استقلال اسكوتلندا: مجازفة وخيمة أم بداية تفكيك بريطانيا؟

تصاعد الجدل الدستوري في بريطانيا حول موعد وشكل الاستفتاء.. ومخاوف من ميلاد دولة هزيلة

TT

نقرأ أحيانا حول تعقيدات حالات الطلاق بين الأزواج.. ما الطريقة المثلى لاقتسام الأموال والبيت؟ من سيربي الأطفال؟ أين يعيش هؤلاء.. مع الأب أم الأم؟ وفي معظم الحالات يتدخل المحامون لفك الارتباط وتطبيق القوانين القائمة. وحتى عندما يتدخل هؤلاء، تبقى الأمور معقدة وتداعياتها قائمة لسنوات طويلة، حتى بعد إيجاد مخرج قانوني للانفصال.

إذا كانت هذه هي الحال في مشكلات الطلاق بين زوجين اجتمعا تحت سقف واحد لعدة سنوات فقط، فما بالك عندما يتعلق الأمر بالشعوب والدول التي بينها ارتباط يمتد إلى مئات السنين، كما هي الحال بين شعوب ما يسمى «المملكة المتحدة»، التي تضم الأسكوتلنديين والإنجليز والويلزيين والآيرلنديين في شمال آيرلندا. فعندما ينادي البعض بالانفصال، كما هي الحال الآن مع الأسكوتلنديين، فإن الأمر يشكل معضلة كبرى.. تحير الساسة والقانونيين.. وحتى المواطنين العاديين. ويثور جدل حام في هذه الأيام في إنجلترا وأسكوتلندا حول مطالب أدنبره، بالاستقلال، وإجراء استفتاء شعبي، من أجل تقرير المصير. فقد ارتبطت أسكوتلندا مع إنجلترا بمعاهدة، تعود إلى أكثر من 300 عام، بنيت خلالها بريطانيا أكبر إمبراطورية في تاريخ البشرية. وحتى بعد تلاشي نفوذها الجغرافي المباشر، ما زالت بريطانيا واحدة من أعظم اقتصادات العالم. فماذا يعني انفصال أسكوتلندا عن المملكة المتحدة.. سياسيا.. اقتصاديا.. واجتماعيا.. وحتى عسكريا؟

كيف يمكن تفكيك قواتها المسلحة، المكونة من شعوب المملكة المتحدة، التي تنتشر قواعدها العسكرية على كامل أراضي المملكة المتحدة وأسلحتها وغواصاتها النووية في مياهها الإقليمية؟ ومن سيبقى من جنودها الموجودين في مهمات عسكرية خارج البلاد؟ ومن سيستحوذ على مقعدها الدائم في مجلس الأمن؟ وماذا سيحدث لسفاراتها؟ ومن سيستحوذ على مداخيل غاز بحر الشمال؟ حتى العلم سيصبح محل نقاش، وسيتم فصل ألوانه التي تتشكل من اللونين الأحمر والأبيض (علم سانت جورج الإنجليزي، والأبيض والأزرق علم أسكوتلندا). علما بأن العلم البريطاني الحالي يتشكل من علمي البلدين الذي يسمى «يونيون جاك». وأخيرا وليس آخرا، هل ستبقى أسكوتلندا ملكية وتبقى إليزابيث الثانية ملكة على أسكوتلندا أيضا؟ أم تصبح جمهورية؟ وماذا عن قصور الملكة التي تقسم وقتها خلال العام بين إنجلترا وأسكوتلندا؛ إذ يوجد أكبر قصورها في بالمورال في أسكوتلندا؟ ورغم تأكيدات الوزير الأول الأسكوتلندي أليكس ساموند أنه على علاقة وثيقة مع العائلة المالكة، فإن الأسئلة تبقى.

هذه مجرد بعض المشكلات التي ستكون شائكة وتحتاج إلى سنين من المفاوضات القانونية والعملية بين البلدين والتي سيواجهها طلاق أسكوتلندا عن باقي المملكة المتحدة، التي بدأ المعلقون يطرحونها بصراحة ويرون أنها ستكون معضلة حقيقية للجهتين، خصوصا أن هناك حركة إنسانية مستمرة ولمئات السنين بين شعوب المملكة المتحدة. فالتعداد السكاني لأسكوتلندا (مثلا) يصل إلى خمسة ملايين ونصف المليون، ويعيش أكثر من مليون منهم، أي 20 في المائة، في إنجلترا.. هذه معضلة عبرت عنها صحيفة «التايمز» في افتتاحياتها قبل أسبوع تحت عنوان «سلطة دون مسؤولية». كتبت «التايمز»، التي تعكس عادة تفكير النخبة السياسية البريطانية، تقول إن على الوزير الأول الأسكوتلندي زعيم الحزب القومي الأسكوتلندي أليكس ساموند أن يحدد ما يريد من الاستفتاء.. هل يريد طلاقا كاملا مع المملكة المتحدة؟ أم إنه يريد بعض السلطات المحدودة التي يتمتع بها الآن؟ لكن لا يمكنه أن يختار أسئلة الاستفتاء دون أن يحدد بالضبط كل الأمور مثل الدفاع والخارجية والسياسات المالية.

هذه الأفكار عكسها أيضا وزير الخزانة السابق أليستر دارلينغ في مقابلة حديثة مع صحيفة «أوبزيرفر»، التي اتهم فيها أليكس ساموند بأنه يؤجج الشعور القومي للاستقلال، من خلال هجومه على المحافظين الإنجليز، ويرفض الدخول في حوار جدي حول الأمور المالية. وسنعود إلى هذه النقطة الجوهرية التي أثارتها مقابلة دارلينغ والتي تناولتها وسائل الإعلام قاطبة لأهميتها، لأنه يتناول فيها لب الموضوع بعيدا عن المهاترات القومية.

بداية القصة

* أليكس ساموند هو الوزير الأول (أي رئيس الوزراء) في البرلمان الأسكوتلندي المحلي الذي أنشئ عام 1997 بعد وصول حزب العمال للسلطة. وقامت حكومة توني بلير في ذلك الوقت بسن قوانين أعطت نوعا من الحكم المحلي لويلز وأسكوتلندا وأنشأت برلمانات محلية. وكان الحكم المحلي اقترح عام 1979 إلا أنه أهمل بعد وصول مارغريت ثاتشر إلى السلطة. وأعيد إحياؤه مع رجوع العمال إلى السلطة. لكن التغيرات السياسية أعطت الحزب الوطني الأسكوتلندي الذي يقوده ساموند فرصة لمضاعفة نفوذه السياسي حتى أصبح أعضاء حزبه الأكثرية في البرلمان في أدنبره. وبهذا، سيطر الحزب على زمام الأمور وتضاعفت شعبية الحزب، خصوصا أنه وعد في برنامجه الانتخابي الأخير، أي قبل عام، بأنه سينظم استفتاء لانفصال أسكوتلندا الكامل عن المملكة المتحدة. إلا أنه لم يحدد الزمن لهذا الاستفتاء. ومن هنا، بدأ الخلاف. وطفت الأمور على السطح قبل أسبوع عندما قرر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أنه بصدد تحديد موعد للاستفتاء وسيكون هناك سؤل واحد حول انفصال أسكوتلندا الكامل عن المملكة المتحدة، وتكون الإجابة عنه بكلمة «نعم» أو «لا».

وحاولت الحكومة البريطانية بزعامة كاميرون الدفع باتجاه إجراء الاستفتاء سريعا، مشيرة إلى ضرورة إجراء مثل هذه الخطوة في غضون 18 شهرا، في ظل أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 30% فقط من الأسكوتلنديين الآن مع الانفصال. لكن أسكوتلندا تعتزم إجراء استفتاء بشان استقلالها عن بريطانيا في خريف عام 2014 وفي ذكرى معركة انتصر فيها الأسكوتلنديين على الإنجليز قبل 700 عام، ويقال إنها المعركة الوحيدة التي حالف فيها النصر الأسكوتلنديين. أي بعد 30 شهرا من الآن، وهي فترة كافية لتأجيج المشاعر.

وقال الوزير الأول الأسكوتلندي أليكس ساموند إن هذا الموعد سوف يسمح بصياغة التشريع الضروري الخاص بالاستفتاء ويجيز الاستعدادات المناسبة لإجرائه. وأضاف أن هذا الموعد سوف يسمح للشعب الأسكوتلندي باتخاذ قرار مدروس بشأن مستقبل بلاده داخل المملكة المتحدة. وتابع أن الشعب الأسكوتلندي سوف يتخذ القرار الأكثر أهمية منذ 300 عام. وأكدت الحكومة البريطانية المركزية أن مسألة توقيت الاستفتاء الخاص بأسكوتلندا نوقشت بالفعل داخل الحكومة من أجل إنهاء حالة «الغموض» بشأن الخطوة المقررة. ويقول المنتقدون إن أي خطوة باتجاه استقلال أسكوتلندا يمكن أن تكون بداية لتفكك المملكة المتحدة التي تضم أيضا إقليمي ويلز وآيرلندا الشمالية.

ورغم أن الحزب القومي الأسكوتلندي الذي ينتمي إليه ساموند يقوم بشن حملة للترويج لاستقلال أسكوتلندا، فإن استطلاعات الرأي تظهر باستمرار أن نسبة المؤيدين للاستقلال لا تتجاوز ثلث عدد الشعب الأسكوتلندي. ولهذا يريد كاميرون الدفع بهذا الاتجاه، وأن المطلوب هو أن يصوت 60 في المائة من عدد المصرح لهم بالانتخاب لصالح الاستفتاء. الخلاف بين لندن وأدنبره ليس خلافا حول حق الأسكوتلنديين في التوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم بخصوص مستقبل بلدهم، فهذا حق ديمقراطي يتفق عليه جميع الأطراف وجميع الأحزاب. حق الاستفتاء، حق ديمقراطي لا خلاف عليه بين لندن وأدنبره، لكن عند الكلام عن الانفصال قد يتبادر للأذهان العديد من القضايا الساخنة التي تخص مفهوم الانفصال والاستقلال، والتي جاءت نتيجة حتمية لأشكال الاتحادات التي كانت قائمة نتيجة للحروب الطاحنة وثورات القرن العشرين التي تمخضت عن العديد من الاتحادات السياسية مثل جمهوريات الاتحاد السوفياتي وبعض دول أوروبا الشرقية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا.

بريطانيا ليست جورجيا أو روسيا، ولن تتحرك الدبابات البريطانية لإيقاف هذا الحق الديمقراطي كما حصل في أبخازيا التي تحاول الانفصال عن جورجيا، أو جمهورية الشيشان عن روسيا. إذن ما المطروح على بساط البحث؟ وما الخلافات بخصوص قضية الانفصال والاستفتاء عليه؟ إن الخلاف يتمركز حول من له الحق في تحديد زمان الاستفتاء وأيضا كيف سيكون شكل الاستفتاء. كاميرون وحكومة المملكة المتحدة المركزية، التي لا تحبذ الانفصال، تريد الاستفتاء قريبا جدا وأن يكون هناك سؤل واحد على ورقة الاستفتاء وتكون الإجابة عنه بكلمة «نعم» أو «لا». أما أليكس ساموند فيريد شيئا مختلفا. إنه يعتقد أن الاستفتاء ستكون نتيجته لصالح لندن إذا نظم قريبا، وبهذا سيضع حدا لأحلامه بالاستقلال، كما بينت نتائج استطلاعات الرأي. كما أنه يريد شيئا آخر. وهذا الشيء هو أن يضيف سؤالا آخر على ورقة الاستفتاء، التي تعطيه سلطات أقوى، بخصوص النظام الضريبي والدفاع والسياسة الخارجية، وهذا ما يسميه «أقصى قدر من الحكم المحلي»، وهذا لا تريده لندن لأنه يعقد الأمور بالعلاقة بين الجهتين ولا يحلها. وهذا ما قالته صحيفة «التايمز» في افتتاحياتها بأن على أليكس ساموند أن يقرر هل يريد الاستحواذ على مداخيل مبيعات الغاز والبترول من بحر الشمال فقط، لكنه لا يريد الديون المترتبة على أسكوتلندا، خصوصا بعد عملية إنقاذ البنوك التي قامت بها حكومة غوردن براون، التي ضخت المليارات في البنك الملكي الأسكوتلندي لإنقاذه. وقيل آنذاك إنه لو كانت أسكوتلندا مستقلة وقت وقوع الأزمة المالية العالمية لأعلنت إفلاسها مثل آيسلندا. لقد ضخت بريطانيا ما قيمته 187 مليار جنيه إسترليني في البنوك الأسكوتلندية، وهذا أكبر من الدخل القومي الأسكوتلندي الذي يقدر بـ122 مليار جنيه إسترليني. وقال ساموند في مقابلة مع القناة الرابعة إنه سيحصل على 90 في المائة من مداخيل بحر الشمال التي تقدر بـ10.5 مليار جنيه إسترليني سنويا. إلا أن حكومة لندن تقول إن حصة أسكوتلندا هي 8 في المائة من مبيعات غاز بحر الشمال.

وعودة إلى آلية العملية الاستفتائية. الخلاف بين لندن وأدنبره، أو بين كاميرون وساموند، أدى في النهاية إلى اللجوء إلى خبراء القانون. لأن إصرار ساموند على تنظيم الاستفتاء في خريف 2014 يعني أن الطرفين سيلجآن إلى المحاكم الدستورية للفصل بينهما؛ إذ يصر ساموند على أن السلطات التي يتمتع بها في الحكم المحلي وبرنامجه الانتخابي يعطيانه الحق في قرار تحديد الزمن وشكل الاستفتاء. أما لندن، فموقفها معاكس لذلك، وتقول إنها ليست ضد الاستفتاء لأن ذلك حق ديمقراطي، إلا أنها ما زالت السلطة المركزية التي تقرر متى وكيف ينظم الاستفتاء. وزادت الضغوط أخيرا على الوزير الأول أليكس ساموند التي تطالبه بنشر الرأي القانوني حول قضية الاستفتاء، وهل هو من اختصاص لندن أم أدنبره. وجاءت هذه المطالبة بعد أن كتب اللورد واليس، المستشار القانوني الأسكوتلندي لحكومة المملكة المتحدة الذي قال بصراحة أن اتخاذ قرار الاستفتاء من قبل حكومة أدنبره قبل أن يتم نقل صلاحيات السلطة من لندن إلى أسكوتلندا سيكون غير قانوني.

وطالب عدد من المشرعين من الأحزاب الأخرى؛ العمال والمحافظين والديمقراطيين الأحرار الممثلين في البرلمان الأسكوتلندي المحلي، بأن تكون هناك شفافية بخصوص ما قدم لحكومة ساموند من استشارة قانونية حتى يفتح حوارا في الموضوع قبل أن يشرع البرلمان الأسكوتلندي قانونيا في إجراء استفتاء الانفصال. وقال اللورد واليس الذي ينتمي إلى حزب الديمقراطيين الأحرار في تصريحات هذا الأسبوع إن البرلمان الأسكوتلندي لا يتمتع بصلاحيات تخوله أن يدعو إلى استفتاء، وإن قيامه بذلك يعني «التناقض مع أهم المبادئ الديمقراطية». وجاء رأيه القانوني بعد أن ارتفعت نسبة المؤيدين للانفصال. وبين استطلاع قامت به مؤسسة «يوغوف» المرموقة أن نسبة المؤيدين قد ازدادت منذ اندلاع الأزمة الدستورية إلى 39 في المائة.

