مآسي الأسدين

تاريخ مشترك من المجازر امتد على مدار4 عقود.. أكثرها وحشية في حماه عام 1982

TT

تاريخ واحد من المجازر وصورها المتشابهة ارتبطت بـ«النظام الأسدي» من الأب إلى الابن.. امتد على مدار 42 عاما.

العشرات من المجازر راح ضحيتها عشرات الآلاف بين قتيل ومفقود أبرزها مجزرة حماه، في عام 1982، وسجن تدمر 1980، وغيرها وغيرها.. ارتكبتها آلة قمع النظام في مناطق سوريا عدة، وتوجهت حديثا في عهد الثورة التي تفجرت قبل عام. كلها مذابح موثقة تنتظر تحقيقات دولية علها تكشف هوية آلاف الضحايا ومكان وجودهم.

تقول منظمة العفو الدولية (آمنستي) في تقريرها الذي أصدرته في الذكرى السنوية الأولى للثورة السورية: «لقد وصل حجم التعذيب والإساءة في سوريا إلى مستويات غير مسبوقة، ليعيد ذكريات حقبة مظلمة سادت البلاد خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد وحزب البعث». وليس بعيدا عن هذا السياق ما كانت المنظمة الأميركية قالته في وقت سابق من أن «بشار الأسد ورث بلدا محملا بتركة ثقيلة من الانتهاكات، لكنه لم يتخذ أي خطوة ملموسة للإقرار والتصدي لها، أو إلقاء الضوء على مصير آلاف الأشخاص الذين اختفوا منذ حقبة الثمانينات».

وفي مقارنته بين المجازر التي ارتكبها النظام السوري في عهد كل من الرئيسين حافظ وبشار الأسد، قال رياض الشقفة، مراقب عام الإخوان المسلمين في سوريا لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الابن من ذاك الأب. كلاهما من فصيلة واحدة. ينتهجان أسلوبا واحدا فاق الخيال، في القتل والمجازر والجرائم. نظام من الوحوش في ثياب بشر. ويضيف: «ما قام به الأب خلال عقود يقوم به الابن اليوم، وسجنا تدمر وصيدنايا شاهدان على هذه الوقائع. وكل المجازر التي ارتكبها النظام بحق السوريين خلال الثورة تعكس الصورة نفسها». وحسب مصادر المعارضة السورية وخبراء ومتابعين للأوضاع السورية، فقد وقعت خلال فترة الثمانينات عدة مجازر، وأبرزها مايلي:

مجزرة حماه:

وقعت في الثاني من فبراير (شباط) 1982، حين باشرت وحدات عسكرية حملة على المدينة بتهمة وجود عشرات المسلحين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة فيها، وتم تطويق المدينة وقصفها بالمدفعية قبل اجتياحها عسكريا وقتل واعتقال عدد كبير من سكانها. وتطالب المنظمات الحقوقية بتحقيق دولي مستقل في أحداث حماه، ومعاقبة المسؤولين عن المجزرة التي تعتبر الأعنف والأكثر دموية وقسوة في تاريخ سوريا الحديث.

وتشير بعض التقارير إلى سقوط ما بين عشرين وأربعين ألف قتيل، وفقدان نحو 15 ألفا آخرين، ولا يزال مصير عدد كبير منهم مجهولا حتى الآن، كما تعرضت المدينة إلى تدمير شبه كامل شمل مساجدها وكنائسها ومنشآتها ودورها السكنية، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من سكانها بعد انتهاء الأحداث العسكرية.

مجزرة تدمر:

وقعت في سجن تدمر في 27 يونيو (حزيران) 1980. وهي واحدة من أكبر المجازر التي نفذت في عهد الرئيس الأب، وأودت بحياة مئات السجناء، غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين المعارضة.

ونظرا للتكتم المستمر على المجزرة من قبل السلطات، فإن التقديرات بشأن أعداد الضحايا تتفاوت بين مصدر وآخر، ففي حين تشير بعض التقديرات إلى تجاوزها لـ600 شخص، تشير تقديرات أخرى دولية إلى أن عددهم يزيد على ألف قتيل. وقد وقعت هذه المجزرة في اليوم التالي لما قالت السلطات عنه إنه محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس الأسد، الذي حمل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية.

