«صفقة» المصالحة التاريخية

وصول الأطراف إلى طريق مسدود والربيع العربي وحلم قيادة الدولة الفلسطينية ومشروع الإخوان المسلمين.. قادت إلى التوقيع

TT

بدا أن الفلسطينيين فهموا أخيرا أن الطريق إلى الدولة المرجوة لا يمر عبر «التمني» وحسب، وإنما يحتاج إلى تغيير في المواقف والأفكار أيضا، وتوظيف كل الجهود والطاقات، والقتال على جبهة العالم المنحاز «موحدين» غير منقسمين. وليس سرا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أراد أن يذهب إلى مجلس الأمن في سبتمبر (أيلول) القادم، ويطلب دولته، وهو رئيس كل الشعب الفلسطيني، وليس نصفه فقط، وأن حماس تريد أن تشاركه هذا الانتصار إذا ما تحقق، وتعود هي الأخرى بالدولة وتشارك في قيادتها.

أراد عباس ذلك، وأراد من خلال المصالحة أن يصل إليه، وأن يرد على «التطنيش» الإسرائيلي - الأميركي لعملية السلام، ومطالب شعبه المشروعة.. فوقع في القاهرة. وأرادت حماس ذلك، وأرادت أيضا من خلال المصالحة أن تقول إنها جزء كبير ومهم ومؤثر في التغيرات الحاصلة في المنطقة وفي جلب الدولة وتأسيسها.. فوقعت في القاهرة.

حين وقعت الحركتان الاتفاق التاريخي فعلا، كان عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول وفد الحوار فيها، واضحا جدا «نزف هذا الاتفاق لشعبنا الفلسطيني في جميع المحافل (...) هذا الوقت هو المناسب للتوقيع على هذا الاتفاق، نظرا لأن الظروف مناسبة وملائمة، خاصة بعد تهرب أميركا من التزاماتها باتجاه الدولة الفلسطينية». وكان أيضا موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس، ورئيس وفدها للحوار، واضحا هو الآخر «التغييرات في الساحة العربية، وجمود العملية السلمية واستحقاقات سبتمبر ساعدت على توقيع الاتفاق».

إذن، تقول فتح إن الدولة تتطلب الوحدة، وتقول حماس إن التغيير قاد إليها، لكن هل هذا فقط على أهميته ما قاد إلى مصالحة؟

يجيب محللون سياسيون التقتهم «الشرق الأوسط» بـ«لا». يصف المحلل السياسي إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ما حدث بأنه «صفقة شاملة» أكثر منه «اتفاق مصالحة» وحسب. ويقول أبراش لـ«الشرق الأوسط»: «أستطيع أن أقول لك إنها صفقة بمعنى الكلمة، ليس مجرد مصالحة بين فتح وحماس، إنها صفقة تشمل المصالحة ومحاولة إقامة الدولة، وإنجاز صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل وفتح معبر رفح، وإعادة إعمار قطاع غزة، وتثبيت التهدئة، وإجراء انتخابات جديدة».

ويرى أبراش أن عدة أسباب داخلية وخارجية متعددة قادت إلى إمكانية تحقيق المصالحة. ويشرح: «داخليا، وصل الطرفان إلى طريق مسدود. حركة حماس وصلت إلى طريق مسدود، كمشروع مقاومة ووصلت إلى طريق مسدود في إقامة دولتها في غزة، وبدأت تفقد كل يوم مزيدا من شعبيتها ومصداقيتها. أما السلطة فقد وصلت هي الأخرى إلى طريق مسدود بعد طول مراهنة على التسوية السياسية، كما وصلت إلى نفس الطريق المسدود في المراهنة على الأميركيين والأوروبيين». وبالإضافة إلى «الطريق المسدود» الذي وصلت إليه كل من السلطة وحماس وفق أبراش، فإن وجودهما أيضا «أصبح مهددا». ويقول: «يعني حماس كان لها دور وظيفي تقبل به إسرائيل، واليوم يبدو أن القواعد تغيرت. التصعيد الأخير كان رسالة واضحة لحماس بأن وجودها أصبح محل تساؤل، وهذا هو حال السلطة، التي أطلق في حقها كثير من التهديدات الإسرائيلية، التي شملت أيضا التهديد بوقف التمويل، بالإضافة إلى وضعها الصعب الذي تسبب فيه استمرار الاستيطان والتهويد.. إذن وصلنا إلى وضع لدينا فيه سلطتان مهددتان حتى وهما تحت الاحتلال».

