اليهودية.. حاملة «نوط القدس»

فيليتسيا لانغر فقدت عائلتها في المحرقة النازية.. وأصبحت شاهد عيان يفضح الاحتلال الإسرائيلي

TT

ليس في كل يوم يحظى يهودي بوسام عربي رفيع. وليس سهلا على الأذن العربية أن تسمع أن الرئيس الفلسطيني قلد أحد أرفع الأوسمة الفلسطينية الرسمية (نوط القدس) لشخصية إسرائيلية يهودية. لكن، عندما يكون ذلك «اليهودي» شخصية مثل فيليتسيا لانغر، المحامية التي تردد اسمها في بيوت آلاف الأسرى الفلسطينيين كمناضلة مدهشة في دفاعها عنهم، فإنه يستحق أرفع الأوسمة، ليس فقط من الرئيس الفلسطيني، بل من قادة في طول بلاد العرب وعرضها. فهي واحدة من أكثر المساهمين في النضال الفلسطيني من أجل الحرية، وهي من أولى الشخصيات التي كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي، وهي التي دافعت عن مئات المناضلين الأسرى في السجون الإسرائيلية، وغالبيتهم فلسطينيون، لكن بينهم الكثير من السوريين واللبنانيين والأردنيين وغيرهم من العرب، وهي من أبرز المناضلين اليهود من أجل السلام. إنها اليوم في الثانية والثمانين من العمر، وما زالت تتنقل من بلد إلى بلد، ومن محاضرة إلى أخرى، وتشارك في المظاهرات، وتتكلم للصحف والإذاعات، تبث رسالة السلام وتهاجم سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تعرقله.

عندما أعلن الخبر، عن أن الرئيس محمود عباس التقى بالمحامية فيليتسيا لانغر في العاصمة الألمانية برلين، التي تحولت إلى منفى اختياري لها، وسلمها «نوط القدس»، ترقرقت بالدموع عيون المئات من العائلات الفلسطينية والعربية تأثرا، ولم نسمع أحدا يعترض أو يحتج على ذلك، رغم ارتفاع منسوب الكراهية لإسرائيل في السنوات الأخيرة. يقول مرسوم الرئاسة الفلسطينية «رئيس دولة فلسطين، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.. بناء على الصلاحيات المخولة لنا وتحقيقا للمصلحة العامة، رسمنا بما هو آت: منح الأستاذة المحامية فيليتسيا لانغر وسام الاستحقاق والتميز، تقديرا لدورها في الدفاع عن أسرى الحرية الفلسطينيين وكشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ونضالها من أجل السلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين».

وعندما وصل الرئيس أبو مازن إلى برلين، والتقى مع لانغر في مقر إقامته، ليقلدها الوسام، عانقها طويلا وقال لها إنه سعيد بشكل شخصي لأنه أخيرا يحقق حلما بأن يلتقيها ويشكرها باسم الشعب الفلسطيني والآلاف من مناضليه. فهو واحد من الشخصيات الفلسطينية القليلة التي لم يتح لها التعرف إليها. لكنه أحضر معه أحد مستشاريه الكبار، أكرم هنية الذي كان أحد الأسرى الذين دافعت عنهم لانغر. والسفير الفلسطيني في برلين صلاح عبد الشافي، هو نجل أحد كبار المناضلين الفلسطينيين الذين مروا في سراديب التعذيب في السجون الإسرائيلية، حيدر عبد الشافي، ابن غزة الذي عينته منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضا أساسيا باسمها في فترة مؤتمر مدريد للسلام 1991.

وعندما تحدثت إلى «الشرق الأوسط» هاتفيا، هذا الأسبوع، كانت عائدة من محاضرة عن الممارسات الإسرائيلية في دوس حقوق الإنسان الفلسطيني. تجاوزت الثمانين من العمر، وما زالت تتكلم بالحيوية نفسها قبل عشرات السنين. وفي أول تعليق لها على تسلم الوسام الفلسطيني الرفيع، قالت «لا تتصوروا أي شعور أعيشه اليوم. لست ممن يداهنون أحدا أيا كان، ولا أتردد في نقد أحد. لكنني في ذلك اللقاء عشت أجمل وأهم لحظات حياتي. لقد حصلت على عدة أوسمة وجوائز تقديرا لمسيرتي النضالية. لكن هذا الوسام، نوط القدس، هو شيء آخر.. هو درة الأوسمة وذروتها. منذ أن علقه أبو مازن على صدري، وأنا أطير من الفرح وأشعر بسعادة لا توصف». واعتبرت الخطوة «تعبيرا عن أصالة فلسطينية. فهذا شعب رقيق يتسم بالوفاء ويعترف بالجميل ويتأثر من كل ما تقدمه له، أيا كانت ديانتك أو قوميتك. وأنت تعرف أنني لم أطلب هذا الوسام ولم أتوقعه، بل فوجئت به جدا».

من هي فيليتسيا

* فيليتسيا لانغر هذه هي محامية إسرائيلية يهودية من أصل بولندي. ولدت في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) في سنة 1930 في مدينة تارنوف في بولونيا باسم فيليتسيا فايت. خلال الاحتلال النازي لبولندا وتصعيد الملاحقات لليهود هناك، تم اعتقال العديد من أفراد عائلتها وتصفية غالبيتهم في أفران الغاز. وكما حصل للكثير من اليتامى اليهود في تلك الفترة، فقد نجت من براثن النازية والتقت يتيما آخر من اليهود الناجين، وهكذا تعرفت على صديقها الذي أصبح زوجها ميتسيو لانغر، فهاجرا معا إلى إسرائيل في عام 1950. وقد انضم كلاهما إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ركح)، وتدرجت في مؤسساته لتصبح عضوا في اللجنة المركزية. وهناك تعرفت على العديد من الشخصيات النضالية المعروفة، مثل إميل حبيبي وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم.

درست القانون في الجامعة العبرية في القدس وتخرجت في عام 1965. عملت لفترة قصيرة في مكتب للمحاماة في تل أبيب، لكنها استقلت بسرعة وفتحت مكتبا خاص لها في القدس الغربية، في شارع قريب للزقاق يدعى «فوروش». بعد الحرب والاحتلال سنة 1967، انضمت إلى تلك الشريحة قليلة العدد وكثيرة الأهمية من اليهود، الذين رفضوا العيش في سكرة النصر وأطلقوا صرخة الغضب القائلة إن «هذا النصر شر من هزيمة»، كما جاء في قصيدة توفيق زياد. ثم وجدت نفسها تدخل في خضم المعركة وجها لوجه مع هذا الاحتلال، من خلال توليها مهمة الدفاع عن الأسرى.

وأصبح مكتبها في شارع فوروش، رقم 14، محجا للعائلات الفلسطينية ضحية الاعتقال والتعذيب، وفي الوقت نفسه مدرسة للمحامين الفلسطينيين مواطني إسرائيل (فلسطينيي 48)، الذين أكملوا طريقهم معها أو إلى جانبها: وليد الفاهوم وعبد عسلي وجواد بولس وصالح نزال ونائلة عطية وغيرهم. لم تكن تفلح في القضايا التي تترافع فيها، فالاحتلال هو المجرم وهو القاضي وهو الجلاد كما كانت تقول. لكنها نجحت في قضايا كثيرة. والنجاح كان يتمثل في إطلاق سراح مناضل ما أو منع ترحيل مناضل ما أو فضح جرائم التعذيب أمام العالم وتجنيد ضغوط دولية على الحكومة الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان يكون النجاح في مجرد القيام بزيارة سجين فلسطيني في المعتقل. والأسير يعرف معنى مثل هذه الزيارة، فقد تكون نقطة ضوء وأمل لمن يقبع في زنزانة، رجال المخابرات يهددونه بالموت فيها من دون أن يسمع به أحد، ولا يعرف إذا كان هناك من يعرف بمكان وجوده أم لا.