ووفق ما ينقل من معلومات فإن جثامين القتلى نقلت بواسطة شاحنات وتم دفنها في حفر أعدت مسبقا، في واد يقع إلى الشرق من بلدة تدمر، وما زالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تصر على مطلبها بالكشف عن أسماء الضحايا وأماكن دفنهم. وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن «وحدات كوماندوز من سرايا الدفاع قتلت ما يقدر بنحو ألف سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقاما من محاولة اغتيال فاشلة ضد الأسد»، مؤكدة أنه «لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقا».

وفي حين لم يعرف عن المجزرة في تاريخ تنفيذها، فقد ظهرت بعض المعلومات عنها في العام التالي لوقوعها، وتحديدا بعد اعتقال السلطات الأردنية اثنين من المشاركين في المجزرة، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق، مضر بدران، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، فسارعت في ذلك منظمة العفو الدولية إلى مطالبة السلطات السورية بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن لم يتم تنفيذ الطلب.

ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة - في ذلك الوقت - المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل المتعمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، حيث يعتبر الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائيا عن هذه المجزرة.

مجازر حلب:

أهمها مجزرة حي المشارقة صباح عيد الأضحى 11 أغسطس (آب) 1980 وقتل فيها نحو مائة شخص. ومجزرة بستان القصر يوم 12 أغسطس 1980، وقتل فيها 35 شخصا. ومجزرة قرب قلعة حلب وقتل فيها أكثر 110 أشخاص، وثمة روايات أخرى تقدر عدد القتلى بنحو 1600 إلى 1900 قتيل بينهم جرحى دفنوا أحياء. كما ارتكبت الكثير من المجازر في محافظة إدلب عام 1980، لا سيما في مدينة جسر الشغور، التي قتل فيها نحو 97 شخصا، ومجزرة سرمدا قتل فيها 40 شخصا، بالإضافة إلى مجازر وانتهاكات في معرة النعمان وخان شيخون، ومجازر أخرى في دمشق وحمص والرستن وتلبيسة وفي بانياس واللاذقية قتل فيها الآلاف وسجن أكثر من ثلاثين ألفا.

مجازر في السجون:

وفقا لمنظمات حقوقية، فإن سبع مجازر جماعية في السجن وقعت خلال الأعوام 1980و1981و1982 من القرن الماضي، وذهب ضحيتها مئات السوريين، لكن لا تزال ملفاتها غير واضحة المعالم لغاية اليوم.

مجازر عهد الثورة:

على أرض الثورة، وتحديدا على خط المجازر الكبيرة منها والصغيرة، قد يكون من الصعب فصل هذا النوع من الجرائم، عن عمليات القتل العشوائية التي ترتكب في مناطق سوريا عدة، والتي قد يتجاوز عدد ضحاياها المائة قتيل يوميا، يمكن القول إن هذه المجازر وإن طاولت معظم المناطق السورية، فإنها ارتكزت في معظمها في حمص وإدلب وحماه.

هذا الواقع جعل منظمة «هيومان رايتس ووتش» تضع انتهاكات الحكومة السورية خارج نطاق القانون، واعتبارها تمثل جرائم ضد الإنسانية، كما اعتبرت سارة لي ويتسون، مديرة الشرق الأوسط في المنظمة، أن «حمص هي صورة مصغرة لوحشية الحكومة السورية».

ونظرة لا يمكن إلا أن تكون سريعة على المشاهد ومقاطع الفيديو التي ينجح الناشطون السوريون في تسريبها عبر الإعلام ومواقع الثورة السورية و«يوتيوب»، تكفي لإعطاء صورة واضحة عن هذه الانتهاكات وأساليب التعذيب التي يتعرض لها المعارضون قبل أن يقتلوا. وتأتي مجزرة حي «كرم الزيتون والعدوية» في حمص التي وقعت في 12 مارس (آذار) الحالي، والتي استدعت ردود فعل عربية ودولية وما نقل من روايات حولها على لسان ناشطين، لتمثل «خير نموذج» لهذه المجازر. وكان قد عمد على أثرها المجلس الوطني السوري إلى دعوة «جامعة الدول العربية» ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى «تحرك دولي فاعل»، كما حث مجلس الأمن على «اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف عمليات الإبادة مهما كانت طبيعتها، بما في ذلك التدخل العاجل والحازم لردع النظام بكل الوسائل التي تمنع استخدامه آلة الموت والقتل والتدمير».

وقد أودت مجزرة حمص بحياة 57 مدنيا، بينهم 28 طفلا و23 امرأة، وقال ناشطون سوريون إن «الشبيحة ذبحوهم بالسكاكين وأحرقوا آخرين أحياء»، وأكد عنصر في «الجيش السوري الحر» يدعى أبو محمد لوكالة الصحافة الفرنسية حصول المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام، مشيرا إلى «عمليات اغتصاب لعدد كبير من الفتيات لا تتجاوز أعمارهن 17 عاما، تم اقتيادهن إلى الملاجئ حيث اغتصبن، ثم ذبحن بالسكاكين».

وبعد أقل من يوم واحد على مجزرة حمص، وقبل أن يدفن الأهالي موتاهم، استفاق أهل إدلب على مجزرة مماثلة على مقربة من «جامع بلال» في المدينة، حيث أعدمت قوات النظام أربعين شخصا رميا بالرصاص، وذلك إثر محاولتهم التعرف على جثث لسبعة أشخاص قتلوا وهم يحاولون الفرار إلى بلدة بنش بإدلب.

وفي التاسع من شهر مارس الحالي أيضا، نقلت الهيئة العامة للثورة السورية، أن قوات النظام ارتكبت مجزرة في مسجد الحنابلة في حمص، أودت بحياة عشرات المصلين إثر استهدافهم أثناء خروج المصلين من المسجد.

وفي 27 فبراير 2012، قامت القوات السورية في محيط حي بابا عمرو بمدينة حمص بارتكاب مجزرة مروعة بحق مدنين نازحين من الحي الذي كان محاصرا منذ أكثر من 25 يوما. وقد عثر في وقت لاحق على جثث الضحايا على الطريق بين قرية الغجر والتنونة (47 جثة) وشمال سد الشنداخية (17 جثة)، وكانت جمعيها تحمل آثار التعذيب.

وفي 23 فبراير حطت المجازر رحالها في إدلب، وتحديدا في جبل الزاوية، بعدما أعلن الناشطون عن أن 27 جثة مشوهة تم تجميعها في أحد المراكز العسكرية التابعة للجيش النظامي بعد نقلها من قرى العرقوب وابلين وكورين.

وفي الشهر عينه، أيضا، وتحديدا فيما أطلق عليه «خميس الغضب من إيران» في 9 فبراير 2012، شهدت سوريا خميسا داميا وأُعلن عن سقوط أكثر من 134 قتيلا، معظمهم في حمص التي تم قصفها بالدبابات.

ولم تمر ذكرى مجزرة حماه الثلاثين التي ارتكبها الأسد الأب، وأحيت المعارضة ذكراها في مظاهرات حاشدة، من دون أن يعود الأسد الابن ليرتكب مجزرة مماثلة، إنما هذه المرة في حي الخالدية في حمص، إذ وصل عدد ضحايا يوم 4 فبراير 2012، الذي وصف بأكثر أيام الثورة دموية إلى نحو 340 قتيلا و1300 فاقت قدرة استيعاب المستشفيات. ووصف جواد، وهو أحد الناشطين الشبان في حي الخالدية في حمص، هذه المجزرة بـ«الكارثة»، مؤكدا أن قصف المنطقة طوال الوقت، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن أول قذيفة «هاون» سقطت استهدفت منزلا في ساحة الحرية لعائلة من آل الغندلي فسوته بالأرض، وعندما تجمع شباب المنطقة والناشطون في محاولة منهم لانتشال القتلى استهدفوا بقذيفة أخرى محدثة «مجزرة»، ثم بعد ذلك عادت القذائف لتطلق بشكل متقطع وبشكل عشوائي أدت إلى سقوط مبنيين بشكل كامل قتل فيهما كل القاطنين، بينما توزعت القذائف الأخرى على عدد من المنازل والمباني محدثة أضرارا جزئية وموقعة عددا كبيرا من القتلى والجرحى الذين لم تتسع المستشفيات لهم.

