أغاني الربيع العربي

في مصر «صوت الحرية بينادي» و«بحبك يا بلادي» و«الشعب يريد إسقاط النظام» في ساحات الثورة اليمنية وفي تونس تتقلب الموجات الإذاعية بين «هرمنا» و«غرام في اعتصام» و«سيدي الرئيس»

جلسات فنية في ميدان التحرير أثناء الثورة المصرية («نيويورك تايمز»)
TT

مثلت الثورات العربية منذ يومها الأول تغييرا ومرحلة عبور نحو وضع جديد، وهبت رياح هذا التغيير على كل المجالات، تشكيلات الأحزاب السياسية تغيرت وتنوعت بين الصادقين والمندسين، أساليب المعاملات الإدارية تغيرت، الأجهزة الأمنية كذلك غيرت أساليبها بين الأداء الأدنى والغياب الكلي أحيانا لأسباب سياسية وأخرى وظيفية.

الفن كان أحد القطاعات التي تأثرت بشكل جلي، إن لم نقل جذريا، فغابت الأسماء الكبيرة التي تعود الناس عليها، والتي برر غيابها بالترقب، ووصف من ثوريين بالعمالة للأنظمة السابقة. وتحولت الأغاني العربية من العاطفة الفردية إلى العواطف الجماعية الملتهبة. فردد محمد الأضرعي في اليمن «الشعب يريد إسقاط النظام» التي لاقت نجاحا جماهيريا ساحقا وتواصل بثها في مختلف القنوات العربية. وفي تونس غنى الجنرال «سيدي الرئيس» و«أنا حر» في تعبير عن أحاسيس شباب الثورة. لكن حتى مجال الغناء لم يستثن من دائرة التخوفات التي تشهدها مرحلة الثورات وما بعدها ويتم التشكيك في الأوساط الفنية حول مدى مصداقية الفنانين وتتداول تهم بالنفاق من أجل اقتسام «كعكة الثورة».

في مصر لم تتوقف الأغنيات التي ظهرت في أعقاب ثورة «25 يناير» المصرية، التي نجحت في إسقاط نظام الحكم بمصر وإجبار الرئيس السابق حسني مبارك على التنحي، على مطرب بعينه أو على لون غنائي محدد أو عند حدث واحد من أحداثها.

فمع أول أيام الثورة وحتى اليوم، يتوالى صدور أغنيات جديدة، لمطربين كبار وشباب، أو لأصوات تظهر لأول مرة أو لفرق موسيقية، تتحدث عن بطولة الشباب أو أرواح الشهداء الذين سقطوا في أيام الثورة، أو تمدح تكاتف المصريين في ميدان التحرير، كما ينتقد ويذم بعضها النظام السابق.

وبعض من هذه الأغنيات كتب له النجاح ولا تزال تتردد حاليا على ألسنة الجمهور، وانتقلت إلى نغمات على أجهزة الجوال، أو إلى أعراس بعض الشباب. وعلى العكس من ذلك هناك أغنيات ظهرت وانتهت سريعا، لخلوها من الإبداع في الكلمة أو اللحن أو لأنها كتبت ونفذت على عجل. اللافت أيضا بروز شهادة ميلاد جديدة لأغنيات وطنية قديمة، كانت الثورة بمثابة إحياء لها عند إذاعتها في إذاعات ميدان التحرير مسرح عمليات الثورة. ومن أبرز أغاني الثورة، أغنية «صوت الحرية بينادي»، التي قدمها هاني عادل وأمير عيد مطربا فرقة «رسالة» والتي أسهم في أدائها حشد من جماهير ميدان التحرير فهي من الأغنيات التي لاقت نجاحا عند الجمهور. وتقول كلماتها «نزلت وقلت أنا مش راجع، وكتبت بدمي في كل شارع، سمعنا اللي مكنش سامع، واتكسرت كل الموانع، سلاحنا كان أحلامنا، وبكرة واضح قدامنا.. في كل شارع في بلادي.. صوت الحرية بينادي»، ما يميز الأغنية أن تصويرها تم في قلب ميدان التحرير، مما يوحي أنها من صنع شباب التحرير أنفسهم، حيث ظهر خلالها الثوار يرددون كلماتها بصوت واحد، مما أعطى الأغنية مصداقية كونها بثا مباشرا من داخل الأحداث.

