ثقافة التسلح.. والاغتيالات

تاريخ الولايات المتحدة حافل بقصص سياسيين يقتلون برصاص أسلحة يحميها الدستور

بطاقة تحمل صورة النائبة غابريال غيفوردز (رويترز)
TT

شهدت ولاية أريزونا، مطلع الأسبوع، حادثا تسبب بصدمة في الولايات المتحدة. ودفع بالرئيس باراك أوباما إلى التوجه إلى مدينة توسون (ولاية أريزونا) للمشاركة في تأبين قتلى المذبحة التي راح ضحيتها ستة أشخاص، بينهم طفلة في العاشرة من عمرها، وجرح فيها أربعة عشر شخصا. بينما في مستشفى جامعة أريزونا في المدينة نفسها، ترقد وتناضل من أجل الحياة، الهدف الرئيسي للمذبحة: عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، غابريال غيفوردز.

وقبل تأبين الضحايا بيوم، مثل غاريد لوفنار، الرجل المتهم بارتكاب المذبحة، أمام المحكمة. لكنه لم يدلِ بشيء عن ملابسات الحادث أو دوافعه. كما أن صورته بعد أن اعتقل وهو يبتسم أثارت التقزز، إذ كان واضحا أنه ليس نادما على ما فعل.

وقبل ذلك بيوم، وقف أوباما مع الأميركيين دقيقة صمت في ذكرى القتلى الستة، واحتراما للجرحى. ونكست الإعلام في مبنى الكابيتول في واشنطن، حيث توافد مئات المساعدين وأعضاء الكونغرس لتوجيه تحية للضحايا، وليصلوا لزميلتهم.

وكانت النائبة غيفوردز (40 عاما) تعرضت لإطلاق نار في رأسها من مسافة قريبة، قبل أن يطلق المسلح النار على حشد من الناس حولها. وأمس، قال الأطباء إن غيفوردز تتجاوب مع العلاج، مما يبعث آمالا بتعافيها، على الرغم من أنها لا تزال في حالة حرجة. لكن قدرتها على التنفس من دون جهاز طبي، وإشارات بأصابعها، دعت الأطباء للتفاؤل.

وفي خطاب التأبين، أشاد أوباما بـ«الشجاعة الكبرى» للذين أوقفوا المسلح، وبينهم مساعد شاب لغيفوردز. وقد ساعدت امرأة على نزع مسدسه، هي باتريشيا مايش. لكن لم يتحدث أوباما مباشرة عن الجانب السلبي الرئيسي، وهو ظاهرة انتشار المسدسات. ليس ذلك فقط، ولكن المسدسات الهجومية التي تقدر على إصابة وقتل عشرات الناس، مثلما حدث في أريزونا.

في الحقيقة، المرأة المتقدمة في السن، التي هجمت على المتهم بينما كان يريد إعادة تعبئة المسدس الأوتوماتيكي لمواصلة المذبحة، أوقفت مذبحة ثانية.

وذلك لأنه كان يريد إعادة تعبئة المسدس بعد أن نفدت الذخيرة في المذبحة الأولى، ونقل تلفزيون «سي إن إن» قول مدير شرطة توسون: «كارثة هائلة كانت يمكن أن تحدث لو لم تتدخل هذه المرأة. كانت الكارثة ستكون مضاعفة»، وقال إن المتهم أفرغ مشط ذخيرة كان فيه ثلاثون رصاصة، غير أن باتريشيا مايش انقضت عليه قبل أن يدخل في المسدس مشطا ثانيا، به أيضا ثلاثون رصاصة، وقال إن مسدس «غلوك 9 ملليمترات» يقدر على إطلاق الثلاثين رصاصة خلال ثوان قليلة. ويقدر الشخص على إعادة تعبئته سريعا. وإن إطلاق الثلاثين رصاصة الأولى استغرق نصف دقيقة تقريبا، بمعدل رصاصة كل ثانية.

