«المرتزقة».. ومهنة القتل

لعبوا دورا في العراق.. والقذافي يستعين بهم لقتل شعبه بعد انقسام جيشه ورفض الكثير من ضباطه طاعة أوامره

TT

لغويا تعني كلمة «المرتزقة» ملتمسي الرزق، لكن على المستوى الاصطلاحي، ومع اتساع دوائر التسلط والنفوذ في العالم، وتنوع وسائل الحصول على الرزق، دخل المصطلح في النفق المعتم للتجارة غير المشروعة، وأصبح مفهوم المرتزقة يرادف المطاريد وشذاذ الآفاق، وقاطعي الطريق. فالمرتزقة هم أناس لا دية لهم، يمتهنون القتل كوسيلة للرزق، ويتفننون في احترافه لجني المزيد من المال. وقد أصبح لهم مؤسسات ووكلاء وهيئات في عدد كبير من دول العالم، على رأسها أفريقيا التي تعاني من مشكلات لا تنتهي مع الفقر والبطالة والجوع.

وبعد «ثورة الياسمين» في تونس وثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي اختار لها البعض لقب «ثورة اللوتس» بمصر، وصل الدور إلى ليبيا التي تفور بأحداث أشد دموية وفتكا عما شهدته جارتاها الغربية والشرقية. وإضافة إلى تفردها في حدة دمويتها، تفردت ليبيا باستعانة نظام العقيد معمر القذافي، حسبما أكدت تقارير متواترة، بمرتزقة في قتل أبناء شعبه بعدما اتسعت رقعة الانشقاقات داخل القوات المسلحة الليبية التي تعرض كثير من أبنائها للقتل، بعضهم قتل حرقا لرفضهم تنفيذ أوامر إطلاق النار والقذائف والصواريخ على الشعب.

تنتمي غالبية المرتزقة الذين استعان بهم القذافي الذي يلقب نفسه بـ«ملك ملوك أفريقيا»، لدول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية. وأفادت أنباء لم يتح التأكد من صحتها، بأنه نشر إعلانات لاجتذاب مرتزقة من غينيا ونيجيريا مقابل ألفي دولار أميركي يوميا. ومع تصاعد الانشقاقات في صفوف الجيش الليبي، يزداد اعتماد النظام الليبي على هؤلاء المرتزقة. وذكر شهود عيان من مدينة بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا، والتي سقطت من قبضة الدولة، أنهم ألقوا القبض على مرتزقة أفارقة يتحدثون الفرنسية، اعترفوا بأن خميس، نجل القذافي أمرهم بإطلاق النار على المتظاهرين.

ويعتقد أن نسبة كبيرة من هؤلاء المرتزقة ينتمون إلى مالي والنيجر لمجموعة إثنية تعرف بـ«الطوارق»، وهم شعب من الرحل والأمازيغ يعيشون في منطقة الصحراء الكبرى. ويقدر البعض أعدادهم في ليبيا بنحو 10 آلاف. وقد تصاعدت المخاوف في مالي من إمكانية عودة هؤلاء الطوارق المسلحين إليها في أعقاب سقوط القذافي المحتمل. يذكر أن «الطوارق» أشعلوا تمردا في مالي من قبل في يونيو (حزيران) 1990، وكرروا الأمر ذاته في النيجر في العام التالي.

ورغم كونهم لا يشكلون ظاهرة جديدة تاريخيا، فإنه خلال العقود الأخيرة، تحول الجنود المرتزقة لصناعة عالمية يعمل بها مئات الآلاف بشتى أرجاء العالم وتقدر قيمتها حاليا بأكثر من 100 مليار دولار، وأصبحت تعرف باسم «الشركات العسكرية الخاصة» التي ظهر الكثير منها في دول تتميز بمؤسسات عسكرية ضخمة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا، بينما ظهرت شركات أخرى أصغر في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا والشرق الأوسط، وغالبا ما تعمل الأخيرة كمقاولين من الباطن لشركات كبرى.

ويمكن تقسيم المرتزقة داخل أفريقيا لثلاثة أنماط رئيسية ترتبط بموجات مختلفة لازدهار هذه الصناعة الدموية بالقارة، أولها: المرتزقة الوافدون على القارة، واقترن هذا النمط بالموجة الأولى لازدهار صناعة المرتزقة في أفريقيا التي حدثت مع رحيل القوى الاستعمارية السابقة وعودة الجنود السابقين لهذه القوى للقارة للعمل كمرتزقة لحساب حكومات أفريقية وجماعات متمردة، بل وشركات تجارية أوروبية.

