بوتين يعود مجددا إلى الكرملين.. ويتبادل الأدوار مع ميدفيديف

عودته تضمن بقاءه رئيسا لروسيا حتى عام 2024 وتساؤلات حول ما إذا كانت الصفقة جديدة أم هناك اتفاق قديم

TT

عاد فلاديمير بوتين إلى تفجير مفاجآته التي طالما كشفت عن براعة تجمع بين التفكير الثاقب والولع بمباغته الأصدقاء والخصوم على حد سواء بما لا يخطر على بال. أكد «الزعيم» قدراته منقطعة النظير على تقديم الدواء المر بمذاق عسل الكوبان في جنوب روسيا الزاهر وعذوبة مياه البايكال وصفاء الثلوج في سيبيريا وروعة الليالي البيضاء في سان بطرسبورغ وجمال قمم الجبال الشاهقة في القوقاز.. أي بما يرضي كل أذواق شعبه المتعدد القوميات والمنتشر في بلاده المترامية الأطراف. أماط بوتين اللثام عن الخبر الذي ظلت الملايين في الداخل والخارج تنتظره منذ أقدم على تسليم مفاتيح الكرملين لرفيقه الأصغر ديمتري ميدفيديف في عام 2008. قدمه على «طبق من فضة» إلى مناصريه وخصومه ممن راحوا يقولون.. هذا ما كنا نتوقعه وإن لم نكن على يقين من احتمالات طرحه لما يتسم به من سذاجة مفرطة ترقى حد اللامعقول في القرن الحادي والعشرين.

فلم يكن هناك من يتوقع أن يعود بوتين إلى الكرملين من خلال تبادل المواقع مع «رفيقه» بما يحمل ذلك في طياته من أشكال فجة للتوريث والاستهانة بعقول وقدرات الملايين من أبناء شعبهما. ولعلنا نذكر ما قاله قبيل انتهاء ولايته الثانية حول رفضه تغيير الدستور بما كان يضمن له الولاية الثالثة وربما مدى الحياة شأنما حدث في «جمهوريات سوفياتية» أخرى على مقربة احتراما للشرعية وإعلاء لمثل الديمقراطية. ونذكر أن جنوح «ثعلب الكرملين» نحو ذلك الحل بدا آنذاك نتاج تفكير عميق وبعد نظر كانا يعنيان ضمنا عزمه على العودة مجددا لاسترداد عرشه مستمدا قوته من صلاحيات تستند إلى تراكمات لخبرات وعلاقات واتصالات ولأمد أطول حرص خلفه على تقنينه.

وجاء الرفيق الذي ما أن تسلم مقاليد الكرملين حتى أعلن عن استفتاء شعبي حول مد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات بما يضمن إطالة أمد بقاء القادم إلى الحكم حتى 12 سنة في ولايتين متتاليتين يكون اقترب بعدهما من الثانية والسبعين. لكن السؤال الذي يظل يقض مضاجع العامة والخاصة من رجال الفكر والسياسة يبقى في إطار معرفة أبعاد الدور الذي اضطلع به ميدفيديف وهل بلغ من الضعف قبول منحة الزعيم دون رغبة من جانبه في الاستمرار في الحكم وهو الذي أفصح تلميحا وتصريحا عنه وما كان ينشده الكثيرون من معاونيه ممن أقنعوه بضرورة «المقاومة» والبقاء لفترة ولاية ثانية. فهل كان القرار نتيجة اتفاق قديم كما حرص كلاهما على الإعلان عنه، أم في إطار صفقة جديدة استهدفت احتواء ما يتطاير في الأفق من نذر خلافات واضطرابات قد تسفر عما لا يحمد عقباه؟. وماذا عن أبسط مبادئ الديمقراطية التي طالما تغنوا بإقرارها على الطريقة الروسية وهو ما نقصد به «تداول السلطة»؟.

من ناحية الشكل.. لم يخرج أي من الرفيقين عن الحدود المتعارف عليها. كل شيء جرى ويجري بموجب القانون وفي إطار بنود الدستور وعبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة شفافة وإن تشوبها أحيانا بعض مظاهر التسلط الإداري وهو ما يغضون الطرف عنه في بلاد مثل روسيا وضواحيها من بلدان الفضاء السوفياتي السابق. ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى أن تاريخ الأمس القريب يقول إن الشعب الروسي فقد حق الاختيار والخيار لسنوات طويلة ومنذ فرضت عليه مجموعة أثرياء روسيا الجدد وأساطين المافيا من رجال المال والإعلام بوريس يلتسين لفترة ولاية ثانية في عام 1996. ويذكر الكثيرون ما كانت عليه روسيا من ضعف وهوان وما كان عليه رئيسها من ترهل وهزال في منتصف تسعينيات القرن الماضي. لكن هذا الشعب كان أسعد حظا حين استلبه يلتسين ثانية حق الاختيار ليفرض عليه فلاديمير بوتين رئيسا في عام 2000. وجاء بوتين لولايتين شهدتا الكثير من الإيجابيات وإن عاد إلى أسلوب إملاء الوصاية على شعبه من خلال فرض ميدفيديف خليفة له في عام 2007 مع فارق بسيط تمثل في أن يلتسين سلم السلطة إلى بوتين واختار الرحيل بينما أصر بوتين على البقاء قريبا من الرئيس يباشر التصرف في الكثير من أمور الدولة دون أن يغيب عن الشاشة أو المشهد السياسي العام من موقعيه كرئيس للحكومة وزعيم للحزب الحاكم صاحب الأغلبية الكاسحة في مجلسي البرلمان. وهكذا عقد حزب «الوحدة الروسية» الحاكم مؤتمره السنوي بزعامة فلاديمير بوتين الذي لم يعلن بعد عن انضمامه لعضوية هذا الحزب. وحين التأم الشمل بحضور زعيم الحزب مصطحبا معه رئيس الدولة ديمتري ميدفيديف أماط بوتين اللثام عن المفاجأة التي توقعها كثيرون بشأن مستقبل «الثنائي الحاكم - بوتين وميدفيديف». قال إنه يقترح اسم ميدفيديف الذي وللغرابة والطرفة معا لا يتمتع أيضا بعضوية الحزب، لتصدر قائمة مرشحيه في الانتخابات البرلمانية المقبلة استعدادا لتولي مهمة تطوير وتحديث البلاد في مختلف المجالات من منصب رئيس الحكومة في حال فوز الحزب بالأغلبية في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) القادم. هنا عقدت الدهشة ألسنة الحاضرين لينفجروا بعد برهة صمت لم تدم طويلا في التصفيق المتواصل وقوفا مما كان يعني ضمنا أن الكرملين سيخلو من ساكنيه استعدادا لقبول القيصر العائد ولم يكن عمليا ابتعد عنه طويلا لأنه كان دائما هناك.. الحاضر الغائب على مقربة مباشرة من صانعي القرار.. من وراء ستار. قال إن تبادل المواقع نتاج اتفاق توصل إليه مع ميدفيديف منذ سنوات طويلة. أما ميدفيديف فقد خرج إلى الحاضرين ليقول إنه سيكشف عما هو أكثر حول هذا الاتفاق. أشار إلى أنه طالما ووجه بسؤال حول ما إذا كان الشجار قد دب بينه وبين بوتين خلال الفترة المنقضية قائلا إنه سيجيب عن هذه التساؤلات الآن وبكل الصراحة. لقد جرى الاتفاق بيننا حول ذلك، أي حول تبادل السلطة منذ أولى سنوات «تحالفنا الرفاقي» بما يعني عام 2007 الذي أعلن بوتين مع نهايته ترشيحه لميدفيديف لخوض الانتخابات الرئاسية مدعوما من جانب الحزب الحاكم. ورد ميدفيديف «المكرمة» بأحسن منها مقترحا ترشيح بوتين لخوض انتخابات الرئاسة مرشحا عن الحزب الحاكم بما يعني عمليا عودته إلى عرش الكرملين.

لم يخرج كل ما جرى بعيدا عن «المألوف والمتوقع» شكلا وموضوعا. لكن الصحيح أيضا أن مياها كثيرة جرت في نهر موسكو منذ ذلك الحين حاملة معها الكثير من التغييرات التي طالت بعض التوجهات ومنها الموقف من الاستمرار في السلطة. من هذا المنظور نستعيد سوية من ذاكرة التاريخ بعض مشاهد الصراع غير المعلن بين الرفيقين خلال السنوات الماضية ومنها ما استهل به ميدفيديف سلسلة انتقاداته للحكومة ورئيسها من خلال مقالته الشهيرة التي أودعها موقعه الإلكتروني تحت عنوان «روسيا إلى الأمام» في عام 2009. وكان ميدفيديف حمل في هذه المقالة على سنوات حكم بوتين حين قال إن الدولة لم تقم بكل ما يلزم في الأعوام السابقة. وأشار إلى العديد من العيوب التي تعاني منها البلاد، مثل تدهور الاقتصاد وتخلفه، والاعتماد المفرط على عائدات تصدير الطاقة والمواد الخام إلى جانب تفشي واستشراء الفساد الإداري، وانعدام المبادرة الفردية، والاتكال على الدولة لحل كل المشكلات. ولفت الرئيس النظر إلى أن الكثيرين من رجال الأعمال، لا يهتمون بالبحث عن الموهوبين وعن التقنيات الحديثة، التي تساهم في إغناء السوق بالمنتجات المتطورة، بل يركزون اهتمامهم الأكبر وكما قال على شراء ذمم المسؤولين، لكي يستولوا على أكبر قدر ممكن من الثروات إلى جانب تفاقم ظاهرة الجريمة.

وكانت السنوات العشر الأخيرة كشفت عمليا عن ركود شديد أصاب الحياة السياسية إلى جانب تراجع مواقع المعارضة وسيطرة الحزب الحاكم على كل مقاليد السلطة إضافة إلى تفشي الفساد والرشوة وتسلط الجهاز الإداري والبيروقراطي في الوزارات السيادية وتغلغل ممثلي الأجهزة الأمنية بأشكالها القديمة ممن يحلمون بخنق حرية الكلمة وفرض الرقابة على المؤسسات الإعلامية وتعمد مضايقة عدد بعينهم من الصحافيين الأجانب تحت مختلف الذرائع الواهية وهو ما تناولنا بعض جوانبه في ملحق الإعلام في 21 يوليو (تموز) الماضي. وبهذا الصدد قال ايجور يورجينس مدير معهد التنمية المعاصرة المحسوب على ميدفيديف بوصفه مشرفا على مجلس مديريه إن في الدولة نظامين حزبيين أولهما حزب الاستقرار بقيادة بوتين وثانيهما حزب التقدم بقيادة ميدفيديف، معربا عن أمله في أن تسفر الانتخابات الرئاسية المقبلة عن إتاحة الفرصة للناخبين للإفصاح عن خيارهم دونما تسلط أو تدخل خارجي. وفي الوقت الذي ثمة من يقول فيه إن موسكو بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يؤكد أقل قدر من تدخل السلطة في شؤون الشعب وأكبر قدر من حق الشعب في التدخل في شؤون السلطة يقول آخرون بضرورة الحد من تسلط الأجهزة الأمنية وإتاحة الفرصة والحرية للأجهزة الإعلامية والثقافية.

من هذا المنظور توقف الكثيرون عند ما قام به ميدفيديف من محاولات لإعادة ترتيب البيت من الداخل بعد نجاحه في التخلص من قرابة نصف عدد محافظي ورؤساء الجمهوريات ممن كانوا يدينون بالولاء للرئيس السابق. وكان ميدفيديف اتخذ أيضا قرارات إقالة الكثيرين من جنرالات وزارة الداخلية ومنهم وزراء داخلية عدد من الجمهوريات والمقاطعات. غير أن القرارات التي حظيت باهتمام أكبر من جانب المراقبين تعلقت بعدد من القيادات المحسوبة على فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية ومنهم من سبق وحظي بتعيينه ضمن مجالس قيادات المؤسسات الأكثر ربحية ومنها «غاز بروم» و«روس نفط» إلى جانب مناصبه في الحكومة. وكان ميدفيديف طالب بوتين بإقالتهم وهو ما تناوله البعض من منظور الاستعدادات للانتخابات وما وصفته صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة هذه بـ«القرارات الثورية» مشيرة إلى أن الرئيس بدأ حملته الصليبية ضد «رأسمالية رفاق بوتين» على حد قولها.

إزاء كل ذلك كان لا بد للطرف الآخر في معادلة السلطة أن يأخذ حذره ويستعد لمختلف الاحتمالات. من هذا المنظور نتناول ما أعلنه فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية وزعيم حزب «الوحدة الروسية» الحاكم حول تشكيل «الجبهة الشعبية لعموم روسيا» التي بدأت في قبول غير الحزبيين من ممثلي القوى السياسية المختلفة للترشيح للانتخابات البرلمانية المقبلة من خلال قوائم الحزب الحاكم وتضم ضمنا غير الحزبيين من أعضاء المنظمات النقابية والشبابية والنسائية وقدامى المحاربين. وكان جليب بافلوفسكي أحد مستشاري الكرملين السابقين ممن عملوا مع بوتين ثم تحول عنه للانضمام إلى ميدفيديف أشار إلى أن تعمد بوتين تشكيل مثل هذه الجبهة فوق الحزبية يعني في طياته عدم تأكده من شعبية حزبه الحاكم ورغبته في الحصول على تأييد أوسع نطاقا من جانب كل التنظيمات الممثلة لمختلف طوائف المجتمع. ولذا فقد كان من الطبيعي أيضا أن تسارع فصائل المعارضة بإعلان عدم مشروعية فكرة تشكيل الجهة الشعبية ومنها الحزب الشيوعي الروسي الذي قال زعيمه جينادي زيوغانوف إن الإعلان عن تشكيلها اعتراف من جانب الحزب الحاكم بتراجع وهشاشة مواقعه ومخاوفه من الفشل في الانتخابات المرتقبة البرلمانية والرئاسية التي كان من المتوقع أن يخوضها بوتين وهو الذي تساءل عما يمنع الترشح لها على ضوء ما قاله حول أن الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت حكم الولايات المتحدة لأربع فترات.

ونذكر أن الرئيس ميدفيديف كان انضم إلى منتقدي الحياة الحزبية في روسيا من خلال تقرير صدر تحت عنوان «روسيا في القرن الحادي والعشرين. نموذج الغد الذي نريده» عن «معهد التنمية المعاصرة» الذي يقف وراء تأسيسه وتناول سلبيات المرحلة الراهنة وضرورة إتاحة الفرصة أمام ظهور العديد من الأحزاب وبما يتيح أيضا إمكانية انتخاب النواب المستقلين عبر النظام الفردي الذي قالوا بوجوب العودة إليه إلى جانب نظام القائمة النسبية الحزبية مع تخفيض الحد الأدنى للفوز بعضوية البرلمان في الانتخابات إلى 5% السابقة بدلا من 7% المعمول بها الآن. كما كشف هذا التقرير عن ملامح الرغبة في العودة إلى الكثير من جوانب النظام السياسي السابق واعتماد الانتخابات المباشرة للمحافظين التي جرى إلغاؤها في عام 2004.ونقلت شبكة «نيوز رو» الإلكترونية عن اركادي دفوركوفيتش مساعد ميدفيديف قوله إن الرئيس أيد فكرة التقرير التي بدأ التفكير فيها في صيف عام 2009 أي بعد عام واحد من توليه للسلطة خلفا لبوتين.

ذلك كله يجعلنا قريبين أكثر من قبول فكرة أن ميدفيديف اضطر إلى الاستسلام أمام سطوة الهجوم الكاسح الذي شنه بوتين من خلال الجبهة والشعبية منذ الإعلان عن تشكيلها في مايو (أيار) الماضي استعدادا مع الحزب الحاكم لخوض الانتخابات البرلمانية. ويذكر المراقبون أن بوتين لم يكن يغادر شاشات التلفزيون طوال تلك الفترة مستعرضا شعبيته وعلو مكانته وقدره لدى الناخبين رغم ما قيل حول النتائج التي أعلن عنها مركز «ليفادا» لاستطلاع الرأي في مطلع الشهر الجاري وكشفت عن أن 62% من المشاركين فيه أعلنوا أنهم على يقين من تزويرها لصالح الحزب الحاكم.

ولطالما شن ميدفيديف هجومه ضد الحزب الحاكم وانتقد احتكاره للسلطة مطالبا بتعددية حزبية قوية. وقد عاد في إطار «الصفقة أو الاتفاق»، إلى قبول الانضمام إلى قائمة مرشحي الحزب الحاكم وهو الذي لا يتمتع بعضويته متناسيا ما قاله في حق الحزب وفي حق نفسه. وبهذا الصدد قال سيرغي ناريشكين رئيس ديوان الكرملين إن ميدفيديف سيخلف بوتين أيضا في زعامة الحزب وهو ما رد عليه ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم بوتين بقوله إن بوتين لن يترك زعامة الحزب مما يشير ضمنا إلى وجود خلافات بين أعضاء الفريقين حول قضايا السلطة. أما عن منصب الرئاسة فلا يزال الكثيرون يستدعون ذاكرة التاريخ للتفتيش فيها عما سبق وصدر عن ميدفيديف من تلميحات وتصريحات تقول برغبته في استئناف نشاطه كرئيس للدولة لفترة ولاية ثانية لاستكمال ما بدأه من إصلاحات سياسية واقتصادية وأعلنه من أفكار لتطوير البلاد وتحديثها في مختلف المجالات. وكان الكثيرون من ممثليه ومساعديه أكدوا صراحة أيضا رغبة ميدفيديف في مواصلة نشاطه من موقع رئيس الدولة والذي قالوا بضرورته ومنهم ناتاليا تيماكوفا المتحدثة الرسمية باسم الكرملين التي سارعت إلى تفسير تلميحات ميدفيديف تجاه احتمالات الاستمرار في الكرملين حول أن تنفيذ برنامجه لا يقتصر على سنة أو سنتين أو ثلاث بل ويمتد لأكثر من ولاية واحدة. وكان ميدفيديف حرص أيضا على مباراة بوتين في اتصالاته مع العالم الخارجي معلنا عن تأسيس منتدى السياسة العالمية السنوي الدولي في ياروسلافل شمالي موسكو وكأنما يحاول بذلك الرد على فكرة «نادي فالداي» الذي أسسه بوتين في عام 2004 ويدعو إليه كل عام مشاهير الصحافيين ورجال الفكر والسياسة ويعقد جلساته في أماكن متفرقة في مختلف أرجاء الدولة الروسية. وبغض النظر عن تفاصيل الصراع غير المعلن والذي لا يريد أحد الاعتراف به صراحة رغم وجوده، وبما يحفل به تاريخه من تعرجات اتسمت بالحدة أحيانا فإن ما جرى التوصل إليه، يبدو وقد تحقق في إطار صفقة عادت على ميدفيديف ببعض المكاسب وفي مقدمتها ضمان تعيينه رئيسا للحكومة وهو الذي كان مرشحا في حال خسارة الانتخابات الرئاسية للتقاعد ولم يكن قد بلغ السابعة والأربعين بعد. وكان هناك من رشحه للعودة إلى موطنه في سان بطرسبورغ رئيسا للمحكمة الدستورية فيما كان أشار إلى أنه قد يعود إلى مهنته السابقة كأستاذ في كلية الحقوق بالجامعة والتي كان جاء منها إلى أروقة السلطة في مطلع تسعينيات القرن الماضي. على أن هناك من يقول باستسلام ميدفيديف أمام سطوة اللحظة ومنهم غليب بافلوفسكي أحد أركان الحملة الانتخابية لبوتين عام 2000 وتحول لاحقا إلى فريق ميدفيديف ليتركه مضطرا في أثر انتقاداته لبوتين ورفاقه والذي قال إن ما حدث استسلام سياسي من جانب ميدفيديف دون استبعاد لعنصر الإذعان. وأعرب بافلوفسكي عن دهشته إزاء تداول السلطة في دولة عظمى عبر «صفقات خاصة» على حد قوله مؤكدا أنه ليس لديه ما يؤكد أن ما قاله ميدفيديف في السابق حول استعداده للترشح للرئاسة كان كذبا من جانبه. وقال آخرون بضرورة إعلان ميدفيديف عن الأسباب الحقيقية التي دعته إلى تغيير موقفه لأن التراجع عن الاستمرار لفترة ولاية ثانية يعني الاعتراف ضمنا بالفشل خلال ولايته الرئاسية. فهل يحمل الغد إجابة تزيح الستار عما يظل يكتنفه غموض كثير من تحركات ومداولات ومناورات تظل تموج بها الساحة السياسية الروسية؟.