العراق: أم الأزمات.. مفتوحة على كل الاحتمالات

الصراع بين كتلتي المالكي وعلاوي مستمر منذ عام 2010.. لكن السؤال المطروح: هل هو صراع إرادات أم تصفية حسابات؟

طارق الهاشمي و نوري المالكي و صالح المطلك
TT

قبل أسابيع من مغادرة آخر جندي أميركي للعراق، لم ينتظر الفرقاء العراقيون طويلا حتى دخلوا في صراع إرادات بحسب مراقبين، أو ما سماه البعض الآخر تصفية حسابات.

وللأزمة الراهنة بين القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي (رئيس الوزراء الأسبق) ودولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي (رئيس الوزراء الحالي) بدايتان.. لكن لا تبدو ثمة نهاية قريبة لها.. وإن انتهت.. فتناسل الأزمات متواصل.

بدأت الأزمة الأولى عند ظهور نتائج الانتخابات التي جرت في السابع من مارس (آذار) عام 2010 والتي فازت بها القائمة العراقية بأعلى الأصوات (91 مقعدا برلمانيا)، بينما حلت القائمة التي يتزعمها المالكي بالمرتبة الثانية (89 مقعدا برلمانيا). وبموجب هذه النتائج فإن «العراقية» هي من ينبغي أن تشكل الحكومة. ولكن التفسير الذي أعطته المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الأكبر، حيث كانت قد تشكلت كتلة «التحالف الوطني العراقي» التي ضمت ائتلاف دولة القانون ومكونات الائتلاف الوطني العراقي وهي التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر (41 مقعدا) والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم (17 مقعدا) وحزب الفضيلة (8 مقاعد) بالإضافة إلى المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي (مقعد واحد) وتيار الإصلاح الوطني بزعامة إبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء السابق) الذي يملك هو الآخر مقعدا واحدا في البرلمان، أصبحت كتلة التحالف الوطني بموجب تفسير المحكمة الاتحادية هي الكتلة الأكبر وهو ما أدى إلى خلق أزمة سياسية في البلاد استمرت نحو 9 أشهر قبل أن ينقذ رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الموقف بإعلانه مبادرة سياسية لنزع فتيل الأزمة وهي التي أطلق عليها فيما بعد «اتفاقية أربيل».

ولكن هذه الأزمة ظلت نارا تحت الرماد، حتى فجرها مرة أخرى نائب رئيس الوزراء عضو القائمة العراقية، صالح المطلك، حينما قال لشبكة «سي إن إن» الأميركية، إن واشنطن تركت العراق «بيد ديكتاتور يتجاهل تقاسم السلطة ويسيطر على قوات الأمن في البلاد وقام باعتقال مئات الأشخاص خلال الأسابيع الماضية». كما عرض تلفزيون «البابلية» المحلي التابع للمطلك تصريحات له قال فيها إن «المالكي ديكتاتور أكبر من صدام حسين لكون صدام كان يبني أما هو فلم يقم بشيء».. وهي أزمة استمرت تداعياتها سريعا، بطلب المالكي من البرلمان، سحب الثقة من نائبه المطلك، وصعد في اتجاه آخر حينما صدرت أوامر بمنع نائب رئيس الجمهورية وأحد أبرز قياديي القائمة العراقية والرمز السني البارز طارق الهاشمي من السفر، أتبعها بمذكرة توقيف في حقه.

ويرى عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني شوان محمد طه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «نشوء هذه الأزمة بين (العراقية) و(دولة القانون) كان متوقعا بسبب عدم تنفيذ كل بنود اتفاقيات أربيل التي تضمنت أشياء كثيرة تتعلق بالمشاركة ليس في السلطة وإنما في صنع القرار سواء من خلال الملف الأمني أو على صعيد تشكيل المؤسسات المساندة والتي كانت (العراقية) تعول عليها كثيرا وفي المقدمة منها مجلس السياسات العليا».