من بين أبرز الأمثلة في هذا الصدد ما حدث عام 1960، في أعقاب انفصال كاتانغا، أغنى أقاليم ما كان يعرف بالكونغو البلجيكية، عندما استعانت شركات التعدين الغربية بالمئات من المرتزقة الفرنسيين والألمان والجنوب أفريقيين.

بين ستينات وثمانينات القرن الماضي، ترك بعض المرتزقة بصمة واضحة على وجه أفريقيا، من أبرزهم الجندي الفرنسي السابق الذي تحول للعمل لاحقا كجندي مرتزق كولونيل بوب دينارد، والذي اشتهر بتنفيذه الكثير من العمليات الداعمة للنفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة، ومنها الجزائر التي خاض فيها حرب الجزائر بجانب الكونغو وأنغولا وزيمبابوي والغابون. وتركز نشاطه الأبرز في جزر القمر التي شارك فيها بين عامي 1975 و1995 في أربعة انقلابات مسلحة. ويسود اعتقاد بأنه كان يعمل بدعم من باريس.

وكذلك توماس مايكل هور، الذي عرف باسم «مايك المجنون» وهو مرتزق بريطاني كان جنديا بالجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب انتقل لجنوب أفريقيا، وشارك كجندي مرتزق في الكثير من المعارك في عدة دول أفريقية مثل الكونغو وسيشيل.

النمط الثاني من المرتزقة داخل أفريقيا ينتمي لأبناء القارة الأصليين ويعد أبرزهم أعضاء ميليشيات الجنود الأطفال والمراهقين غير النظامية المنتشرة بدول أفريقية عدة، منها سيراليون وليبيريا وأوغندا. ويجبر الكثير من الأطفال على المشاركة في القتال، بينما ينضم آخرون بدافع الفقر والأزمات التي تعصف بمجتمعاتهم. وبذلك يتحول أطفال في الثامنة والعاشرة من العمر إلى قتلة يرتكبون أبشع المجازر.

ورغم وجود ظاهرة الأطفال الجنود في الأميركتين وأوروبا والشرق الأوسط، فإنها متفاقمة على نحو خاص في آسيا وأفريقيا. ويقدر «ائتلاف وقف استخدام الجنود الأطفال» أن أكثر من 120 ألف طفل دون الـ18 يشاركون حاليا في صراعات مسلحة بمختلف أرجاء أفريقيا، تصل أعمار بعضهم إلى الـ7. وتتجلى مشكلة الأطفال الجنود بصورة خاصة في أنغولا وبوروندي والكونغو وإثيوبيا وليبيريا وسيراليون ورواندا وأوغندا.

ومن بين الدول الأفريقية، تتسم بوروندي ورواندا بأقل عمر للتجنيد القانوني، حيث يبلغ 15 عاما للمتطوعين، بينما تحدد غالبية الدول الأفريقية 18 كسن أدنى للتجنيد. وفي بعض الدول، تسهم عملية خلق ميليشيات موالية للحكومة في فتح الباب أمام تجنيد الأطفال. مثلا، فإنه في بعض المناطق، ينتمي 30 في المائة من جنود «قوات المواطنين للدفاع» العاملة تحت رعاية الحكومة في سيراليون للأطفال.

وأحيانا يجري تجنيد أطفال من خارج الحدود، فمثلا، أشارت تقارير إلى تجنيد 200 طفل ناميبي من جانب قوات مسلحة في رواندا. وفي أوغندا، اختطف «جيش الرب للمقاومة»، الذي عمل بمباركة الحكومة السودانية، على نحو منظم أطفالا بلغ عددهم نحو 10 آلاف طفل من شمال أوغندا منذ عام 1987، ونقلهم للسودان وأجبرهم على ارتكاب مذابح.

