انتخابات مصر.. خضراء

اكتساح إخواني وحضور ضعيف للوفد وصعود سلفي وبروز للكتلة

TT

انعكس علم جماعة الإخوان المسلمين بلونه الأخضر وأيقونته الشهيرة (المصحف والسيفين) على أجواء أول انتخابات برلمانية تجرى في مصر عقب ثورة «25 يناير» التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك. فتحت مظلة هذا العلم الذي تناثر بوضوح في مفردات الدعاية الانتخابية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، حقق «الإخوان» اكتساحا مدويا في الجولة الأولى للانتخابات التي جرت في 9 محافظات مصرية، ويتوقع أن تتسع مظلة هذا العلم خلال المرحلتين القادمتين اللتين ستجريان في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ويناير (كانون الثاني) المقبل.

ورغم أن كل المحللين والمراقبين أجمعوا على أن المستفيد الوحيد من إجراء الانتخابات البرلمانية المصرية في الوقت الحالي هو حزب الحرية والعدالة، فإن أحدا لم يتوقع أن يفوز حزب الجماعة، التي تأسست عام 1928 بنحو 70 مقعدا منها 40 مقعدا في نظام القوائم، و30 في النظام الفردي، في المرحلة الأولى من الانتخابات التي جرت في 9 محافظات وانتهت جولة الإعادة بها يوم الثلاثاء الماضي.

وجاء في المركز الثاني، حزب النور ذو التوجه السلفي الذي حقق نتائج غير متوقعة، واعتبره البعض الحصان الأسود في المرحلة الأولى، بعدما حصل على 31 مقعدا منها 26 مقعدا في نظام القوائم، و5 في النظام الفردي وحل في المركز الثاني؛ إلا أن نتائج جولة الإعادة فيما يخص المقاعد الفردية لم تأت في صالحه، بعد وقف الانتخابات في دائرة الساحل (مقعدان)، وفوز أربعة مرشحين فيها من الجولة الأولى، بينهم اثنان من حزب الحرية والعدالة واثنان من المستقلين.

وفي مقاعد القوائم الانتخابية، فازت قائمة حزب الحرية والعدالة بـ42.2 في المائة، تلتها قائمة حزب النور السلفي 20 في المائة، ثم قائمة تحالف الكتلة المصرية (الذي يضم أحزاب التجمع والمصريين الأحرار والمصري الديمقراطي) 15 في المائة، ثم قائمة حزب الوسط 6 في المائة، ثم قائمة حزب الوفد 5 في المائة، ثم قائمة حزب العدل1 في المائة، و13 في المائة موزعة على أحزاب أخرى بنسب أقل من 1 في المائة لكل منها.

وكشفت النتائج عن حصول قائمة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، على 3 ملايين و565 ألفا و290 صوتا متصدرا القوائم، تلاها حزب النور السلفي الذي حصل على مليونين و371 ألفا و713 صوتا، ثم تحالف الكتلة المصرية مليون و299 ألفا و819 صوتا.

ورغم أن التنافس جرى على 56 مقعدا فرديا في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت يومي 28 و29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؛ فإن أربعة مرشحين فقط هم الذين تمكنوا من حسم الانتخابات لصالحهم من أول جولة، هم مصطفى بكري وعمرو حمزاوي (مستقلان)، ورمضان عمر وأكرم الشاعر (حزب الحرية والعدالة). وأظهرت نتائج المرحلة الأولى بالنسبة للمقاعد الفردية فوز حزب الإخوان المسلمين بـ30 مقعدا، وحزب النور السلفي 6 مقاعد، و7 مقاعد لمستقلين وأحزاب ليبرالية، و4 مقاعد للتحالف الديمقراطي، بينما تم وقف الانتخابات في دائرة الساحل بالقاهرة (مقعدان)، بناء على حكم من محكمة القضاء الإداري أيدته المحكمة الإدارية العليا.

وتجرى الانتخابات البرلمانية وفقا لنظامي الفردي والقوائم النسبية المغلقة بنسبة الثلث إلى الثلثين على التوالي، وفقا لمرسوم بقانون أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم في فبراير (شباط) الماضي.

