الأشد بخلا في العالم.. يرخون قبضتهم

أثرياء الهند يتبرعون بأجزاء من ثرواتهم للفقراء.. ونيودلهي تتجه لضبط أرباح الشركات

TT

في واحدة من أضخم التبرعات الخيرية في تاريخ الهند، تعهد رجل أعمال هندي بتقديم ملياري دولار أميركي للتعليم الريفي في الهند. صاحب التبرع هو عظيم بريمجي مؤسس شركة «ويبرو»، ثالث أضخم مصدر لخدمات البرمجيات في الهند وواحد من أغنى خمسين شخصية على مستوى العالم. وقد وضعته مجلة «فوربس» كثالث أغنى رجل في الهند والـ28 على مستوى العالم بثروة بلغت 28 مليار دولار.

قد يمثل هذا الأمر مؤشرا على حدوث تغيير، وهو أن طبقة الهنود شديدي الثراء باتوا على استعداد لتقديم مزيد من الإسهامات لخدمة فقراء الوطن. ومن المقرر أن يحول بريمجي حصة من أسهم شركته بقيمة 213 مليون دولار لحساب «مؤسسة عظيم بريمجي»، بحيث يجري إنفاق هذه الأموال على التعليم الابتدائي بالمناطق الريفية الهندية، وكذلك جامعة عظيم بريمجي التي ينوي بناءها في كارناتاكا لخدمة الهنود المعوزين. وفي بيان له، قال بريمجي: «نؤمن بأن التعليم الجيد أمر جوهري لبناء مجتمع عادل ومنصف وإنساني ومستدام. ونرغب في تقديم إسهام كبير في جهود تحسين التعليم بالهند، ومن خلال ذلك الإسهام في بناء مجتمع أفضل».

ويعني قرار التبرع الأخير تفوق بريمجي على بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، الذي تبرع بـ1.6 مليار دولار لصالح مشاريع خيرية بالهند، ليحتل بذلك مكانة أكبر متبرع على مستوى البلاد. وجاء الإعلان عن التبرع في خضم انتقادات حول أن القليل للغاية من المليونيرات والمليارديرات الهنود المتنامية أعدادهم ينظرون للعمل الخيري بجدية أو يولون حصة كافية من ثرواتهم لأغراض خيرية.

بجانب بريمجي، قدم الكثير من رجال الهنود تبرعات ضخمة خلال الفترة الماضية، فمثلا، تبرع راتان تاتا، رئيس مجموعة «تاتا»، بـ50 مليون دولار. وتبرع أناند ماهيندرا، رئيس مجموعة «ماهيندرا»، بـ10 ملايين دولار لكلية هارفارد لإدارة الأعمال. ومع ذلك، يبقى تصرف بريمجي الأخير استثناء من حيث ضخامة الأموال الممنوحة.

ويذكر أن أسرة ناريانا ميرثي المالكة لأكبر مجموعة تجارية عاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات بالهند، «إنفوسيز»، تبرعت مؤخرا لجامعة هارفارد ودار النشر التابعة لها بـ5.2 مليون دولار بهدف إصدار سلسلة عن التراث الهندي. كما تبرع ميرثي في وقت سابق بمبلغ كبير في وقت سابق لجامعة كورنيل التي تخرج فيها. وأشارت تقارير إلى أن زوجة ميرثي باعت أسهما لها في «إنفوسيز» بقيمة 43 مليار روبية لمساعدته في إنشاء صندوق رأسمال مخاطر لتوفير اعتمادات للفقراء. وتتولى زوجة ميرثي إدارة «مؤسسة إنفوسيز» التي تعمل في القرى بمجال التعليم والرعاية الصحية والفنون والثقافة. كما تبرع شريك آخر ساهم في تأسيس «إنفوسيز»، ناندان نيليكاني وزوجته روهيني، اللذان يملكان أسهما بقيمة 456 مليون دولار، بـ40 مليون دولار على مدار عدة سنوات لخدمة قضايا مختلفة.

على خلاف الحال داخل الولايات المتحدة حيث تعهد مليارديرات أمثال وارين بفيت بالتبرع بـ85% من ثرواتهم الشخصية، يجري تيسير النشاطات الخيرية داخل الهند في معظمها عبر مؤسسات وصناديق. ومن المقرر أن تنفق مؤسسة «بيرامال للرعاية الصحية» المملوكة لرجال الأعمال أجاي بيرامال ما يصل إلى ملياري روبية على نشاطات خيرية تتركز بمجالي الرعاية الصحية والتعليم. ويعد هذا التبرع الأكبر من نوعه من جانب شركة تعمل بالمجال الصيدلي بالهند.

وفي حديث لصحيفة «فاينانشيال كرونيكل»، قال بيرامال، رئيس «بيرامال للرعاية الصحية»: «ننوي استثمار هذا المبلغ في مبادرات تتعلق بـ(المسؤولية الاجتماعية للشركات التجارية) فيما يخص الرعاية الصحية والتعليم».

