علي سلمان.. «البيدق» الذي يبحث عن رقعة سياسية

أمين عام جمعية الوفاق الوطني.. أبرز قيادات المعارضة الشيعية في البحرين

TT

علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامي البحريني، أحد أبرز قيادات المعارضة الشيعية في البحرين، والخليج.. لمع نجمه مع بواكير الألفية الحالية مشتغلا بالسياسة بعد القرارات الإصلاحية التي اتخذها النظام الملكي في البحرين، وشهدت عودة معارضي الخارج، ومنهم علي سلمان، علما بأنه بدأ نشاطه السياسي قبل عقد من هذا الإصلاح.

ولد سلمان عام 1965م، والتحق بجامعة الملك فيصل في مدينة الدمام لدراسة الرياضيات، ثم انتقل إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام 1987م، لإكمال دراسته في العلوم الدينية في الحوزة العلمية في مدينة قم.

والحال، أن قم تحتضن ما يقارب الثلاثمائة معهد ديني، وهي أضخم مجموعة من نوعها في إيران. وهناك نحو خمسين ألف طالب، ينتمون إلى نحو سبعين دولة.

يقول ولي نصر، الباحث الأميركي من أصول إيرانية، في كتابه «صحوة الشيعة» عن الطلاب هناك: «الفترات الطويلة التي يقضونها في الدراسة في قم تتيح للطلاب أن ينسجوا عرى ثقافية مع إيران (..) وإذا كان التعليم الديني في ثمانينات القرن العشرين يسير جنبا إلى جنب مع التثقيف بالفكر الثوري، فإن الجيل الجديد من طلبة الدين يقرأون عن المناظرات الإصلاحية، والحملات الانتخابية، والمشكلات التي تواجه القادة العلماء في حكم دولة حديثة واقتصاد عصري».

ما الذي يمكن أن يربط بين دراسة سلمان في قم وحالة التثقيف الثوري الديني التي يتلقاها الطلاب هناك بالتوازي مع العلوم الدينية الشيعية؟ في الواقع، القراءة المتتبعة لمسار «جمعية الوفاق» التي ينتمي لها سلمان، ووصل لمنصب أمين عامها، قد تجيب عن هذا التساؤل أو تقترب منه.

في عام 2003، كتب في صحيفة «الأيام» البحرينية الدكتور باقر النجار، أستاذ علم الاجتماع السياسي والمؤلف البحريني: «من المؤسف القول إن الشارع السياسي الشيعي ونتيجة لدرجة التسييس التي خضع لها لأسباب قد يكون للوفاق وبعض جماعات الإسلام السياسي الشيعي دور فيها كما هو للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لقطاع كبير منهم دور مؤثر ومهم، ونتيجة لكل ذلك أصبح فيها هذا الشارع قابلا للاستثارة بأطروحات ودعوات وفاقية، أي مصدرها جمعية الوفاق، وأخرى مصدرها آخرون لا وزن لهم من النواحي السياسية والدينية في الشارع الشيعي».

ويزيد النجار: «ليس بجديد القول كذلك إن الوفاق تمثل توليفة من الجماعات السياسة التي لا زال بعضها متأثرا أو متبنيا لأطروحات وآيديولوجيا حزب الدعوة الشيعي أو بعضها، وآخرون متأثرون أو متبنين لأطروحات وآيديولوجيا حزب الله في ثوبه اللبناني أو الإيراني أو بعض أطروحاتها، وقطاع عريض من أعضائها أكثر قربا لما يسمى هنا (بخط الامام)».

ويرى النجار مأخذا على جمعية الوفاق هو أنه «ورغم أن الجمعية تمتلك عقولا وكفاءات وإمكانات بشرية كبيرة، إلا أن الجمعية بدت وكأنها تتجه نحو التشدد منها إلى الانفتاح، وتضخيم الشعور بالاضطهاد لديها منها نحو توظيف المتاح من السبل للمساهمة بصورة أكبر في العملية السياسية. وتذكرني حالة تشدد البعض من قيادات الجمعية بالحالة التي مر بها النظام الإيراني في سنينه الأولى والذي اتسم خطابه فيها في الداخل والخارج بقدر ليس عادي من التشدد والرفض، وكأن العالم الذي كان قبله أسود كاحلا وأن الطهارة والنصاعة والنقاوة والتقاوة لم تأت إلا فيمن مسك النظام الجديد»، مما يجعله يعود ويؤكد على أنه «رغم أن الوفاق تحمل الكثير من الكفاءات والطاقات والإمكانيات التي عرفت بعقلانيتها، إلا أن السيادة بدت للأطروحات والممارسات المتشددة وغيب عن القرار العقل والعقلانيون تحت مبرر أن (النظام لا يعرف إلا لغة التشدد) وأن الحوار لم يجد نفعا خلال عقوده الماضية. ورغم ما لهذا الطرح من عدمية وقفل للأبواب والأمكنة والقنوات، إلا أنه وفي ذات الوقت يعبر عن حالة من حالات التكلس السياسي.. بل إنه في واقع أمره يعبر عن ثقافة سياسية مأزومة، غير قادرة على قراءة الخارطة السياسية الجديدة بعيدا عن الآيديولوجيا وضجيج أطروحاتهم السياسية الأولى».

