حكومة شرف.. رهان الثوار في مصر

تشكلت في ظروف صعبة ومعقدة وتواجه تحديات أمنية واقتصادية وسياسية.. وسط استمرار مظاهر الاحتجاجات

TT

لم يكن مشهد حمل المتظاهرين للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري الجديد على أكتافهم في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي، وهم يطوفون به أرجاء الميدان، تعبيرا عن انتصارهم بإسقاط حكومة الفريق أحمد شفيق، إلا صورة عكسية لما سيحدث مباشرة عقب هذا المنظر، حين يحمل شرف هموم ومشكلات هؤلاء المتظاهرين على كتفيه. فقد وضع شرف أمامه آمال وأحلام أكثر من 80 مليون مصري، يعولون عليه الكثير في إخراج البلاد من عنق الزجاجة الذي تعيش فيه حاليا عقب ثورة «25 يناير»، وحل أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، تسبب فيها نظام سابق، على مدار ثلاثين عاما.

يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي حسن لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة شرف «هي في الأصل حكومة تسيير أعمال لن تستمر إلا شهورا قليلة، والمفترض أنها لن تضع استراتيجيات بل تسير على استراتيجيات وسياسات قائمة، ولكن ولأن نظام مبارك البائد لم يترك لنا أي شيء غير الفساد والقمع كما دمر الاقتصاد القومي، يجعل ذلك هذه الحكومة تتصرف وكأنها حكومة إنقاذ وطني». ويضيف: «عليها أن تقاوم وبشكل سريع 3 تحديات كبرى، هي: القضاء على الانفلات الأمني الذي انتشر بشكل كثيف، وتسيير عجلة الاقتصاد اليومية وإنهاء المظاهرات الفئوية التي تراكمت لأن النظام السابق كان لا يحل أيا منها وكان يقوم بوضع مسكنات فقط لها ولذلك انفجرت، وأخيرا وضع أرضية جديدة لنظام سياسي تسير عليه البلاد في المستقبل، وهو الملف الذي يتعلق بالأجندة السياسية التي أطلقتها الثورة والخاصة بانتهاء النظام القديم والقضاء عليه وعمل انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة بإشراف قضائي نزيه وعمل دستور جديد للبلاد».

تعد حكومة شرف التي تم تأليفها قبل أسبوع، حيث أدت اليمين الدستورية يوم 7 مارس (آذار) الحالي أمام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، القائم على إدارة الحكم في البلاد، الحكومة الثانية في عهد الثورة المصرية. وكانت الحكومة الأولى هي حكومة الفريق أحمد شفيق التي عينها الرئيس السابق حسني مبارك قبل رحيله، واستمرت 34 يوما فقط، من 29 يناير (كانون الثاني) وحتى 3 مارس. واستقالت بعد أن فشلت في إقناع الثوار بقبول استمرارها كحكومة تصريف أعمال مؤقتة، رغم إدخال تعديلات وزارية عليها، حيث اعتبروا استمرارها تحديا للثورة التي أسقطت النظام القديم، باعتبار شفيق شخصيا أحد أركان هذا النظام.

وتولى في الحكومة الجديدة السفير الدكتور نبيل العربي وزارة الخارجية، والمستشار محمد عبد العزيز الجندي وزارة العدل، واللواء منصور العيسوي وزارة الداخلية، خلفا لأحمد أبو الغيط، وممدوح مرعي، ومحمود وجدي، على الترتيب، وهم الوزراء الذين لاقوا معارضة ورفضا شعبيا كبيرا لاستمرارهم، باعتبارهم من ركائز نظام مبارك السابق، وتسببوا في الكثير من الأزمات التي تعاني منها البلاد حتى الآن.