في مصر والجزائر، تشير تقارير إلى إقدام جماعات إسلامية مسلحة على تجنيد أطفال دون الـ15، وإن كان من العسير التحقق من ذلك. واللافت أن ظاهرة الجنود الأطفال لا تقتصر على العالم النامي وإنما توجد بقوة أيضا داخل العالم المتقدم. فمثلا تشير إحصاءات إلى أن أكثر من نصف الدول الأعضاء بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقبل التجنيد التطوعي لأطفال في سن الـ17، بل وأحيانا الـ16. وتعد بريطانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي ترسل جنودا في الـ17 من العمر إلى ميادين القتال. واعترفت الولايات المتحدة بأن جنودا في سن الـ17 شاركوا بعمليات عسكرية أميركية في حرب الخليج والصومال والبوسنة.

وبصورة عامة، تزداد احتمالات تحول الأطفال لجنود إذا كانوا فقراء أو انفصلوا عن أهاليهم أو تعرضوا للتشريد من بيوتهم أو يعيشون بمناطق حروب أو لم يتلقوا قسطا معقولا من التعليم. ويتهدد هذا الخطر على نحو خاص الأيتام واللاجئين.

وارتبط الاعتماد على هذه الفئة من المرتزقة في معظمه، وإن كان مستمرا إلى الآن، بالموجة الثانية من ازدهار صناعة المرتزقة التي جاءت في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، فمنذ انتهاء الحرب الباردة، ازدهرت الشركات الأمنية الخاصة، وعلى رأسها «إجزكيوتيف أوتكمز» و«كوربوريت وريرز». وتنامى دور المرتزقة بعدما اضطرت دول فقيرة، تحت ضغط من الدول المانحة، إلى تقليص ميزانياتها الدفاعية وتقليص حجم مؤسساتها العسكرية.

وإلى جانب ذلك، كان وراء الموجة الثانية حدثان رئيسيان، أولهما: انهيار الاتحاد السوفياتي، فعلى مدار العقود الماضية، أينما ظهرت في الأفق طائرات مقاتلة روسية، والتي توجد بالفعل في الكثير من الدول الأفريقية، صاحب ظهورها وجود هؤلاء المرتزقة، مثلما حدث في أنغولا وسيراليون والكونغو. وتصاعدت اتهامات لروسيا بتورط مرتزقة روسيين بقوة في الحرب بين إثيوبيا وإريتريا بين عامي 1998 و2000 عملوا كطيارين. وكان ظهور مرتزقة من الاتحاد السوفياتي السابق داخل أفريقيا التي تعتمد كثير من بلدانها على معدات عسكرية روسية الصنع، قد بدأ في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتوافد على القارة مرتزقة من روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا وبلغاريا.

في الوقت ذاته، تركزت أنظار صناعة وزارة الدفاع الروسية التي عانت آنذاك من أزمة مالية طاحنة على أفريقيا وجعلت منها نقطة اهتمام رئيسية لجهود الترويج للمعدات العسكرية الروسية، مما أثار مخاوف الغرب من أن مبيعات الأسلحة الروسية ربما تسهم في تأجيج حروب بالقارة.

جدير بالذكر، أنه عام 2008، أشارت أنباء إلى مقتل طيار روسي في السودان أثناء قيادته طائرة سودانية طراز «ميغ - 29»، مما سلط الضوء على دور الطيارين الروسيين، من الناشطين بالخدمة العسكرية والمتقاعدين، في قيادة هذا النوع من الطائرات التي يملكها السودان. وجاء اعتماد السودان على الطيارين الروسيين بسبب قلة أعداد الطيارين السودانيين، بجانب انخفاض مستوى مهاراتهم الذي اضطر السودان للاستعانة بـ«مدربين» روسيين، ليس فقط لتدريب الطيارين السودانيين على قيادة هذا الطراز رفيع المستوى من الطائرات (والذي يكافئ إف - 16 الأميركية)، وإنما كذلك لقيادة «ميغ - 29» بأنفسهم.

أما الحدث الآخر، فكان سقوط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، الأمر الذي حول البلاد إلى واحد من أكبر مصادر الجنود المرتزقة عالميا وأكسبها سمعة سيئة، فمنذ سقوط هذا النظام وتولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مقاليد السلطة بالبلاد في أبريل (نيسان) 1994، كانت واحدة من أكبر التحديات أمامه، كيفية التعامل مع الجنود البيض التابعين للنظام القديم والذين يتمتعون بخبرات قتالية تجعلهم في مصاف أفضل الجنود على ظهر الأرض.

