ثوار.. أم أمراء حرب؟

عندما سقط القذافي كان ثوار ليبيا يشكلون 18 كتيبة.. والآن عددها نحو مائة تضم عشرات الآلاف من المقاتلين

TT

في شوارع العاصمة الليبية طرابلس وغيرها من مختلف المدن الليبية، يختلط الحابل بالنابل، الثوري بالمدني.. والاتهامات المعلبة التي تتهم هذا القيادي المعروف أو سواه بالعمالة لهذه الدولة أو تلك، جاهزة وحاضرة على مشارف انتخابات برلمانية يفترض أن تتم منتصف العام الحالي في تحد كبير لطموحات الليبيين في بناء دولة مدنية جديدة على أنقاض دولة العقيد السابق معمر القذافي.

وبينما بدأ بعض قادة الثوار العسكريين في خلع زيهم العسكري والتحول إلى الزي المدني في إشارة إلى اعتزامهم دخول معترك الحياة السياسية بشكل جديد، فإن أجنحتهم وأذرعهم العسكرية المنتشرة في ربوع ليبيا ما زالت تعتبر مشكلة صعبة بكل المقاييس للمجلس الانتقالي وحكومته المؤقتة.

وتقريبا فإن كل القيادات العسكرية للثوار قد ارتدت للمرة الأولى بدلات إفرنجية ورابطات عنق، بعدما اعتاد الليبيون على أن يتعرفوا عليهم من زيهم العسكري المموه.

وبعدما فعلها عبد الحكيم بلحاج، وهو أحد القيادات البارزة في تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة سابقا والرئيس الحالي للمجلس العسكري لطرابلس، فإن منافسه الأبرز عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، قد حذا حذوه وظهر مرتديا زيه المدني الجديد.

الملاسنات الكلامية والحرب الإعلامية والسياسية المتكررة بين ناكر وبلحاج دفعت الكثيرين إلى التساؤل حول الهدف منها، بعدما فشل المجلس الوطني الانتقالي بامتياز في وضع هؤلاء تحت إمرته بشكل نهائي حسما للجدل.

بيد أن سقوط نظام القذافي لم يحل بعد مشكلة الأمن وعدم الاستقرار التي شهدتها مؤخرا منطقة بني وليد، المعقل السابق للقذافي، وكذا شوارع طرابلس، التي شهدت أيضا اشتباكات دامية بالأسلحة الثقيلة، حيث هناك مخاوف من أن تتحول هذه الاشتباكات إلى تكوين ميليشيات وأمراء حرب، لا يردعهم رادع أو قانون. وكثيرا ما حذر رئيس المجلس الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل من حرب أهلية.

لدى سقوط نظام القذافي جرت محاولات بذلها الدكتور محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق التابع للمجلس الوطني الانتقالي لإنهاء عسكرة طرابلس ومظاهر التسلح التي تبدو واضحة فيها للعيان، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد اعتراض قادة الثوار على الطريقة التي سيتم به تسريحهم.

وربما دفع هذا الإخفاق جبريل إلى الاستقالة من منصبه مفسحا المجال أمام الحكومة الانتقالية التي يترأسها حاليا الدكتور عبد الرحيم الكيب التي تواجه تحديا صعبا يتمثل في إعادة إقناع الثوار من جديد بالتخلي عن السلاح والانخراط في الحياة السياسية والمدنية.

في منتصف فبراير (شباط) الماضي، تخلى آلاف المدنيين من الليبيين عن أعمالهم ودروسهم، وحملوا السلاح ضد قوات القذافي، لكن ومنذ سقوط النظام السابق، لا يزال معظم هؤلاء منضوين في كتائب مسلحة، تتولى حفظ الأمن في قسم كبير من البلاد التي تنتظر إعادة تشكيل جيشها وشرطتها.

وإذا كانت الميليشيات التي تشكلت من البلدات المختلفة ومن مختلف المعسكرات الأيديولوجية قد قادت الانتفاضة الشعبية التي استمرت تسعة أشهر بدعم من غارات جوية لحلف الناتو لإنهاء حكم العقيد القذافي، فإنها في الوقت الراهن ما زالت مترددة في إلقاء السلاح وتسريح مقاتليها.

ووقعت في طرابلس مؤخرا عدة اشتباكات كانت كفيلة بإظهار أن الطموح إلى بلد سالم وآمن، ما زال بعيد المنال في مدينة لم يعرف سكانها طيلة ثمانية أشهر سوى أصوات المدافع والطائرات وآلام الجرحى وجثث الشهداء والقتلى.

