هل سيعلن مسعود بارزاني قيام الدولة الكردية؟

صمته إزاء الشائعات يشير إلى أن الفكرة قيد الدراسة.. أو أنه يشيع الأمل

TT

راجت في الفترة الأخيرة، أثناء الجولة الأوروبية للزعيم الكردي مسعود بارزاني، وتحديدا بعد تأخر عودته إلى كردستان، شائعات انتشرت كالنار في الهشيم بالأوساط الشعبية، تحدثت عن نجاح بارزاني في انتزاع موافقة عدد من قادة الدول الأوروبية التي شملتها جولته على دعمهم لخطوة تشكيل الدولة الكردية في حال أعلن بارزاني ذلك، بل إن الأمر وصل بالبعض إلى أن يتحدث عن موافقة الإدارة الأميركية لمثل هذه الخطوة.

كانت هناك عوامل كثيرة في العقود الماضية حالت دون تمكن الكرد من تشكيل دولتهم القومية في المنطقة، من أهمها العامل الجيوسياسي الذي لعب دورا أساسيا في منع تشكيل الدولة المزعومة، خاصة الوضع الجغرافي لكردستان وإحاطتها بأربع دول معادية لأي تطلعات تحررية كردية، التي ما زال معظمها على مواقفها بهذا الشأن، يضاف إليها عدم وجود منفذ بحري لكردستان على المياه الدولية لتتمكن الدولة من تلقي الدعم الخارجي، ولكن هناك حدثان مهمان وقعا في الفترة الأخيرة أنعشا آمال الكرد بهذا الاتجاه وأسهما في رواج مثل هذه الشائعات إلى أن تحولت إلى فكرة قد تكون مقبولة لدى الكثير من الناس، بل وحتى من مراقبين سياسيين، وهما استفتاء جنوب السودان الذي انتهى بالانفصال، وتداعيات الصحوة الشعبية التي تجتاح حاليا معظم الدول العربية، والتي حولت السلطة من المراكز السياسية التقليدية إلى شوارع المدن، وهذه التحولات بحد ذاتها أنعشت آمال الشعوب الرازحة تحت نير الحكومات الديكتاتورية بالتحرر، مما سينسحب، حسب بعض المراقبين، على تطلعات الشعوب بالتحرر القومي.

المعروف عن بارزاني أنه لا يقدم على خطوة أو مبادرة من دون أن يشبعها درسا وتمحيصا، ومن دون أن يستشير أكبر عدد من مستشاريه وأصدقائه، سواء في الداخل أو الخارج، لذلك عندما قرر، عقب اندلاع انتفاضة عام 1991 وسحب النظام السابق لدوائر الحكومة وإحداث الفراغ الإداري في إقليم كردستان، أن يجري انتخابات برلمانية ويشكل حكومة إقليمية لتصريف شؤون كردستان، مضى في قراره حتى نجحت كردستان بتنظيم أول انتخابات برلمانية حرة في تاريخ العراق المعاصر. لذلك التزام الصمت من قبل بارزاني حول هذا الموضوع يحمل تفسيرين؛ الأول هو أن الفكرة قيد الدرس لديه وأنها لم تنضج بما فيه الكفاية لحد الآن، وإما أن الفكرة لا تعدو إشاعة أمل تهدف إلى إنعاش الآمال الكردية. وإذا لاحظنا العاصفة التي أحدثها بارزاني خلال مؤتمره الحزبي الأخير بإطلاق حق تقرير المصير وتثبيته في مناهج وبرامج حزبه، فقد تتحول تلك الإشاعة إلى حقيقة، على الرغم من أن الباحث المعروف فريد أسسرد رئيس مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية يرى أنه «من الواضح أن بارزاني لم يطرح فكرة حق تقرير المصير كرئيس للإقليم بل كرئيس للحزب وبداخل مؤتمر حزبي، فمعظم الأحزاب الكردستانية أدرجت هذا الحق في مناهجها وبرامجها». ويستطرد: «المشكلة أن مبدأ حق تقرير المصير لم يرد في الدستور العراقي، وليست هناك أي إشارة للاستفتاء على هذا الحق، ولذلك من الصعب أن ينظم استفتاء على غرار ما جرى في السودان لتقرير المصير، والمشكلة الأخرى أن العراق يحكمه اليوم نظام برلماني وليس ديكتاتوريا يمسك بجميع السلطات بيده وتكون أوامره وقراراته نافذة على الجميع، بحيث يمكنه بقرار واحد أن يمنح هذا الحق لشعب آخر كما حدث في السودان، والأمر الأهم في هذا الجانب هو أن الدول المجاورة لجنوب السودان لم تكن لديها مشكلات مع انفصال هذا الجزء من السودان، فالانفصال لم يتعارض مع مصالحها، لذلك بدت غير مهتمة بما يجري هناك، بل كانت هناك دول في محيط جنوب السودان رحبت بهذا الانفصال، ورأت أن من مصلحتها أن يكون جوارها مستقرا خاليا من الحروب»، ويتابع: «هناك من يحاول المقارنة بين كردستان وتيمور الشرقية أيضا، ولكن تيمور كانت بالأساس مستعمرة هولندية احتلتها القوات الإندونيسية قسرا، ولذلك تدخلت الأمم المتحدة في إطار ما عرف بتصفية آثار الاستعمار لدعم رغبة مواطني ذلك الإقليم بالتحرر، وتشكيل الدولة المستقلة، ولذلك لا وجه للمقارنة بيننا وبينهم». ولكن الباحث الكردي لا يستبعد أن «يأتي يوم ينشأ فيه جيل جديد أكثر انفتاحا للقبول بالرأي الآخر على مستوى العراق، وقد تأتي قيادة جديدة إلى العراق ترى هذا الأمر اعتياديا وتتقبل فكرة انفصال كردستان عن العراق».