وتعقد الانتخابات الحالية على ثلاث مراحل، تشمل كل منها تسع محافظات، انتهت الأولى منها يوم الثلاثاء الماضي، بينما ستبدأ المرحلة الثانية يوم الأربعاء المقبل، تليها المرحلة الثالثة والأخيرة في يناير المقبل.

وأيدت المحكمة الإدارية العليا قرار محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات في دائرة الساحل بالقاهرة، بسبب أخطاء في عملية الفرز، على أن تجرى الانتخابات فيها يومي 10 و11 يناير المقبل.

ورغم تلك النتائج والمفاجآت التي حملتها؛ فإن الظاهرة الأبرز في الانتخابات، كان الإقبال الجماهيري غير المسبوق في الجولة الأولى، والذي بلغ 60 في المائة بحسب بيانات اللجنة العليا للانتخابات. ويبلغ عدد الناخبين المقيدين في المرحلة الأولى نحو17 مليونا و522 ألفا و583 ناخبا ممن لهم حق الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المصرية منذ ثورة يوليو (تموز) 1952.

وشارك في العملية الانتخابية 10 ملايين و755 ألفا و154 ناخبا.. وبلغ عدد الأصوات الصحيحة في المحافظات التسع: 10 ملايين و75 ألفا و933 صوتا، بينما بلغ عدد الأصوات الباطلة 679 ألفا و221 صوتا، على نحو تصبح معه نسبة المشاركة في العملية الانتخابية 60 في المائة من جانب المواطنين الذين يحق لهم التصويت.

وفسر البعض هذا الإقبال بأن سببه الحشد والتجييش الذي مارسته القوى والتيارات السياسية المختلفة، وكثرة عدد المرشحين الذين تجاوز عددهم في بعض الدوائر 150 مرشحا يتنافسون على مقعدين فقط، إلى جانب القوائم التي يضم كل منها من 4 – 10 مرشحين، بالإضافة إلى خوف الناخبين من فرض غرامة عليهم تبلغ 500 جنيه (نحو 85 دولارا) في حالة عدم ذهابهم للجان الانتخابية، حسب نص قانون الانتخابات.

وفي المقابل، كان لافتا أيضا إحجام الناخبين عن الذهاب إلى التصويت في جولة الإعادة، وهو ما أرجعه المحللون إلى اعتقاد الناخبين بزوال الغرامة عنهم بعد ذهابهم في المرة الأولى، بالإضافة إلى اقتصار المنافسة في اللجان على ما بين اثنين أو أربعة مرشحين فقط، مع غياب القوائم التي حسمت نتيجتها في المرحلة الأولى.

وعقب إعلان نتيجة الجولة الأولى من المرحلة الأولى أثار فوز الإسلاميين (الإخوان المسلمون والسلفيون) بنحو 60 في المائة من نظام القوائم الانتخابية مخاوف الكثير من الليبراليين حول هوية الدولة في ظل برلمان يسيطر عليه الإسلاميون، وهو برلمان من المقرر أن ينتخب الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد، وهو ما ترافق مع تصريحات لقيادات سلفية حطت من شأن الأدب والفنون أثارت جدلا واسعا في المجتمع المصري.

وعكس ما كان يعتقد السلفيون فإن ظهورهم المكثف في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة خلال الأسبوع الفاصل بين الجولة الأولى وجولة الإعادة لم يفدهم كثيرا، خاصة أن أبرز قيادييهم وهو عبد المنعم الشحات المتحدث باسم التيار السلفي، والذي ظهر في برنامج تلفزيوني هاجم فيه الديمقراطية والأديب العالمي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب، الأمر الذي أفقده أصوات كثير من الناخبين، وأطاح به من البرلمان بعدما كان قاب قوسين من الفوز بمقعد الفئات في دائرة المنتزه بمحافظة الإسكندرية.

الدكتور محمد البلتاجي أمين حزب الحرية والعدالة في القاهرة، اعتبر أن التصريحات السلفية المتشددة ليست هي عامل حسم أصوات الناخبين لصالح مرشحي حزبه في 23 دائرة تنافس فيها «الإخوان المسلمون» مع السلفيين.

