مصر .. صراع الوثائق الدستورية

كانت وسيلة الليبراليين لصد المد الإسلامي وأصبحت رهان المجلس العسكري

TT

طفا تعبير «المبادئ فوق الدستورية» فجأة على الساحة السياسية في مصر، في أعقاب إصدار المجلس العسكري الحاكم في البلاد إعلانا دستوريا نهاية مارس (آذار) الماضي. وقد بدا هذا التعبير (المبادئ فوق الدستورية) «طوق نجاة» بالنسبة لعدد من القوى السياسية، من أجل «إعادة تصحيح مسار الثورة»، بينما اعتبره آخرون انتكاسة في مسار ديمقراطي بالكاد كانت ملامحه تتشكل في الأفق.

ففي يوم مشمس من شهر مارس الماضي خرج ملايين المصريين للإدلاء بأصواتهم في استفتاء على تعديلات في دستور 1971 الذي حكم بواسطته الرئيس السابق حسني مبارك البلاد طوال عقود ثلاثة. كانت نشوة المصريين بقدرتهم على الإطاحة بأحد أعرق «الأنظمة الاستبدادية» في الشرق الأوسط لا تزال في أوجها، فلم يكن مضى سوى شهر واحد على سقوط مبارك. وكانت نسبة المشاركة غير المسبوقة في الاستفتاء تشير إلى أن مستقبلا جديدا يدق الأبواب مع عودة الربيع.

وبينما كانت نتائج الاستفتاء تتوالى بدأت القوى الليبرالية واليسارية والأقلية المسيحية في البلاد تدرك ما سمته حينها بـ«الخطر المحدق»، وكان هذا الخطر المفترض يحمل اسما واحدا.. «الإسلاميون». وبدا أن تهديدات رياح الخماسين التي تضرب البلاد في هذا الفصل من العام أكثر إلحاحا من الألق المتفجر في مصر، فبموجب هذه التعديلات التي اقترحتها لجنة تعديل الدستور، وحازت موافقة الأغلبية (نحو 70% من الأصوات الصحيحة في الاستفتاء)، أنيط بالبرلمان المصري المزمع انتخابه اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد الجديد.

أدركت القوى السياسية الليبرالية واليسارية حينها أن هيمنة الإسلاميين على البرلمان المقبل «شبه المؤكدة» تعني بالضرورة خطر سيطرة هذه القوى على الجمعية التأسيسية، وهو ما يعني أيضا «دستورا ذا طابع ديني»، وهو ما يهدد الأقلية المسيحية، والحريات العامة.. وبدأ البحث عن مخرج سياسي.

«طرح الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة فكرة المبادئ فوق الدستورية أول مرة في محاولة لتجاوز استقطاب حاد في الشارع السياسي، حيث بدأت القوى الثورية الدعوة للعودة إلى الميادين للضغط من أجل التراجع عن نتائج الاستفتاء، ووضع الدستور أولا قبل الذهاب للانتخابات»، هذا ما يوضحه زياد العليمي القيادي في حملة دعم البرادعي.

ويضيف العليمي، وهو أيضا عضو المكتب التنفيذي في ائتلاف شباب ثورة 25 يناير، أن البرادعي كان يعتقد أنه لا يصح الإطاحة بنتائج أول اقتراع ديمقراطي في البلاد، على الرغم مما شاب العملية من استغلال الدين في السياسية، حيث دعت القوى الإسلامية للتصويت بـ«نعم» على التعديلات، خشية أن يتم المساس بالمادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».

بدت فكرة وضع مبادئ ملزمة للجمعية التأسيسية حلا مثاليا لتجاوز المعركة التي عرفت بـ«معركة الدستور أولا»، وتلقف مؤتمر الوفاق الوطني الذي تم تنظيمه برعاية حكومية الفكرة وشرع في وضع مشروع للمبادئ فوق الدستورية.

وتولى الدكتور يحيى الجمل الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس الوزراء ملف طرح وثيقة للمبادئ الأساسية أو الحاكمة للدستور، بعدما بدأ تعبير «فوق الدستوري» يثير غضب قوى سياسية.

وتم الإعلان عن وثيقة الوفاق القومي، وتضمنت مبادئ حاكمة كان أهمها: جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية موحدة غير قابلة للتجزئة، شعارها الحرية.. والكرامة الإنسانية.. والعدالة الاجتماعية. نظام الحكم فيها جمهوري يقوم على أساس المواطنة وحكم القانون، يحترم التعددية السياسية والثقافية، ويكفل المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة بينهم.

الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ومبادئ شرائع غير المسلمين هي المصدر الرئيسي للتشريعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية.

السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، يمارسها من خلال الاستفتاءات الحرة والانتخابات الدورية النزيهة، عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر وتحت الإشراف القضائي الكامل، وفقا لنظام انتخابي يضمن حق الترشح والتصويت وعدالة التمثيل لجميع المواطنين، رجالا ونساء، دون أي تمييز أو إقصاء. ولا يجوز حرمان أي مواطن من حق الترشح أو الانتخاب دون سند من القانون ولمدة وأسباب محددة.

