العربي.. «أمين» الإجماع

دبلوماسي الثورة المصرية وصهر الصحافي الشهير هيكل انتخب أمينا عاما للجامعة العربية

TT

دخل وزراء الخارجية العرب اجتماعهم في القاهرة يوم «الأحد» الماضي ليختاروا أمينا عاما جديدا لجامعة الدول العربية خلفا لعمرو موسى الأمين المنتهية ولايته، وكان أمامهم خياران، المرشح المصري الدكتور مصطفى الفقي، ومرشح قطر عبد الرحمن العطية، فإذا بهم يختارون الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري، في ما اعتبره الكثيرون مفاجأة لم تكن متوقعة.

وحملت الساعات الأخيرة خلافات كثيرة حول المرشحين، إلا أن اجتماعا بين وزير الخارجية المصري ونظيره القطري حسم الأمر، فقد كان الوزراء العرب يرغبون في حسم الأمر بالتوافق كما جرت العادة، لا بالانتخاب، وتعهدت قطر بسحب مرشحها إذا ترشح العربي الذي يلاقي توافقا عربيا، بعكس الفقي الذي لاقى ترشيحه لتولي أمانة الجامعة العربية اعتراضات من بعض الدول العربية، بدعوى أن صاحب هذا المنصب لا بد أن يكون وزيرا، وهو ما يتوافر في العربي الذي فرح البعض باختياره أمينا للجامعة على أمل أن يعيد الكيان العربي إلى رونقه، بينما رأى آخرون في اختيار العربي انتكاسة لعمل الخارجية المصرية التي بدأت تستعيد قوتها، بعد فترة ركود عانت منها في عهد وزرائها السابقين إبان حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

وتعهد العربي في كلمته التي ارتجلها في الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب لاختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية بتعزيز العمل العربي المشترك وتحقيق طموحات الشعوب العربية، معتبرا أنه يتولى هذه المهمة الصعبة في وقت تمر فيه الأمة العربية بالكثير من المشكلات. وقال «العمل العربي المشترك يمر بأزمة، وعلينا جميعا أن نتكاتف، ونحقق طموحات الشعوب العربية».

الإجماع العربي على شخص نبيل العربي عززته مجموعة من المقومات، فهو يعتبر من الشخصيات التي تحظى بالتقدير داخل مصر وخارجها، لما يتمتع به من خبرة دبلوماسية وقانونية عميقة ومتميزة، استطاع أن يكتسبها من خلال تدرجه في المناصب التي تولاها في المحافل المصرية.

ورُشح العربي ثلاث مرات لتولي حقيبة الخارجية المصرية خلال الأعوام العشرين الماضية، فمع كل تغيير وزاري كان يطرح اسمه، إلا أنه في المرات الثلاث اختار الرئيس السابق كلا من عمرو موسى وأحمد ماهر وأحمد أبو الغيط لهذا المنصب على التوالي، ومع تشكيل حكومة تصريف الأعمال برئاسة الدكتور عصام شرف طرح شباب ثورة «25 يناير» اسم العربي بقوة لتولي حقيبة الخارجية في لحظة تاريخية حاسمة في تاريخ مصر.

وقبل العربي المنصب رغم أنه كثيرا ما انتقد السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الأخيرة، ودعا إلى مراجعتها، خصوصا في ما يتعلق بموقف مصر من الحصار المفروض على قطاع غزة، معتبرا أنها لم تكن تعالج ذلك بأسلوب يؤدي إلى اتخاذ القرارات بعد دراسة متأنية لجميع أبعاد المسائل المطروحة بواسطة خبراء متخصصين. وقال العربي «إن السياسة الخارجية المصرية لم تكن تعدو أن تكون ردود فعل للأحداث، وكانت القرارات تتخذ بأسلوب فردي، وأحيانا بطريقة عشوائية تتم من دون الدراسة المطلوبة».

