يد الإرهاب تعود إلى المغرب

جميع الافتراضات واردة بعد تفجير مقهى «أركانة».. والجريمة سجلت حتى إشعار آخر ضد «مجهول»

محققون مغاربة يجمعون أدلة من موقع التفجير الارهابي لتحديد هوية الفاعلين (إ.ب.أ)
TT

كان مستبعدا تماما أن يعود الإرهاب ليوجه ضربة جديدة إلى العالم العربي، خصوصا أن فترة الخمود امتدت سنوات إلى حد ساد انطباع أن الظاهرة المقلقة إلى انحسار.

وكان مذهلا ومثار حيرة أن يضرب الإرهاب البلد الذي استطاع أن يمتص بهدوء وعقلانية ظاهرة الاحتجاجات الواسعة النطاق، التي تأججت، خصوصا في دول حوض البحر الأبيض المتوسط الجنوبي.

وكان مدهشا أن يضرب الإرهاب في واحدة من أكثر المدن المغربية استقرارا، لذلك اعتبرت ومنذ عقود عاصمة السياحة في المغرب، وكان أمرا أقرب ما يكون إلى «أفلام السينما الأميركية» أن تكون الضربة في «ساحة جامع الفنا» التي صنفتها منظمة اليونيسكو باعتبارها «تراثا إنسانيا ثقافيا شفويا»، ويعتبرها المغاربة ساحة للبهجة والسرور، وكان ذلك بضغوط وعمل دؤوب من كتّاب عالميين عشقوا مراكش، من أمثال الكاتب الإسباني العالمي الإسباني خوان غويتيسولو.

كان ذلك الصباح صباحا عاديا في «ساحة جامع الفنا»، في العادة لا تكتظ الساحة في الصباحات أو في منتصف النهار، لكنها تمتلئ ملء سعتها بعد الظهر. لذلك لم يكن هناك كثيرون من مروضي القرود والثعابين، والرواة، والعرافين والعرفات، والراقصين، وباعة المصنوعات التقليدية.

في نحو الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة (الخميس 28 أبريل «نيسان») اهتزت الساحة على دوي انفجار قوي، حتى اعتقد كثيرون أن الرعد ضرب ضربة غير مسبوقة أحد أطراف المدينة. لكن المشهد كان يبعث على القشعريرة والتقزز، حيث شاهد بعض من كانوا في الساحة أن أطرافا بشرية تتطاير من الطابق العلوي لمقهى «أركانة»، الذي يعد إلى جانب مقاهي «فرنسا» و«كلاسي» و«الهمبرة» الأماكن المفضلة للسياح وزوار المدينة، الذين يستهويهم مشاهدة ما يجري على الساحة من شرفة أحد هذه المقاهي، وكأنهم يتابعون عرضا مسرحيا في مسرح مكشوف، وهم يتلذذون بشرب كاسات الشاي الأخضر بالنعناع، وأكل الحلويات المغربية.

مع دوي الانفجار تهدم جزء من واجهة مقهى «أركانة»، ساد انطباع أن سبب الانفجار هو أنابيب الغاز التي تستعملها مقاهي ومطاعم «ساحة جامع الفنا» في الطهي، لكن بعد وصول الشرطة عقب فترة وجيزة تبين أن الأمر لا علاقة له بانفجار أنبوبة غاز، بل يتعلق بانفجار تسببت فيها عبوات ناسفة. تأكد وقتها أن المغرب تعرض لضربة إرهابية جديدة.

هذه المرة، وعلى عكس ما حدث في مايو (أيار) 2003، عندما هاجم انتحاريون عدة مناطق سياحية في الدار البيضاء وأدت تلك التفجيرات إلى مقتل 31 شخصا وجرح أكثر من مائة شخص، لم يؤدِّ الحادث إلى رد فعل عنيف، إذ لم تحدث اعتقالات عشوائية كما حدث في المرة السابقة، بل إن عددا من الذين تم إيقافهم أطلق سراحهم بعد ساعات، ورسميا لم تعلن السلطات عن اعتقال أي شخص على أساس أنه منفذ الحادث أو متورط في التنفيذ، كما لم يوجه الاتهام إلى شخص محدد.

وكانت تفجيرات الدار البيضاء قد أدت إلى اعتقال المئات من المتطرفين، خصوصا من تيار السلفية الجهادية، وتعرض كثيرون للتعذيب في معتقل تمارة الذي يوجد في ضواحي الرباط، إلى حد أن العاهل المغربي الملك محمد السادس نفسه قال في حوار مع صحيفة «البايس» الإسبانية إن تجاوزات قد حدثت.