يقوم النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة، وللمواطنين حق مباشرة العمل السياسي وإنشاء الأحزاب السياسية بالإخطار، بشرط عدم استنادها إلى أي أساس ديني أو جغرافي أو عرقي أو أي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذه الوثيقة، كما يحظر ممارستها لأي نشاط ذي طابع عسكري.

وتميزت وثيقة الوفاق القومي بمادة عن نهر النيل حيث اعتبرته «شريان الحياة على أرض مصر الكنانة، وتلتزم الدولة بحسن إدارته وحمايته من التلوث والتعديات، وتعظيم الانتفاع به والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيه، كما تلتزم بحماية الملكية العامة للمرافق الاستراتيجية والعامة وسائر الثروات والموارد الطبيعية للدولة».

ولم تحظَ المؤسسة العسكرية بوضع خاص في الوثيقة، حيث نصت على أن «القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية أمن الوطن واستقلاله والحفاظ على وحدته وسيادته على كامل أراضيه».

رفضت القوى الإسلامية أي حديث عن مبادئ دستورية، وتشبثت بخارطة الطريق التي طرحها المجلس العسكري في الإعلان الدستوري الذي صدر في 30 مارس، بانتخاب برلمان يتولى اختيار الجمعية التأسيسية، واعتبرت محاولات «فرض مبادئ حاكمة تعديا على الإرادة الشعبية التي تجلت في استفتاء مارس».

ودخلت القوى الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في صراع مع نائب رئيس الوزراء (الجمل)، حتى تقدم باستقالته في يونيو (حزيران)، وتولى الملف من بعده الدكتور علي السلمي الذي أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء لشؤون التنمية السياسية والتحول الديمقراطي.

كان السلمي قد بدأ في هندسة تحالف واسع بقيادة حزب الوفد الليبرالي وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قبل توليه مهام منصبه، وقد نجح في التوصل إلى وثيقة يلتزم بها «التحالف الديمقراطي من أجل مصر».

ويقول قيادي بحزب الإخوان لـ«الشرق الأوسط»: «الاستعانة بالسلمي كانت محاولة لإحراج الحرية والعدالة.. فقد توافقنا بالفعل على وثيقة، لكن جوهر الخلاف كان يتعلق بمحاولة إلزام الجميع بالوثيقة وإصدارها في إعلان دستوري لدس السم في العسل.. وهذا ما لم ولن ينجحوا في تحقيقه».

وبينما كان السلمي لا يزال يرتب أوراقه، كان البرادعي جاهزا لعرض وثيقته على الرأي العام. لم تخرج وثيقة البرادعي عن جوهر الوثيقة السابقة لكنها أضافت مادتين من شأنهما تحصين تلك المبادئ، وهما: «ليس في هذه الوثيقة أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي من مؤسسات الدولة أو الجماعات أو الأفراد أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة».

أما المادة الأخرى فنصت على أن «هذه الوثيقة جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد، ويحق لكل مصري التمتع بها دون أي تمييز أو تفرقة، ويشكل انتهاك أي من هذه الحقوق أو التحريض على انتهاك أي من هذه الحقوق جريمة ضد الدستور، سواء تم هذا الانتهاك بخرق القانون أو الدستور أو بتغيير أو محاولة تغيير أي منهما، ويحق لكل مصري دون تمييز اللجوء إلى القضاء لوقف مثل هذا الانتهاك أو التحريض على مثل هذا الانتهاك ومعاقبة مرتكبيه».

لم تحظَ وثيقة البرادعي بمناقشة مجتمعية واسعة، حيث ظل الإسلاميون على رفضهم، لكن مؤسسة الأزهر دخلت على خط الأزمة في محاولة لرأب الصدع بين القوى السياسية، وطرحت وثيقة الأزهر، الذي لا يزال يحظى بتقدير كبير في البلاد. وبدت أقرب لخارطة طريق أمام الجمعية التأسيسية، حيث نصت على أنه:

أولا: دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب، بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية.

ثانيا: اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومن تحديد للاختصاصات ومراقبة للأداء ومحاسبة للمسؤولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شؤون الدولة بالقانون - والقانون وحده - وملاحقة الفساد وتحقيق الشفافية التامة وحرية الحصول على المعلومات وتداولها.

ثالثا: الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع.

رابعا: الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أية تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.

خامسا: تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الإنسانية، المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وما قدمه من نماذج فائقة في التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها.

سادسا: الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية والحفاظ على عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية مُعوِّقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها، دون تسفيه لثقافة الشعب أو تشويه لتقاليده الأصيلة، وكذلك الحرص التام على صيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي في إطار منظومة قيمنا الحضارية الثابتة.