ورغم أنه لم يمض على تولي العربي لحقيبة الخارجية المصرية سوى أقل من ثلاثة أشهر، فإنه استطاع تحقيق نجاحات لافتة، أبرزها توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية. وحذر العربي إسرائيل بلهجة شديدة من الإقدام علي أي عمل عسكري ضد غزة، وهو ما قوبل باستنكار إسرائيلي شديد، وترحاب شعبي مصري كبير بعدما كاد المصريون ينسون تلك التصريحات لأنهم اعتادوا على تصريحات رموز نظام مبارك التي تدعو لـ«ضبط النفس». وساعد العربي خلال هذه الفترة القصيرة في إذابة بعض الجليد في العلاقات بين القاهرة وطهران، كما رتبت الخارجية بالتعاون مع وفد الدبلوماسية الشعبية لجولة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف الأفريقية التي وقع فيها عددا من اتفاقيات التعاون المشترك، أبرزها تلك التي وقعها في إثيوبيا، ليحل بعضا من المشكلات التي تركها النظام السابق مع دول حوض النيل، بسبب الخلاف حول حصص توزيع مياه النهر، كما طالب العربي إسرائيل بدفع فروق أسعار الغاز المصري المصدر إليها منذ عهد حسني مبارك، وأسهم العربي في حل أزمة المصريين العالقين في تونس والذين نزحوا هربا من عمليات القتل التي ترتكبها كتائب القذافي، وتدخل من أجل الإفراج عن المهندس المصري المحتجز في سوريا بتهمة الجاسوسية.

ويعد العربي الأمين العام السابع للجامعة العربية، كما أنه سادس مصري يتولى هذا المنصب، الذي لم يخرج عن المصريين سوى لمرة واحدة، في الفترة من عام 1979 حتى عام 1990 حين تولاه آنذاك التونسي الشاذلي القليبي، في فترة المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل.

ويبلغ العربي من العمر 76 عاما، فقد ولد في مارس (آذار) عام 1935، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955، وحصل على درجة ماجستير في القانون الدولي، ثم الدكتوراه في العلوم القضائية من مدرسة الحقوق بجامعة نيويورك. وعمل مستشارا قانونيا للوفد المصري أثناء مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، كما ترأس وفد مصر في التفاوض، لإنهاء النزاع حول منطقة طابا الحدودية مع إسرائيل في الفترة من 1985 - 1989.

وخلال عمله في الخارجية المصرية تنقل العربي بين العديد من المناصب، فقد عمل سفيرا لمصر لدى الهند (1981 - 1983)، وممثلا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة في مقرها الأوروبي بجنيف (1987 - 1991)، ثم في مقرها الدائم بنيويورك (1991 - 1999). وخلال عمله في مقر المنظمة الدولية كان عضوا بلجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي (1994 - 2001)، وعمل كذلك مستشارا للحكومة السودانية في التحكيم بشأن حدود منطقة أبيي بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان.

وعقب تركه تمثيل مصر بالأمم المتحدة، عمل العربي قاضيا في محكمة العدل الدولية من 2001 إلى 2006، وكان عضوا في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي منذ 2005. وكان ضمن القضاة الذين أصدروا حكما تاريخيا في يونيو (حزيران) عام 2004 بإدانة الجدار الفاصل التي تبنيه إسرائيل واعتبروه غير قانوني. وفي عام 2009 كلفت الحكومة المصرية نبيل العربي بإعداد الملف المصري القانوني لاستعادة تمثال الملكة نفرتيتي من برلين.

وفي 4 فبراير (شباط) 2011 وخلال اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، اختير العربي عضوا في لجنة الحكماء التي تم تشكيلها أثناء اندلاع الثورة، قبل أن يتم اختياره في السابع من مارس الماضي وزيرا للخارجية في حكومة الدكتور عصام شرف، خلفا لأحمد أبو الغيط الذين اعتبره الثوار مواليا للرئيس السابق مبارك، ولم يحقق نجاحا يذكر منذ توليه الوزارة في عام 2004.

ولعب عمرو موسى دورا كبيرا في طرح اسم العربي لخلافته، بعدما أجرى مشاورات عربية حول المرشحين، ووجد موافقة من الدول العربية على المرشح المصري عامة شريطة أن يتم الدفع بمرشح ذي ثقل يلقى ترحيبا في العواصم العربية، وهو ما انطبق على العربي.

ولعبت الأقدار دورا طريفا في أن يتبادل عمرو موسى ونبيل العربي المناصب على مدار أكثر من 25 عاما، فموسى خلف العربي في منصب سفير مصر لدى الهند، بينما خلف العربي موسى في مناصب مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك والأمين العام لجامعة الدول العربية، كما تولى الاثنان حقيبة الخارجية المصرية في فترات مختلفة.

واعتبر بعض المراقبين أن علاقة المصاهرة التي تجمع العربي بالكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل (متزوجان من شقيقتين) لعبت دورا مهما في خلافته لعمرو موسى، إذ لعب هيكل دورا مهما عن طريق علاقته القوية بالنظام القطري في إقناع الدوحة بسحب مرشحها ودعم العربي.

ورغم أنه لم يتول بعد مهام منصبه الجديد، فإن صحيفة «لوموند»، إحدى كبريات الصحف الفرنسية، وصفت اختيار العربي بأنه «صوت العرب الجديد»، معتبرة أن عدم ترشيحه من قبل الرئيس المصري سيعطيه هامشا أكبر من المناورة داخل الجامعة العربية.

واعتبرت الصحيفة أن سياسة العربي في الجامعة العربية ستتوقف في جزء كبير منها على قدرة أنظمة الدول الأعضاء على تبني الحلول الوسط اللازمة، وهو أمر يبدو أكثر صعوبة في ظل الثورات العربية الحالية، مشيرة إلى قدرته على تحقيق تعايش بين بعض النظم الديكتاتورية إذا ما تمكنت من إخماد الثورات، وبين أنظمة ملكية مطلقة وبرلمانية وأخرى أكثر ديمقراطية، إذا ما حققت الثورتان المصرية والتونسية ثمارهما. وبالنسبة للشأن الفلسطيني، توقعت الصحيفة أن العربي سيتخذ نهجا لن يشعر إسرائيل بالارتياح، استنادا إلى مواقفه الأخيرة من فتح معبر رفح ورفض القصف الإسرائيلي على غزة ورفض تصدير الغاز لإسرائيل.

واستبقت وسائل الإعلام الإسرائيلية تولي العربي رسميا مهام عمله، بوصفه بأنه «معاد للسامية»، وهو اتهام معتاد توجهه إسرائيل لمن يعارض مواقفها السياسية أو يرفض ممارستها تجاه الشعب الفلسطيني، والسبب في ذلك مواقف العربي السابقة تجاه الدولة العبرية، فالعربي، رغم مشاركته في مفاوضات اتفاقية كامب ديفيد، فإنه كثيرا ما هاجم الاتفاقية، مطالبا بإعادة النظر في بنودها، حيث يرى أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم تضر الشعب المصري وحافظت على السلام بين الدولتين، لكنها أضرت الشعب الفلسطيني أكثر، ويؤكد على ضرورة إبقاء اتفاقية السلام باردة بين مصر وإسرائيل لكن في الوقت نفسه دون المساس بشكل سلبي بالمصالح الاقتصادية المصرية أو المصالح الفلسطينية.

وصرح العربي مؤخرا بأن مصر ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل، مضيفا «هناك أمور تحتاج إلى النظر فيها، على سبيل المثال تم الاتفاق في كامب ديفيد واتفاقية السلام على أن إسرائيل تدخل في سلام مع جميع الدول التي تقبل الدخول في سلام معها، وهذا ما لم يحدث»، وضرب مثلا على ذلك برغبة الفلسطينيين في الدخول في سلام مع إسرائيل التي ترفض.

كما أن إسرائيل لن تنسى للعربي مواقفه المعارضة لبناء جدار الفصل العنصري خلال وجوده في محكمة العدل الدولية بلاهاي، ومطالبته بمقاضاة إسرائيل وقادتها بتهمة قتل الشعب الفلسطيني، كما انتقد الموقف الذي كانت تتبناه مصر تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة، وأكد أنه يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني.

ورغم أن عمرو موسى الأمين العام المنتهية ولايته استعرض في مؤتمر صحافي عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب الإنجازات التي حققها خلال توليه منصبه، فإن بعض المحللين والخبراء انتقدوا أداء الجامعة، معتبرين أن موسى لم يضف جديدا. وقال موسى إن الجامعة شهدت عددا من الإصلاحات الداخلية خلال العقد الماضي، ونجحت في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بينها وبين مختلف الكيانات السياسية العالمية.

ويرى منتقدو موسى أن ما حققته الجامعة خلال السنوات العشر الماضية لم يرق إلى المستوى المطلوب، معتبرين أن المبادرة العربية للسلام التي طرحتها الجامعة في القمة العربية عام 2001 بشأن التوصل إلى سلام عادل وشامل مع إسرائيل دليل على فشل سياسات الجامعة، بسبب رفض إسرائيل لها، كما أن فترة ولاية موسى شهدت الحرب على العراق، والحرب على لبنان، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وانفصال جنوب السودان عن شماله.