من جهته، أكد ديباك بركه، رئيس مصرف «إتش دي إف سي» أن «رجال الأعمال الهنود قدموا تبرعات مالية خلال ما بين الأعوام الـ10 والـ15 الأخيرة، لكن في أميركا تعهد الكثيرون بالتبرع بـ50% من ثرواتهم الشخصية، وعلينا أن نتعلم منهم. وقطعا يعد بريمجي مثالا يحتذى به هنا».

بصورة عامة، يعد الأثرياء الهنود الأشد بخلا في العالم، حيث أفاد تقرير بأنهم يتبرعون بأقل من 2% من دخولهم لصالح النشاطات الخيرية. وتوجه تبرعاتهم القليلة للمستشفيات والمدارس التي تحمل أسماء أمهاتهم، الأمر الذي لا يعد نشاطا خيريا بالمعنى الحقيقي، وإنما أقرب لترويج اسم العائلة. وكشفت دراسة أجرتها شركة «بيزنس كونسلتانسي بين آند كمباني» عن أن التبرعات الفردية والمؤسساتية المرتبطة بالحقل التجاري في الهند تشكل 10% فقط من إجمالي التبرعات الخيرية بالبلاد، مقارنة بـ75% في الولايات المتحدة و34% في المملكة المتحدة.

الواضح أن الكثير ممن كدّوا لتكوين ثرواتهم يجدون صعوبة في استساغة فكرة التخلي عن جزء منها. وتشير تقديرات إلى أن السوق الهندية للعمل الخيري ستستغرق ما بين 50 و100 عام كي تتطور. أيضا، بالنظر إلى أن من المؤسسات التجارية الـ40 الكبرى بالبلاد، قرابة 70% منها مملوكة لعائلات، فإن الخطوط الفاصلة بين مبادرات المسؤولية الاجتماعية من قبل الشركات التجارية والتبرعات الشخصية غالبا ما تبهت.

وتتحجج الشركات الهندية الكبرى بالقول إنه من غير العادل مقارنتها بنظيراتها في الغرب من حيث التبرعات الخيرية. عن ذلك، قال موكيش أمباني، رئيس «ريليانس إندستريز»: «تختلف الظروف القائمة بالغرب عن التطلعات داخل الهند. لكن على المستوى الفردي، أتفق مع الرأي القائل بأننا بحاجة لمزيد من الإسهام».

ومع تنامي الثروات، يعتقد فريق من الخبراء أن ثقافة العمل الخيري سرعان ما سترسخ جذورها في الهند، وربما يكون الإجراء الأخير من جانب بريمجي مجرد البداية. في هذا السياق، قال أدي غودريج، رئيس «غودريج غروب»: «إذا ما نظرت إلى حجم الأعمال الخيرية بالهند مقارنة بحجم الاقتصاد، ستجد أنها في تنام».

من جانبها، تترأس ليلا بوناوالا، وهي في الستينات من عمرها، رئاسة شركة «فيلا روزيل»، للإنتاج الزراعي، وتوفر مؤسسة «ليلا ترست» المملوكة لها منحا تعليمية للفتيات الفقيرات. وقالت بوناوالا: «في الولايات المتحدة، تحصد الشركات عائدات منذ عقود. أما شركتنا فتمثل جيلا جديدا. وأنا على ثقة من أنه ما بين 5 و10 أعوام، ستزداد أعداد الشركات المشاركة في العمل الخيري كثيرا». المثير أنه في غضون 5 أعوام، ارتفعت تبرعات الصناعة التجارية 3 أضعاف تقريبا لتصل إلى 94 مليار روبية. وخلال الفترة ذاتها، ارتفعت أرباح هذه الشركات بأقل من الضعف لتبلغ 177 مليار دولار.

وقد تبرعت شركات مثل «ريليانس إندستريز» و«هيندالكو» و«غراسيم» و«جيندال ستيل» و«أمبوجا» و«تورنت باور» مؤخرا بأكثر من 4 أضعاف تبرعاتها المالية عام 2006، بينما زادت «إنفوسيز» و«بهارتي» و«جاي براكاش» قيمة تبرعاتها لأكثر من الضعف. ومن المحتمل أن تفرض الحكومة الهندية على الشركات الكبرى تخصيص 2% على الأقل من صافي أرباحها لنشاطات المسؤولية الاجتماعية للشركات التجارية في إطار مشروع قانون جديد للشركات الجديدة. وحال تمرير القانون، فإن الشركات سيتعين عليها سنويا إنفاق 2% على الأقل من متوسط صافي أرباحها خلال السنوات الثلاث السابقة مباشرة على هذه النشاطات. وسينطبق هذا الفرض على الشركات التي تبلغ صافي قيمتها 5 مليارات روبية أو أكثر، أو تحقق مبيعات بقيمة 10 مليارات روبية أو أكثر، أو يبلغ إجمالي أرباحها 50 مليون روبية أو أكثر خلال العام.