تلك كانت ملامح، على عجالة، لبواكير العمل السياسي لجمعية الوفاق، وأمينها العام علي سلمان، التي كان يستشرفها النجار، وهو الضالع في تاريخ الحراك السياسي في دول الخليج، والذي كانت فكرة الديمقراطية العصية على الخليج موضوع مؤلفاته. غير أن له رأيا أكثر توصيفا سياسيا لأداء جمعية الوفاق في العام الذي تلاه مباشرة، سنأتي على ذكره لاحقا.

في الأسبوع الماضي، ألقى سلمان كلمة، في ما سمي «مهرجان شعب الكرامة» في العاصمة المنامة، وبحسب ما يراه، فإنها «الذكرى الأولى لاقتحام دوار اللؤلؤة وقمع المعتصمين فيه عقب دخول قوات (درع الجزيرة) للبحرين في العام الماضي»، وقال في كلمته: «وضع تقرير بسيوني نقطة نهاية السطر، فلم يكن هناك أي تدخل إيراني في أحداث البحرين، وهي حجة دخول هذه القوات».

في الواقع، أن تقرير «بسيوني» لم يضع النقطة التي تنهي السطر في المكان الذي فضل سلمان وضعها فيه، فالتقرير أشار أيضا إلى أن قوات «درع الجزيرة» لم تواجه المحتجين إطلاقا ولم يثبت عنها أي سلوك تدميري لأي من مقدسات الطائفة الشيعية، ثم وضع نقطة نهاية السطر. فضلا عن أن السبب الذي ذكره سلمان لم يكن هو المعلن بشكل رسمي بوصفه سببا لدخول هذه القوات؛ بل كان حماية المنشآت الحيوية من أي حالة شغب من قبل المتظاهرين.

وأضاف سلمان: «حاولت بعض الدول إيجاد حل سياسي»، وربما كان يشير هنا أيضا لما ذكره تقرير «بسيوني» حول المبادرة القطرية بتشكيل حكومة انتقالية، وإلغاء حالة السلامة الوطنية وتعليق العمل في التلفزيون الرسمي، وسحب قوات دول مجلس التعاون الخليجي وتشكيل حكومة انتقالية خلال 60 يوما.

يذكر هنا أن أول لقاء تلفزيوني لعلي سلمان إبان معارضته في الخارج، كان في تلفزيون قطر الرسمي، وكان بث المقابلة على خلفية نزاع قطري - بحريني على بعض الجزر، وبث اللقاء بمشاركة الدكتور منصور الجمري المعارض في حينه (رئيس تحرير جريدة «الوسط» البحرينية حاليا) للضغط على الحكومة البحرينية.

في لقاء حديث لسلمان على قناة «الجزيرة» القطرية، يقول حول وجود صيغ سياسية مشتركة للأحزاب الشيعية: «الفكرة فيها ادعاء بوجود تماسك هو غير موجود. هناك قراءات مختلفة للحالة العراقية عن الحالة اللبنانية عن الحالة البحرينية عن الحالة الباكستانية، وهذه التمايزات طبيعية، لأن كل واحد يعمل في بلد مختلف ويعمل على أسس فكرية أيضا مختلفة، فهذه الفكرة من الادعاء بأن هناك تماسكا في الحالة الشيعية غير موجود، إذا كان هناك تنظيم أممي إخواني فليس هناك من تنظيم سياسي أممي بالنسبة للشيعة.. كانت هناك تجربة لحزب الدعوة وانهارت هذه التجربة وبقيت في مركز انطلاقتها وهو العراق، وذابت كل أحزاب حزب الدعوة التي انتشرت كموجودات جنينية في دول مختلفة وانتهت إلى تجارب خاصة بكل دولة».

والحال أن هذه الجزئية بحاجة إلى قليل من الاستطراد في محاولة فهمها، كون النسق السياسي لمواقف الأحزاب الشيعية في المنطقة، يوحي بتمظهر سياسي يختلف عما يقدمه سلمان في لقائه مع قناة «الجزيرة» القطرية.

ففي شهر فبراير (شباط) 2005، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، نزل إلى الشوارع مئات الآلاف للتنديد بالهيمنة والوجود السوري في لبنان، فرد حزب الله وحركة أمل بتجمع جماهيري ضخم موال لسوريا. وكانت تلك المظاهرات بمثابة مقدمة للانتخابات التي جرت في ذلك العام، واكتسح فيها حزب الله وحركة أمل المقاعد الشيعية في الجنوب.

بالعودة لولي نصر، مؤلف كتاب «صحوة الشيعة»، يشرح الحدث قائلا: «حزب الله بسلوكه هذا إنما كان يتبع المثال العراقي ليس غير، لذا نأى الشيعة بأنفسهم عن القومية العربية، وعرفوا أنفسهم بدلا من ذلك، بأنهم عراقيون شيعة (..) لا مفر من أن تصبح الوطنية العراقية في بلد غالبيته من الشيعة مطية للهوية الشيعية، فكانت «الوطنية اللبنانية» في وقت من الأوقات بضاعة تسوقها الأقلية المسيحية في البلاد، لكن بخلاف الشيعة العراقيين، رأى حزب الله أن يعتنق «الوطنية اللبنانية» كما يفهمها الشيعة».