ومن هنا ننتقل إلى النمط الثالث من المرتزقة في أفريقيا الذي بات يعرف باسم «الأفريقي الأبيض» وهو مصطلح يشير إلى أبناء جنوب أفريقيا من أصول هولندية وفرنسية وألمانية، أحدث وأشهر سلالات الجنود المرتزقة في العصر الحاضر. وارتبط هذا النمط في الجزء الأكبر منه بالموجة الثالثة من ازدهار صناعة المرتزقة في أفريقيا والتي عكست ازدهارا عالميا وجاءت مع بداية حقبة ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وشنت واشنطن ما أطلق عليه «الحرب ضد الإرهاب»، حيث استعانت بشركات أمنية خاصة في عملياتها على الحدود الباكستانية - الأفغانية وفي أفغانستان والعراق، من أبرزها «بلاكووتر» المتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بالبلدين، منها قتل مدنيين.

ومع سقوط نظام التمييز العنصري، نالت صناعة المرتزقة زخما كبيرا داخل جنوب أفريقيا مع ظهور أعداد كبيرة من الجنود المدربين على مستوى عال من دون عمل. وانضم الكثيرون منهم إلى «إجزكيوتيف أوتكمز» التي أنشئت عام 1989 على يد لفتنانت كولونيل سابق بجيش جنوب أفريقيا، لكنها تحولت لاحقا لجزء من شركة «ستراتيجيك ريسورس كوربوريشن» القابضة. ونشطت «إجزكيوتيف أوتكمز» بصورة خاصة في سيراليون وليبريا وغينيا. وبسبب شعورها بالحرج من سمعتها كمصدر رئيسي للمرتزقة، مررت جنوب أفريقيا عام 1998 «قانون تنظيم المساعدات العسكرية الأجنبية» الذي يحظر على المواطنين المشاركة في صراعات مسلحة أو توفير دعم أمني أو لوجيستي أو تدريب لانقلابات مسلحة أو أي نشاطات عسكرية أخرى من دون موافقة الحكومة. لكن تطبيق القانون لم يخل من مشكلات، ذلك أن الغرامات التي نص عليها لم تحمل قيمة تذكر مقارنة بأجور المرتزقة بالخارج.

ومن المشكلات الأخرى استمرار انتشار السلاح داخل جنوب أفريقيا وعدم إحكام السيطرة على حدود البلاد، علاوة على أن الحريات المدنية القوية بالبلاد خلال حقبة ما بعد التمييز العنصري تعوق جهود مراقبة المرتزقة. في عام 2006 مرر البرلمان جنوب الأفريقي قانونا يحظر على معظم المواطنين المشاركة بأي صورة في صراعات أجنبية، لكن التنفيذ النشط له لم يبدأ بعد، بحسب ما اتضح من حث لجنة العمل التابعة للأمم المتحدة بشأن الجنود المرتزقة لها عام 2010 على الشروع في تطبيق القانون.

وفي الوقت الراهن تعمل شركات عسكرية عالمية في أفريقيا، قدم بعضها الحماية لمصالح شركات غربية عاملة بمجالات مختلفة على رأسها الماس والأحجار الكريمة، مثلما فعلت شركة «إجزكيوتيف أوتكمز» الجنوب أفريقية في سيراليون. وتربط علاقات تنسيق وثيقة بين هذه الشركة وكذلك شركة «ساندلاين» البريطانية من ناحية، والحكومة البريطانية من ناحية أخرى. وغالبا ما تتلقى الشركتان مبالغ نقدية ضخمة أو حقوق تعدين مقابل تدريب قوات حكومية أفريقية لقمع الجماعات المتمردة المسيطرة على أراض تضم ثروات معدنية أو نفطية.

وتنقسم الآراء تجاه تقييم تداعيات الاستعانة بمرتزقة بين مؤيد ومعارض، فمن ناحية يشير المؤيدون إلى أن شركة «إجزكيوتيف أوتكمز»، المعتمدة في الجزء الأكبر منها على الأعضاء السابقين في قوات الدفاع الجنوب أفريقية، لعبت دورا حاسما في نتائج بعض الحروب الأهلية في أفريقيا، حيث أجبرت المتمردين في سيراليون على الجلوس على طاولة التفاوض وأسهمت في نجاح القوات الحكومية الأنغولية في إجبار حركة «يونيتا» على قبول «بروتوكول لوساكا» عام 1994.