وقد أثارت المذبحة نقاشين؛ الأول: عن اتهامات واتهامات متبادلة حول دور حزب الشاي (الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري)، ليس في الجريمة، ولكن في إثارة التوتر في النشاط السياسي. فقبل عام، كان حزب الشاي تجمعا غير منظم، لكنه في انتخابات الكونغرس الماضية، فاز بمقاعد كثيرة جعلته يكاد يسيطر على الحزب الجمهوري.

في نفس الوقت، سيطر الحزب الجمهوري نفسه على مجلس النواب، وسط تصريحات عدائية ضد الرئيس باراك أوباما، وضد الحزب الديمقراطي.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «يتساءل كثيرون إذا كان المناخ السياسي في البلاد، الذي صار متوترا ومستقطبا، لعب دورا غير مباشر» في الحادث.

وكتبت صحيفة «نيويورك بوست»: «أي شخص يعرف أي شيء على الإطلاق يعرف أن اللغة العنيفة يمكن أن تحرض على العنف الفعلي».

الثاني: دعوات من أعضاء في الكونغرس لإصدار قانون يحد من حمل المسدسات الهجومية، أو يحدد عدد الطلقات في خزانة كل مسدس. وقال السيناتور الديمقراطي، فرانك لوتنبورغ: «الدافع الوحيد لامتلاك 33 رصاصة في سلاح رشاش يدوي هو قتل الكثير من الناس بسرعة. هذه الخزانات يجب ألا تكون مطروحة في الأسواق».

لكن الغريب أن عضو الكونغرس نفسها كانت من مؤيدي حمل المسدسات في الأماكن العامة، وعدم تحديد عدد الطلقات في خزانة المسدس، بل إنها خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، على الرغم من تهديدات واجهتها، كانت فصيحة ومناكفة في الدفاع عن رأيها.

ومرة، خلال الحملة الانتخابية، وقع مسدس من شخص كان يستمع إلى ندوة أقامتها. وأثار ذلك نقاشا. لكن، قللت غيفوردز نفسها من الحجم الحقيقي للخطر، وقالت: «وقت وقوع المسدس، لم أشعر أبدا بأي خطر. ولم أشعر في وقت أن هناك مشكلة».

وتعقد موقف غيفوردز في حادث سقوط المسدس، وكان الهدف من تعليقها هو أنها تؤيد أن يحمل المواطنون أسلحة خاصة. في نفس الوقت، حاولت أن تطمئن أنصارها على أنها لم تخف مما حدث. وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن غيفوردز من قادة أنصار حمل المواطن الأميركي لسلاح، اعتمادا على مادة في الدستور الأميركي عمرها عمر أميركا نفسها، وكان الهدف منها حماية الدولة الجديدة عندما نالت استقلالها.

وإن موقف غيفوردز، الديمقراطية، المؤيد لاتحاد مالكي الأسلحة الأميركي (يعتبر أقوى لوبي في واشنطن) جعلها تقف في يمين، وليس في وسط أو يسار، الحزب الديمقراطي. وعبر السنين، ظل الجمهوريون أكثر تأييدا لمادة الدستور عن حمل السلاح من الديمقراطيين. وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن ولاية أريزونا واحدة من ولايات قليلة تسمح بحمل السلاح الخاص.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» أن غيفوردز كانت قالت خلال الحملة الانتخابية: «في دائرتي الانتخابية، وفي ولاية أريزونا، عندنا ثقافة مسدسات قوية جدا». وقالت إنها، إذا فازت، ستصوت لتمديد قانون حمل الأسلحة علنا. في ذلك الوقت، اعترفت بأنها تحمل مسدسا من موديل «كلوك 9». لكن، لا يزال اتحاد حمل الأسلحة (إن آر إيه) يريد منها ألا تعارض حمل السلاح داخل البارات والمطاعم.

وعلى الرغم من أن هذا يبدو مطلبا متطرفا، لكنه، حسب أجندة «إن آر إيه»، حق دستوري.