وقال البلتاجي لـ«الشرق الأوسط»: «الشعب المصري عبر عن ثقة كبيرة في جماعة الإخوان، وهو ما يرتب علينا مسؤولية كبيرة تجاه الشعب»، مضيفا: «نتائج الجولة الأولى عبرت عن ثقة الشارع والمواطنين في الجماعة وهي ترجمة لرصيد كبير من المصداقية».

وكشف البلتاجي عن أن المسؤولين في الحزب كانوا يتوقعون تحقيق هذه النسبة العالية، وقال: «ثقتنا كبيرة في المصريين، وكنا ننتظر هذا الرصيد عند المصريين، وهو نتاج عمل حقيقي استمر سنوات طويلة».

واعتبر البلتاجي أن تقدم حزب النور في نتائج الانتخابات كان مفاجئا، قائلا «التيار السلفي قصير العمل في العمل السياسي، لذلك شكل تقدمه مفاجأة دون شك، وأعتقد أن فوز حزبي الحرية والعدالة والنور يعكس التوجه الديني للشعب المصري».

وعن إمكانية التحالف بين «الإخوان المسلمين» والنور في البرلمان، قال البلتاجي «نبحث عن تحالف وطني واسع وليس مجرد تحالف إسلامي - إسلامي، فالشارع المصري وإن كان له عاطفة دينية واضحة فله انتماءات سياسية أخرى».

وفي المقابل، اعتبر محمد نور المتحدث باسم حزب النور السلفي أن الانتخابات البرلمانية جرت في مرحلتها الأولى بشكل نزيه وكانت تجربة فريدة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان لنا أداء جيد على الأرض، ونرجو من جميع القوى والتيارات أن يجتهدوا لتتواصل هذه العملية بنجاح».

وأضاف نور: «خضنا جولة الإعادة على 24 مقعدا وفزنا بستة منها وهي نسبة جيدة، مقارنة بأن الحزب تأسس قبل 4 أشهر فقط»، معتبرا أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، هو منافس مخضرم وعنده دارية وخبرة بالعملية الانتخابية.

وقال نور «في جولة الإعادة عادة ما تكون الغلبة للأكثر احترافا، ونحن نعترف بأن حزب الحرية والعدالة هو الأكثر احترافا في العملية الانتخابية منا، ومواردهم المالية والبشرية أكثر من مواردنا بكثير، والتكتيك الانتخابي عندهم أقوى». وأضاف نور «نعتمد في مواردنا على الجهود الذاتية وعلى المرشحين في كل دائرة تدبير حالهم بأنفسهم، نظرا لقلة الموارد وحداثة إنشاء الحزب».

وانتقد نور ما سماه استخدام تصريحات بعض القيادات السلفية بعيدا عن سياقها، وقال: «تعرضنا لحملة إعلامية شرسة، واستخدمت تصريحات قياديينا للإساءة للحزب والتيار السلفي بشكل عام، وهو أمر لا يجوز بصرف النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع مضمون تلك التصريحات».

وأشاد نور بجماعة الإخوان المسلمين، قائلا «نحن نقدر أداءهم الوطني ونعلم أنهم فصيل وطني مخلص وبذلوا جهدا كبيرا من أجل التغيير». وعما إذا كان حزب النور سيتحالف مع حزب الحرية والعدالة داخل البرلمان قال «نحن مستعدون للتحالف معهم أو مع غيرهم في القضايا الوطنية».

وأضاف نور: «بما أن النظام في مصر ليس برلمانيا أي أن الأغلبية البرلمانية لن تشكل الحكومة، فلن ندخل في ائتلافات مع أحد ولكن قد نتحالف مع (الإخوان المسلمين) حسب القضايا المطروحة كل على حدة».

من جانبه، اعتبر نبيل عبد الفتاح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية مدير «مركز الأهرام للدراسات التاريخية والاجتماعية»، نتيجة المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية كانت متوقعة تماما منذ اللحظة الأولى التي تقرر فيها إجراء الانتخابات، مشيرا إلى أن هذا التوقع استند على التفاهمات السياسية بين التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري الحاكم في مصر.

