الصكوك قد تضاءلت بنسبة 95% مع ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة الروبل مع نهاية عام 1993. وكان ذلك يعني انخفاض القيمة الإجمالية لكل ثروات الدولة الروسية من مؤسسات صناعية وثروات طبيعية إلى ما قيمته خمسة مليارات دولار فقط وهي التي قٌدرت بأثمان مبالغ في ضآلتها بما قيمته مائة مليار دولار فقط، أي بقيمة ثروات دول لا تملك نسبة تقل عن واحد في المائة من ثروات روسيا، مثل المكسيك وهونغ كونغ اللتين قدرت ثرواتهما آنذاك بقيمة 150 و300 مليار دولار حسب تقديرات مصادر غربية.

وكان بنك «ميناتيب»، الذي تردد اسمه أكثر من مرة في إطار ما ينظره القضاء من قضايا، من أهم الآليات التي استند إليها خودوركوفسكي لتحقيق المزيد من الثروة. ولم يكن ذلك ليتم إلا بمعاونة آخرين كانوا يعملون على مقربة من تشوبايس، ومنهم الفريد كوخ الذي كان يشغل منصب نائب مركز الخصخصة في لينينغراد. وكانت الأوضاع السياسية والاقتصادية في تدهور مستمر، مما جعل الحكومة الروسية برئاسة فيكتور تشيرنوميردين تبحث عن القروض بضمان ثروات الوطن تحت وطأة الحاجة إلى السيولة المالية لاحتواء السخط الشعبي المتزايد والحيلولة دون الانفجار.

وتعالت الهمهمات حول محاولات من جانب «الدائرة اليهودية الضيقة» لشراء الدولة، أو بقول آخر ما تملكه من أرصدة عينية، من خلال إقراض الحكومة بضمان هذه الثروات، ومنها شركات النفط ومناجم المعادن من خلال وسيط. وكان الفريد كوخ هو ذلك الوسيط الذي عهدوا إليه بإعداد خطة تسليم كل من خودوركوفسكي وفلاديمير بوتانين صاحب «أونيكسيم بنك» لأسهم أهم شركات النفط والغاز والمعادن ضمانا لما يقدمانه من قروض مالية إلى الحكومة، وهي العملية التي تم تنفيذها بنجاح تحت اسم «القروض مقابل الأسهم»، والتي عهد خودوركوفسكي وبوتانين بشرائها إلى عدد من الشركات الوسيطة في الخارج.

وقد كشفت التحقيقات أيضا عن المكاسب الهائلة التي حققها بنك «ميناتيب» من التعامل في أسواق العملة والمضاربة في أسعار الروبل والدولار، إلى جانب السندات الحكومية، بعائد سنوي كان يقدر بما يزيد أحيانا على 200% سنويا، بضمان الحكومة. وكان تدفق مثل هذه الأموال بمثل هذا الحجم الهائل المقدمة الحقيقية لرغبة خودوركوفسكي في التحول من رجل مال إلى «رجل أعمال» وهو ما تحقق له من خلال تملك الكثير من المؤسسات الصناعية والنفطية تحت ستار الخصخصة وفي إطار عملية «القروض مقابل الأسهم».

ويذكر الكثيرون تشكيله لمجموعة «روس بروم» من 29 مؤسسة تعمل في مجال النفط واستخراج المعادن والصناعات الكيماوية وصناعة الورق والنسيج والصناعات الغذائية. وتذكر خودوركوفسكي مجالات عمله في مطلع التسعينات حين شغل منصب نائب وزير الوقود والطاقة في أول حكومة روسية ترأسها يجور جايدار قائما بأعمال رئيس الحكومة نيابة عن الرئيس يلتسين. اجتاحته رغبة جارفة في تشكيل إمبراطورية على غرار «لوك أويل» التي أقامها وحيد الكبيروف مهندس النفط الأذربيجاني. ومن خلال «يوكوس» النفطية التي ظهرت كشركة قابضة في عام 1992 وضمت إلى جانب «يوجانسك» للنفط والغاز، شركة «سامارا للنفط والغاز» وعددا من شركات تكرير النفط التي جرى طرحها في المزاد عام 1995، حقق خودوركوفسكي حلمه في امتلاك الإمبراطورية.