لكن، رب ضارة نافعة. ففي كثير من حالات الاغتيالات، خاصة السياسية، وخاصة التي راح ضحيتها سياسيون مشهورون، يدور مثل النقاش الحالي عن العنف في المجتمع الأميركي، وعن «ثقافة المسدسات».

وفي كثير من هذه الحالات ينتقل النقاش إلى الكونغرس، حيث يصدر قانون يحد من خطر استعمال المسدسات. وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «خلال تاريخنا الحديث، في كل مرة تحدث كارثة وطنية بسبب المسدسات، يصدر الكونغرس قانونا ينظم تجارة واستعمال المسدسات».

هذه بعض الأمثلة:

في سنة 1963: اغتيل الرئيس جون كيندي ببندقية في دالاس (ولاية تكساس). ووسط نقاش حاد عن العنف في المجتمع الأميركي، أصدر الكونغرس «قانون السيطرة على الأسلحة». ولأول مرة في تاريخ أميركا، أمر القانون بتسجيل شراء وبيع كل سلاح (كانت ولايات تفعل ذلك ولا تفعله ولايات أخرى). لكن، استغرق إصدار القانون خمس سنوات. ولم يصدر إلا بعد اغتيال السناتور روبرت كيندي، والقس الأسود مارتن لوثر كينغ.

في سنة 1980، جرت محاولة لاغتيال الرئيس ريغان عندما خرج من مؤتمر في فندق في واشنطن. وقتل في الحادث جيمس برادي، المتحدث باسم البيت الأبيض. ومرة أخرى استغرق إصدار قانون سنوات (15 سنة هذه المرة). وكان هذا هو «قانون منع العنف بالمسدسات والبنادق»، وهو القانون الذي أمر بمراجعة سجل كل شخص يريد شراء مسدس أو بندقية.

في سنة 1989، جرت مذبحة في مدرسة ثانوية في ولاية فلوريدا. ومرة أخرى، بسبب النقاش عن الموضوع، أصدر الكونغرس، بعد خمس سنوات، «قانون منع الأسلحة الهجومية».

منع القانون صناعة أو بيع أسلحة هجومية، ومسدسات وبنادق فيها خزانات تحمل رصاصا كثيرا. كان عمر القانون 15 سنة، وقبل ست سنوات، لم يجدده الكونغرس (بسبب ضغوط من قادة في الحزب الجمهوري، وبسبب قوة لوبي المسدسات والبنادق). ولو كان الكونغرس جدد القانون، لم يكن مرتكب مذبحة توسون يقدر على شراء مسدس به خزانة فيها ثلاثون رصاصة.

لكن ما حدث في التاريخ الحديث لم يحدث قبله، حتى بعد اغتيال رؤساء جمهورية. وعلى الرغم من الشكوى الحالية من العنف في المجتمع الأميركي، كان العنف أكثر في الماضي، وخاصة خلال القرنين الـ18 والـ19 (تأسست الولايات المتحدة في نهاية القرن الـ18).

وبالنسبة لرؤساء الجمهورية، كانت هناك عدة اغتيالات ومحاولات اغتيال؛ أربعة اغتيالات وأكثر من عشرين محاولة معروفة.

وقع اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن يوم «الجمعة العظيمة»، ذكرى صلب المسيح، سنة 1865 برصاص ويلكس بوث، بينما كان يحضر عرضا في مسرح فورد، في واشنطن، مع زوجته ماري تود لينكولن، وتوفي في اليوم التالي. ووقع اغتيال الرئيس جيمس غارفيلد في واشنطن سنة 1881. قتله ببندقية شارلز غوتيو. على الفور تم القبض على الرجل. وتمت محاكمته وإدانته، وأعدم في السنة التالية.