أيضا كلمات «قولوا لأمي متزعليش وحياتي عندك متعيطيش.. قولولها معلش يا أمي أموت أموت.. وبلادنا تعيش» والتي يعتبر كثيرون أن هذه الكلمات تشكل أغنية الثورة الأولى، وهي أغنية «بحبك يا بلادي»، التي لم يتمالك أمامها المصريون حبس دموعهم فور سماعها أو عرضها على الفضائيات، كونها تتحدث عن شهداء الثورة. الأغنية للملحن والمؤلف الشاب عزيز الشافعي بمشاركة المطرب رامي جمال.

يقول عزيز الشافعي لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت مع الثوار في ميدان التحرير منذ بداية ثورة (25 يناير)، وفي يوم جمعة الغضب شاهدت وتأثرت ككل المصرين بمشاهد القتلى والجرحى والشهداء الذين سقطوا غدرا، فوجدت أن من مسؤوليتي أن أشارك أسر هؤلاء الشهداء في حزنهم حتى لو بالغناء، فتخيلت حال الشهيد منذ لحظة إصابته وحتى خروج روحه، وأن ما يتمناه في هذا الوقت هو رؤية مصر في أجمل هيئة، فكتبت أغنية (بحبك يا بلادي)، وبعدما قمت بكتابة وتلحين الأغنية عرضتها على أكثر من مطرب لغنائها، ولكن لم يوافق أحد فقررت أن أغنيها بنفسي، وما أسعدني أنها استطاعت أن تلمس قلوب المصريين».

كذلك حرص عدد من المطربين المصريين على طرح أغان يتفاعلون بها مع أحداث الثورة المصرية وإثبات ولائهم لها، منها أغنية «مصر قالت» لعمرو دياب، و«القاهرة» لعلي الحجار، «اعلي يا مصر» لمصطفى قمر، «دايما عايشين» لمحمد حماقي، «شهداء 25 يناير» لحمادة هلال، «بحبك يا بلدي» لعايدة الأيوبي.

واستغلت الفرق الغنائية الشبابية الثورة لإبراز مواهبها الفنية وبالتالي التنوع الموسيقي، من أبرزها فرق «شرقيات»، «أنا مصري»، «بالمقلوب»، «قمراوية»، «ابن البلد»، والتي تعرض أغنياتها للجمهور من خلال المراكز الثقافية بالقاهرة والإسكندرية وعلى رأسها «ساقية الصاوي». كما منح الإنترنت بدوره فرصة لظهور الكثير من المواهب الشابة التي تغني للثورة، خاصة على موقعي «يوتيوب» و«فيس بوك»، ومنها إلى آلاف المستمعين والمشاهدين.

فبحسب المطرب محمد النحاس، الذي يستخدم جيتاره في التلحين والغناء، فهو يقدم أغنيات يحاول بها كشف الفساد الذي خلفه النظام السابق، ولتتفاعل مع الأحداث اليومية بعد انتهاء الثورة، وهو ما جعل هذه الأغنيات تأتي بردود فعل قوية لدى الشباب على «فيس بوك». ومن أبرز أغنياته «أنا مش آسف يا ريس»، «يتربى في سجنك»، «الفتنة»، «تاني التحرير».

أما اللافت فكان في أغنيات «الراب» التي تم توظيف كلماتها لتعبر عن الثورة، وأبرزها أغنية «25 يناير» للفنان أحمد مكي ومحمد محسن، كما حملت بعض الأغنيات سواء لمطربين أو فرق غنائية أسماء معبرة عن مفردات شهدتها الثورة مثل «أسلاك شائكة»، خالد سعيد، «صباح الخير يا مصر»، «ثورة شعبية»، «نفس الكاس»، «كمل ثورتنا»، «فن التعذيب».

الطريف، أن الأغنيات الشعبية لم تغفل هي الأخرى الثورة، وظهر الكثير منها لمطربين مغمورين يتحدثون عن الثورة والبلطجية والفساد وقانون الطوارئ، وهي الأغنيات التي يمكن الاستماع إليها في حافلات الأجرة (الميكروباصات).

ولم تمر الثورة التونسية التي أطاحت بنظام بن علي في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، دون أن تطبع الحياة الاجتماعية والسياسية والفنية بطابع مختلف عما كان موجودا قبل الثورة. وقد أعطت الموجة الجديدة زخما كبيرا من الحريات مكنت الفرق الموسيقية والفنانين بمختلف مشاربهم الفنية من الانخراط في مسار الثورة البعض منهم عن قناعة وطواعية والبعض الآخر ربما بصفة إجبارية حتى لا يتخلف عن الركب. الثورة التونسية خلفت وراءها أدب الثورة، ومعرض الثورة وأغاني ما بعد الثورة، وهي بذلك تتجاوز مجرد تقديم أغنية من الأغاني البديلة أو الملتزمة إلى كلمات ذات مضمون يقترب من الشباب التونسي ويعبر عن مشاغله. وقد تمكنت كثير الفرق الموسيقية من الوصول إلى أسماع الشباب وهي تنتظر اليوم أن تصل إلى بصائرهم من أجل مجتمع مختلف عمنا ساد طوال عقود من الزمن.