ويضيف طه قائلا إن «القائمة العراقية تشعر أنها ظلمت عندما تنازلت عما تعتبره حقا دستوريا لها بينما بدأت تعاني الآن الإقصاء والتهميش ويجري حديث طويل وعريض عن الاعتقالات والاجتثاث وهو أمر لا يمكن أن يكون معولا عليه في بناء شراكة حقيقية».

ويرى المحلل السياسي والخبير القانوني العراقي إبراهيم الصميدعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «لب الأزمة وجوهرها لا يتعلق بالمناصب التي احتلتها القائمة العراقية في الحكومة بدءا من رئاسة البرلمان ومنصبي نائبي رئيس الجمهورية والوزراء وعدد كبير من الوزراء بل تكمن في الملف الأمني وهو ما بات ينسحب أيضا على مسألة الدعوة إلى الأقاليم الفيدرالية في بعض المحافظات الغربية».

ويرى الصميدعي أن «احتكار القائد العام للقوات المسلحة الصلاحيات الأمنية بموجب الدستور هي التي خلقت هذه الإشكالية لأن رئيس مجلس الوزراء بموجب الدستور العراقي يملك داخل مجلس الوزراء صوتا واحدا فقط مثل أي وزير آخر وبالتالي فإن المالكي كرئيس وزراء لا يملك صلاحية كبيرة بقدر ما يملكها كقائد عام للقوات المسلحة».

وترى «العراقية» أن كل المناصب التي تحتلها في الحكومة لا تسهم في صنع القرار في العراق، لأن القرار لا يزال أمنيا بالدرجة الأولى. أما باقي المناصب فهي تنفيذية أو بلا صلاحيات أصلا. وطوال الأشهر الماضية كانت القائمة العراقية تأمل في إيجاد حل لاتفاقيات أربيل ومنها تشكيل مجلس السياسات العليا الذي كان من المقرر أن يتولى رئاسته إياد علاوي وبذلك تتحقق المشاركة الفعلية في السلطة من خلال كون هذا المجلس هو الذي يتولى صنع السياسات الخارجية والداخلية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك فإن «العراقية» كانت تأمل حل قضية الوزارات الأمنية وهي الدفاع والداخلية.

وطبقا لما يقوله النائب في البرلمان العراقي عن القائمة العراقية وعضو لجنة الأمن والدفاع حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» فإن «العراقية كانت تأمل طوال الفترة الماضية في أن يدرك الشركاء ضرورة الانتباه إلى طبيعة الشراكة وجوهرها من خلال التفاعل في العمل والآليات وليس مجرد الكلام عن أهمية الشراكة والمشاركة دون أن يتحقق شيء من ذلك على أرض الواقع».

وأضاف المطلك أن «شركاءنا وبخاصة ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي يقول إن (العراقية) جزء من حكومة الشراكة الوطنية من خلال المناصب التي تحتلها ولكن هذه ليست هي الشراكة التي كانت تأملها (العراقية) خصوصا أنها تنازلت عن حقها الدستوري في تشكيل الحكومة». وأشار إلى أن «الشراكة ليست هي المشاركة في السلطة بل إن الشراكة تعني المشاركة في عملية صنع القرار حيث إن (العراقية) تعاني التهميش والإقصاء من خلال الإجراءات الأمنية التي بات يعرفها الجميع والتي أدت إلى تفجير الأمور التي وصلت الآن إلى مفترق طرق ولا نعلم إلى أين نحن سائرون اليوم».