وفي سيراليون، استعانت الحكومة بالشركة لمعاونتها على استعادة السيطرة على منطقة كونو الغنية بالماس. في الوقت ذاته وفي ظل الأوبئة التي تعصف بأفريقيا وعلى رأسها الإيدز، يجري النظر إلى المرتزقة البيض من الجنود السابقين بالقوات الخاصة في الدول الغربية والعاملين تحت مظلة ما يعرف باسم «الشركات العسكرية الخاصة» كمدربين محتملين للجيوش الأفريقية الشابة السمراء.

في المقابل، يلقي كثيرون باللوم على الجنود المرتزقة عن تفشي الصراعات والانقلابات العسكرية بأفريقيا والحكومات غير الشرعية بها. من بين أكثر حوادث المرتزقة في أفريقيا التي لفتت الأنظار خلال العقد الأخير اتهام مسؤولي غينيا الاستوائية، عام 2004، إضافة لمسؤولين من جنوب أفريقيا وزيمبابوي، مرتزقة أجانب بمحاولة الإطاحة برئيس غينيا تيودور أوبيانغ. ودارت الاتهامات بين 64 شخصا أجنبيا، ينتمون لجنوب أفريقيا وأنغولا وناميبيا، احتجزتهم هراري، عاصمة زيمبابوي، بعد هبوط طائرتهم بهم. واتهمت زيمبابوي الاستخبارات الأميركية والبريطانية والإسبانية بمساعدة المرتزقة المتورطين بالمخطط. أما الرئيس أوبيانغ فاتهم أيضا شركات متعددة الجنسيات بالتورط.

على الصعيد العالمي، رغم إبداء الأمم المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة في ظل إدارة كلينتون رفضهم خلال تسعينات القرن الماضي لظاهرة استخدام الجنود المرتزقة، فإنه مع بداية الألفية الجديدة تبدل التوجه مع إعلان الحكومة البريطانية عام 2002 بأن الجنود المرتزقة ربما يضطلعون بدور في تحقيق «السلام»، مشيرة إلى أن جيوش المرتزقة تتسم بسجل أفضل بمجال حقوق الإنسان عن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

كما بدأت الأمم المتحدة نفسها في الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة لتوفير إمدادات المعدات و«الأمن» فيما يخص الكثير من عمليات المنظمة الأممية بمختلف أرجاء العالم، إلا أن ذلك لم يمنع المنظمة الدولية من أن تطلق تحذيرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، من أن ظاهرة الجيوش الخاصة تفاقم الصراعات داخل أفريقيا التي يبدو أنها في حالة حرب أبدية مع نفسها، ذلك أن قرابة نصف بلدانها البالغ عددها 53 دولة إما تشهد حربا وإما خرجت لتوها من حرب. وأوضح ديكس توريك بارتون، من المكتب التنفيذي للأمين العام للأمم المتحدة، أن القارة تعد أرضا خصبة أمام الجنود المرتزقة المستعدين لتنفيذ أعمال قذرة لحساب حكومات عدة. وحثت المنظمة الأممية الدول الأفريقية على فرض القوانين القائمة وتمرير أخرى جديدة لكبح جماح صناعة الجنود المرتزقة الآخذة في الاتساع. وأوضح توريك بارتون أنه «في عالم ما بعد الحرب الباردة، ظهرت تحديات أمنية جديدة في أفريقيا لم تكن الحكومات والقوات المسلحة التقليدية مستعدة لمواجهتها، لذا تحولوا إلى المهارات المستقلة لحل هذه المشكلات». وجاءت هذه التصريحات متزامنة مع توقيع 58 شركة أمنية خاصة، بعضها يعمل بالعراق وأفغانستان، بتأييد من 35 دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، على قانون سلوك في نوفمبر 2010 لمنع وقوع انتهاكات والحيلولة دون الإفراط في استخدام العنف. بيد أنه على المستوى الأفريقي، فإنه رغم توقيع عدد من الدول الأفريقية تشريعا عام 2007 يقضي بضرورة حصول الجنود الخصوصيين والشركات الأمنية على تصريح رسمي للعمل بمناطق حروب، فإن هذا القانون وقوانين أخرى سبقته لم يبدأ تنفيذها بعد من جانب الكثير من الأطراف الموقعة.