هذه المرة طلب العاهل المغربي من السلطات «إجراء تحقيق قضائي نزيه وشفاف»، للوصول إلى الحقيقة، وكانت تلك إشارة إلى أن ما حدث عام 2003 يجب أن لا يتكرر.

وكان لافتا أن السلطات المغربية قررت ومنذ الوهلة الأولى أن تشارك في التحقيقات وعمليات البحث والتحري، مجموعات أمنية أجنبية، حيث يشارك حاليا خبراء من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وأميركا، لاعتبارين: الاعتبار الأول كما قال مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط»، حتى يحصل المغرب على تأكيد دولي بشأن نزاهة ودقة المعلومات التي سيحصل عليها، وبالتالي إذا تم توجيه الاتهام إلى جهة نتيجة للتحقيقات يكون ذلك بإقرار هذه الدول. والاعتبار الثاني أن رعايا من هذه الدول، خصوصا فرنسا وبريطانيا، فقدوا مواطنين لهم في تفجير «ساحة جامع الفنا».

كان لافتا أن السلطات المغربية تمهلت كثيرا قبل أن تعلن هويات جميع الذين قتلوا أو جرحوا. وجاء في الحصيلة النهائية لانفجار «ساحة جامع الفنا» أن الحادث أودى بحياة 16 شخصا وجرح 21 آخرين، والأشخاص الذين قتلوا في الحادث هم ثمانية فرنسيين وبريطاني وكندي وهولندي وبرتغالي وسويسري وثلاثة مغاربة. واستعانت السلطات بالحمض النووي للتعرف على هويات الضحايا. وكان عشرة جرحى غادروا مستشفيات مراكش، في حين بقي ستة فرنسيين وثلاثة مغاربة وهولنديان قيد العلاج. ونقل سبعة جرحى من جنسيات مختلفة إلى بلدانهم، وغادر ثلاثة أشخاص المستشفى، إذ كانت إصاباتهم طفيفة بعد تلقيهم العلاج في اليوم الأول من وقوع الانفجار.

وبقي السؤال الأساسي معلقا: ما الجهة التي نفذت اعتداء مراكش الإرهابي؟ حتى الآن هناك عدة فرضيات، بيد أن الفرضية الرسمية المغربية أشارت إلى أن الطريقة التي نفذ بها التفجير تشير إلى أنه أسلوب «القاعدة»، أي وضع استعمال مواد شديدة الانفجار والتحكم فيها مِن بُعد، وهو ما رجح فرضية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهذا تنظيم متطرف كان اسمه في الأصل «الجماعة السلفية للدعوة والقتل»، ينشط في منطقة الساحل والصحراء في أطراف المغرب العربي. وكان هذا التنظيم قد اختطف عدة أوروبيين من قبل ما بين مالي وموريتانيا. لكن سيتضح لاحقا أن شريط الفيديو الذي وزعته «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تضمن تهديدات بتنفيذ عمليات إرهابية في المغرب، يعود تاريخ تسجيله إلى عام 2007، وهو ما ألقى المزيد من الظلال على التحريات.

حول الفرضيات التي تدور حولها التكهنات، قدم الباحث السياسي المغربي محمد ضريف، وهو أحد المتخصصين في الجماعات الإسلامية ويملك معلومات يعتد بها، رؤيته كالتالي: قال ضريف لـ«الشرق الأوسط»: «لا أستطيع حتى الآن ترجيح فرضية على أخرى»، وأضاف: «المغرب (الرسمي) تحدث عن فرضية تورط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، استنادا إلى أن (القاعدة) تعتمد على أسلوب العبوات الناسفة والتحكم فيها مِن بُعد، لكن (القاعدة) تستعمل أيضا الانتحاريين، وتنفذ عمليات متزامنة كما حدث في تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، وذلك بهدف قتل أكبر عدد من الضحايا».

وحول تفسيره أن «القاعدة» لم تعلن حتى الآن تبنيها مسؤولية تفجير مراكش يلاحظ ضريف أن «هذا ليس ضروريا لأن (القاعدة) لم تتبنَّ حتى الآن تفجيرات قطارات مدريد التي وقعت في مارس (آذار) عام 2004، لكن موضوع ترجيح أن تكون (القاعدة) خلف التفجير بسبب استعمال عبوة ناسفة يبدو غير مقنع، لأن هناك تنظيمات ومافيات تلجأ إلى الأسلوب نفسه، من ذلك منظمة (إيتا) الباسكية في إسبانيا، وهناك قاضٍ في إيطاليا قتل مؤخرا بالطريقة نفسها، أي وضع عبوة ناسفة تحت سيارته، ووجه الاتهام إلى المافيات».