ومع كل ما شهدته العملية السياسية من أزمات طوال السنوات الماضية فإن هذه الأزمة تكاد تكون هي «أم الأزمات» لأنها حملت في آن واحد كل العناوين التي يمكن أن تجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات. فهي تجمع بين صراع الإرادات وتصفية الحسابات لا سيما أن المراهنة على الجاهزية الأمنية للقوات العراقية بعد الانسحاب الأميركي باتت على المحك. وفي هذا السياق يرى القيادي بدولة القانون سعد المطلبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القائمة العراقية هي التي افتعلت هذه الأزمة منذ أن تبنى بعض رموزها ومنهم طارق الهاشمي وصالح المطلك وأسامة النجيفي قضية الأقاليم تحت ذريعة الإقصاء والتهميش. وأشار إلى أن ما جرى من اعتقالات لبعثيين وضباط سابقين بموجب مذكرات قبض جاء «لأنهم يعملون على تنفيذ مخطط للعبث بأمن البلاد» مشيرا إلى أن «الاعتقالات شملت بعثيين من كل المحافظات ولعلها شملت من المحافظات الشيعية مثل النجف وميسان وواسط وذي قار أكثر مما شملته من محافظات سنية مثل الأنبار وصلاح الدين، ومع ذلك جرى تصوير الأمر وكأنه استهداف للمكون السني وهو أمر غير صحيح». وعما إذا كانت هذه الاعتقالات مرتبطة بمذكرة توقيف الهاشمي، قال المطلبي: «من بين المعتقلين من اعترف بضلوع جهات وحمايات مرتبطة بسياسيين كبار في العديد من عمليات الاغتيالات التي جرت في البلاد خلال السنوات الماضية» معتبرا أن «التحقيقات التي أجريت قادت بالصدفة إلى هذه الخلية المرتبطة بمكتب الهاشمي والتي ظهر أنها تنفذ عملياتها طبقا للاعترافات بدعم منه وهو ما جعل خمسة قضاة من الدرجة الأولى يصدرون مذكرة قبض بحقه وهو أمر لا علاقة له بالخلافات السياسية، بقدر ما هو مسألة قضائية بحتة».

وأضاف المطلبي أن «القضية برمتها تبدو مترابطة بين الكشف عن مخطط انقلابي مزعوم أعلنه المالكي يقوده بعثيون مرتبطون بالقائمة العراقية والمسارعة في إعلان الأقاليم الفيدرالية في المحافظات السنية بهدف سحب الملف الأمني بقدر الإمكان وإبعاده عن المركز».

وتابع القول: «المالكي ترجم هذا الإصرار من المحافظات الغربية على إنشاء الأقاليم في هذا الوقت بالذات على أنه مسعى من مجالس هذه المحافظات لتكوين ملاذ آمن للبعثيين العائدين من الدول الخارجية التي تشهد ربيعا عربيا اليوم والتي كانت ملاذا آمنا لهم من قبل وفي مقدمتها اليمن وسوريا ومصر وليبيا».

لتلك المجالس ولمؤيديها رأيهم الذي يتقاطع مع رأي المالكي والعديد من قيادات التحالف الوطني. فهم يرون أن محافظاتهم هي الأكثر فقرا والأقل عناية من قبل المركز. كما أنهم يرون أن أبناءهم هم الأكثر استهدافا بالاعتقالات والاجتثاث وكل الممارسات التي من شأنها أن ترسم علامات استفهام بشأن مفهوم المواطنة في عراق ما بعد عام 2003.

ولأن الناس تحولوا هناك إلى داعمين بالفطرة حينا وبالحث حينا آخر لنوع من «الاستقلال الذاتي» على غرار إقليم كردستان، فقد دخل قادة «العراقية» بقوة خلف فكرة الأقاليم. أسامة النجيفي وطارق الهاشمي وصالح المطلك ورافع العيساوي هم الأبرز بين قادة القائمة العراقية ممن باتوا اليوم داعمين للأقاليم خاصة أن بعضهم صامت مثل العيساوي وبعضهم معلن مثل النجيفي والهاشمي والمطلك.

ديالى هي القشة التي قصمت ظهر العلاقة بينهم. فمجلس محافظتها أعلن عن نيته في تحول المحافظة إلى إقليم فثارت ثائرة المعترضين على هذا الإعلان. العراقية والتحالف الكردستاني يمثلان الأغلبية في مجلس ديالى وهم من أعلن الرغبة في التحول إلى الفيدرالية. لكن التحالف الوطني الشيعي أعلن رفضه العلني لذلك بينما خرجت المظاهرات الجماهيرية المعارضة الأمر الذي أرغم المجلس على التراجع بعد أن انسحب الأكراد من الموضوع برمته بسبب الخلاف مع القائمة العراقية حول المناطق المتنازع عليها.

