أشرطة فيديو الاحتجاجات السورية.. دليل حسي لإدانات «الدولية»

وفق الاجتهاد الأخير للقانون الجنائي الدولي أصدرت مذكرة توقيف دولية بحق القذافي استنادا إلى ما بث من أشرطة

فيديو لمظاهرة سوريين تطالب بإسقاط النظام
TT

على الرغم من التعتيم الإعلامي الذي تفرضه السلطات السورية على التحركات الشعبية التي تشهدها مجموعة من المدن السورية منذ 15 مارس (آذار) الماضي، في محاولة لطمس حقيقة التجاوزات والانتهاكات الإنسانية التي ترافقها، فإن عشرات أفلام الفيديو التي التقطها ناشطون ومعارضون سوريون عبر هواتفهم الجوالة، نجحت في كسر طوق الرقابة المفروضة قسرا، لتنقل الصورة الخفية من الصراع السياسي القائم بين النظام والمعارضة السورية.

ونجح ناشطو الثورة، من خلال شبكة الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، في خلق مساحة خاصة بهم، باتت مرجعا تعود إليه وكالات الأنباء العالمية ومختلف وسائل الإعلام، العربية منها والأجنبية، بحيث باتت صفحة «الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد 2011» على موقع «فيس بوك» على سبيل المثال، التي تجاوز عدد المعجبين بها 200 ألف معجب، مصدرا للأخبار والصور ومقاطع الفيديو وكل التفاصيل المتعلقة بتحركات المعارضة.

وتعمل صفحة أخرى على «فيس بوك» تحمل عنوان «جميع مقاطع الفيديو عن الثورة السورية 2011» على تغذية مكتبة أفلام تضم كل ما ينشر من أفلام فيديو يتم تحميلها على الإنترنت وتتعلق بيوميات الثورة السورية. وبلغ عدد مقاطع الفيديو المنشورة حتى اليوم قرابة 750 مقطع فيديو، تم نشرها منذ منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي.

واللافت أن مقاطع الفيديو هذه تثير ردود فعل وتعليقات كثيرة على صفحة «الثورة السورية» على موقع «فيس بوك»، ويسجل كل فيديو عدد مشاهدين بالآلاف، فضلا عن مئات التعليقات التي تذيل كل فيديو فور نشره، مع العلم بأن معظم هذه التسجيلات لا يتعدى عدد دقائقها أصابع اليد الواحدة لالتقاطها عبر الهواتف الجوالة. وتوثق مقاطع الفيديو التحركات الشعبية في الأحياء والبلدات والمدن السورية، وتنقل نبض شارع المعارضة وهتافات المتظاهرين، كما يتضمن بعضها شهادات بعض الناشطين الذين تم اعتقالهم وتعرضوا للتعذيب، ومشاهد لموقوفين تحت قبضة رجال الأمن السوريين، وأخرى للقوى الأمنية وهي تطلق النار على المواطنين العزل، فضلا عن صور القتلى والمصابين المضرجين بالدماء، والجثث المنتفخة والبنفسجية اللون جراء التعذيب والتنكيل ببعضها، كما هو الأمر بالنسبة للطفل حمزة الخطيب الذي وصلت صورته إلى كل أنحاء العالم.

وكانت منظمة العفو الدولية، وبعد حصولها نهاية الشهر الماضي على تسجيل فيديو يظهر عناصر من قوات الأمن السورية وهم يطلقون النار لقمع الحركة الاحتجاجية في درعا، أعلنت من مقرها في لندن أنها «حصلت على شريط فيديو يشير إلى سياسة إطلاق النار للقتل التي تنتهجها قوات الأمن السورية لإخماد الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح». ووصف نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة فيليب لوثر الصور بأنها «صور غير عادية التقطها سوريون جازفوا بحياتهم لتوثيق المحاولات القاسية التي تقوم بها السلطات لإرهاب الحركة المؤيدة للإصلاح وثنيها عن الخروج إلى الشوارع»، معتبرا أنه «أمام هذا الدليل وغيره من الأدلة الدامغة عن الانتهاكات الشائعة، على الرئيس بشار الأسد أن يمنع قوات الأمن السورية من إطلاق النار على المتظاهرين العزل وضمان محاسبة الجناة عن معاملتهم لمواطنيهم السوريين».

وشدد لوثر على أن هذا التسجيل يضاف إلى «جملة الأسباب التي تبرر لمَ على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ إجراءات حاسمة لإحالة سوريا أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب قمعها الوحشي للمتظاهرين المطالبين بإصلاحات».

وفي سياق متصل، أوضح المحامي والمتخصص في القانون الدولي طارق شندب لـ«الشرق الأوسط»، أنه وفق الاجتهاد الأخير للقانون الجنائي الدولي تم إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس الليبي معمر القذافي استنادا إلى ما بثته وسائل الإعلام من أخبار وتسجيلات وشهادات، معتبرا أن تسجيلات الفيديو التي «يحب التحقق من صدقيتها وفق القانون الكلاسيكي تعتبر دليلا واضحا ويؤخذ به حتى يثبت العكس».

وأشار شندب إلى أن «سوريا كما السودان وليبيا غير موقعة على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، لكن لمجلس الأمن صلاحية بأن يحول أي جريمة ضد الإنسانية تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية إليها لكي تنظر فيها، على غرار ما حصل في السودان وليبيا»، لافتا إلى أنه «على الرغم من أن السودان وليبيا غير موقعين على اتفاقية روما فإن مجلس الأمن الدولي حوّل ملف الادعاء إلى المحكمة الجنائية وتم إصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير والقذافي». وأكد أنه «يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتحرك للنظر في أي جريمة تصنف في إطار (الجرائم ضد الإنسانية) إذا أحيلت لها المستندات الضرورية لذلك»، موضحا في الوقت عينه أنه «يحق لأي طرف متضرر أن يقدم الشكوى».

وشدد على أنه «يمكن في ما يتعلق بالجرائم التي تقع ضد المدنيين العزل في سوريا أن يقوم مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بتحريك الرأي العام أو إنشاء محكمة خاصة، كما حصل في كمبوديا، أو على غرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان».