الكويت: الربيع العربي كشف عن «تسلسل» السياسيين

الانقسام السياسي بين فريقي المعارضة والموالاة أدى إلى حدوث تجاذبات بين الطرفين

شهدت الساحة الكويتية الكثير من التجاذبات السياسية بين فريقي المعارضة والموالاة (أ.ف.ب)
TT

كان إيقاع الربيع العربي مختلفا بالكويت؛ إذ أسهم بكشف تسلل مواقف ومبادئ السياسيين ونظرتهم للأحداث بشكل عام متى ما كانت بعيدة أو تكررت محليا.

كان نصيب التفاعل الكويتي مع مجريات الربيع العربي واضحا بمواقف المتابعين لأحداث ميدان التحرير القاهري بشكل أكبر؛ نظرا للمساحة التي تحتلها مصر لدى الكويتيين، ومنها بدأت بوادر انقسام المواقف، كون التيار الديني أول من حرك حملة التفاعل مع أحداث مصر لاعتبارات ذات صلة بارتباط عناصره مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولهذا كانت الجماعات الدينية أول من تبنى موقفا معلنا من نظام الرئيس السابق حسني مبارك بتأييد ما يحدث في الوقت الذي لف الضباب الساحة السياسية لحين اتضاح الرؤية واتجاه مسار الأحداث، ثم أعلنت الكويت رسميا أول موقف لها بعد قرار الرئيس مبارك التنحي من خلال تصريح لوزير الخارجية الكويتي وقتها، الشيخ محمد الصباح، أكد فيه موقف بلاده «المؤيد لخيارات الشعب المصري مع الإشادة بدور الجيش المسؤول في الانتقال السلمي للسلطة في جمهورية مصر العربية»، وشهدت الكويت بعدها انقساما بالمواقف من الرئيس مبارك نفسه؛ كونه أحد أبطال حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1990، وهو ما جعل التعاطي مع الثورة المصرية متباينا لسبب واحد فقط هو تباين المواقف حول مبارك نفسه قبل نظامه والثورة وميدان التحرير وجمهورية مصر العربية.

ثم زادت أحداث البحرين في فبراير (شباط) الماضي من انقسام المجتمع الكويتي؛ نظرا لطبيعة طرفي الأحداث واتشاحها بثوب طائفي بين السنة والشيعة، وانعكس ذلك على الكويت؛ نظرا لحضور الملف الطائفي بقوة دائما على الصعيد الداخلي، وكان لافتا أن الكويتيين تعاملوا مع ما يحدث بمملكة البحرين وكأنه حدث محلي، فتفاعلوا بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل محموم وكأن «دوار اللؤلؤة» انتقل من المنامة إلى الكويت العاصمة.

وأخذت مواقف السياسيين الكويتيين تتضح أكثر مع تصاعد حدة الأزمة البحرينية، وكان الانقسام الأول لقرار الحكومة إرسال كتيبة للانضمام إلى قوات «درع الجزيرة» وما أعقبه من منع السلطات البحرينية لفريق كويتي يحمل معه مساعدات طبية، وتواتر أنباء عن ضلوع كويتيين بأحداث البحرين، وزاد من ذلك تصاعد حدة الأزمة بين فريقي المعارضة والمولاة داخل البرلمان إلى درجة حدت بمجموعة من النواب، يقودهم السلفي محمد هايف، إلى تقديم استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء السابق، الشيخ ناصر المحمد، على خلفية تردد الحكومة بإرسال قوة عسكرية من الجيش الكويتي تسهم بالحفاظ على أمن البحرين وحدودها، وميل الشيخ ناصر لكفة إيران بالمنطقة مقابل مواقف وزير خارجيته الشيخ محمد الصباح، المناهض لطهران، وكان أن حصل رئيس الوزراء على ثقة البرلمان وطويت معه صفحة أحداث البحرين.

