سيناء.. الملف الملتهب

تعاني انفلاتا أمنيا وتفجيرات.. والحال بعد الثورة لم يختلف عما قبلها

TT

بدو سيناء.. ملف ملتهب ظل بين يدي النظام السابق، وعندما تولى المجلس العسكري مقاليد إدارة البلاد أصبح الملف نفسه يسهم في حالة الارتباك التي تمر بها البلاد، خاصة مع حالة الانفلات الأمني وعمليات خطف السياح ورجال الشرطة تحت تهديد الأسلحة الآلية في عدة مناطق بسيناء.

وتعاني شبه الجزيرة الواقعة على الحدود المصرية مع كل من إسرائيل وقطاع غزة، نقصا حادا في فرص العمل وتدنيا عاما في الخدمات الصحية والتعليمية، وعدم تمليك المواطنين للأراضي، وأحكاما غيابية يقول بعض سكان سيناء البدو إنها ملفقة للمئات من أبنائهم.

وبعد عقود مما يعتبرونه إهمالا من جانب السلطات التنفيذية، أصبحت مطالب البدو في إصلاح الأوضاع تتجاوز سقف تحسين الأحوال المعيشية، إلى الدعوة لحقهم في المشاركة في إعداد الدستور الجديد المنتظر وضعه هذا العام، بدلا من الدستور القديم الذي جرى تعطيله من جانب المجلس العسكري بعد سقوط نظام مبارك.

ويبلغ عدد سكان مصر أكثر من 80 مليون نسمة، بينما لا يتجاوز عدد سكان سيناء 400 ألف نسمة، بينهم 60 في المائة من البدو، و40 في المائة من الوافدين من محافظات مصرية أخرى. ومن أسباب مشاكل سيناء، كما يقول المحللون، كبر مساحتها البالغة نحو ستين ألف كيلومتر، أي نحو 6 في المائة من إجمالي مساحة مصر.

«وادي فيران» منطقة في سيناء تضم 52 تجمعا سكنيا للبدو من مختلف القبائل. ومنذ أكثر من 70 يوما يعتصم هناك المئات بسبب تردي الأوضاع المعيشية للبدو بالمنطقة التي تتبع القطاع الجنوبي من شبه الجزيرة الأكثر غنى. وتتحكم المنطقة في طريق رئيسي يعتبر العمود الفقري لجنوب سيناء. ويقول الشيخ أحمد الهريش، شيخ الثوار بالمنطقة: «إذا كانت مصر عانت 30 عاما تحت حكم مبارك فإن البدو عانوا 42 عاما، بينها 12 عاما تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي».

ويضيف أن «البدو هم أصحاب الأرض في سيناء، وعلى الرغم من ذلك ليسوا أصحاب قرار، ولم تعترف بهم الدولة كمواطنين مصريين حتى الآن، وزاد ذلك من شعورهم بالتهميش في منطقة تمس الأمن القومي المصري كله». ويقول الهريش إن «بدو وادي فيران الذين يعيشون على امتداد أكثر من 120 كيلومترا يعانون البطالة بنسبة تصل إلى 99 في المائة، نتيجة عدم توافر فرص عمل لهم، سواء في السياحة أو شركات البترول المنتشرة بجنوب سيناء».

ويضيف: «لدينا مشكلات تتعلق بعدم اتخاذ أي قرار جاد حتى الآن بشأن الأحكام الغيابية ضد المئات من أبناء البدو، على الرغم من معرفة من يحكمون الآن أن هذه القضايا كانت ملفقة في النظام القديم».

«وادي فيران» شهد عمليتين لخطف السياح الأجانب في أسبوع واحد، الأولى جرت في الثاني من الشهر الماضي، حيث تم اختطاف سائحتين كانتا ضمن فوج سياحي عائد من دير سانت كاترين إلى منتجع شرم الشيخ، حين اعترض مسلحون ملثمون سيارتهم وأمسكوا بالسائحتين وأرغموهما على ركوب إحدى شاحنتين كان المسلحون يستقلونهما.

وخطف مسلحون ملثمون السائحتين الأميركيتين ومرشدا سياحيا مصريا مرافقا فيما يبدو من أجل الاستجابة لمطالب تتصل بالإفراج عن سجناء ومحكوم عليهم من البدو. واستولى الخاطفون على سلاح حارس كان يرافق الفوج، كما استولوا على أموال وكاميرات المجموعة وفروا في الجبال في منطقة وادي السعال التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن دير سانت كاترين ونحو 90 كيلومترا عن شرم الشيخ.