ويفضل هؤلاء حسب الاستطلاع أن يتمتع البرلمان الأسكوتلندي بصلاحيات تخص السياسات المالية، أما الدفاع والخارجية، فيجب أن تبقى في أيدي حكومة لندن، وهذا ما يريد ساموند إضافته على أنه خيار آخر في الاستفتاء في حال رفض الخيار الأول وهو الانفصال الكامل. ولكن يعتقد العديد من المعلقين أن الحوار ما زال متمركزا في قضايا دستورية، وهذا ما يريده أليكس ساموند، الذي اتهم من قبل وزير الخزانة السابق أليستر دارلينغ في حكومة غوردن براون العمالية السابقة بأنه لا يريد حوارا حقيقيا حول القضايا المهمة الاقتصادية والسياسة المالية لحكومة أسكوتلندا المستقلة المستقبلية لو فعلا قررت ذلك. يذكر أن براون ودارلينغ ينحدران من أسكوتلندا.

وتثير افتتاحية «التايمز» أسئلة تعتقد أن على أليكس ساموند الإجابة عنها في حال اللجوء إلى الخيار الآخر، وهو حكم بسلطات عالية، مثل: هل ستكون الحكومة الأسكوتلندية قادرة على إصدار سندات خزينة بالجنيه الإسترليني إذا احتفظت بالعملة نفسها؟ وهل تريد من حكومة لندن إنقاذ البنوك في حال التدهور المالي لها، مثلما عملت في السابق مع البنك الملكي الأسكوتلندي؟ ومن يحدد سعر الفائدة.. البنك المركزي في لندن أم بنك مركزي أسكوتلندي؟ وهذا يعني خلق سياسات مالية متناقضة بين لندن وأدنبره. وهل الاستقلالية بالقرارات المالية تعني أن جزءا من الديون سيتم تحولها إلى ميزانية الدولة الأسكوتلندية؟ وهل يريد أليكس ساموند فقط المداخيل من بحر الشمال، أما بالنسبة للديون فإنه يريدها أن تبقى مسؤولية لندن؟ وماذا عن مسؤولية الدفاع والخارجية؟ وإذا قررت بريطانيا إرسال قواتها إلى الخارج كما حصل في حالة العراق وأفغانستان، فهل ستخالف القرار وتسحب الجنود الأسكوتلنديين من المعركة؟

وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والمصير غير المعروف لليورو ومنطقة اليورو، يقول أليستر دارلينغ إن أسكوتلندا ستواجه مشكلات أكبر في حالة الانفصال ودخولها الاتحاد الأوروبي كبلد كامل العضوية. إذا قررت دخول الاتحاد الأوروبي فعليها قبول اليورو كعملة قانونية لاقتصادها. لكن الوزير الأول (رئيس الوزراء) أليكس ساموند نوه سابقا بأن أسكوتلندا المستقلة قد تبقي على الجنيه الإسترليني عملة متداولة. لكن يرى بعض المعلقين أن ذلك لن يلبي طموحات أسكوتلندا الوطنية لأن إعطاء بنك إنجلترا المركزي الحق في تحديد سياسات أسكوتلندا الضريبية سيعيد الأمور إلى سابق عهدها، وهذا ما تعاني منه بعض الدول الأوروبية الجنوبية مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا وغيرها ممن قد تجبر على الانفصال عن منطقة اليورو لاحقا. ويقول دارلينغ الاقتصادي المحنك، الذي ينظر إلى سياسته المالية على أنها كانت حكيمة في بداية الأزمة المالية العالمية، حسب ما قاله صندوق النقد الدولي عندما قام دارلينغ بضخ المليارات في البنوك البريطانية.. يقول: «الجوانب السلبية للانفصال مخيفة وكذلك المخاطر، ولهذا لا أعتقد أنها تستحق المغامرة». آراء أليستر دارلينغ عوملت من قبل العديد من وسائل الإعلام على أنها أساس لحوار جاد حول موضوع الاستقلال يضع النقاط على الحروف ويواجه رد الفعل القومي الأسكوتلندي الذي «يختبئ» وراءه أليكس ساموند، الذي اتهم من معظم الأحزاب البريطانية والعديد من المعلقين بأنه يحاول دائما تمييع الأمور بخصوص التداعيات المالية لمستقبل أسكوتلندا. وأصبح ينظر إلى دارلينغ - على الرغم من أنه عمالي وناقد شديد لسياسات ديفيد كاميرون - على أنه الشخص المثالي ليقود حملة الدفاع عن وحدة المملكة المتحدة وإبقاء أسكوتلندا فيها.

