طالبان نيجيريا

«بوكو حرام» تتبنى فكر «السلفية الجهادية».. وأسفرت عملياتها عن مقتل المئات وتسعى لإقامة حكومة إسلامية

نيجيريون يتفحصون الدمار الذي لحق بسيارة عقب انفجار في إحدى الكنائس في العاصمة أبوجا في يناير الحالي وفي الإطار زعيم «بوكو حرام» أبو بكر شيكاو (رويترز) (أ.ف.ب)
TT

على غرار الجماعات الإسلامية المسلحة والمنتشرة على مستوى العالم، والتي تتخذ من تنظيم القاعدة أبا روحيا لها، جاءت جماعة «بوكو حرام» أو ما يطلق عليها «طالبان نيجيريا»، بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا وإنشاء إمارة إسلامية، مستخدمة في ذلك كل أساليب العنف المسلح، ضد السلطات الحكومية والمواطنين المسيحيين، والتي أسفرت عن مئات الضحايا في أقل من 10 سنوات، هي عمر الجماعة حتى الآن.

وتشهد نيجيريا هذه الأيام موجة عنف شديدة، الأمر الذي أجج المخاوف من عودة الحرب الأهلية، وهو ما عبر عنه رئيس البلاد غودلاك جوناثان، بقوله إن ما تشهده نيجيريا حاليا يشبه الحرب الأهلية التي وقعت في حقبة الستينات. وأعلن الرئيس جوناثان حالة الطوارئ في عدة مناطق منذ يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) وأغلق حدود نيجيريا مع النيجر والكاميرون وتشاد بعد موجة هجمات على كنائس وأهداف أخرى ليلة عيد الميلاد.

وتكونت جماعة «بوكو حرام» من مجموعة من المواطنين الإسلاميين متشددين، خصوصا من طلبة تخلوا عن الدراسة، وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية «يوبه» شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر، عام 2002 على يد سياسي نيجيري يدعى محمد يوسف، بهدف «تطبيق الشريعة الإسلامية بصورة صحيحة وإقامة مجتمع إسلامي خالص في عموم نيجيريا».

يقول قادة الجماعة «إنها تسعى لإقامة حكومة إسلامية على نمط الإمارة الإسلامية في أفغانستان، من خلال استخدام أدوات العصيان المسلح وتطهير المجتمع من مظاهر الكفر والفجور».

وتعد نيجيريا من أكبر الدول الأفريقية من حيث الكثافة السكانية، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 150 مليون نسمة، منقسمين بين مسلمين في الشمال ومسيحيين ووثنيين في الجنوب، ورغم أن المسلمين في نيجيريا يشكلون نحو 55 في المائة من إجمالي عدد سكان نيجيريا، بينما يمثل المسيحيين 40 في المائة، بحسب الإحصاءات المعلنة، فإن المسلمين يقولون إنهم يتعرضون لاضطهاد وإنهم لا يعينون في المناصب المهمة في الدولة ولا يمثلون فيها.

اسم الجماعة الرسمي هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، واشتهرت باسم «بوكو حرام»، ويعني «منع التعليم الغربي»، حيث إن كلمة «بوكو» تعني «التعليم الغربي» بلغة الهاوسا، أما «حرام» فهي كلمة عربية. ويعد ولاء هذه الجماعة الأساسي لحركة طالبان الأفغانية، حيث أعلنت في 16 أغسطس (آب) 2009 التحاقها بتنظيم القاعدة، وقال حينها نائب زعيم الجماعة «(بوكو حرام) ألحقت نفسها بتنظيم القاعدة الأم، وتنوي شن سلسلة من التفجيرات في شمال البلاد وجنوبها، مما سيجعل نيجيريا مستعصية على الحكم».

يقول محلل أمني جزائري، إن الهجمات الانتحارية التي هزت نيجيريا نهاية عام 2011 والتي تبنتها جماعة «بوكو حرام»، أضفت على التنظيم بعدا إرهابيا بعدما كان ينظر إليه على أنه تنظيم طائفي. وذكر بن عمر بن جانة الباحث في «مركز البحوث الاستراتيجية والأمنية» بالجزائر، لـ«الشرق الأوسط»، أن أحداث شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي «أعطت نقلة نوعية للعنف الذي تمارسه جماعة (بوكو حرام)، وذلك من حيث التوقيت والأهداف»، يقصد بذلك احتفالات رأس السنة الميلادية. وأفاد الباحث بأن الجماعات الإسلامية المتشددة، التي تعتمد العنف وسيلة لبلوغ غايات سياسية، «أصبحت في ظل الحصار الأمني المضروب عليها، والحرب التي يشنها الغرب ضدها، تتسم بالتآزر فيما بينها ومساندة بعضها البعض ماليا ولوجيستيا».

تتخذ «بوكو حرام» من ولاية يوبه شمال شرقي نيجيريا مقرا رئيسيا لها، وكان أول ظهور عبارة عن مجموعة من الطلبة تركوا دراساتهم وأقاموا أول قاعدة لهم في قرية كاناما. وقد قتل زعيمها محمد يوسف، في 30 يوليو (تموز) 2009، بعد أن ألقي القبض عليه في عملية مطاردة شاركت فيها مروحيات عسكرية وقوات شرطة شمال البلاد، أسفرت حسب تقارير إعلامية عن نحو 600 قتيل، وبعدها تم اعتقاله في مايدوغوري عاصمة ولاية برنو شمال نيجيريا، وأثناء محاولة لفراره من السجن قامت السلطات النيجيرية بقتله.

بعد مقتل يوسف أصبح قائد الجماعة الرجل الثاني أبو بكر شوكو، لكن نتيجة إصابته في إحدى الهجمات التي قامت بها السلطات النيجيرية، أصبح قائد الجماعة بشكل مؤقت هو مامان نور، وهو شاب (35 عاما)، له علاقات مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، وعاد مؤخرا من الصومال فارا من الاعتقال. تقول الشرطة النيجيرية إن مامان نور هو أحد مدبري الهجوم الذي استهدف مجمع الأمم المتحدة في أبوجا في 27 أغسطس 2011.

تقوم آيديولوجية هذه الجماعة على فكر «السلفية الجهادية»، وهي ليس فقط ضد تعاليم العالم الغربي أو أي تفاعل وتعاون معه، كما يتضح من اسمها، لكنها أيضا ضد التعامل مع أي نظام لا يطبق الشريعة الإسلامية، وأولها الحكومة النيجيرية، فقد حرمت الجماعة العمل في الأجهزة الحكومية للدولة، وأعضاء هذه المجموعة لا يختلطون حتى مع السكان المسلمين المحليين في نيجيريا، ويفضلون الانعزالية بصفة عامة، فضلا عن قيامها بعمليات اغتيال ضد كل من كان ينتقدها بمن فيهم رجال الدين الإسلامي.

وعلى عكس قادة حركة تنظيم القاعدة وزعيمها الراحل أسامة بن لادن الذين يعيشون حياة متواضعة رغم ثرائهم، فإن مؤسس «بوكو حرام» السابق محمد يوسف كان يعيش حياة باذخة وكان لديه سيارة ماركة «مرسيدس»، وفي حوار سابق له مع «بي بي سي» قال يوسف إنه «يرفض التفسير العلمي للكثير من الظواهر الطبيعية مثل أن البخار هو سبب نزول المطر، ونظرية التطور، وأن الأرض كروية، باعتبار أن كل ذلك مخالف لتعاليم الله وتعاليم الدين الإسلامي»، وكان يوسف يرى أن العلوم التجريبية والبحتة والتطبيقية حرام ينبغي تجنبها! وعلى الرغم من هذه الأفكار المتطرفة، فإنه كان هناك دائما ازدياد في شعبية الجماعة في نيجيريا مع تنامي نشاطها، بسبب سياسات الحكومات النيجيرية المتعاقبة على الحكم والتي تستخدم العنف والشدة المفرطة تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، فقد استطاعت الجماعة أن تكسب العديد من الأنصار والمتعاطفين معها من الشباب المسلم بسبب عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون والتي ارتكبتها الشرطة النيجيرية في حق أعضاء الجماعة.

يقول الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان، إنه يعتقد بوجود متعاطفين داخل حكومته وفي الأجهزة الأمنية مع جماعة «بوكو حرام» الإسلامية، وبعضهم موجود داخل الذراع التنفيذية للحكومة، وبعضهم في الذراع التشريعية (البرلمان)، وبعضهم في سلك القضاء، والبعض منهم موجود أيضا في القوات المسلحة وفي الشرطة والأجهزة الأمنية. وقد بدأت عمليات المواجهة الكبرى بين الحكومة والجماعة في يوليو 2009، حين بدأت الشرطة النيجيرية عمليات تحر كبرى عن الجماعة، بعد تقارير أفادت بقيامها بتسليح نفسها بكثافة، وبالفعل تم القبض على عدد من قادة الجماعة في باوتشي، واندلعت اشتباكات بعد أن حاول مجموعات من المسلحين اقتحام المباني الحكومية ومقر الشرطة الرئيسي في ولاية بوشي شمال البلاد، تلا ذلك نشوب معارك طاحنة بين المسلحين ورجال الشرطة انتهت باقتحام قوات الأمن لمعقل جماعة «بوكو حرام»، وقدر عدد الضحايا نتيجة هذه الاشتباكات آنذاك بنحو 700 قتيل.

ورغم أن السلطات النيجيرية كانت قد أعلنت أنها تمكنت من القضاء على الجماعة بعد هذه الحملة، فإن التطورات اللاحقة والعمليات التي شنتها الجماعة بعد ذلك أثبتت العكس.. ففي يناير (كانون الثاني) 2010، شنت الجماعة هجوما على ولاية بورنو، أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، وفي 7 سبتمبر (أيلول) من نفس العام، سهلت فرار 700 من المعتقلين في سجن ولاية باوتشي، وبعدها بثلاثة أشهر، نسب للجماعة مسؤولياتها عن تفجيرات سوق أبوجا التي أسفرت عن وقوع عشرات القتلى، بعدما ألقت الشرطة القبض على 92 من أعضائها.

وفي مطلع العام الماضي وتحديدا في 28 يناير الماضي قامت «بوكو حرام» باغتيال أحد المرشحين لمنصب حكومي، مع شقيقه وأربعة من ضباط الشرطة. وفي 29 مارس (آذار) الماضي، أحبطت الشرطة محاولة تفجير في مسيرة انتخابية في مايدوغوري، بولاية بورنو واتهمت «بوكو حرام» بالتخطيط للقيام بها.

وكان شهر أبريل (نيسان) الماضي شهرا مميزا في تاريخ العمليات المسلحة للجماعة، فقبل يوم واحد من موعد الانتخابات التشريعية، اتهم أحد أعضاء «بوكو حرام» بالهجوم على مقر للشرطة في ولاية باوتشي، وفي نفس الشهر تم تفجير مركز للشرطة في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو، كما فجر مكتب للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في مايدوغوري، وأطلق الرصاص على عدة أشخاص في حوادث منفصلة في نفس اليوم، واشتبهت السلطات في «بوكو حرام»، كما قتلت «بوكو حرام» رجل دين مسلما ونصبت كمينا لعدة أفراد من الشرطة في مايدوغوري.

ويبدو أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل الماضي وأغضبت الأغلبية المسلمة في الشمال أعطت ذريعة إضافية للجماعة لمضاعفة هجماتها، حيث فاز الرئيس المنتهية ولايته، غودلاك جوناثان، على منافسه مرشح حزب المؤتمر من أجل التغيير الديمقراطي محمد بهاري.

وفي نهاية مايو (أيار) الماضي، اتهمت الجماعة بمسؤوليتها عن سلسلة تفجيرات في شمال نيجيريا، أدت إلى مقتل 15 شخصا، وفي الشهر التالي له أعلنت «بوكو حرام» مسؤوليتها عن تفجير انتحاري لمقرات الشرطة في أبوجا، وفي 27 أغسطس الماضي، قامت بعملية انتحارية استهدفت مقر الأمم المتحدة في أبوجا أسفرت عن مقتل 25 شخصا بحسب الحصيلة التي أصدرتها أجهزة الإنقاذ النيجيرية.

كما أعلنت «بوكو حرام» مسؤوليتها عن سلسلة هجمات على كنائس ومواقع شرطة بالأسلحة والقنابل في شمال شرقي نيجيريا في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، أسفرت عن مقتل نحو 90 شخصا. وقال المتحدث باسم الجماعة ويدعى «أبو القعقاع» حينها: «سوف نواصل مهاجمة التشكيلات الحكومية الفيدرالية حتى توقف قوات الأمن اضطهاد أعضاء جماعتنا والمدنيين المعرضين للخطر».

وفي نهاية العام الماضي، في 23 ديسمبر، دارت معارك مسلحة بين قوات الأمن النيجيرية ومجموعة «بوكو حرام» خلفت 68 قتيلا على الأقل، على مدى يومين في شمال نيجيريا.

وكان رئيس الأركان النيجيري الجنرال أوزبيكي أيهيجيركا قد قال في وقت سابق إن «الجيش أنشأ فرقة خاصة لمحاربة (بوكو حرام)، وإن الفرقة الجديدة ستتعاون مع أجهزة الأمن لمحاربة الجماعة المتطرفة بعد عدد من حوادث إطلاق النار والتفجيرات في الشمال».

لكن فشلت هذه الفرقة في أول اختبار لها، وقامت الجماعة بعملية كبرى استهدفت الكنائس خلال صلوات عيد الميلاد الماضي في 25 ديسمبر الماضي، بينها انفجار خارج العاصمة، أسفر عن مقتل 35 شخصا على الأقل، وقال قائد الجماعة أبو بكر شوكو في شريط فيديو بث على شبكة الإنترنت، إن «الهجمات جاءت انتقاما لمقتل مسلمين في شمال نيجيريا»، محذرا رئيس بلاده غودلاك جوناثان من أن قوات الأمن لن يكون بمقدورها مجاراة المجموعة، ومنذ عيد الميلاد هذا استهدفت ست هجمات مسيحيين، موقعة أكثر من 80 قتيلا، وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن معظم تلك الهجمات.

وبعد أن انتهت المهلة التي حددتها «بوكو حرام» للمسيحيين لمغادرة شمال البلاد حيث الغالبية المسلمة، مساء الأربعاء 4 يناير الحالي، تضاعفت الاعتداءات والمواجهات، مما أوقع نحو ثلاثين قتيلا في عدة ولايات شمال شرقي البلاد. ويوم الخميس 5 يناير أدى هجوم إلى مقتل ستة أشخاص بحسب شهود بين المصلين في كنيسة بمدينة غومبي، وفي اليوم التالي، في ولاية أداماوا (شمال شرقي)، وقع الهجوم الأكثر دموية في الأيام الماضية مع مقتل 17 شخصا في موبي خلال تجمع لمسيحيين في عزاء. كما نفذ مسلحون مساء الجمعة الماضي هجوما آخر على كنيسة يولا عاصمة ولاية أداماوا أسفر عن سقوط 10 قتلى بين المصلين بحسب مسؤول مسيحي. وقال أبو القعقاع إن «الهجمات الأخيرة هي إحدى نتائج انتهاء المهلة التي أعطيناها للمسيحيين لمغادرة المناطق التي يشكلون فيها أقلية».

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»