وتم الإفراج عنهم بعد الاستجابة لمطالبهم بالإفراج عن عدد من البدو تم القبض عليهم من قبل الشرطة المصرية.

وبعد أقل من أسبوع وفي نفس المنطقة في العاشر من الشهر الماضي تم اختطاف ثلاث سائحات كوريات ومترجمهن المصري. وأوقف مسلحون حافلة تقل بضع عشرات من السائحين قرب دير سانت كاترين وأنزلوا السائحات الثلاث والمترجم المصري وأرغموهم على ركوب شاحنة صغيرة وفروا في الجبال القريبة. وطالب المختطفون بإطلاق سراح اثنين من البدو ألقت الشرطة القبض عليهما في السابق خلال تبادل لإطلاق النار.

وكانت الحافلة في طريقها إلى منتجع شرم الشيخ عندما أوقفها المسلحون قرب قرية السعال التي احتجز بدو مسلحون بالقرب منها سائحتين أميركيتين لساعات الأسبوع الماضي، للمطالبة بالإفراج عن سجناء محكوم على اثنين منهم بالإعدام.

ولم يكن الوضع الأمني بشمال سيناء أفضل حالا من الجنوب، فقد خطفت مجموعة أطلقت على نفسها «الموحدين» نحو 25 عاملا صينيا بمصنع «إسمنت سيناء» وطالبوا بالإفراج عن خمسة من المتهمين في تفجيرات طابا ونويبع، وتم إطلاق سراح الصينيين المختطفين بعد ساعات من اختطافهم، وتمت بالفعل الاستجابة لمطالبهم وقرر المجلس العسكري إعادة محاكمة المتهمين الخمسة، وبينهم ثلاثة كانوا قد حصلوا على أحكام بالإعدام واثنان بالمؤبد.

ويقول البدو إن الأجهزة الأمنية في عهد النظام السابق لفقت لهم مئات القضايا، والتي تم بموجبها إصدار أحكام غيابية وصل بعضها إلى 50 عاما بالنسبة لبعض المحكومين. وقضت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإسماعيلية في سبتمبر (أيلول) 2006 بإعدام ثلاثة متهمين وهم يونس محمد محمود عليان جرير، و أسامة محمد عبد الغني النخلاوي، ومحمد جائز صباح حسين عبد الله، والمؤبد لمحمد عبد الله رباع سليمان، ومحمد عبد الله أبو جرير.

وفي التاسع من شهر فبراير (شباط) الماضي اختطفت قبيلة بدوية ضابطين و17 مجندا من داخل نقطة شرطية على الحدود بين مصر وإسرائيل. وقالت المصادر إن إحدى القبائل البدوية المقيمة بالقطاع الأوسط من سيناء هاجمت نقطة شرطية عند العلامة الدولية رقم 52 واختطفت الضابطين والجنود تحت تهديد الأسلحة الآلية. وكانت القبيلة تحتج على مقتل أحد أبنائها برصاص تقول إنه صادر من الشرطة خلال مطاردة أمنية.

وتقول قيادات البدو أيضا، إن أبناء سيناء يعانون بشكل عام عدم تمليك الأراضي والمنازل، وأيضا يعانون عدم وصول مياه الشرب الصالحة، مشيرين إلى أن المياه تصل إليهم يوميا 7 ساعات فقط وتصل نسبة الأملاح بها إلى 30 في المائة، بينما تصل نسبة الحديد إلى 35 في المائة.

وعلى مقربة من شرم الشيخ وداخل تجمعات الرويسات يعيش الآلاف من البدو أيضا ظروفا معيشية صعبة، قائلين إنهم لا يحققون أي استفادة من الوضع السياحي داخل المدينة، وإن 90 في المائة منهم يعانون البطالة حسبما يقول الشيخ سليم سويلم أحمد من قبيلة العليقات، مضيفا أن «البدوي لا يتمتع بأي حقوق للمواطنة، فلا يوجد له مسكن أو منزل، ومعظمهم يعيشون في الجبال».