من بين هذه المجموعات الموسيقية التي انطلقت في عملها بصفة مبكرة نجد مجموعة «ماسكوت» التي تأسست سنة 1999 عن طريق وجدي الطرابلسي، مؤسس الفرقة الذي قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الأغاني يجب أن تتوجه إلى الشباب التونسي وتطرح مشاغله في البطالة والبحث عن العمل وعن الزواج ونقد السلطات التونسية في طريقة تعاملها مع مشكلات التونسيين. لذلك تتحدث أغان عن مشكلات البطالة والانحراف والعلاقات الاجتماعية غير السوية. الشاعر الغنائي البشير اللقاني حاول دفع الفنانين التونسيين إلى تغيير المسار الغنائي نوعا ما والاتجاه نحو الأغاني التي تعبر عن الثورة. وأصدر لهذا الغرض كتيبا تضمن مجموعة من القصائد الغنائية اختار لها عنوان «الزنقة الأولى بعد الثورة» وقد اختار الفنان التونسي حسن الدهماني قصيدتين من بين تلك القصائد الأغنية الأولى عنوانها «غرام في اعتصام» وهي تحكي قصة عشق ولدت أثناء ما أصبح يعرف بـ«اعتصام القصبة» المنادي بالإطاحة بالحكومة المؤقتة التي ترأسها محمد الغنوشي. أما الأغنية التي سيؤديها الدهماني فعنوانها «شفافية».

وألهمت الثورة الكثير من التونسيين في مستويات فنية متعددة، وقد صرح البشير اللقاني بأن عبارة «هرمنا» التي نطق بها أحد التونسيين البسطاء وتداولتها مختلف وسائل الإعلام قد ولدت لديه فكرة كتابة أغنية كان عنوانها «هرمنا...هرمنا» وتقول كلماتها «هرمنا.. هرمنا، سكتنا ما تكلمنا، العيب فينا ساكن، والا الزمن ظالمنا». كما سيغني الفنان عمر ولد باب الله أغنية تحت عنوان «من أنتم؟» العبارة الشهيرة القادمة إلى العالم العربي في ليبيا. وبثت الإذاعة الوطنية التونسية منذ أيام أغنية «الشعب يريد عينه عالنظام» وقد أداها طفل لا يزيد عمره على سبع سنوات وأداها ببراعة وقد لحنها الفنان التونسي منير الغضاب.

ولئن جلبت أغاني ما بعد الثورة لها الكثير من الاهتمام من قبل الفئات الشابة، فلأن كثير الانتقادات قد وجهت لها من قبيل أنها أصبحت تجارة رابحة خلال هذه الفترة يحاول الفنانون الاستفادة من الواقع الجديد. ولعل الحملة الكبيرة التي تعرض لها الفنان التونسي لطفي بوشناق عند إعلان وزارة الثقافة التونسية عن نية افتتاح ليالي قرطاج من قبل بوشناق تحركت الساحة الفنية خاصة منها التي تعتبر أنها كانت وراء الثورة وقدمت أغاني ساعدت الشباب على الإطاحة بالنظام السابق، ولوحت نقابة المهن الموسيقية بمقاطعة حفل بوشناق في خطوة أولى والمهرجان في خطوة ثانية، وهو ما اضطر الوزارة للإذعان لهجوم النقابة وقررت أن يفتتح المهرجان فنانو الثورة وهم كل الذين حفزوا بأغانيهم الشباب وأججوا نيران الثورة. وقد ضمت القائمة مطربي «الراب» مثل الجنرال والممثل محمد علي بن جمعة الذي لديه محاولات في مجال موسيقى الراب. كما ظهرت على الساحة فرق الموسيقى البديلة التي أرغمت في السابق على الانطواء على نفسها ومغادرة الساحة الفنية وهي فرق معروفة بالتزامها بقضايا التونسيين وقد كادت في عقدي السبعينات والثمانينات من بين أهم الفرق الموسيقية. فلاحظ التونسيون رجوع فرق «البحث الموسيقي بقابس» وفرقة «أولاد المناجم» وفرقة «الحمائم البيض». ولئن ما زال الكثير منها يستهلك الأغاني التي اشتهر بها خلال العقود الماضية، فإن بعض الفرق حاولت اللحاق بالركب وتطوير أدائها ومحاولة الانسجام مع الروح الجديدة للثورة التونسية.