ومن نجاحاتها أنها دونت شهاداتها خلال سنوات عملها، لتشكل لائحة اتهام دامغة لجرائم الاحتلال. وأصدرت تسعة كتب هي زبدة تجربتها النضالية، من أيام طفولتها في بولندا وحتى يئست من محاكم احتلال. وهذه الكتب هي «بأم عيني» (1974)، «هؤلاء إخواني» (1979)، «من مفكرتي» (1980)، «القصة التي كتبها الشعب» (1981)، «عصر حجري» (1987)، «الغضب والأمل» (1993) - (السيرة الذاتية)، «الظاهر والحقيقة في فلسطين» (1999)، «تقرير ميتسيو.. الشباب بين الغيتو وتيريزينشتادت» (1999)، «الانتفاضة الفلسطينية الجديدة» (2001).

وقد نالت فيليتسيا لانغر في عام 1990 جائزة الحق في الحياة (المعروفة باسم جائزة نوبل البديلة) «للشجاعة المثالية في نضالها من أجل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني». وقبل أن تغادر البلاد في السنة نفسها، منحها رئيس بلدية الناصرة، توفيق زياد، مواطنة شرف في المدينة. وحصلت في عام 1991 على جائزة «برونو كرايسكي» للإنجازات المتميزة في مجال حقوق الإنسان. وفي سنة 2005 جرى تكريمها في مركز عدالة القانوني بوصفها من أوائل المحامين الذين دافعو عن حقوق الإنسان في إسرائيل. وفي سنة 2009 حصلت على الوسام الألماني من الدرجة الأولى، عن دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان.

شهادة عنها

* شيخ محامي الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، الكاتب جواد بولس، الذي عمل معها ست سنوات (1980 - 1986)، وحافظ ويحافظ على علاقات ودية معها حتى اليوم، وأهدى لها أول كتاب يصدره، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كي نقيم بأمانة دور هذه الشخصية، علينا أن نجري مقارنة بين الظروف التي يعمل فيها المحامون المدافعون عن الأسرى اليوم، والظروف التي عملت فيها فيليتسيا لانغر. ففي حينه كان الاحتلال في عز غطرسته وجنون عظمته وسكرة قوته. وكان يروج في العالم نظريته القائلة إن إسرائيل دولة الضحية اليهودية، التي عانت الأمرين في زمن النازية وتعاني اليوم من العدوان العربي، وكانت تتحدث عن احتلالها بوصفه احتلالا نيرا وحضاريا والعالم الغربي يصدقها.. فجاءت فولا (هكذا كان أصدقاء فيليتسيا لانغر وأحباؤها ينادونها) لتزعزع لهم نظريتهم وتخرب عليهم فرحتهم فتكشف عن الوجه الحقيقي البشع والإجرامي للاحتلال وتفضح ممارساته الوحشية ضد الفلسطينيين وتعذيبه الشرس للمناضلين وحتى للمواطنين الفلسطينيين العاديين».

وقد قالت فيليتسيا بصراحة ووضوح «أنا شخصيا، أنا اليهودية، أنا ابنة العائلة اليهودية التي فقدت عائلتها في المحرقة النازية، شاهدة عيان على ما يجري في ظل الاحتلال الإسرائيلي. بأم عيني شاهدت موبقات هذا الاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني»، وفعلت ذلك بشجاعة، بل ببطولة حقيقية.. «وقد كنت شخصيا شاهدا على ذلك مئات المرات»، يقول بولس.

ثم يروي أن فولا كانت تصل إلى المحكمة العسكرية الاحتلالية، التي كانت تقام عادة داخل معسكرات الجيش. هذه المعسكرات مغلقة، ومحمية بدوائر عديدة من الحراس والجنود والضباط، الذين قلما تجد فيهم من يتعامل معه بإنسانية. كانوا يستفزونها ويطلقون نحوها الشتائم القذرة ذات المغزى الجنسي اللئيم ويبصقون عليها ويسمعونها الأسطوانة التقليدية - «يهودية خائنة» و«اذهبي للعرب» و«هل ضاجعت الليلة إرهابيا عربيا» وغيرها. فإذا قارنا بين المرحلتين، فإن عمل المحامين اليوم في المحاكم العسكرية، ورغم ما يعتوره من مصاعب ومضايقات احتلالية، يعتبر نزهة».