وعلى النسق نفسه، صرح سلمان في لقائه مع قناة «الجزيرة» القطرية: «أنا الآن مقلد للسيد السيستاني في العراق». وهذا التصريح يجعلنا نعود لجزئية استكمل فيها نصر شرح الواقع السياسي للحراك الشيعي الحزبي في المنطقة، قائلا: «كمقياس لمدى تتبع البحرينيين لخطى العراق، خرج حشد كبير يحتج في مايو (أيار) 2004، على الاشتباكات التي دارت بين الجنود الأميركيين وأفراد (جيش المهدي) في النجف وكربلاء. تأثرت جماهير شيعة البحرين إلى حد بعيد بالمثال العراقي، وشرعت تطالب بالديمقراطية الحقيقية، التي تعني نقل السلطة إلى الشيعة».

ليس هذا فقط، فـ«جمعية الوفاق» وممثلها علي سلمان، أثارت جدلا واسعا في البرلمان البحريني، على خلفية عدم تصويتها على بيان في البرلمان لدعم السعودية ضد المتسللين الحوثيين، ورفض نواب «جمعية الوفاق» السبعة عشر التوقيع عليه.

وهذا تماما ما يتفق مع السيستاني وتصريحاته إبان تلك الفترة. يقول نصر: «عندما انتقد آية الله السيستاني بشدة الحكومة اليمينية على قمعها تمردا قام به الزيديون في شمال غربي اليمن، كان ذلك تحذيرا لا مواربة فيه موجها إلى النظام السعودي، أن الصلات الشيعية العابرة للقوميات، والمؤسسة الدينية في النجف ستمضي قدما في تحدي الأنظمة السنية، مطالبة إياها بقدر أكبر من الحقوق لمواطنيها الشيعة».

لعلي سلمان ملمح بارز آخر في أطروحاته «المنفتحة» في الصحافة الغربية، مقارنة بفعل جمعيته السياسي على الخارطة السياسية البحرينية.. فسبق أن صرح لجريدة «واشنطن تايمز» حول مفهوم الحريات، وحول ما إذا كان مثلا «أن (الوفاق) تسمح بشرب الخمور» فأجاب: «نعم؛ ليس لدينا مشكلة، الإسلام حرم الخمر ومن لا يؤمن بذلك ويريد أن يشرب فليشرب». غير أن الذاكرة السياسية للحياة البرلمانية في البحرين، ما زالت طرية بموقف «جمعية الوفاق»، التي طالبت الحكومة البحرينية بالحد من الفعاليات السياحية مثل الغناء، والموسيقى والمشروبات الروحية.. وحادثة منع حفل للفنانة اللبنانية نانسي عجرم في البحرين مشهورة.

بالعودة للدكتور باقر النجار في معرض تحليله أداء «جمعية الوفاق» السياسي، فإنه يصنفه في قالب مختلف، ويقول: «(الوفاق) ليست حزبا سياسيا، إنما منظمة سياسية، لأن الأحزاب السياسية لها خطاب سياسي واضح ودقيق في تماسك عناصره، في حين أن الأطياف في (الوفاق) متعارضة في مصالحها واتجاهاتها».

ويخلص النجار إلى أن «(الوفاق) منظمة سياسية احتجاجية»، شارحا: «المنظمات الاحتجاجية تشق طريقها في أوساط الناخبين لرفع شعارات مثل التمييز والبطالة والفقر، فتنعكس بشكل فوري على الجماهير بصورة انفعالية، فتكون اللغة السياسية التي تتبناها لغة فظة، لكون المنظمات الاحتجاجية تلتزم بالتنديد والرفض لممارسات السلطة».

كما يشير نصر إلى أنه «منذ عام 1970، والشيعة هناك ضالعون تماما في كل محاولة انقلابية أو انتفاضة أو تحريض للشارع».

علي سلمان الذي ينفي أي تماسك سياسي حزبي «آيديولوجي» شيعي في المنطقة، في الواقع هو لا يقدم إجابات (حتى الآن على الأقل) حول التماهي من هذه الأحزاب، مع السياسة الخارجية الإيرانية، التي تفضل العمل في إطار مثلث الأضلاع السياسية؛ يبدأ بالضلع الأكبر وهو الدعم الإعلامي والسياسي لكل حركات التجمع الشيعية في المنطقة، ثم الانتقال للضلع الثاني وهو بناء علاقات مع جماعات «الممانعة» في العالم العربي من التنظيمات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين وغيرهم، والضلع الأخير المتمثل في صناعة جسور تواصل مع أحزاب اليسار، والقوميين، في العالم العربي. وهو الإطار السياسي مثلث الأضلاع ذاته، الذي جعل سلمان يتخلى عن عمامته في زيارة مصر الأخيرة ويستبدل بها البدلة، ولا يخلعها عند زيارة العراق، أو اللقاء بحسن نصر الله.