حول حفل ليالي قرطاج الذي يعتبر حفل أغاني ما بعد الثورة، قال فنان «الراب» المعروف باسم الجنرال، أنه أسهم منذ سنوات في ترديد أغان ذات طابع سياسي من بينها أغنية «سيدي الرئيس» التي ألفها ولحنها سنة 2008 وكلفته الوقوف أمام أمن الدولة التونسية. ويعتبر الجنرال في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أن البلاد لم تستقر بعد وأن المواضيع التي تتناولها أغنية خلال هذه الفترة تتجه نحو الحديث عن مستقبل البلاد وما يدور خلف الستار وهذا يشمل الحكومة الموجودة خلف الستار على حد تعبيره. ويعتبر الجنرال أنه أدى دوره بامتياز خلال فترة الثورة وأن ما بقي يعد أعسر لأن البناء يبدو أصعب من الهدم. وسألناه إن كانت الفرق الموسيقية المعتمدة على موسيقى «الراب» قد تحينت الفرصة للسيطرة على سلسلة الأغاني التي جاءت بعد الثورة وذلك باعتبار السهولة التي تطبع تلك الموسيقى، حيث إن الكلمات عادية وإن اللحن قد يتعمد من الموسيقى الإلكترونية، قال الجنرال إن التونسيين بإمكانهم الاختيار بين الأغاني التي تعبر حقيقة عن مشاغل ومشكلات الناس، وعن أغاني ما بعد الثورة التي جاء أصحابها متأخرين وركبوا الموجة الجديدة باطلا والحال أنهم كانوا قبل الثورة في سبات عميق على حد تعبيره. واعتبر الجنرال الذي ينشط بمدينة صفاقس (350 كلم جنوب العاصمة)، أن الكثير من الفنانين التونسيين دون تحديد واضح لهويتهم، قد ربحوا النصيب الأكبر من حفلات النظام السابق وهم اليوم يحاولون المزاحمة من جديد للفوز بـ«كعكة» الثورة كما عبر عنها.

أما عن سر اختياره لاسم الجنرال وإن كان للاسم علاقة ما مع الجنرال بن علي، ابتسم وقال إن اسمه الحقيقي هو حمادة بن عمر وقد اختار اسم الجنرال دلالة على أنه يتجه نحو الهجوم تماما مثل جنرالات الحرب ولا يخاف العدو الظاهر والباطن وأن سلاحه في المعركة هو الكلمة.

وأعد الفنان التونسي مجموعة من الأغاني المتماشية مع روح الثورة من بينها أغنية «أنا حر» التي مررتها الإذاعة التونسية أكثر من مرة وهي تقول «أنا حر أنا حر.. من الصغر ولدنا أحرار.. أنا حر أنا حر.. تعملناها واحنا صغار». وقال الماجري في حوار مع الإذاعة الوطنية التونسية، وهو من بين الفنانين الشباب في تونس، إنه يعزف القيثارة ويؤدي أغانيه بأحاسيس مختلفة عما كان سائدا خلال فترة حكم بن علي. ويتابع أنه «يتجرع أنفاسا جديدة من الحرية وبإمكان قيثارته أن تنطلق اليوم من عقالها دون أن تخضع لرقابة لصيقة».

وفي اليمن بلغت الأغنية الشعبية أوجها ووصلت قمة مستواها الفني والتحامها بالجماهير في هذه الفترة التي تشهد ثورة شعبية في كافة المدن اليمنية، ولعل المتابع لحراك الساحات يتبين له الدور الكبير الذي تلعبه الأغنية والأنشودة اللتان سارتا جنبا إلى جنب دون فروق في العطاء، فقد اصطف الشعب اليمني في وحدة أمام رغبته الصادقة في طلب التغيير واستنفر موروثه من الفن فكان للحن دوره وللكلمة فعلها في شعب يميل إلى الطرب والغناء بطبعه.