ومن البحرين إلى سوريا؛ حيث انقلبت المواقف تماما؛ فمن أيد حق البحرينيين بالتعبير عن رأيهم والتظاهر أخذ موقفا معاكسا لحق السوريين بالتعبير عن رأيهم، وداعمو القيادة السياسية البحرينية تحولوا إلى معارضين للنظام السوري، بينما كان المعسكر الليبرالي هو المعسكر الوحيد الذي تعامل بمسطرة واحدة مع أحداث المنامة ودمشق، من باب حرية التعبير ومواجهة العسكريين لمدنيين عزل.

وفي أغسطس (آب) استدعت النيابة العامة النائب هايف للتحقيق معه في تهمة التحريض على قتل السفير السوري لدى البلاد، بعد أن طلب من الشباب في تجمع مناوئ لنظام الأسد أمام السفارة السورية في الكويت استفتاء رجل الدين بإمكانية هدر دم السفير السوري، كما قاد نواب المعارضة عدة تجمعات حاشدة لنصرة الشعب السوري، بينما اكتفى نواب الموالاة بالدفاع عن نظام الأسد؛ نظرا لاعتبارات طائفية، أبانت عنها بشكل واضح مواقف الجماعات السياسية التي تنتمي للمعسكرين السني والشيعي.

وفي الوقت نفسه الذي شهد فيه العالم العربي تغيرات وتقلبات دراماتيكية، كان جليا أن الكويت لم تكن بمنأى عمَّا يجري بالمنطقة؛ فقد خرجت مجاميع شبابية في يونيو (حزيران) الماضي للمطالبة بتغيير دستوري يحول الكويت إلى إمارة دستورية تديرها حكومة منتخبة برئيس وزراء شعبي لا ينتمي للأسرة الحاكمة، وهو ما قوبل سياسيا ومجتمعيا بفتور، خاصة أن ضابط إيقاع العمل السياسي هو الدستور الذي تعمل بمقتضاه الكويت منذ عام 1962، وهناك شبه إجماع على أن أي مطالبة بتعديله تعني خطوة نحو تنقيحه والتقليل من الرقابة الشعبية المتمثلة بالبرلمان.

لكن الملاحظ أن وجود انقسام سياسي داخلي بين فريقي المعارضة والموالاة أدى بدوره إلى حدوث تجاذبات بين الطرفين، دفعت معارضي الحكومة إلى استخدام مصطلح «الربيع العربي» كمفتاح سحري للتأثير على القرار ومحاولة وأد أي توجه لا يخدم مصالحها، كما لوحت المعارضة بالنزول إلى الشارع بعد أن استهواها استخدام الفزاعة الجديدة، فراحت تهدد بالنزول إلى الشارع وتراهن على رقم المشاركين بتجمعاتها لتسويق الأمر على أنه رد فعل شعبي رافض لحكومة الشيخ ناصر المحمد للتسريع برحيلها، بعد أن تعرض لثلاثة استجوابات خلال العام الماضي فقط، كان آخرها دافعا لرحيله بدلا من صعود المنصة وتفنيد محاوره.

وعلى عكس ما طالبوا به من ضرورة مواجهة المحتجين البحرينيين، وجد نواب التيار الديني السني أنفسهم بمأزق بعدما اقتحمت مجموعة من النواب والشباب مجلس الأمة، وعبثت بمحتويات قاعة البرلمان الرئيسية فانعكست الصورة؛ لأن عددا من النواب سبق له مطالبة السلطات البحرينية بمنع المحتجين من احتلال الساحات وتطويق المرافق العامة، بينما لم يمانع النواب أنفسهم باتخاذ مواقف أقل حدة مما يجري بالكويت، بل إن عددا من نواب المعارضة التي تضم ألوانا من نواب التيار الديني وأبناء القبائل انقلبوا على مواقفهم وطالبوا السلطات المحلية بعدم اتخاذ أي إجراء تجاه المقتحمين؛ لأنهم قاموا بذلك من منطلق حرصهم على مصلحة بلدهم كما وصفوهم، وكان من اللافت أن نواب التشدد السني لم يجدوا غضاضة بالاعتصام أمام ساحة النيابة العامة تضامنا مع المقتحمين خلال التحقيق معهم، بينما رفض النواب أنفسهم اعتصام نواب التشدد الشيعي أمام جهاز أمن الدولة للتضامن مع عدد من أبناء الطائفة الشيعية الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية للتحقيق معهم على خلفيات تُهم تمس أمن الدولة وأفرجت عنهم لاحقا.

ومن النواب الذين تدور حول مواقفهم علامات استفهام كثيرة تصل إلى حد التهكم: النائب وليد الطبطبائي، أحد رموز التيار السلفي؛ حيث تتضارب في أحيان كثيرة تصريحاته مع مواقفه؛ إذ سبق له مطالبة السلطات البحرينية بالسيطرة على المحتجين وتحرير مستشفى السليمانية من تحت أيديهم خلال احتلاله، بينما أسهم مع مجموعة من المحتجين باقتحام مبنى إدارة الإطفاء وكسر بنفسه باب المدير العام واحتل مع المحتجين مكتبه للمطالبة بإعفائهم من نظام تثبيت الحضور اليومي بالعمل باستخدام بصمة الإصبع.

كما تدور علامات الاستفهام نفسها حول تقديم نائبين من معسكر الموالاة، وهما النائبان المنتميان للطائفة الشيعية، صالح عاشور وفيصل الدويسان، في مارس (آذار) الماضي، استجوابين يعدان الأولين طوال عمرهما النيابيين، وكانت المفارقة أن الاستجوابين قُدما بحق شيخين يمثلان الفرعين المؤهلين للحكم من أسرة الصباح، هما: وزير الخارجية الشيخ محمد صباح السالم، قدمه عاشور احتجاجا على عدم تدخل وزارة الخارجية لحماية سمعته بعد أن اتهمته البحرين بالضلوع في أحداث المنامة، والثاني لوزير الإعلام، الشيخ أحمد عبد الله الأحمد، من قبل الدويسان حول تجاوزات مالية وإدارية بوزارة الإعلام.

كما حفل الصعيد السياسي خلال «عام الربيع العربي» بفصول كثيرة تغيرت فيها المواقف بحسب المواقع والشخوص.

حري بالذكر أن رئيس الحكومة، الشيخ ناصر المحمد، دخل العام الماضي محمولا على أكتاف نواب الموالاة وخرج قبل نهاية العام من الحكومة على أيدي النواب أنفسهم؛ فبعد أن منحوه الثقة بداية العام إثر استجواب كاد يطيح به على خلفية اعتداء رجال الأمن على مجموعة نواب ومواطنين بديوان النائب جمعان الحربش، جاءت نتيجة التصويت لمصلحة الشيخ ناصر بفارق 3 أصوات، وهو أقل رقم حصل عليه منذ قراره مواجهة الاستجوابات قبلها بعامين، وكان الفارق وقتها 22 صوتا للشيخ ناصر.

ولعل السبب الرئيسي بخروج الشيخ ناصر المحمد هو إفراط الحكومة بالاتكاء على نواب الموالاة داخل البرلمان إلى حد أثقلت به عليهم فسقطت بسقوطهم داخل البرلمان، بعد تعسفهم باستخدام قوتهم العددية لمنع المعارضة من تسجيل أي انتصار لها داخل المجلس، فوأدوا استجواباتها لوزراء الحكومة ورئيسهم، البالغة 10 استجوابات خلال العام الماضي، ما حدا بنواب المعارضة لمواجهة ذلك بالنزول إلى الشارع وعقد ندوات حشدوا فيها مناصريهم للتعبير عن سخطهم من اختطاف الحكومة قرار البرلمان، فتعاطف معهم الشارع، ليسقط نواب الموالاة على خلفية فضيحة سياسية ربما تشكل نواة لجريمة رشوة سياسية بعد أن تضخمت أرصدتهم البنكية بشكل مثير للريبة خلال فترات ارتبطت بأزمات سياسية، وصادف أن النواب الذين استدعتهم النيابة العامة للتحقيق في هذه القضية 15 نائبا يمثلون نواة نواب الموالاة.