وقال عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط»: «(الإخوان المسلمون) حاولوا استثمار رأس المال التنظيمي والاجتماعي الذي أسسوه منذ عقود، واستفادوا من تراكم خبراتهم التنظيمية والانتخابية والسياسية بما منحهم التفوق على غيرهم من القوى السياسية والأحزاب التي عانت من التشرذم والتفتت والجمود والضغوط الأمنية على القيادات، مما أدى إلى إفقار الحياة السياسية في مصر».

وأضاف عبد الفتاح: «استغل الإسلاميون الشبكات الاجتماعية التي تقدم الخدمات المختلفة لكسب أصوات الناخبين في الشرائح الأكثر فقرا في بعض المناطق، وهي شرائح لم يبال بها نظام مبارك وسياساته، وهي الشرائح التي كانت عاملا في الحسم للإخوان والسلفيين»، مضيفا «كلا الطرفين كان يستخدم فوائض الخبرة والإمكانيات لحسم الانتخابات».

وأوضح عبد الفتاح «لقد تمددوا (الإسلاميون) بنعومة ودون معوقات تذكر في ظل غياب القمع الأمني، بالإضافة إلى وجود رأسمال ضخم يحتاج لمعرفة دقيقة لمصادره سواء الداخلية أو الخارجية في ظل الاتهامات التي توجه لهم بتلقي أموال من الخارج»، مضيفا: «وضح الآن سبب إصرار (الإخوان المسلمين) على الخطة الانتقالية التي نجحوا في المرور بها من المجلس العسكري لأنها تعتبر السبيل الوحيدة لإحراز هذا النصر في الانتخابات».

وبرر عبد الفتاح تفوق «الإخوان المسلمين» على السلفيين خاصة في مرحلة الإعادة بالخطاب المتشدد سياسيا ودينيا للسلفيين الذين مثلهم حزب النور، وقال: «ذلك الخطاب المتشدد جعل الكثير من الشرائح الاجتماعية في مصر تصوت لصالح مرشحي (الإخوان المسلمين) على حساب المرشحين السلفيين (تنافس مرشحي الإخوان مع السلفيين على 23 مقعدا)، لاعتقادهم أن السلفيين سيؤثرون على السياحة والاستثمار في مصر».

وتوقع عبد الفتاح أن تشهد المرحلتان القادمتان للانتخابات مزيدا من التضاغط السياسي ومزيدا من استخدام الدين في السياسة والدعاية الانتخابية، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على مكونات الحياة السياسية في مصر.

من جانبه، قال الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع (ذو التوجه اليساري)، إن «تقدم (الإخوان المسلمين) يمكن فهمه بشكل موضوعي، لأنهم تنظيم قديم وقوي لديه تمويل غير محدود ويجيد استخدام الشعارات الدينية وله نفوذ كبير في المساجد والمناطق المختلفة، خاصة الشعبية منها، ونجح في توظيف كل ما سبق للفوز بالانتخابات، رغم أن إجراءاته لم تكن بالشفافية المطلوبة».

وأضاف السعيد لـ«الشرق الأوسط»: «تقدم السلفيين غير مفهوم، فهم ظهروا كالفقاعة التي انتشرت وتوسعت، بعد أن كانوا كامنين»، مشيرا إلى أن السلفيين كانوا في عهد مبارك ممنوعين بأوامر من مشايخهم من العمل بالسياسة أو المشاركة في الانتخابات باعتبارها أمرا مكروها، وقال: «ولكن فجأة وبعد إطلاق سراح عدد من الجهاديين من سجون مبارك تغيرت مواقف السلفيين وانطلقوا إلى الساحة السياسية».

وقال السعيد إن «السر وراء هذه الانطلاقة للسلفيين هي التمويل الذي تلقوه من عدة دول، حسب الاتهامات الموجهة لهم، وهم استخدموا هذا التمويل بحرفية شديدة»، معتبرا أن تراجع تأييد السلفيين في جولة الإعادة سببه خطابهم المتشدد.

وأضاف السعيد «لا رباط على ألسنتهم (السلفيون) وهذه آفة إذا لحقت بأي حزب تكفي لتدميره»، معربا عن أمله في أن تنجح بقية القوى الليبرالية في تحجيم التيار الإخواني والسلفي خلال المرحلتين القادمتين للانتخابات.