سابعا: اعتبار التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري في مصر، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كلّه لمحو الأمية، واستثمار الثروة البشرية وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبرى.

ثامنا: إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، وبما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية، على أن يأتي ذلك على رأس الأوليات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعا.

تاسعا: بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الأفريقية والعالمية، ومناصرة الحق الفلسطيني، والحفاظ على استقلال الإرادة المصرية، واسترجاع الدور القيادي التاريخي على أساس التعاون على الخير المشترك وتحقيق مصلحة الشعوب في إطار من الندية والاستقلال التام، ومتابعة المشاركة في الجهد الإنساني النبيل لتقدم البشرية، والحفاظ على البيئة وتحقيق السلام العادل بين الأمم.

وأُضيف إلى وثيقة الأزهر مادتان عن ضمانات توفير استقلال مؤسسة الأزهر، وانتخاب شيخه الأكبر واعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التي يُرجع إليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة.

في هذه الأثناء أرسل المستشار هشام البسطويسي، نائب رئيس محكمة النقض، المرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية، مذكرة تتضمن رؤيته كرجل قضاء لوضع الجيش في الدستور، والدولة الجديدة، ورؤيته للمبادئ فوق الدستورية التي يقترح أن تتضمنها وثيقة إعلان الدستور.

وتضمنت المذكرة مواد حول القوات المسلحة، تشير إلى مهمة القوات المسلحة بالإضافة حماية البلاد، وضمان عدم الانقلاب على المبادئ فوق الدستورية، على أن يقوم على شؤون الجيش مجلس أعلى برئاسة القائد العام وعضوية قادة الأسلحة، ويختص هذا المجلس وحده بوضع لائحة عمله.

وتشمل المواد أيضا إنشاء مجلس دفاع وطني برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الأركان، بحيث يختص المجلس دون غيره بالنظر في ميزانية القوات المسلحة ومناقشة بنودها، والشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، على أن يتم إدراج ميزانية القوات المسلحة رقما واحدا في موازنة الدولة.

تقول المستشارة تهاني الجبالي إنه «عقب الإعلان عن وثيقة البسطويسي دعت شخصيات عامة وقوى سياسية إلى مؤتمر وطني يضع أمامه الوثائق المقترحة (وثيقة الوفاق القومي، ووثيقة البرادعي، ووثيقة البسطويسي، ووثيقة التحالف الديمقراطي، ووثيقة الأزهر، ووثيقة أخرى اقترحتها منظمات العمل المدني) للخروج بوثيقة توافقية.. وهو ما رفضته القوى الإسلامية أيضا».

ونجح المؤتمر في الخروج بوثيقة موحدة لم تختلف كثيرا عن الاجتهادات السابقة، حيث أكدت في جانب منها على أن: جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية موحدة تقوم على التعددية السياسية والثقافية، والشعب المصري جزء من هذه الأمة، وأن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ غير المسلمين هي المصدر الرئيس للتشريعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية.

وبينما كان الجدل لا يزال محتدما بشأن إصدار إعلان دستوري يتضمن وثيقة مبادئ حاكمة، أعلن الدكتور علي السلمي عن قرب إصدار وثيقته التي اعتمدت على وثيقة التحالف الديمقراطي، ووثيقة الأزهر، ودعا لمؤتمر وطني للإعلان عن المبادئ المقترحة.

أثارت وثيقة السلمي غضب القوى السياسية على تنوعها، ونجحت في إعادة صف الأحزاب التي اختلفت منذ الاستفتاء على تعديلات الدستور، بعد أن تضمنت مادة قالت تلك القوى إنها «تضع المجلس العسكري فوق الدستور وتمنحه سلطات مطلقة»، كما وضعت الوثيقة مبادئ لاختيار 80 عضوا بالجمعية التأسيسية من أصل مائة عضو، وهو ما أثار عاصفة غضب أخرى.

ونصت المادة المثيرة للجدل على أن: الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ على وحدتها وحماية الشرعية الدستورية، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية. ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشؤون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقما واحدا في موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره. ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب.

ودخلت الحكومة في مفاوضات مع القوى الرافضة لوثيقة السلمي، لكن يبدو أن تلك المفاوضات لا تزال متعثرة، ففي حين أعلنت القوى السياسية استعدادها الالتزام بالوثيقة إذا ما فازت تلك القوى بالأغلبية البرلمانية، تصر الحكومة ومن ورائها المجلس العسكري على إصدارها في إعلان دستوري ملزم.

وتستعد القوى الإسلامية اليوم (الجمعة) لتنظيم مظاهرة مليونية في ميدان التحرير للضغط من أجل سحب وثيقة السلمي وإقالة السلمي الذي أصبح هدف الإطاحة به أولوية حزب الحرية والعدالة، بعد انهيار التحالف بين الوفد والإخوان المسلمين، وسط مخاوف من تفجر الوضع الميداني، بما يؤثر على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بعد عشرة أيام.