ويرى ضريف أن اختيار مدينة سياحية مثل مراكش فيها حضور فرنسي قوي ليس كسياح فقط، بل كمقيمين، وبالتالي ربما تكون هذه أقرب طريقة لاستهداف مصالح فرنسية.

وكان لافتا أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تعهد وبعبارات غاضبة أمام جثامين الثمانية في مطار أورلي قائلا: «سنبذل قصارى جهدنا لإلقاء القبض على الفاعلين وتقديمهم للعدالة، وفرنسا لن تترك هذا العمل يمر دون عقاب». ومضى يقول: «لن يرتاح الإرهابيون، أينما كانوا، وفي أي مكان اختبأوا سيتم القبض عليهم، وسيدفعون ثمن جريمتهم».

ويقول ضريف إن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» اختطفت من قبل نمساويين في تونس، كما أن المغرب سبق له أن فكك «خلية امغالا» التي كانت عبارة عن ذراع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في المغرب.

وهناك في المغرب من افترض أن تكون للعملية علاقة بتداعيات الحرب الدائرة في ليبيا، خصوصا أن المغرب عضو في «مجموعة الاتصال» التي تشن الضربات الجوية ضد نظام العقيد معمر القذافي، على الرغم من أن المغرب رفض منذ البداية المشاركة في العمليات العسكرية، وأعلن أنه يحبذ حلا سياسيا، واستقبل لهذا الغرض مبعوثا يمثل العقيد معمر القذافي هو عمران بوكراع نائب وزير الخارجية الليبية للشؤون العربية، كما استقبل وفدا من المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل الثوار الليبيين، لكن محمد ضريف يستبعد هذا الاحتمال، ويقول في هذا الصدد: «هناك أشخاص لهم ارتباط مع العقيد القذافي يوجدون في فرنسا وبريطانيا، وإذا استطاع تنفيذ ضربة في قلب باريس ستكون فعلا ضربة موجعة، وإذا كان القذافي سيذهب في هذا الاتجاه ربما كان اختار قطر التي تلعب دورا نشطا في التحالف المناهض له، وربما يأمل القذافي أن يلعب المغرب دور وساطة، لذلك أستبعد أن يستهدفه القذافي بعملية تفجير مثل الذي حدث في مراكش».

وحول فرضية أن تكون جبهة البوليساريو لها علاقة بالموضوع، يقول ضريف: «الانفصاليون (البوليساريو) ضد اقتراح الحكم الذاتي ويريدون استفتاء في الصحراء، وقرار مجلس الأمن الذي مدد مؤخرا لبعثة المينورسو (البعثة الأممية في الصحراء) سنة أخرى حتى أبريل من العام المقبل، كان لصالح المغرب، لذلك فرضية أن تكون للبوليساريو علاقة بالموضوع واردة لكنها تبقى مجرد فرضية».

ويشير ضريف إلى أن بعض السياسيين المغاربة يقولون في أحاديثهم الخاصة إن هناك جهات داخل المغرب ليس في مصلحتها الإصلاحات التي أعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في مارس، ويتبنى هؤلاء نظرية المؤامرة، خصوصا أن الملكية نجحت في الاستجابة لمطالب الشارع وامتصت غضب الشاب، وبالتالي تكون هناك جهة ما تريد التراجع عن الإصلاحات».

المؤكد الآن أن الإرهاب ضرب ضربة في المغرب، وكانت الضربة موجعة لأن الاقتصاد المغربي ظل صامدا في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، بفضل مداخيل السياحة، إلى جانب ارتفاع أسعار الفوسفات، وتحقيق الموسم الفلاحي لنتائج مشجعة.

ويخشى المغاربة أن يؤدي تفجير «ساحة جامع الفنا» التي ستخلد يوم 18 مايو، الذكرى العاشرة لإعلان منظمة اليونيسكو «ساحة جامع الفنا» تراثا إنسانيا، إلى ضربة موجعة للسياحة، وهو قطاع يحتاج إلى وقت طويل حتى يتعافى من نكساته.