غير أن المسيرة لم تقتصر على مضاربات مالية وسرقات ونصب واحتيال حسب أحكام القضاء، بل تجاوزت كل ذلك إلى تدبير محاولات الاغتيال والتصفية الجسدية لكل من حاول الخروج عن إجماع «الكبار» أو حتى الاستقالة من صفوف «يوكوس». وقد شهدت محاكمة خودوركوفسكي ورفاقه، ومنهم ألكسي بيتشوجين رئيس القسم الرابع لإدارة الأمن الخاصة بـ«يوكوس»، اعترافات الكثيرين من شهود الإثبات على تورط بيتشوجين في ارتكاب عدد من عمليات التصفية الجسدية لخصومهم، ومنهم عمدة مدينة نفط يوجانسك في سيبيريا وآخرون من العاملين السابقين في المؤسسة.

وكان من الطبيعي بعد ذلك النجاح الذي حققه في اكتناز المليارات من الدولارات وامتلاك آليات القرار في مختلف المجالات، أن يواصل خودوركوفسكي مسيرته للتخلص من مناوئيه وتوفير القوى اللازمة لتنفيذ مآربه لاستكمال أضلاع «الثلاثية» الشهيرة «الثروة - السلطة - الثروة»، وهو ما وجد الطريق إليه عبر التسلل إلى السلطة التشريعية بعد أن أحكم وثاق السلطة التنفيذية. كان لا بد له من صياغة القوانين اللازمة لضمان أمن إمبراطوريته، والحصول على القاعدة التشريعية لنشاطه المشبوه الذي وجدت فيه «قوى خارجية» السبيل المناسب للتغلغل إلى الداخل الروسي من خلال «جياد طروادة» من ممثلي اللوبي اليهودي على مقربة من سدة السلطة في الكرملين.

ومثلما أدرك خودوركوفسكي معنى الاقتراب من السلطة من خلال «الكومسومول» و«الحزب الشيوعي» في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، عاد الملياردير إلى استغلال ثمار ما حققه من ثروة يوم راح يسيل لها لعاب الكثيرين من صانعي القرار. كتبت صحيفة «ازفيستيا»: «لقد أسفر الاقتراب من السلطة في التسعينات عن تأسيس بنك (ميناتيب) والحصول على فرصة خدمة (حسابات الميزانية)». وأعادت الصحيفة إلى الأذهان اتفاق أصحاب رؤوس الأموال من «أثرياء روسيا الجدد»، وكانوا يملكون من المال ما يفوق الموجود في خزانة الدولة، حول تمويل الحملة الانتخابية للرئيس السابق بوريس يلتسين في عام 1996، وهي الحملة التي اتفقوا حول «تأجير» أناتولي تشوبايس لرئاستها، مما أسفر عن فوز يلتسين من الجولة الثانية وبالتزوير.

وأشارت الصحيفة إلى أن خودوركوفسكي كان يعد لتغيير المسار والتوجهات بسبب مخاوف من احتمالات عدم فوز يلتسين، مما فسره لاحقا في مسودة مقال كتبها في سجن «ماتروسكايا تيشينا» تحت عنوان «المنعطف اليساري».

من هذا المنظور يمكن تفسير ما بذله خودوركوفسكي من جهد ومال لتمويل الحملات الانتخابية للقوى السياسية المشاركة في الانتخابات البرلمانية في عام 1999. ولم يكتف خودوركوفسكي بتمويل ممثلي اليمين، حيث حرص كذلك على دعم «الحزب الشيوعي الروسي»، بل وكذلك حزب السلطة «الوحدة الروسية»، وإن لم يعلن صراحة سوى عن وقوفه إلى جانب ممثلي اليمين. واعتبر بعض المراقبين وقوفه إلى جانب يافلينسكي وممثلي اليمين رسالة موجهة إلى الغرب الذي اعتبر تأييده لممثلي التوجهات الليبرالية ظاهرة صحية، مغفلا «حقيقة رغبته في السيطرة على آليات صناعة القوانين في مجلس الدوما».

ويذكر القريبون من الكرملين أن الذهول أصاب بوتين حين نما إلى علمه مع بدء الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في عام 2003، أن مائتين وستة وعشرين نائبا، أي أكثر من نصف عدد نواب مجلس الدوما، أقسموا على الولاء لخودوركوفسكي (!!).. وهناك من يقول إن العدد تزايد ليتجاوز رقم 300، أي النصاب القانوني اللازم لتحقيق الأغلبية الدستورية، بما يعني القدرة أيضا ليس فقط على تغيير أو إعداد القانون المناسب بل وأيضا الدستور، في الوقت نفسه الذي أكد فيه الكثيرون أن «قائمة يوكوس» ضمت ممثلي اليمين واليسار معا!!.