وقد عبر شباب ثورة «25 يناير» عن رضاهم عن التشكيلة الحكومية الجديدة، واستجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمطالبهم، بدءا من تكليف الدكتور عصام شرف بتشكيل الحكومة، ثم تغيير الكثير من الوجوه التي كانت تعد ركائز أساسية لنظام مبارك السابق. لكن عددا من القوى السياسية والحزبية في مصر أبدت ترحيبا حذرا بهذه الحكومة، وانتاب البعض منهم حالة من الاستنكار لاستمرار أربعة وزراء من عهد مبارك، هم: الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء، والدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي، والدكتور ماجد جورج وزير البيئة، والدكتور سيد مشعل وزير الدولة للإنتاج الحربي. بالإضافة إلى الإبقاء على وزراء من حكومة شفيق، كالدكتور عمرو عزت سلامة وزير البحث العلمي والتعليم العالي، والدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم، والدكتور سمير رضوان وزير المالية، والدكتور سمير الصياد وزير الصناعة والتجارة الخارجية.

وقال البعض، من أنصار الفريق أحمد شفيق، إن تشكيلة الحكومة الجديدة لا تختلف كثيرا عن حكومته، وجاءت بنفس الوجوه، وبالتالي فإن تغييرها كان مجرد تضييع لوقت وجهد الفريق شفيق. لكن الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نعتد كثيرا بالأشخاص. وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة الجديدة، برئاسة عصام شرف، بها أشخاص مقبولون وآخرون مرفوضون».

وفي حين رفض السعيد ذكر الأشخاص غير المرحب بهم في الحكومة الجديدة، أثنى على اختيار واستمرار بعض الشخصيات، أمثال الدكتور جودة عبد الخالق لوزارة التضامن، وفخري عبد النور للسياحة، والدكتور حسن يونس للكهرباء، الذي وصفه بالمناضل حينما تصدى للمنتفعين من رجال الأعمال الذين حاولوا الاستيلاء على أرض الضبعة، في القضية الشهيرة الخاصة بموقع المفاعل النووي المصري. وأوضح السعيد أن الحزب يهتم بالبرامج والأهداف لهذه الحكومة ومدى قدرتها على التنفيذ، وهذا لم يتضح بعد، وننتظر الأيام لتوضح ذلك. كما سننظر إلى انحيازات هذه الحكومة، والواضح أن الوزارة ليست هي التي تقررها.

كما أكد القيادي البارز في جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، الدكتور محمد البلتاجي لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك ملاحظات على بعض الشخصيات، واستمرارها يعد موضع تساؤل، خاصة في ما يتعلق بسجل أعمالهم ومواقفهم. لكنه أثنى على تغيير وجوه رئيسية في الحكومة كانت من أهم المطالب الشعبية، مثل وزارات الداخلية والعدل والخارجية، مشيرا إلى أننا سنعطي هذه الحكومة فرصة لتثبت نجاحها وتوضح برامجها، لنرى مدى توافقها مع أهداف ومطالب ثورة «25 يناير». ويراهن شباب ثورة «25 يناير» على حكومة عصام شرف، باعتباره ينتمي إليهم ويؤمن بأفكارهم، خاصة إذا علمنا أنه قاد المظاهرات بميدان التحرير بنفسه من أجل إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وقال شادي حرب، عضو حزب الجبهة الديمقراطية، وأحد أعضاء ائتلاف ثورة «25 يناير»، إن «الائتلاف يضع طاقاته في خدمة رئيس الحكومة الجديد الدكتور عصام شرف، خاصة أنه كان على رأس قائمة الأسماء التي اقترحها الائتلاف لتولي المنصب». كما أكد ما يعرف بـ«مجلس أمناء الثورة المصرية»، «أن الثوار يثقون بحكومة الدكتور عصام شرف لأنها كانت من مطالبهم ويعتبرونها حكومة أمينة على تنفيذ مطالب الثورة، وأن شباب الثوار على أتم استعداد لتقديم الدعم للحكومة الجديدة وذلك بهدف عودة الاستقرار سريعا إلى البلاد».