وتم اغتيال الرئيس وليام ماكنلي سنة 1901 في نيويورك؛ أطلق عليه ليون سولوجوز النار مرتين، وتوفي في اليوم التالي. وكانت قوات الحرس الوطني والشرطة تدخلت، وضربوا الرجل ضربا مبرحا، وكان يعتقد في البداية أنه قد لا يعيش لمحاكمته، لكنه أدين وحكم عليه بالإعدام، وأعدم في السنة التالية.

واغتيل الرئيس جون كيندي سنة 1963 في دالاس (ولاية تكساس). أصيب برصاصة قاتلة كيندي أطلقها قناص بينما كان مع زوجته (جاكلين)؟ وألقي القبض على لي هارفي أوزوالد بعد فترة وجيزة في مسرح مجاور.

وبعد يوم، بينما كان مكبل اليدين، أطلق عليه النار وأصيب بجروح قاتلة أمام كاميرات التلفزيون من قبل جاك روبي، عامل ملهى ليلي دالاس، الذي قال إنه غضب بسبب اغتيال كيندي.

في سنة 1835، جرت محاولة لاغتيال الرئيس جاكسون، وتم العثور على لورنس جيزيزه. في وقت لاحق، أقرت محكمة بأنه غير مذنب بسبب الجنون، ووضع في مصحة عقلية حتى وفاته.

وفي سنة 1912، جرت محاولة لاغتيال الرئيس ثيودور روزفلت. أطلق جون شرانك النار من مسدس كان يحمله، ووسط ضجيج، صاح الرئيس: «الهدوء. لقد أصبت». وأصر على إلقاء خطابه مع رصاصة لا تزال في داخله، وقال للصحافيين: «أنا قوي»، وذهب إلى المستشفى في وقت لاحق.

لكن، لم يكن أبدا سهلا إزالة الرصاصة، التي ظلت في جسده حتى وفاته.

وفي سنة 1933، جرت محاولة لاغتيال الرئيس فرانكلين روزفلت في ميامي (ولاية فلوريدا). أطلق جوزبيه زانغاريه خمس طلقات على روزفلت. ووقعت محاولة الاغتيال بينما كان يؤدي اليمين الدستورية لولايته الأولى، وأصيب أربعة أشخاص، وقتل عمدة شيكاغو. وتم العثور على الرجل، وحوكم بتهمة القتل، وأعدم في نفس السنة.

وفي سنة 1950، جرت محاولة اغتيال الرئيس هاري ترومان. حاول اثنان من مستعمرة بورتوريكو (في البحر الكاريبي)، من الناشطين المؤيدين للاستقلال قتله، ونشبت معركة عنيفة بالأسلحة النارية بين الرجلين والشرطة السرية، قتلت واحدا منهما وموظفا في البيت الأبيض.

وفي سنة 1960، قبل اغتياله بعد ذلك بسنتين، جرت محاولة لاغتيال الرئيس جون كيندي. كان يقضى عطلة في مصيف بالم بيتش (ولاية فلوريدا)، عندما خطط رتشارد بول ليكون مفجرا انتحاريا. لكن، شكت فيه جاكلين كيندي، وأبلغت الشرطة التي اعتقلته فورا.

وفي سنة 1974، حاول صمويل بايك اغتيال الرئيس نيكسون بأن خطط ليخطف طائرة صغيرة في مهمة انتحارية استهدفت البيت الأبيض. لكن، فشل الخطف، واشتبك مع قائد الطائرة ومساعديه، وقتله شرطي كان في المطار. وفي سنة 1975، حاولت فروم بينيت، من الهيبيز، اغتيال الرئيس جيرالد فورد أمام مبنى الكونغرس. تحايلت بأنها تريد مصافحته، ثم أطلقت الرصاص نحوه، لكن أسرع رجال الشرطة وبطحوها أرضا. وفي سنة 1981، جرت محاولة لاغتيال الرئيس ريغان بواسطة جون هنكلي المختل العقل، الذي كان يريد إقناع الممثلة جودي فوستر لتتزوجه. وقتل المتحدث الصحفي للبيت الأبيض، جيمس برادي.