وغالبا ما يندلع العنف عندما يرفض مقاتلون الخضوع للتفتيش عند المرور عبر نقاط تفتيش تابعة لمجموعة منافسة أو عندما تحتجز جماعة مقاتلين من ميليشيا أخرى. وقال حكيم عبد الرحمن حماد، وهو طيار عسكري سابق ويتزعم حاليا ميليشيا في مدينة طبرق على الحدود مع مصر، إن «التوتر ينشأ دائما بسبب الاحتكاك بين الجماعات المسلحة وربما ينتهي بمواجهة».

وفعليا، فإن طرابلس مقسمة حاليا إلى ما يشبه إقطاعيات متفرقة تسيطر على كل منها ميليشيا مختلفة، ونادرا ما تشاهد الشرطة، عدا شرطة المرور، ولا يوجد أثر للجيش الوطني المشكل حديثا. ورغم أن وجود هذه الجيوش الصغيرة في الشوارع قد انخفض كثيرا مؤخرا، فإنها ما زالت تسيطر على مجمعات أمنية كانت تستخدمها في السابق قوات القذافي، بينما يزيد وجودها في شوارع طرابلس ليلا.

ويوجد في طرابلس مجموعتان رئيسيتان من المقاتلين من أبناء المدينة، يقود إحداهما بلحاج، وهو إسلامي قضى بعض الوقت في معسكرات طالبان في أفغانستان ويدير حاليا الميليشيا من جناح في فندق فاخر في طرابلس، ويقود الميليشيا الثانية ناكر وهو مهندس إلكترونيات سابق لا يخفي كراهيته لبلحاج.

وهناك أيضا ميليشيات من خارج العاصمة، حيث يسيطر مقاتلون من الزنتان، وهي معقل لمناهضي القذافي إلى الجنوب الغربي من العاصمة على المطار الدولي. وانسحب أغلب مقاتلي ميليشيا مصراتة، وهي مدينة إلى الشرق من طرابلس من وسط العاصمة، غير أنها تحتفظ بقوات على المشارف الشرقية من المدينة، ويحدد المقاتلون الذين ينتمون إلى الأقلية الأمازيغية مناطقهم بأعلامهم ذات الألوان الأزرق والأخضر والأصفر.

وبالإضافة إلى هذه الميليشيات هناك مجموعة أخرى من المقاتلين من شرق البلاد، المعقل الأصلي للتمرد ضد القذافي، وهم الأقرب، كما يتردد، إلى زعماء المجلس الانتقالي، ويطمحون لتشكيل أساس الجيش الوطني الجديد وهو ما يقلق منافسيهم. وهكذا فإن المظهر الجديد للثوار الذي تمثل أيضا في تدشين وإنشاء أحزاب جديدة تحت مسميات مختلفة تمهيدا على ما يبدو لصراع سياسي محتدم، يخفي في طياته مشاكل استيعاب واحتواء آلاف المقاتلين الذين وجودا أنفسهم الآن من دون عمل حقيقي بعدما انتهت مهمتهم الرئيسية في إسقاط نظام القذافي.

حينما كان الثوار يصطفون لمقاتلة قوات القذافي لم يكن يعرفون الانقسامات القبلية أو العشائرية كما لم تساورهم طموحات لسلطة ولا الرغبة في أن يكونوا هم أنفسهم بديلا عن نظام فقد شرعيته مبكرا، لكن روح الثورة كما يعتقد البعض قد خبت جذوتها، وبدا أنها في طريقها إلى الضياع بعدما بدأ البعض في محاولة تقديم نفسه كزعيم سياسي لا يشق له غبار. ودفع القذافي الليبيين إلى محاربته لكنه فرقهم بعد مقتله، في مشهد عبثي لا تحتمله أوضاع الدولة الليبية الجديدة التي تحتاج إلى مليارات الدولارات لكي تستعيد مجددا مقوماتها المدمرة من نقطة الصفر.

لا يعرف أحد يقينا في ليبيا، كم يبلغ إجمالي عدد الثوار المسلحين الذين أطاحوا بنظام حكم القذافي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وقتلوه بعد أسره بدقائق إثر المواجهات العسكرية التي جرت في مسقط رأس القذافي في مدينة سرت الساحلية. ثمة من يقول إن عدد الثوار الذين انخرطوا في المقاومة المسلحة التي اندلعت ضد القذافي اعتبارا من منتصف شهر فبراير الماضي وحتى العشرين من شهر أغسطس (آب) الماضي يقدر بنحو ربع مليون مقاتل معظمهم مدنيون تلقوا تدريبات سريعة على حمل السلاح.

لكن الدكتور محمود جبريل يعتقد أن ثمة مبالغة كبيرة في هذه التقديرات، وقال «لو كان هذا الرقم صحيحا لما صمد القذافي حتى 48 ساعة في الحكم». وقال أحد القيادات العسكرية للثوار لـ«الشرق الأوسط»: «نعتقد أن العدد لم يتجاوز مطلقا رقم المائة ألف، المشكلة الرئيسية أنه لا توجد سجلات رسمية تحصر عدد المقاتلين بشكل صحيح، لا كل ما لدينا تكهنات تقول إن العدد كان يتراوح ما بين 60 ألفا ومائة ألف مقاتل».

ويضم هذا العدد خليطا كبيرا ما بين المدنيين والعسكريين على نحو يجعل من إحصائهم بشكل دقيق عملية مرهقة، كما قال مسؤول بوزارة الدفاع الليبية لـ«الشرق الأوسط». ومع ذلك فقد الليبيون آلاف الجرحى والمصابين من جراء القتال الذي خاضوه ضد قوات القذافي العسكرية وكتائبه الأمنية على مدى 8 أشهر متواصلة، كما فقدوا آلاف القتلى والشهداء.

عندما اجتاح الثوار المدعومون من قبل طائرات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) المقر الحصين للقذافي في ثكنة باب العزيزية في العاصمة طرابلس في العشرين من شهر أغسطس الماضي، كان عدد الكتائب التي تضم كل الثوار لا تزيد على 18 كتيبة فقط.

الآن وفقا لأوساط الثوار وقيادات عسكرية وأمنية منهم، فقد قفز العدد إلى مائة كتيبة تضم ما بين 120 ألفا و150 ألف مقاتل، ويتنوع مستوى تسليحهم ما بين الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.

والحاصل هو أن البعض لجأ إلى تشكيل كتائب عسكرية وأمنية مستغلا الفوضى التي شهدتها البلاد فور سقوط النظام السابق، حيث يتندر الليبيون في مجالسهم الخاصة بأن أي شخص بإمكانه أن يصبح قائدا لكتيبة عسكرية أو إحدى سرايا الثوار.

والواقع أن الأمر لا يحتاج إلى مجهود كبير حيث يكفي فقط وجود أتباع مؤيدين وسلاح وهو منتشر بالفعل على قارعة الطريق في كل زوايا وخبايا ليبيا.

يقول عبد الله ناكر رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا مشهد عبثي، أي مجموعة بسيطة من 10 أشخاص لديها اسم وأجندة، لكن السرايا الحقيقية معروفة وموجودة في طرابلس، ثمة مسميات كثيرة لا حصر لها».

مشاكل الثوار ليست كبيرة، كما يقول ناكر، الذي يعتقد أيضا أنه كلما تعطلت عملية استيعاب الثوار أو احتوائهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية زادت مشاكل الثوار أنفسهم. لكن وزير الدفاع الليبي أسامة جويلي ينفي في المقابل وجود أي عقبات أمام ضم الثوار إلى وزارتي الدفاع والداخلية، مرجعا سبب التأخير في بدء هذا البرنامج إلى ما وصفه بالإجراءات الإدارية.

وتعليقا على تقارير بشأن رفض البعض هذه الخطط، قال الجويلي لقناة تلفزيونية محلية مؤخرا إنه لا يعتقد أن هناك من سيرفض، لأن كل الذين قابلهم من الثوار كانوا على درجة عالية جدا من الوعي وبعضهم طلب تسليم أسلحته.

ومع ذلك يعتقد جويلي أن الثوار ما زال لهم دور أساسي، لأنهم في الحقيقة هم من يقومون حاليا بحفظ الأمن في ليبيا والمحافظة على المرافق، لذلك طلب منهم الاحتفاظ بأسلحتهم، معتبرا أن وجود ثوار مسلحين لا يشكل خطرا بأي شكل على البلاد. ومع ذلك، يلاحظ دبلوماسي غربي عاد لتوه من طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، أن قادة الثوار في ليبيا على اختلاف مناطقهم ليست لديهم استراتيجية محددة لمعالم الدولة القادمة، وكلهم يدعي أنه الأنضج سياسيا والمؤهل للعب دور ما في المرحلة المقبلة.

خلال لقاءاته بالثوار والقادة الميدانيين في ليبيا خلال الأربعة أشهر الماضية خرج هذا الدبلوماسي الذي امتنع عن تعريفه لحساسية منصبه، بخلاصة مفادها أن كل قيادات الثوار ما زالت تتعلم ممارسة السياسة، وأنه يلزم هؤلاء وقت طويل قبل أن يتحقق نضوجهم السياسي والفكري. وأضاف أن «ثمة فصيلين أو 3 فقط من إجمالي عدد كتائب الثوار الذين يملكون رؤية للمستقبل، أما التشكيلات الباقية فهي منقسمة بين من يتحدث عن مصلحة جهوية أو من يدعم التوجه الفيدرالي وآخرين همهم الغنائم». ولفت إلى أن «هناك على ما يبدو أيادي في الحكومة تعمل من أجل أن ينفض الثوار عن قادتهم وبالتالي إضعاف التشكيلات العسكرية للثوار، معتبرا أن هذه الاستراتيجية تنفذها بعض الجهات لغرض إيجاد حل لموضوع القوة العسكرية للثوار وهي فكرة يبدو أنه تم نصح الحكومة باستعمالها».

وتابع «بدل أن تجد الحكومة نفسها مضطرة لشراء السلاح وإرضاء قادة الثوار، تعمل بعض الجهات من أجل الضغط على قادة الميليشيات بالشكل الذي يؤدي إلى حل هذه الميليشيات وتفكيكها داخليا».

وقال إن بعض الثوار يقفون وراء مصالح مناطقهم ويحاولون كسب بعض المصالح الآنية لمناطقهم كمصراتة مثلا والزاوية وليس لديهم مشاريع سياسية بل وليس لديهم نخبة مثقفة تحمل فكرا سياسيا يمكن الالتفاف حوله.

في المقابل، يعتقد أحد قادة الثوار أن ثوار المنطقة الشرقية، وإن خالفتهم بعض المجموعات القبلية الكبرى، لديهم رغبة في الفيدرالية، لكنه حذر في نفس الوقت مما سماه أجندة خفية لمشروع انفصالي حقيقي.

وأضاف: «هؤلاء لا يبحثون عن مرجعية نظرا لعدم موافقة هذه المجموعات القبلية على هذا المشروع، وأعتقد أن المدخل الوحيد لهم والمتاح في هذا الوقت هو موضوع دولة أو إمارة يحكمها السنوسيون، إلا أن هذا الموضوع يصطدم بحقيقة أن السنوسية فقدت شعبيتها في ليبيا، وأن الأجيال الحالية لم تعد مرتبطة بفكر السنوسية على الإطلاق».

وفقا لهذا لسيناريو، فإن هناك عدة مؤشرات على وجود مثل هذه العقلية «الانفصالية»، منها على سبيل المثال محاولة إعادة إحياء مراسم وبروتوكولات كانت متعلقة بمرحلة الملكية في ليبيا ابتداء بالعلم ثم النشيد وزيارة ولي العهد إلى ليبيا وحضوره مراسم «عيد الاستقلال» في «قصر المنار».

يتفق ناشطون سياسيون مع هذه المخاوف، حيث قال أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «أؤكد أن كل الشباب الليبي لم يسمعوا بمسمى قصر المنار إلا في هذا العام ولأول مرة كما لاحظت هناك محاولة لإبراز حتى بعض المقتنيات الشخصية للملك الراحل إدريس، رحمه الله، وتمرير رسائل إعلامية أخرى كوضع شعار (المملكة الليبية) على بعض الملصقات».

وتبقى مشكلة أخرى تتعلق بوضع ثوار الجنوب الليبي الذين ينتمي بعضهم إلى قبائل التبو المهمشة، وحرموا خلال فترة 60 عاما من كافة الامتيازات والحقوق بل وحرموا من المواطنة على الرغم من كون الكثيرين منهم ليبيين حقيقيين، وهم الآن يسعون جاهدين لاسترجاع حقوقهم. «قد يؤدي هذا إلى تصادمهم في بعض الأحيان ببعض القبائل الأخرى أو التركيبات السكانية التي اتخذت موقفا محايدا خلال الثورة نظرا لبعدها الجغرافي عن الدولة المركزية في طرابلس»، وفقا لما قاله محللون سياسيون محسوبون على قبائل التبو لـ«الشرق الأوسط».

على أن محاولات الحصول على التقدير الرسمي لأعداد الثوار سواء من المجلس الوطني الانتقالي أو حكومته المؤقتة باءت بالفشل، وكانت الإجابة دائما تبدو متشابهة ومحبطة للغاية، حيث قال مسؤول حكومي ليبي لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدينا هذا التعداد الرسمي حتى الآن، كلها تقديرات متضاربة ومتناقضة».

وفي محاولة لحسم هذا الجدل، شرعت الحكومة الليبية في برنامج طموح لاستيعاب الثوار في المؤسسات العسكرية والأمنية، لكن عددا ممن سيتم إدماجهم في قطاعات الجيش والشرطة يبلغ 50 ألفا، فقط وهم موزعون بالتساوي بين الطرفين.

يقول الدكتور عبد الرحيم الكيب رئيس الوزراء الليبي لـ«الشرق الأوسط»: «الثوار لعبوا دورا كبيرا ومحوريا في إسقاط نظام القذافي، يتعين علينا الآن التفاهم معهم، فكرة إخراجهم من طرابلس تحتاج لوقت فقط، كلهم سيخرجون لأن هذه هي طبيعة الأشياء وما يفترض أن يتم».

ولا تساور الكيب أي شكوك على الإطلاق في أن يستجيب الجميع عندما يحين الوقت لتنفيذ التعليمات لإنهاء كل مظاهر التسلح في العاصمة. وأضاف: «ليس لدي شك في وطنية الثوار وتفهمهم لمصلحة لبلاد العليا والضرورات التي تحتم اتخاذ هذا القرار، المسألة فقط مسألة وقت لا أكثر، وعندما يتم تفعيل برنامج الحكومة لاستيعابهم في مؤسسات الجيش والشرطة لن يكون هناك أي حاجة لبقاء الثوار في العاصمة».

لكن تفاؤل الكيب في سرعة وسهولة حسم هذه المسألة الشائكة يؤرق البعض الذي يعتقد أن الحكومة المؤقتة لا تمتلك المقومات الكفيلة بإقناع هؤلاء بالانصياع لما تقرره في هذا الصدد، حيث تتنافس الميليشيات على النفوذ في ليبيا الجديدة وتعتقد أنها حتى تحصل على نصيبها من السلطة السياسية عليها أن تحتفظ بوجود مسلح في العاصمة. وبتعيينه الضابط المتقاعد يوسف المنقوش رئيسا للأركان يضع المجلس الانتقالي الميليشيات أمام خيارين؛ إما بدء تسليم السيطرة للجيش أو تحدي القيادة الليبية صراحة.

وقال المنقوش إن رسالته للثوار هي أن عليهم أن يثبتوا للعالم مرة أخرى أنهم وطنيون وأنهم سيندمجون في مؤسسات الدولة ويعملون على بناء جيش وطني قوي.

وحتى الآن تقول الميليشيات إنها لا يمكن أن تسلم أسلحتها وتسمح باستيعاب مقاتليها في الجيش، لأن هيكل قيادته غير مكتمل، حيث يعتقد فتحي باش أغا عضو المجلس العسكري بمصراتة أنه لا يزال غير متأكد من أن الوقت مناسب لتخلي الميليشيات عن دورها، معتبرا أنه عندما تثبت الدولة قدرتها على تولي مسؤولية حماية الحدود وتأمين البلاد فسوف يسلمون السلاح.

وبينما يسابق وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش الوطني الزمن لتأسيس جيش محترف قادر على الدفاع عن حدود ليبيا، فإن استمرار تردد الثوار في تسليم أسلحتهم يلقي بكثير من ظلال الشك حول مدى نجاعة وفاعلية الإجراءات التي تتخذها الحكومة الانتقالية في هذا الإطار.

ولا تبدو عودة الثوار إلى حياتهم المدنية وشيكة، بينما يرفض بعضهم السماح لقوات الجيش النظامي بالعودة إلى ثكناتها، ليصح القول إن في ليبيا جيشين؛ جيشا قويا وفاعلا ومؤثرا للثوار، وجيشا آخر ضعيفا ومنهكا ويحتاج إلى إعادة هيكلة وتسليح، يتبع للشرعية الدستورية الممثلة الآن في المجلس الانتقالي وحكومة الكيب.

وما بين الجيش النظامي والجيوش الصغيرة للثوار يفقد صانع القرار في ليبيا الكثير من قدراته على أن السؤال الملح هو ليس فقط لمن ستكون الغلبة. وفي كل الأحوال فإن تعدد أمراء الحرب والميليشيات في طرابلس يعيد إلى الأذهان مشهد أمراء الحرب في الصومال، تلك الدولة التي أنهكتها حروب الصغار وقضت عليها تماما، فهل يتكرر الأمر مجددا في «ليبيا الجديدة».