ويلفت بولس النظر إلى أن فولا لم تكن محامية عادية، وكثيرا ما كانت دموعها تفضح الزخم العاطفي في شخصيتها «كانت تبكي ألما وحزنا، عندما ترى قاضيا ظالما يصدر حكما قاسيا بحق فلسطيني أو فلسطينية. فالمحاكم الإسرائيلية العسكرية تتحول إلى مصفاة ترى فيها قاذورات الاحتلال بمختلف صنوفها. وفولا تصارع فيها كاللبؤة غطرسة الجنود والضباط في المحكمة وفي الطريق إلى المحكمة. لكنها بعد انتهاء تلك المعركة، كانت تبكي. في بعض الأحيان تبكي دموع السعادة والفرح عندما ترى أسيرا فلسطينيا يحظى بالإنصاف وتكسب قضيته، لكن هذه هي حالات نادرة».

شهادة يهودية فيها

* الكاتب الصحافي يهودا ليطاني، عمل مراسلا لصحيفة «هآرتس» في المناطق الفلسطينية المحتلة في الفترة من 1973 وحتى 1985، يروي لـ«الشرق الأوسط» قصة عن فيليتسيا، تبين شيئا من الظروف التي عملت فيها. يقول «بشكل عام، حظيت بدعم من رئيس التحرير غرشوم شوكن وهيئة التحرير. لكن في إحدى المرات في سنة 1980، وجدت نفسي في وضع محرج، إذ رفضوا نشر تقرير كتبته عن أساليب التعذيب التي تعرض لها أسير فلسطيني من مدينة الخليل. ففي هيئة التحرير لم يصدقوا أن المخابرات الإسرائيلية يمكن أن تمارس تعذيبا وحشيا مثلما ورد في التقرير». وأضاف «في تلك الفترة، كان المراسل في المناطق المحتلة يعمل في ظروف قاسية ويعاني صراعا ما بين الكتابة بصدق والرواية الرسمية.. بين أن يظهر مخلصا للدولة، فيتبنى الرواية التي يتلقاها من الجيش والمخابرات، أم الرواية التي نقلها من الميدان. فإذا نقض الرواية الحكومية يدخل في (القائمة السوداء) غير الرسمية ويفقد تعاون المؤسسات. وقد جعلنا هذا حذرين بشكل مضاعف ومشينا بين النقاط. وفي كل الحالات كنا نواجه معركة في جبهتنا الداخلية، هيئة التحرير، التي كانت هي أيضا تتعرض لضغوط من المؤسسة الأمنية. وفي بعض الأحيان، لم تكن هيئة التحرير بحاجة للضغوط، لأنها كانت تمارس رقابة ذاتية».

ويتابع ليطاني «القصة المذكورة وصلت إلي في مساء أحد أيام الصيف، من الشاب الفلسطيني نفسه. وقد أبلغني بأن فيليتسيا لانغر هي التي نصحته بالتوجه إلي.. قال إنه تعرض للتعذيب بالضربات الكهربائية على جهازه التناسلي وسكب الماء البارد عليه في الشتاء وإبقائه عاريا في البرد القارس وغيرها وغيرها من الأساليب. اتصلت بها لأتيقن من أنها أرسلته فعلا، لكنني لم أصدق. لم أتخيل أن لدينا يمكن حدوث تعذيب كهذا. ورحت أحقق. وشيئا فشيئا اتضح أنهما صادقان. وقد أكد لي الرواية ضابط ذو ضمير في الجيش. وروى لي قصص تعذيب أخرى تقشعر لها الأبدان. وعندها كتبت. وتوجهت إلى المحرر أخبره. فأجابني شوكن بأنه لا يستصعب تصديق القصة. فدعا إلى اجتماع لإدارة التحرير. وصدمت.. فقد رفضوا في معظمهم أن يصدقوا، واتهمني أحدهم بأنني أصبحت أتأثر مما يقول الفلسطينيون من كثرة احتكاكي بهم. وقال آخر إن هذه هي افتراءات متخلفة يصوغها الفلسطينيون ليحرضوا على إسرائيل. صعقت وشعرت بأنني بتت في قفص الاتهام. ورحت أدافع عن قصتي. فتقرر تسليم الموضوع إلى المحرر العسكري زئيف شيف ليفحصه من مصادره في المخابرات. ودعت المخابرات زميلي شيف ليفحص بنفسه غرف التحقيق. وأقنعوه بأن الرواية كاذبة. وقد هاتفني الضابط المذكور ليخبرني كيف خدعوا زميلي وأكد لي مجددا أن روايتي صحيحة. وتدور الأيام ويصبح هذا الضابط محررا في (هآرتس)، واسمه تسفي بارئيل».

«سلم لي على كل فلسطيني»

* «في سنة 1990، قررت أن أتوقف عن العمل في مهنتي، لأنني بدأت أشعر بأن عملي يشبه (ورقة التين) التي تستر على النظام القضائي العسكري وحتى المدني في إسرائيل. وقررت أن أهاجر كنوع من الاحتجاج والتعبير عن اليأس والاشمئزاز. فقد رأيت أننا، ولسوء الحظ، لا نستطيع تحقيق العدالة للفلسطينيين»، هكذا قلت فيليتسيا في محادثة هاتفية مع «الشرق الأوسط» من بيتها في ألمانيا.

ألست نادمة على الهجرة، فأنت كما أعرفك لست ممن يجلسون في البيت ويفتشون عن الراحة؟.. أجابت «بالطبع لست نادمة بل مصممة على الهجرة، وفي الوقت نفسه لست جالسة في البيت بلا عمل. فأنا تجاوزت سن الثمانين، وما زلت نشيطة جدا في الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضية السلام وفضح سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. لا يمر أسبوع من دون نشاط كهذا». وتضيف فيليتسيا أنها تفعل ذلك لأنها يهودية بالذات «فأنا من الذين نجوا من المحرقة النازية. هذه المحرقة لا تفارق خيالي. واجبي تجاه الضحايا اليهودية التي سقطت فيها، هو أن أحارب كل مظاهر الظلم والعنصرية والاضطهاد في العالم، فكم بالحري إذا كان الظالمون هم من أبناء شعبي. إن ما فعلته وتفعله حكومات إسرائيل للفلسطينيين هو إهانة للضحايا اليهودية في المحرقة النازية».

ولكن لانغر، وبنفس الحدة التي تتحدث بها عن حكومات إسرائيل وعن يأسها من تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط في ظل هذه السياسة، تجد أبوابا للتفاؤل بالأجيال الجديدة. وتصر على أن ما تقوم به من نشاطات اليوم، هو بدافع هذا التفاؤل «يحظر علينا أن نرفع أيدين مستسلمين لليأس. ففي النهاية سيكون النصر لقوى النور في عالمنا. وأنا أستبشر خيرا بما يعرف بالربيع العربي، وأرى فيه بداية تغيير إيجابي في الشرق الأوسط وفي العالم وسيكون له أثر على إسرائيل نفسها. كيف؟.. إسرائيل، شاء قادتها المتطرفون أم أبوا، هي جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط. شعبها يتأثر بما يجري. وأنا أؤمن بالشعب الفلسطيني، أن ينهض بانتفاضة شعبية سلمية بلا عنف ضد الاحتلال. وهذه الانتفاضة ستؤثر على الرأي العام العالمي وكذلك الإسرائيلي، وسيسقط الإسرائيليون حكومتهم اليمينية المتطرفة هذه. فهذه الحكومة تسير ضد التيار الإنساني في عالمنا، ومن يقف ضد التيار في الشرق الأوسط سيسقط». ولكي لا يبدو كلامها ورديا بشكل زائد تضيف «قد لا يحدث هذا التغيير في زمني. لكن مسيرة التغيير قد بدأت. ولدي أمل كبير في الأجيال القادمة. أنا لي خمسة أحفاد، ثلاثة منهم كبار وواعون، وهم يسيرون على طريقي، وهذا يجعلني متفائلة بشكل خاص«. وعندما شكرناها طلبت «انقل تحياتي لكل فلسطيني لديكم. سلم لي على كل فلسطيني تعرفه، وقل باسمي إن الخير قادم لا محالة. إنني أشعر بتضامن عميق مع هذا الشعب الذي يناضل ضد القمع، وأحاول تقديم ما يمكنني القيام به».