سبب آخر يراه أبراش مهما، وهو ثورة شباب 15 مارس (آذار)، التي من وجهة نظره، أثبتت إلى حد كبير أن الشارع الفلسطيني أصبح مستاء من حماس وفتح «كان هذا بداية تمرد». أما بالنسبة إلى الأسباب الخارجية، فيرجعها أبراش إلى الثورات العربية أولا، ويقول «الثورات العربية أثبتت لكل من حماس وفتح أنه لا يمكن المراهنة على أطراف خارجية». ويضيف: «السلطة كانت تعتمد على نظام حسني مبارك، وهذا انهار، وفقدت السلطة معه سندها العربي، وحماس كانت تراهن وتعتمد على سوريا، والأحداث في سوريا أبلغت رسالة مهمة لحماس، بأن دمشق لم يعد من الممكن أن تكون الحليف الاستراتيجي».

كما يرى أبراش أن التغيير في فكر الإخوان المسلمين، سبب آخر مهم، ويردف: «الإخوان المسلمون مقبلون على أوضاع جديدة، وسيشاركون في النظام السياسي القادم، لقد أبلغوا حماس: لن نكون مستعدين لأي توتر أو تصعيد فلسطيني أو تصعيد في قطاع غزة. وطلبوا من الحركة أن تصالح السلطة». أما السبب الذي يجمع الطرفين، فهو إقامة الدولة، ويقول أبراش: «استحقاق أيلول (الذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية) قادم، أبو مازن يريد أن يكون محصنا بالمصالحة، وحماس تريد أن تكون جزءا من المعادلة القادمة». وهناك أسباب، لا يراها أبراش فلسطينية، بل مصرية «بحتة»، ويقول عنها: «هناك أسباب مصرية أيضا، مصر أرادت من خلال المصالحة أن تقول إنها عادت لدورها العربي، ومصر الجديدة تريد أن تنجز المصالحة كخطوة مسبقة لفتح معبر رفح، لأن بقاءه مغلقا يسيء لها».

وعلى أي حال لم تخف فتح أن ربيع الثورات العربية كان سببا في الاتفاق، وأنها انتبهت إلى دور الشباب الفلسطيني في الشارع وأنها تريد الذهاب إلى الأمم المتحدة متفقة مع حماس. كما لم تخف حماس أن التغيير المصري بالإضافة إلى التغيرات في المنطقة، قاد إلى المصالحة. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد التوقيع على اتفاق المصالحة: «نعلن البشرى لشعبنا من مصر التي تحملت على الدوام مسؤوليتها القومية والتاريخية لدعم الشعب الفلسطيني، أننا نطوي وإلى الأبد صفحة الانقسام الأسود». وأضاف: «إن إنهاء الانقسام يجيء في لحظة فارقة في مسيرتنا الوطنية (...) ونحن نمضي نحو استحقاق أيلول الذي نراه استحقاقا واجب الأداء من المجتمع الدولي كي تولد دولة فلسطين وكي ينال شعبنا حقوقه».

أما خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، فقال إن الحركة تريد دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرض الضفة والقطاع. وأضاف «نريد أن نتفرغ من أجل تحقيق الهدف الوطني المشترك بأن نقيم دولة على الضفة عاصمتها القدس». وفي إشارة مباشرة إلى رغبة حماس في دخول الحياة السياسية من أوسع أبوابها، قال مشعل: «نريد أن نوحد الصف ونرتب البيت الداخلي في إطار منظمة التحرير ومرجعية واحدة ومؤسسات واحدة وقضية واحدة وسلطة واحدة». كما دعا إلى مواصلة التفاهم لإدارة مشتركة للصراع السياسي وللمقاومة بكل أشكالها. وفوق كل ذلك، تحدث مشعل عن استعداد حركته لإعطاء مزيد من الوقت للسلام، لكن ضمن استراتيجية عربية شاملة تكون حماس جزءا منها. إذن تغير الخطاب الحمساوي، وقال مشعل: «لا نريد أن نحارب أحدا.. نريد دولة».