نائب رئيس مجلس محافظة ديالى صادق الحسيني (القيادي في التحالف الوطني) وأحد الرافضين لتحول ديالى إلى الفيدرالية قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الفيدرالية حق دستوري وبالتالي فإننا من هذه الناحية لا نملك حق الوقوف بوجهها ولكن الدستور لم يحدد الوقت المناسب لقيام الفيدرالية والآن ليس هذا هو الوقت المناسب». ويضيف الحسيني أن «الفيدرالية تحتاج إلى توافقات أيضا وهو ما لم يحصل في إعلان مجلس المحافظة الذي تم في غياب رئيس المجلس ونائبه وعدد آخر من الأعضاء» معتبرا أن «الفكرة ولدت ميتة» على حد قوله.

مع ذلك فإن التصريحات التي بدأ يطلقها قادة «العراقية» وفي المقدمة منهم طارق الهاشمي وأسامة النجيفي وصالح المطلك بدأت تتصاعد سواء على صعيد أزمة الأقاليم أو الملف الأمني بكل تعقيداته وهو ما جعل المالكي في ظل عدم قدرته على حسم خلافاته مع التحالف الكردستاني بالكامل وخلافه الدائم والصامت مع الحكيم والمجلس الأعلى، فإن الخيوط التي توصلت إليها الأجهزة الأمنية على صعيد أزمة تفجير البرلمان والكشف عن خيوط أخرى تتصل بحمايات طارق الهاشمي فإن الوقت بدا مناسبا لطرق «الحديد وهو ساخن».

وبالفعل بدأت البداية الثانية للأزمة وهي الأخطر مع القائمة العراقية والتي يخشى منها أن تعيد الاصطفافات الطائفية من جديد. فالمالكي ركز خلال الفترة الأخيرة على البعد الطائفي لمسألة الأقاليم بالإضافة إلى البعثيين وهو ما جعل «العراقية» تصعد من مواقفها إلى الحد الذي أوصلته إلى تعليق عضويتها بالبرلمان والحكومة معا مع النية لتقديم طلب لسحب الثقة من المالكي نفسه وربما الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.

هل يبدو الوقت الآن وقت حلول لا سيما مع تراكم الأزمات التي ظلت بلا حل بعضها يمتد إلى سنوات وبعضها مع تشكيل الحكومة الحالية التي لا تزال تفتقر إلى وزيرين للدفاع والداخلية بسبب الخلافات المعقدة بين «العراقية» و«دولة القانون» حينا، والمالكي وعلاوي حينا آخر.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل وصلت الأزمة إلى نهاياتها بعد أن بلغت الذروة أم أنها ستنتقل من مجرد «أزمة سياسية» كثيرا ما تحصل في العراق اليوم إلى «أزمة مجتمعية» مثلما حذر رئيس كتلة «العراقية» البرلمانية سلمان الجميلي؟ الجميع يسعى الآن إلى تطويقها وأولهم القادة الأكراد. فالرئيس العراقي جلال طالباني وإن دعا إلى احترام عمل وتخصص القضاء العراقي والثقة به، مطالبا بعدم التدخل في شؤونه والطعن بقراراته فإنه لم يخف انزعاجه من سلوك رئيس الوزراء نوري المالكي السياسي على صعيد التعامل مع سياسي بحجم طارق الهاشمي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية وهو ما يعني أن ما حصل مس بمركز الرئاسة وهيبتها. طالباني وعبر بيان أصدره أكد أن «العمل بروية وهدوء وبعيدا عن الضجيج الإعلامي هو أهم ما ينبغي الالتزام به والاتفاق عليه للخروج من الأزمة الحالية بما يحفظ حق القضاء وعدالة سير التحقيق ويحفظ الاستقرار السياسي المطلوب في ظرفنا الحالي أكثر من أية مرحلة مررنا بها. لكن طالباني عبر عن مفاجأته بعرض «إفادات عدد من منتسبي حماية نائبه طارق الهاشمي والإعلان عن مذكرة إلقاء قبض ضده»، معتبرا أن «هذه الإجراءات والإعلان عنها بهذا الشكل والوقت هي خارج ما جرى الاتفاق عليه في ضوء اتصالاته بمختلف الأطراف خلال اليومين الماضيين خاصة أن الأمر يتعلق بنائب رئيس الجمهورية مما يمس مباشرة مركز الرئاسة وهيبته ومكانته».

رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني دعا إلى عقد مؤتمر وطني عاجل لمنع انهيار العملية السياسية. أما المالكي فإنه يرى أنه يتوجب عدم التدخل في سير القضاء.

القيادي بـ«دولة القانون» والمقرب من المالكي، عدنان السراج، رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «رئيس الوزراء نوري المالكي مصرّ على أن يأخذ القضاء مجراه» معتبرا أن «التدخلات السياسية أمر طبيعي بل وحتى الضغوط ولكن لكل شيء حسابه وبالتالي فإنه في حال كانت الضغوط على حساب العدالة فإن هذا يكون على حساب دماء الأبرياء». وأشار السراج إلى أن «الاعترافات التي أدلى بها عدد من حماية الهاشمي واضحة وصريحة والملف كله الآن بعهدة القضاء وقد خرج من يد المالكي أو سواه».

نظرية المؤامرة تسللت من بين خيوط هذه الأزمة الملتبسة عندما سربت مصادر داخل التحالف الوطني أن مدير المخابرات الأميركية «سي آي إيه» الجنرال ديفيد بترايوس حضر إلى بغداد في زيارة سرية واجتمع مع قادة القائمة العراقية بحضور السفير الأميركي في بغداد جيمس جيفري في منزل القيادي البارز في القائمة رافع العيساوي. أخبار لم يؤكدها أو ينفها أحد باستثناء ما أعلنته «العراقية» على لسان رئيس كتلتها البرلمانية سلمان الجميلي أن جيفري لم يحضر اجتماع «العراقية» لكنه لم ينف لقاءه مع عدد من قادتها. الأمر كله بالنسبة للتحالف الوطني يتعلق بملف الانسحاب الأميركي والمخاوف التي يبديها العرب السنة من إمكانية أن تقوم إيران بملء الفراغ الأمني في العراق بعد هذا الانسحاب.

القادة السنة أعلنوا رفضهم بقاء قوات أميركية في البلاد بعد عام 2011 لكن موقفهم من قضية المدربين كان أقل بكثير من التشدد الذي أبداه التحالف الوطني الذي رفض منح المدربين الأميركان الحصانة. التحالف الكردستاني شارك «العراقية» رؤيتها في موضوع الانسحاب وجاهزية القوات الأمنية والعسكرية بعد الانسحاب علما بأن لدى الأكراد مخاوف أخرى تتصل بالمناطق المتنازع عليها والمشمولة بالمادة 140 من الدستور.

سلسلة مترابطة من المشاكل والإشكالات، تلك التي يعيشها الوضع العراقي. وكل الذي حصل هو تأجيل الأزمات التي باتت تتناسل بحيث كلما تنشب أزمة تلد أزمة أخرى. ولعل أكثر ما يعبر عن سلسلة الأزمات وعدم وجود حلول حقيقية لها هو كثرة المبادرات لدى السياسيين العراقيين والتي وصل بعضها إلى حد توقيع مواثيق الشرف وهو ما يعمل عليه الصدريون الآن لكي لا تنزلق الأوضاع في البلاد إلى جولة جديدة من أعمال العنف الطائفي.

ومع أن من الصعب التكهن بما يمكن أن تنتهي إليه قضية طارق الهاشمي فإن الأنظار كلها تتجه الآن نحو الاجتماع العاجل الذي دعا إليه رئيس الوزراء نوري المالكي لرئيس الجمهورية جلال طالباني وقادة الكتل السياسية أو المؤتمر الوطني العاجل هو الآخر الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. التسويات أو الصفقات هي سيدة الموقف في العراق اليوم وهو ما بات يأمله الجميع في أن تضع حلولا جذرية. لكن في حال لم يحصل ذلك فإنه لا يعني سوى أمر واحد وهو أن تبقى نيران الأزمات تحت الرماد فيما يظل كل شيء معطلا في البلاد وفي المقدمة قضايا الإصلاح والخدمات الأساسية وهو ملف لا يزال شائكا هو الآخر.