ولم يخرج الشيخ ناصر المحمد وحده من الحكومة بل سبقه 4 شيوخ خرجوا خلال العام الماضي، وهم، على التوالي: الشيخ جابر الخالد الصباح (وزير الداخلية) والشيخ أحمد العبدالله (وزير الإعلام) والشيخ أحمد الفهد الأحمد (نائب رئيس الحكومة) والشيخ محمد صباح السالم (وزير الخارجية)، وجميعهم شيوخ من الوزن الثقيل، 4 منهم، عدا الشيخ جابر الخالد، ينتمون لفرعي السالم والجابر المتناوبين على حكم البلاد منذ عام 1916، ليحل محلهم 4 شيوخ هم: الشيخ أحمد الحمود (وزير الداخلية) والشيخ صباح الخالد (وزير الخارجية) والشيخ حمد جابر العلي (وزير الإعلام) والشيخ جابر المبارك (رئيس الحكومة)، منهم شيخان من فرع الحمد البعيد عن دائرة الحكم (جابر المبارك وصباح الخالد)، بينما يمثل الشيخ أحمد الحمود فرع الجابر والشيخ حمد جابر العلي فرع السالم داخل الحكومة.

وينتهي عام 2011 على حل للبرلمان ودعوة لانتخابات مبكرة تعقد في الثاني من فبراير المقبل، إلا أن أحداث العام لا تزال عالقة بالذاكرة على الرغم من كثافتها وتداخلها؛ لأن قاسمها المشترك أن رياح الربيع العربي حينما مرت على الكويت بعثرت أوراق السياسيين وكشفت عن حقيقة مواقفهم ومسبباتها، ففتح العام على رئيس وزراء لم يكن بمكانه آخر العام، وعلى خلفيات أزمة سياسية بأوله تولدت أزمات أخرى طوال العام.

عام 2011 مضى كما دخل، عاصفا بأجواء التغيير؛ فتغيرت خلاله عدة مواقف وتغيرت بسببه عدة قناعات، أبرزها أن الأزمة الطائفية لا تزال تطفو على السطح متى أتيحت لها الفرصة، وأن الكويت ليست بمعزل عن دول المنطقة، بل ربما تكون بابا للدخول إليها، سواء أكان الموضوع متعلقا بإيران أم سوريا أم مصر أم مملكة البحرين، أم متعلقا بالشأن المحلي.

أبرز أحداث الكويت السياسية خلال 2011

* يناير (كانون الثاني): رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد يحظى بثقة البرلمان بفارق 3 أصوات.

* فبراير: أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يقرر صرف منحة لجميع المواطنين قدرها 1000 دينار كويتي (نحو 3600 دولار أميركي) بمناسبة الذكرى الـ50 لاستقلال البلاد من الحماية البريطانية والـ20 لتحريرها من الغزو العراقي والـ5 لتوليه مقاليد الحكم.

* مارس: استقالة الحكومة بعد تقديم استجواب للشيخ أحمد الفهد.

* أبريل (نيسان): المعارضة تؤسس تجمع «نهج» الرافض للنهج الحكومي.

* مايو (أيار): مشاجرة بالأيدي بين مجموعة من نواب المعارضة والموالاة بالبرلمان.

* يونيو: مجاميع شبابية محدودة تطالب بتعديلات دستورية لحكومة منتخبة برئيس وزراء شعبي.

* أغسطس (آب): الكشف عن تضخم حسابات بنكية لنواب موالين للحكومة وحديث عن رشا سياسية.

* سبتمبر (أيلول): موظفو قطاعات حكومية مختلفة ينفذون إضرابات عن العمل للمطالبة بزيادة رواتبهم.

* أكتوبر (تشرين الأول): امتناع 4 نواب من المعارضة عن مصافحة رئيس الوزراء، الشيخ ناصر المحمد، خلال حفل استقبال بمناسبة افتتاح أعمال الدورة الجديدة للبرلمان بحضور أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.

* نوفمبر (تشرين الثاني): نواب الموالاة يسقطون استجوابا لرئيس الوزراء، وعدد من النواب يقتحمون، مع مجاميع شبابية، قاعة عبد الله السالم ويعبثون بمحتوياتها.

* ديسمبر (كانون الأول): استقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد وتسمية الشيخ جابر المبارك بدلا عنه، وحل البرلمان، وشروع النيابة العامة في التحقيق مع النواب المقتحمين والمتضخمة أرصدتهم البنكية.