ويضيف أن «التجاوزات التي حدثت في الانتخابات من جانب التيارات الإسلامية كانت مقصودة بالاتفاق مع من يحكمون مصر بغرض إقصاء البدو عن دورهم السياسي، وهذا فهم خاطئ قد يزيد التوتر بسيناء». ويزيد قائلا إن «البعض يحاول استغلال بعض الحوادث الفردية داخل سيناء للإساءة للبدو من وقت لآخر لأسباب لا نعرفها ولا نعرف ما هو الغرض منها».

ويرى البدو أن عدم توافر فرص عمل لهم يزيد من جرائم السطو والسرقة تحت تهديد الأسلحة الآلية. وقتل سائح فرنسي وأصيب ألماني في هجوم نفذه ثلاثة مسلحين على محل للصرافة داخل السوق القديم بشرم الشيخ خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وفي الشهر التالي تعرض فرع بنك أجريكول لمحاولة أخرى للسطو المسلح أصيب فيها اثنان من أمناء الشرطة.

وتظاهر عدد كبير من أصحاب البازارات والعاملين والمقيمين بشرم الشيخ بسبب حالة الانفلات الأمني التي تعيشها المدينة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، مؤكدين أن هذه الحادثة ستؤثر تأثيرا كبيرا على المدينة التي تعاني حالة ركود شديدة منذ عدة أشهر.

ويوجد في شرم الشيخ الكثير من المنتجعات السياحية الشهيرة. ويمتلك كثير من مواطني سيناء أسلحة. ويقول محللون، إن المحافظة أصبحت أكثر افتقارا للقانون منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق العام الماضي. وشهدت سيناء خلال عام واحد تقريبا 13 تفجيرا لخط الغاز الطبيعي نفذها من تصفهم السلطات الأمنية بالجهاديين والإسلاميين المتشددين، كان آخرها مطلع شهر مارس (آذار) الحالي.

ويقول اللواء السيد عبد الوهاب مبروك، محافظ شمال سيناء، إن «تكرار تفجير خطوط الغاز يؤثر بشكل مباشر على التنمية الحقيقية على أرض سيناء».

ويحرص منفذو التفجيرات على أن يكون هناك تنوع في الأماكن المستهدفة بهدف إتلاف الخط بشكل كامل وجعله غير صالح لاستئناف عمليات ضخ الغاز مرة أخرى لإسرائيل. ونجح المجهولون في تنفيذ ثلاث هجمات على الخط نفسه وسبع ضد محطات الضخ، والتي توقفت الهجمات التي كانت تستهدفها بسبب بعض الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها لتأمين هذه المحطات بينما ترك بقية الخط عرضة للهجمات.

وأكد من يعتقد أنهم وراء تنفيذ الهجمات على خط الغاز الطبيعي المتجهة لإسرائيل، في رسالة كتبت على الرمال في مكان التفجير الثامن، أنهم لن يتوقفوا حتى يتم وقف تصدير الغاز لإسرائيل. ووجهوا رسالتهم التحذيرية إلى المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

الفشل في فرض الأمن في سيناء جعل سكانها يشعرون بمزيد من القلق، حيث تقول المصادر إن هناك أعدادا كبيرة، خاصة من الوافدين من محافظات أخرى، بدأوا في النزوح من سيناء والعودة إلى محافظاتهم مرة أخرى.

أيضا تشهد الحواجز الأمنية هناك هجمات مستمرة من جانب المجهولين الذين يأتون داخل شاحنات صغيرة من دون لوحات معدنية ويطلقون الرصاص على أفراد الأمن، سواء كانوا من قوات الجيش أو الشرطة، وسط تأكيدات ظهرت في عدة بيانات لهم تؤكد أن أهم مطالبهم رحيل قوات الشرطة والجيش عن سيناء وإعلانها إمارة إسلامية.

وأصدرت جماعة مجهولة بسيناء بيانا أكدت فيه مسؤوليتها عن هجمات تفجير خط الغاز الطبيعي لإسرائيل بسيناء، وقالت الجماعة التي أطلقت على نفسها اسم «أنصار الجهاد» في بيانها الذي قالت عنه إنه البيان التأسيسي الأول «إن هذه العمليات أولدت جيلا جديدا من الموحدين في شبه جزيرة سيناء».

وقال البيان «إخوة الإيمان، لم يعد خافيا لأمة الإسلام الحال الذي يمر به المسلمون في أرض الكنانة (مصر) عامة وسيناء خاصة من معاناة»، وإنها تعاهد الله على أن تعمل كل ما بوسعها لحرب النظام الفاسد وأعوانه.

وقالت مصادر أمنية بسيناء، إن الجماعة التي أصدرت هذا البيان غير معروفة، وإن البيان ظهر على شبكة الإنترنت فقط ولم يوزع على المواطنين. وتابعت أنه قد سبق صدور أكثر من ثلاثة بيانات مماثلة بسيناء صادرة عن مجموعات مجهولة تحاول إثارة فزع المواطنين. وأضافت المصادر أن أجهزة الأمن تتابع الموقف بدقة لمعرفة مصدر هذه البيانات، في حين تركت مجموعة أخرى خلال تفجير لخط تصدير الغاز الطبيعي رسالتين، الأولى تحت عنوان «تفجيرات الغاز.. لماذا؟»، وتتضمن الرسالة ما تقول إنه خسائر مصر وأرباح إسرائيل جراء تصدير الغاز المصري لإسرائيل، والثانية حملت بيانا سابقا لما يعرف بـ«جبهة علماء الأزهر ضد تصدير الغاز»، وهي جمعية غير رسمية أسسها بعض علماء الأزهر، حيث قال البيان إن تصدير الغاز لإسرائيل جريمة وخيانة يجب على القائمين عليها التوبة إلى الله منها.

وفشلت حملة أمنية موسعة قادتها قوات من الجيش المصري والشرطة في وقف الهجمات المسلحة على خط تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل وأيضا الهجمات على الحواجز الأمنية للجيش في حين ألقت قوت الأمن القبض على أكثر من 30 مشتبها بهم تقول السلطات المصرية، إنهم تورطوا في شن الهجمات بينهم متهم قالت مصر إنه المتهم الرئيسي في التفجيرات والهجوم على قسم شرطة ثان العريش، والذي أوقع 3 قتلى بينهم ضابطان أحدهما بالجيش والآخر بقطاع الشرطة، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 16 شرطيا. وتزداد المخاوف في شمال سيناء أيضا مع انتشار الأسلحة ومخابئ المتفجرات بكميات كبيرة.

وتكافح السلطات الأمنية المصرية بشمال سيناء من أجل القضاء على مخابئ الأسلحة التي تحتوي عادة على كميات كبيرة من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار أو القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية التي يتم تفكيكها لاستخراج المادة المتفجرة منها. وتقول السلطات الأمنية إنها تشعر بقلق من انتشار هذه المخابئ، وإن هذه التجارة تخضع لسرية تامة من جانب العاملين فيها، وإن هناك مخازن كثيرة في أرض سيناء اختفت بعد الحرب بفعل تحرك الكثبان الرملية، وإن التجار يقومون بالبحث عنها.

ويستخدم المهربون صبية صغار السن في جمع القذائف والدانات التي لم تنفجر وهي عادة من مخلفات الحروب العربية - الإسرائيلية التي شهدتها سيناء، حيث يتم تفريغها من مادة «تي إن تي» لبيعها بالكيلو وتهريبها إلى قطاع غزة عبر الأنفاق.

ويصل سعر المادة المتفجرة المستخرجة من الديناميت إلى نحو 10 آلاف جنيه مصري للطن وهي مادة تشبه الدقيق الأبيض. أما مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار والتي تستخرج من القذائف الصاروخية والدانات والألغام ويطلق عليها المهربون اسم «مكروني» فيتراوح سعرها ما بين 40 و45 ألف جنيه.

وكثفت أجهزة الأمن من إجراءاتها الأمنية خلال الفترة الأخيرة من أجل ضبط هذه المخابئ التي عثر على معظمها بوسط سيناء في مناطق صحراوية وأيضا في مناطق قريبة من الحدود بين مصر وغزة برفح والشيخ زويد. وشددت مصر من إجراءاتها الأمنية على هذا النوع من التجارة في أعقاب تفجيرات سيناء التي وقعت في طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ، والتي أشارت أوراق محاكمة المتهمين إلى أن المتفجرات التي استخدمت في هذه التفجيرات تم استخراجها من الألغام الأرضية ثم تعبئة مادة «تي إن تي» في أسطوانات غاز وتم إخفاؤها في السيارات التي استخدمت في تنفيذ التفجيرات.