.. وفي الجزائر فوضى محدودة

الحكومة الجزائرية ترد على مطالب سياسية رفعتها المعارضة بتدابير لوقف ارتفاع أسعار السكر والزيت

TT

شهدت الجزائر الأسبوع الماضي احتجاجات عنيفة أسوة بتونس، اعتراضا على غلاء الأسعار وارتفاع معدل البطالة، إلا أنه خلافا لتونس، انتهت المظاهرات بعد 5 أيام من بدايتها، بعد أن اتخذت الحكومة خطوات لوضع سقف لأسعار المواد الغذائية الأساسية. وإثر الاحتجاجات، دعت المعارضة الجزائرية إلى فتح حوار سياسي مع القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني، لمعالجة الأزمة التي نشأت عن الاحتجاجات الصاخبة التي اندلعت في الخامس من يناير (كانون الثاني). لكن يبدو أن هذه الدعوة صرخة في واد، لأن الحكومة فضلت التعاطي مع القضية بإجراءات حملت طابعا اجتماعيا لامتصاص غضب المحتجين.

انطلقت شرارة غضب الشباب الجزائري ليلة الرابع إلى الخامس من الشهر الحالي، بحي باب الوادي الشعبي المعروف باسم «باب الواد الشهداء» (قتل العشرات من أبناء الحي في انتفاضة 1988 الشهيرة)، حيث خرجت مجموعة من الشباب إلى وسط المدينة ثم التحقت بها مجموعات أخرى، وبدأ تخريب المرافق العمومية والمحلات التجارية. ثم انتقلت الأحداث بسرعة كبيرة إلى أحياء شعبية أخرى بالعاصمة مثل بلكور والقبة وباش جراح، وبعدها انتشرت في بعض الولايات وفي اليومين التاليين انفجر الوضع في غالبية ولايات الجزائر الـ48. وبدا الأمر وكأنه كرة ثلج تكبر كلما واصلت مسيرتها نحو الانحدار.

وقد اختلفت التفسيرات التي أعطيت للغضب الشعبي العارم، بين من يراها احتجاجا على أوضاع مزرية تعيشها فئات واسعة من المجتمع، وآخرين يرون أن دوامة العنف التي اندلعت تعكس رد فعل من جناح أو عدة أجنحة في النظام السياسي بسبب تضرر مصالح جهة معينة، فيما يفسرها البعض بأنها رغبة ضمنية في رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، صادرة عن نافذين في مراكز القرار السياسي بالبلاد. واللافت أن الرئيس والوزير الأول غابا عن الأحداث الخطيرة، في وقت كان يترقب فيه الجميع خروجهما إلى العلن للدعوة إلى التهدئة.

ومهما يكن، فإن الأحداث التي دامت 5 أيام كاملة، خلفت حسب وزير الداخلية دحو ولد قابلية مقتل 3 أشخاص وإصابة 300 آخرين بجروح. وقال الوزير للصحافة إن الضحايا شباب، أحدهم عثر عليه جثة متفحمة لوجوده داخل فندق أضرم فيه متظاهرون النار شرق العاصمة. ووصف الوزير الأحداث بـ«أعمال إجرام قام خلالها شباب بالتهجم على البنايات العمومية وسرقة المحلات التجارية»، وقال إنها «تنطوي على نزعة انتقامية إذ ليس لمرتكبيها أية علاقة بالمشكلات الاقتصادية»، وتحدث عن اعتقال العشرات مهددا بإنزال العقوبة ضدهم. وانتقد الأحزاب «التي لم نر مناضليها في الميدان لتهدئة النفوس». وشنت صحف خاصة هجوما لاذعا على الوزير ولد قابلية، واتهمته «الوطن» الناطقة بالفرنسية، بـ«صب مزيد من الزيت على النار وباحتقار الشباب». وقال عنه أحد الكتاب الصحافيين إنه «لم يع رسالة المحتجين الذين ثاروا للمطالبة بالحريات والديمقراطية وليس بسبب ارتفاع أسعار الزيت والسكر». وصرح عبد العزيز بلخادم، وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أن «الأحداث خدشت وجه الجزائر»، يقصد المفارقة التي يتداولها الجزائريون ومفادها أن الجزائر بلد نفطي يكتنز 150 مليار دولار في خزائنه (احتياطي العملة الصعبة)، لكن حكومتها عاجزة عن الوفاء بضروريات المعيشة». وقال بلخادم مفسرا ما جرى «الشائعة تقوم بعمل تدميري لأنها عندما تصل إلى الأسماع تلهب التصرفات، فيتصرف الناس دون التأكد من صحة الخبر». وأشار بلخادم إلى «وجود شيء من التحريك (يقصد الإيعاز) في هذه الأحداث، وربما هناك من تضررت مصالحه.. قد يكون سعر الزيت والسكر المرتفع هو السبب لكنه لا يفسر كل شيء».