وبعد أقل من 24 ساعة على مجزرة حي الخالدية، وقبل أن ينتهي أبناؤها من لملمة جراحهم، لم يختلف المشهد المأساوي كثيرا في داريا، في ريف دمشق، حيث كان أبناؤها على موعد مع مجزرة مماثلة، وذلك إثر تعرضها لهجوم استهدف مشيعي ضحايا جمعة «عذرا حماه.. سامحينا» في ذكرى مجزرة حماه الثلاثين، حيث فتحت عناصر الأمن النار على المشيعين، مرتكبة مجزرة جديدة راح ضحيتها أكثر من 17 قتيلا ممن كانوا يشاركون في التشييع و80 جريحا. وتزامنت هذه المجزرة مع اقتحام شامل نفذته قوات الأمن السوري على المدينة.

وكانت حصة الشهر الأول من العام الحالي كبيرة من المجازر بحق المدنيين، لا سيما الأطفال، في مجزرة كرم الزيتون في حمص في 26 يناير (كانون الثاني)، ومن ثم في الرستن التي تعرضت للقصف العشوائي بالمدفعية والقذائف الصاروخية، مما أدى إلى سقوط 17 شهيدا. وفي 21 من الشهر نفسه أيضا، وجد في المستشفى الوطني في إدلب أكثر من 30 جثة بعضها مشوه وتظهر عليه آثار التعذيب.

في إدلب أيضا، وفي يوم 20 ديسمبر (كانون الأول) 2011، كان للمجزرة موقعها في بلدة كفر عويد في جبل الزاوية، حيث أفاد المرصد السوي لحقوق الإنسان بأن 111 مدنيا على الأقل قُتلوا برصاص قوات الأمن السورية بعدما حاولوا الفرار إلى البساتين خوفا من الاعتقال.

كذلك، نهاية عام الـ2011 كانت «مأساوية»، فقد نفذت مجزرة بحق 111 مدنيا على الأقل قتلوا برصاص الأمن في بلدة كفر عويد بمحافظة إدلب في 20 ديسمبر.

وفي السادس من يونيو، كانت عناصر الجيش في جسر الشغور على موعد مع مجزرة جماعية أودت بحياة 120 منهم، أكد ناشطون أن قوات النظام عمدت إلى تصفيتهم بعدما حاولوا الانشقاق. مع العلم أن مجازر شهر يونيو (حزيران) كانت قد بدأت مع جمعة «أطفال الحرية» في الثالث منه، حين خرج نحو حماه 60 ألف متظاهر إلى ساحة الشهداء، لكن النتيجة كانت مجزرة أودت بأرواح 70 متظاهرا على الأقل.

وضمن السياسة نفسها، وإن كانت حينها لا تزال محصورة بعدد قليل من القتلى مقارنة بتلك التي وصلت إليها اليوم، فقد وقعت مجزرة في درعا في 22 مايو (أيار) 2011، استهدفت عددا من الناشطين السوريين الذين كانوا يحملون المساعدات الغذائية وهم في طريقهم لإرسالها للعائلات السورية. وكان قد سبقها قبل شهرين تقريبا، وتحديدا بعد عشرة أيام من اندلاع الثورة الشعبية، مجزرة الصنمين في درعا، قتلت خلالها قوات الأمن السورية عشرين محتجا على الأقل، بعدما أطلقت عليهم الرصاص عشوائيا.

وكل صباح يستفيق السوريون على مجازر مروعة يصعب حصرها، في ظل دعاية إعلامية رسمية مضللة لا تمل من خلط الأوراق، تفلح إلى حد ما في تضليل المتخوفين من سقوط النظام وحالة الفوضى. ويقول المراقبون إن الابن يعيد تكرار سيرة أبيه حرفيا مع الرغبة القاتلة في البقاء على كرسي السلطة. وعلى الرغم من ذلك لم تمنع مجازر الأب ولا الابن من اندلاع الثورة في مارس 2011 بعد انطلاق شرارة الربيع العربي في بلاد العرب.