ويقول المحلل السياسي هاني المصري إن «التغييرات الكبيرة في المنطقة، قادت إلى تغيير في فكر حماس، الحركة ترى كيف أن الشعوب بدأت تجنح للتغيير عبر الانتخابات وبطرق سلمية، هناك تغيير كبير ويرافقه تغيير كبير في فكر الإخوان المسلمين الآن، الإخوان لديهم مشروع أوضح الآن، إنهم يريدون أن يدخلوا الحكم في مصر، وطلبوا من حماس التجاوب مع التغييرات الحاصلة في المنطقة». ويشير المصري إلى خطاب مشعل باعتباره تاريخيا في مسيرة حماس، ويقول: «كان يخاطب المجتمع الغربي، كأنه خطاب يصلح ليكون برنامج الحكومة المستقلة القادمة». ويضيف «الإخوان يريدون دخول الحكم في مصر، هذا طمأن حماس، وجعلها أسرع في التكيف، كان هذا واضحا في خطاب خالد مشعل الذي بدا أنه يتحدث عن مشروع كبير، مشروع سياسي تريد أن تقوده حماس».

ومن وجهة نظر المصري، فإن سببا آخر مهما قاد حماس إلى التوقيع، وهو الوضع في سوريا. ويقول عن ذلك: «قاعدة الحركة هناك في خطر، سوريا طلبت من حماس موقفا واضحا، ولم يعجبها موقف حماس الحيادي، الفلسطينيون هناك اتهموا بالأحداث بداية الأمر.. الإخوان المسلمون دخلوا الحرب على النظام السوري، كما أن الدول الحليفة لحماس مثل قطر مثلا تدعم الحراك الشعبي ضد سوريا».

أما بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فيقول المصري إن قلب الأسد عند الرئيس الفلسطيني هو الذي قاد إلى مصالحة، لكنه يضيف أن هذا القلب تشجع عند عباس بعد التغيير في مصر. ويشير إلى أن «اللغة والنفس مختلفان، دعما موقفه (عباس) بقوة». ولا يغفل المصري مشروع الدولة، ويقول إن مشروع إقامة الدولة ووصول السلطة إلى طريق مسدود في المفاوضات، بالإضافة إلى الحراك الشعبي في الضفة وغزة، «كل ذلك قاد أبو مازن للتوقيع مع حماس». كما لم يغفل أن حماس واجهت حراكا شعبيا في غزة، وأصبحت على أبواب حرب محتملة في القطاع، وهذا أيضا «قادها للتوقيع مع أبو مازن».

على أي حال، لا ترى إسرائيل التي وصفت الاتفاق بأنه خطر على عملية السلام، أنه سينجح، واستبعد رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يوفال ديسكين، حدوث مصالحة فلسطينية حقيقية بين حركتي فتح وحماس. وتوقع ديسكين عدم نجاح المصالحة الفلسطينية وقال إنها «تتدحرج منذ وقت طويل، وهي في الأساس لعبة (تبادل) اتهامات بين فتح وحماس وتهدف إلى اتهام كل طرف للآخر بفشل الاتفاق». واعتبر ديسكين أن المصالحة هي «خطوة تكتيكية وليست استراتيجية»، مشيرا إلى أن اتفاق المصالحة يتضمن بنودا لا أحد يعرف كيف سيتم تطبيقها.

وعلى الفلسطينيين الآن، أن يثبتوا عكس ذلك، في الأسابيع القليلة القادمة عندما يتفقون على آليات التطبيق، التي ستشمل تطوير وتفعيل منظمة التحرير وتشكيل الحكومة المستقلة، وتسيير شؤون الأمن في بلاد ما زال شعبها يتطلع للحرية، وهو يخضع لثلاث سلطات: الإسرائيلية والفتحاوية والحمساوية.