وأفاد بلخادم بأن الشباب الذين خرجوا إلى الشارع، لا تتجاوز أعمارهم 17 سنة، وكشف عن «تسلل مجموعات لصوص داخل صفوف المتظاهرين وهذا غير مقبول، فهم يضللون الناس بالحديث عن الـ150 مليارا، وكأن هذه المليارات تذهب إلى جيوب المسؤولين، هي تذهب في الورش الكبرى. فبلدنا يحسد على سياسته الاجتماعية، تعليمنا مجاني والطب مجاني للمواطن وللمقيم الأجنبي وحتى للسائح الذي يزور البلاد». واعترف بلخادم بوجود نقائص في التسيير وفي توزيع الثروة على الجزائريين بإنصاف «لكن ينبغي أن يعبر الناس عن مطالبهم بطرق متحضرة ضمن جمعيات وأحزاب وحتى في مسيرات سلمية».

وأصدرت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، بيانا طالبت فيه بـ«الإفراج الفوري عن كل المعتقلين والمحتجزين وعلى رأسهم الشيخ علي بن حاج نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الذي أفرج عنه بعد أن وجه له القضاء تهمتين خطيرتين تتعلقان بالمساس بوحدة البلاد وبالتحريض على استعمال السلاح. ودعا البيان الذي وقعه رئيس «الإنقاذ» عباسي مدني المقيم بقطر، إلى «مؤازرة الشعب في انتفاضته السلمية المشروعة»، كما دعا «كل القوى السياسية الحرة دون استثناء إلى عقد لقاء وطني عاجل قصد إيجاد الحلول الجذرية للأزمة المتفاقمة». وطالب المجتمع الدولي بـ«تحمل مسؤولياته أمام ما يقع في الجزائر من انتهاكات». وناشد البيان الجميع «توخي اليقظة والحيطة من احتمال استثمار هذه الاحتجاجات الشعبية لمصالح شخصية أو حسابات ضيقة».

من جهته عبر رئيس حزب «حركة مجتمع السلم» أبو جرة سلطاني عن رفضه التخريب والحرق إثر الخسائر المادية التي وقعت. وقال «إن المطالب التي ينادي بها الناس على غرار العدالة الاجتماعية والشغل والاستقرار الاجتماعي هي أمر مشروع لكن التخريب والحرق والتكسير هي أمور مرفوضة. لقد تم كسب الرهان الأمني في بلادنا لكن الناس باتوا يتلمسون تحسين الإطار المعيشي». ورفض سلطاني «من يستغل هذه الأزمة»، مشيرا إلى أن «الجزائر تملك القدرة على إيجاد الحلول الشاملة، لا سيما النواحي المادية والبشرية».

وقال حزب العمال اليساري، إن الحكومة «مدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وملائمة لتهدئة الأوضاع». واستنكرت قيادة الحزب «ممارسات مجرمة تم بموجبها التلاعب بأسعار المواد الغذائية». ووصفت القضية بـ«الاستفزاز السياسي والاجتماعي». وحث الحزب على «وضع حد للمضاربات» عن طريق تسقيف أسعار المنتجات لا سيما السكر والزيت واستعادة الدولة سيطرتها «بشكل إيجابي» على التجارة الخارجية والداخلية كي تتم فعلا مراقبة الأسعار، وإعادة فتح المؤسسات العمومية والاقتصادية للصناعات الغذائية التي تم غلقها.

وعبر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، العلماني عن «تخوفه من الجو السائد على الساحة الوطنية اليوم». وقال رئيسه الدكتور سعيد سعدي إن المظاهرات التي اجتاحت البلاد «نتاج سياسة اقتصادية واجتماعية عرجاء، ونتاج غلق مجالات التعبير». ودعت كتلة الحزب بالبرلمان إلى فتح نقاش سياسي حول هذه الأحداث. وأدان «الاتحاد العام للعمال الجزائريين»، أكبر نقابة في البلاد، «أعمال المضاربة في أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع خاصة الزيت والسكر». وطالب الحكومة بضرورة الإسراع في البحث عن تدابير «تتصدى بصرامة للمضاربين».