وانتقد دارلينغ رئيس الوزراء كاميرون على إزاحة الحوار بعيدا عن القضايا الأساسية باتجاه القضية الدستورية التي سيستخدمها ساموند لتأجيج الشعور القومي ضد إنجلترا التي يقدمها للناخب الأسكوتلندي على أنها أرستقراطية محافظة ومختلفة عن تطلعات أبناء بلده. ولهذا يعتبر دارلينغ أنه من المهم جدا مواجهة ساموند بالقضايا الاقتصادية المهمة. ويطرح ثلاثة سيناريوهات بهذا الخصوص. يقول إن ساموند لم يتكلم بوضوح حول السياسات المالية المستقبلية. ويتساءل: هل يريد أن يبقي «الباوند»، أي الجنيه الإسترليني، كعملة لأسكوتلندا المستقبلية؟ وهذا ما نوه به ساموند في مناسبات مختلفة، قائلا إن «أسكوتلندا المستقلة قد تحتفظ بعلاقات مالية مشتركة مع إنجلترا حتى بعد الانفصال». بهذه الحالة، الجنيه يصبح عملة بين بلدين، أي إنه اتحاد مصغر لمنطقة اليورو. لكن دارلينغ يقول: «إذا جلست مع باقي أعضاء المملكة المتحدة ووافقت على عملة مشتركة، فإن الأعضاء سيقولون له: هل سترفع سقف الضرائب؟ وهل ستستمر بمستوى الصرف العام نفسه على الخدمات، وتزيد من ديونك دون سقف واضح». وهذا ما يواجهه بعض أعضاء منطقة اليورو. عندما تكون هناك عملة مشتركة، فإن ذلك يعني ليس اتحادا اقتصاديا فقط، لكنه يصبح اتحادا سياسيا، وإذا كان هذا هو المطلوب إذن، «لماذا كل هذا التعب والمطالبة بالانفصال من أجل أن تجد نفسك مرة ثانية في نقطة البداية؟ ولهذا فإن العملية غير مجدية».

كما أن الخيار الثاني، وهو أن تتجه أسكوتلندا لاختيار عملتها الخاصة، أمر مليء بالمخاطر. ويقول دارلينغ: «تصور كيف تفيق في صباح يوم الاثنين وتجد أن كل مدخراتك في البنوك لا تساوي شيئا، لأنه لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور بعد أن تقرر دولة استخدام عملة خاصة بها في بداية الأسبوع. وإذا خاف الناس قبل ذلك بيوم واحد وقرروا سحب مدخراتهم ووضعها في بنوك أخرى بعملة مختلفة، فإن ذلك قد يطيح بالنظام المصرفي الأسكوتلندي». أما المخاوف الأخرى التي يطرحها دارلينغ، الذي يصر على أنه فخور كونه أسكوتلنديا وكذلك على أنه واثق بأن أسكوتلندا تتمتع بقدرات فائقة، فهي اتجاه أسكوتلندا المستقلة لاتخاذ اليورو عملة لها. ويقول إن دخول الاتحاد الأوروبي دولة مستقلة سيجبر أسكوتلندا أيضا دخول منطقة اليورو وهذا ما تنص عليه اتفاقية الاتحاد الأوروبي. ولهذا ما الفائدة أيضا أن تصبح أسكوتلندا عرضة للتقلبات وسياسة سعر الفائدة التي يحددها البنك المركزي الأوروبي؟ «فما الجديد بالنسبة لأسكوتلندا، التي تطالب بالانفصال عن بريطانيا من أجل التنازل السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي». ويعتقد دارلينغ أن «العالم يتجه لبناء تكتلات اقتصادية عالمية ضخمة. وما الهدف من فلسفة اللجوء إلى تكتل اقتصادي أوروبي وفي الوقت نفسه تحاول الابتعاد عن جارك؟».