ويذكر الكثيرون نجاح «يوكوس» في استصدار القانون اللازم لهذه الإمبراطورية النفطية تحت عنوان «قانون اقتسام الإنتاج»، تحت ستار محاولات الحيلولة دون تغلغل الأجانب إلى قدس أقداس روسيا - ثرواتها من النفط والغاز!. وقالت «ازفيستيا» نقلا عن مصادر في الحكومة الروسية إن خودوركوفسكي كان يحاول آنذاك الاستئثار بأكثر المواقع النفطية سخاء وثروة التي كانت تستعد الحكومة لاستغلالها من خلال ذلك القانون، واستطاع استصدار عدد من القوانين التي قال وزير الاقتصاد السابق جيرمان جريف إنها تفقد الدولة ما قيمته مليارا دولار سنويا!. كما أن الأمر تعلق آنذاك بنجاح خودوركوفسكي في سلب الحكومة الحق في تحديد قيمة ضريبة الصادرات الروسية من النفط حسب مقتضيات ميزانية الدولة!.

وفي لقاء جمع بوتين مع عدد من رموز «الأوليغاركيا» في فبراير (شباط) 2003، أعرب خودوركوفسكي عن سخطه وعدم رضائه تجاه نجاح مؤسسة «سيفيرنايا نفط» في شراء شركة «روس نفط» التي كان يريد الاستحواذ عليها لدعم إمبراطوريته المترامية الأطراف. وطلب خودوركوفسكي من الرئيس سرعة القضاء على الفساد. نعم الفساد. قالها خودوركوفسكي لبوتين من دون بادرة حياء أو خجل!. لم يضحك الرئيس، ولم يند عنه ما كان يمكن أن يكشف المستور.

اكتفى بوتين بالإشارة إلى أن الشركات النفطية الحكومية أضحت من دون احتياطيات نفطية بعد استيلاء البعض على كل الآبار ذات المخزون الهائل، في إشارة إلى صفقة «سيب نفط» التي كان باعها رومان أبراموفيتش إلى خودوركوفسكي بما كان يكفل الاستيلاء على الجزء الأعظم من نفط روسيا، وما قالوا إنه تباحث مع أميركيين بشأن بيع كل الإمبراطورية إليهم، مما يعني عمليا بيع مستقبل الوطن. قالها ورنا إلى خودوركوفسكي بنظرة ذات مغزى متسائلا عن الطريقة التي استطاع من خلالها الحصول على الاحتياطيات الهائلة لشركته، مضيفا «كانت لـ(يوكوس) مشكلات كثيرة مع الضرائب. هذه المشكلات تجري تسويتها الآن. أليس كذلك؟»، وهو ما سارع خودوركوفسكي بالرد عليه «إنني أعيد كرتكم إليكم»!.

«لم يكن الرئيس وبطبيعة الحال ليكشف أوراقه. لم يكن مناسبا.. لا الزمان ولا المكان».. بمثل هذه الكلمات تناولت «ازفيستيا» أبعاد الانقلاب الذي كان خودوركوفسكي يدبره للإطاحة ببوتين ونظامه السياسي. وكانت الصحيفة قد أشارت أيضا إلى المواجهة التي جرت لاحقا بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام نفسه، حين طالبه بوتين صراحة بأن تكف «يوكوس» عن تمويل رموز المعارضة، وهو ما رد عليه خودوركوفسكي قائلا إن «(يوكوس) لا تمول أحدا. إنني أقوم بتمويل يافلينسكي من جيبي الخاص، فيما يقوم المساهمون الآخرون في الشركة بتمويل ممثلي اليسار وتحالف قوى اليمين».

على مثل هذا النحو المفرط في السذاجة حاول خودوركوفسكي تبرير تصرفاته مع رجل كان ولا يزال رمزا لأحد أبرز أجهزة المخابرات في العالم (كي جي بي). وما خفي كان أعظم، وفي التفاصيل تسكن الشياطين. وهي كثيرة بمخالفاتها التي أودعها القضاء مئات المجلدات التي ثمة من يقول بقصورها لخلوها من أسماء عدد من رفاق رحلة النصب والاحتيال إبان تسعينات القرن الماضي. وقد صدرت أمس أحكام بسجن خودوركوفسكي وليبيديف لمدة 14 عاما إثر إدانتهما بسرقة ملايين الأطنان من النفط وتبييض 23.5 مليار دولار.