وكان شرف قد ألقى كلمة بين الثوار في ميدان التحرير بوسط القاهرة، فور تكليفه بتشكيل الحكومة وقبل أدائه اليمين، يوم الجمعة الماضي 4 مارس، قال فيها «إن ميدان التحرير هو مصدر شرعيته»، متعهدا بتلبية مطالب ثورة «25 يناير» وتحقيق أهدافها. وقال شرف: «أنا هنا في الميدان لأني أستمد شرعيتي منكم، أنتم أصحاب الشرعية، لقد تم تكليفي بمهمة تحتاج صبرا وإرادة وعزما، وهذا أكثر مكان أستمد منه الإرادة والعزم، وسأبذل كل جهدي لتلبية مطالبكم»، مؤكدا «فتح قنوات للحوار مع منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وتفعيل مبادرات الإصلاح السياسي وتوفير ضمانات للانتخابات القادمة وتنظيم لقاءات مع نقابات واتحادات العمال من أجل تحقيق مطالب الشعب المصري»، متعهدا بأنه «سيكون بين المتظاهرين في الميدان إذا لم يتمكن من تحقيق أهداف الثورة». وأوضح شرف أن «الجهاد الأصغر انتهى»، داعيا المتظاهرين إلى «الجهاد الأعظم لاستعادة بناء مصر».

وتواجه حكومة شرف الكثير من التحديات المختلفة المؤثرة على الأمن القومي المصري، أجملها المشير حسين طنطاوي، في خطاب تكليفه للحكومة، حين دعا إلى الحفاظ على موارد مياه النيل وأمن مصر المائي، خاصة بعد توقيع عدد من الدول الأفريقية على اتفاقية لتقسيم مياه النيل فيما بينهم في غياب مصر المعترضة عليها، والاهتمام بالتصدي للانفلات الأمني في الشارع المصري ومقاومته، وعودة الشرطة المدنية لممارسة عملها في أسرع وقت ممكن لانتظام الحركة اليومية في جميع مؤسسات الدولة، وتوفير المناخ المناسب لانتظام العمل في المصانع والشركات لدفع عجلة الإنتاج وتنشيط الاستثمارات الداخلية والخارجية في مختلف المجالات، وإتاحة المزيد من فرص العمل ومحاصرة البطالة والنظر إلى ضرورة وضع خطة لتطوير التعليم بجميع مراحله، والاهتمام بالرعاية الصحية للمواطنين، وتخفيف أعباء المعيشة عن المواطن المصري، وضمان تلبية احتياجات المواطنين خاصة في ظل هذه الظروف، التي فقد خلالها الكثير من المواطنين وظائفهم، ومحاربة الانحراف والفساد الذي تبين حجم انتشاره في معظم مؤسسات الدولة، وإزالة جميع المخالفات على أراضي الدولة، والبناء على الأراضي الزراعية، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين.

التحديات التي تواجهها حكومة الدكتور شرف ليس فقط تتعلق بتراكمات النظام القديم بل إن الأزمات تنهال يوميا على هذه الحكومة بشكل يبعث الشفقة عليها، ولعل أحدث الأزمات التي ينتظر من شرف حلها فورا تلك المتعلقة بأزمة الأقباط، والتي تجددت مؤخرا على خلفية حرق وهدم كنيسة الشهيدين مار مينا ومار جرجس، بقرية صول بمركز أطفيح التابع لمحافظة حلوان (جنوب القاهرة). بالإضافة إلى إعادة هيكلة جهاز أمن الدولة الذي حاصره المتظاهرون واقتحموا مقراته الأسبوع الماضي، في جميع المحافظات وأخرجوا منه وثائق مهمة ما زالت تتداول بين المواطنين حتى الآن.

يقول المحلل السياسي عمرو حمزاوي كبير الباحثين بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بالولايات المتحدة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة الحالية تمر بظروف صعبة كثيرة ومعقدة وعشرات الأزمات المتراكمة، موضحا أن المطلوب من هذه الحكومة حاليا هو أن تتعامل مع هذه الأزمات بجدية وحساسية في نفس الوقت، بالإضافة إلى ضرورة تمتعها بـ«روح الديمقراطية» لوقف كل الاحتجاجات والاعتصامات بكل أنواعها.