وحول ما إذا كانت هناك ظروف إقليمية تسمح بنشوء هذه الدولة قال أسسرد: «مشكلتنا المزمنة هي العامل الإقليمي ودور الدول المحيطة بالعراق في وأد الرغبة التحررية للشعب الكردي، فهذه الدول تتخوف من امتدادات هذه المسألة وتأثيراتها على الطموحات القومية للشعب الكردي داخلها، مثل تركيا وإيران وسورية، حتى العراق يعتبر في النظام الاقتصادي العالمي دولة نفطية مهمة في المنطقة، لذلك ليس من السهل أن تتوفر مجمل هذه الظروف في هذا الوقت لإعلان الدولة الكردية، والقيادة الكردية تدرك ذلك».

ويربط الباحث والخبير في الشؤون التركية، هيمن ميراني، الأستاذ بجامعة صلاح الدين بأربيل بين وحدة الصف الكردي والرغبة في إعلان الدولة الكردية، ويشجع إعادة ترتيب البيت الكردي قبل الخوض في هذه المغامرة، ويقول: «صحيح أن هناك متغيرات كبيرة حصلت في المنطقة، وصحيح أيضا أن هناك فرصة لاستغلال هذه المتغيرات لصالح الشعب الكردي، ولكن للأسف الوضع الداخلي لا يساعد في نظري على قيام الدولة الكردية في مثل الظروف الحالية، فهناك عدم ثقة بين الأحزاب، وهناك أزمة ثقة كبيرة بين الشعب والسلطة، وهذا ما لمسناه من خلال المظاهرات الاحتجاجية التي حدثت في الفترة الأخيرة، وأي حديث عن الدعم الدولي يجب أن يسبقه ترتيب البيت الداخلي وتهيئة الشعب للاستعداد لهذا الحدث الكبير»، وبدوره، يرفض الباحث ميراني مقارنة وضع كردستان بجنوب السودان، ويقول: «كان هناك اختلاف ديني في جنوب السودان، والمسيحيون في الجنوب تلقوا دعما دوليا لقضيتهم العادلة، كما أن السلطة في المركز وقعت تحت تأثير ضغوطات دولية كبيرة، لذلك وافقت مرغمة على إجراء الاستفتاء والقبول بنتائجه، ولكن الظروف عندنا مختلفة تماما». وعن الوضع الإقليمي، وفيما إذا كان يساعد هذا الحدث، قال ميراني: «جميع دول المنطقة، وخاصة المجاورة لكردستان، وبالأخص تركيا، تتخوف إلى حد الرعب من تداعيات أحداث تونس ومصر وما يجري الآن في ليبيا، مع ذلك فإننا نرصد تغييرا في الموقف التركي من قضية الشعب الكردي، فعلى سبيل المثال عندما كانت مفرزة صغيرة من البيشمركة تتحرك في أي منطقة بكردستان كانت تركيا تقيم الدنيا ولا تقعدها، واليوم تطوق قوات البيشمركة كركوك من أطرافها الأربعة، وهي مركز النفوذ التركي، مع ذلك هناك تفهم تركي لهذا الوضع، وبذلك فأنا أعتقد أن تركيا أخذت تراجع حساباتها ومصالحها الإقليمية، وأعتقد أنها لا تعارض كثيرا قيام كيان كردي على النموذج الديمقراطي الأوروبي بجوارها، بدل النموذج الإيراني العراقي المكرس حاليا في مناطق العراق، وفي النهاية أعتقد أن الأحداث الأخيرة أثبتت قدرة الشعب في الشارع على تحقيق تغييرات حتى في الخارطة السياسية للبلدان بدل الانقلابات والاحتلال، ولكني أعود وأكرر بأن هناك حاجة أكيدة لإعادة ترتيب بيتنا الداخلي قبل الحديث عن ممارسة حق تقرير المصير وإنشاء دولتنا القومية».