ولما كان لكل ساحة من ساحات الاعتصام إيقاعها الخاص بها، ولكل مدينة يمنية خصوصيتها وجدنا تنوعا في الأداء الشعبي، إضافة إلى استرجاع الذاكرة الجماعية التي تكونها الموروثات المشتركة من الأغاني الشعبية التي لم تعد تبث إلا في المناسبات الوطنية لليمن، هذه الذاكرة التي لا شك أنها تكونت عبر مراحل طويلة من نضال هذا الشعب، وتشكلت بفعل مؤثرات خلدت في وجدان المواطن اليمني كلمة ولحنا، مما يرقى ليكون إرثا شعبيا يمثل تاريخ أمة.

ولم يقتصر الأداء الشعبي على الأغنية بل شهد منافسة حادة من قبل عمالقة الإنشاد الذين ظلوا طويلا خلف الأضواء واستمروا في تحوير عدد من الأغاني العربية واليمنية لصالح التعبير عن هموم المواطن اليمني بكلمات ساخرة، وجد هؤلاء فرصتهم للظهور والتعبير بحرية أمام جماهيرهم، كالمنشد محمد الأضرعي وفهد القرني وحاميم وجميل قاضي، كما ظهر آخرون اعتلوا المنصات وصدحوا بأناشيدهم الحماسية، التي قامت بدور كبير في إلهاب الحماس لدى المعتصمين واستنفارهم طيلة خمسة أشهر ولا يزالون مرابطين في الساحات.

ولا يقتصر دور الأغنية الشعبية على التعبير عن هموم الشعب، بل إنها تستنهض الهمم وتعبر عن تطلعات الجماهير ورغبتها في الحرية والكرامة، والبحث عن مستقبل واعد بالخير، كما تشيد الأغنية الشعبية بدور الأبطال الذين ساروا على دروب الحرية، وصاروا رموزا يمكن الاقتداء بسيرتهم في دروب الحرية، كما استطاعت الأغنية الشعبية شحذ همم الجماهير للبقاء لأطول فترة في الساحات ومواصلة الاعتصام رغبة في التغيير، وفتحت الأمل في المستقبل القريب، لتستمر الساحات عامرة بأهلها.

وقد استطاعت الأغنية أن تعبر تعبيرا صادقا عن نبض الشارع اليمني بكل فئاته، وتعيير قناعات الشعب بفعل الموروث الغنائي، إضافة إلى إضفاء أجواء المرح والفكاهة على الساحات، كذلك بث روح التفاؤل والأمل لدى المعتصمين، والسخرية من محاولات النظام في رد الشعب عن تطلعاته.

وإذا كان الأضرعي والقرني هما الأكثر شهرة من المنشدين فإن ساحة الإبداع الشعبي شهدت حضورا لعدد آخر من المنشدين والمسرحيين كالمنشد حاميم الذي اشتهر بأنشودته «يمانيون»، وجميل قاضي وخليل الآنسي وعبد القادر قوزع ومحمد قحطان ومالك المجيدي وغيرهم إضافة إلى الفرق الإنشادية التي تعتمد على الأداء الجماعي.

وكثيرة هي الأناشيد والأغاني الشعبية التي رددتها الساحات ولعل أشهرها: «الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل يا علي، كافي يا علي كافي، لون دمي يرعبكم، يا طفلة أبكت حروفي والقلم، ثورة، سلمية، زفة الرئيس» وغيرها.

ولم يقتصر تأثر الساحات بالأغاني الشعبية المحلية بل شهدت الساحات مشاركات من خارج اليمن فالمنشد الأردني عبد الفتاح عوينات تصدح أغنيته «كلما قلبك يماني السعادة تتبعك كلما طبعك يماني الأمل يصفى معك» في جنبات الساحات اليمنية.

كما تجيء مشاركة الفنان اليمني أحمد فتحي ووقوفه مع أهل مدينته الحديدة وإهداؤه أغنية «يا معتصم» تؤكد تضامن الفنان مع قضية وطنه.

وقد شهدت دور الإنتاج اليمنية ارتفاعا ملحوظا في مبيعات الألبومات، لا سيما للفنان أيوب طارش والأضرعي والقرني مما يؤكد دور الأغنية الشعبية والأنشودة في التعبير عن تطلعات الشعب وقدرة المبدعين من الفنانين على البوح بلسان الشعب والإفصاح عن آماله مما يسهم في تطوير الأداء الغنائي وجعله متواكبا مع مسيرة التغيير، التي تحتاج إلى شحذ همم واستنفار للطاقات ومواصلة لاستكمال المشروع الثوري، الذي تضافرت لإنجازه كل قوى الشعب، وكان الفن بمختلف أشكاله متواكبا مع الثورة وكانت للأغنية فعاليتها ودورها في الإسهام في مسيرة التغيير المنشود.