أوروبا.. العائدون من الجهاد

من «قطارات الموت» في مدريد إلى تفجيرات لندن إلى «مسلح تولوز»

TT

منذ نحو ثلاثة عقود، بدأت فكرة دعوة الولايات المتحدة الشباب من المسلمين لمحاربة النظام الشيوعي المتمثل في ما كان يعرف آنذاك بـ«الاتحاد السوفياتي».. ذهب الشباب من عدة بلاد عربية وإسلامية؛ ومن ضمنها مصر، وكذلك دول أوروبية، إلى أفغانستان بنية الجهاد ونصرة الدين.. ذهب إلى هناك أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو عبيدة البنشيري وأبو حفص المصري وأبو خباب المصري (كيماوي «القاعدة»)، وعناصر من «الجماعة الليبية المقاتلة»، ومئات غيرهم من الأطياف الإسلامية كافة، وتعلم الشباب هناك القتال.. تعلم كيف يتعامل مع القنبلة والمدفع والمسدس والخنجر، لم يعد يخاف من منظر الدماء وهي تسيل من عنق أحدهم بينما ينتفض جسمه لخروج الروح منه. هذه كانت الحرب، وهكذا كان الجهاد، وبعضهم تحدث عن رائحة المسك التي تخرج من أجساد الشهداء. وانتهت الحرب ليعود الشباب إلى بلادهم، وينشأ المصطلح الذي باتت باسمه قضايا أمن دولة مشهودة في المحاكم: «العائدون من أفغانستان».

لم يجد العائدون من أفغانستان أي جهة تهتم بهم وتفكر لهم بعد الحرب؛ بل كان ينظر إليهم في بلادهم وخارجها على أنهم متسللون منبوذون هاربون وإرهابيون.. كرههم المجتمع فكرهوه.. لفظهم فلفظوه، ولعنوه وكفروه.. ومن هنا بدأت المشكلة.

هؤلاء الشباب، إلا قليل منهم، لم يكونوا وقتها قد تعلموا شيئا حقيقيا إلا الحرب والقتل والتعامل مع العدو، فلما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولما وجدوا المجتمع والدولة ضدهم، قرروا أن المجتمع هو العدو، وبدأوا في مواجهته بالشيء الوحيد الذي عرفوه جيدا، بل ونجحوا فيه من قبل؛ القتل وإثارة الرعب في المجتمعات المدنية التي عادوا إليها من أفغانستان وبعد ذلك من الشريط القبلي، سواء في تفجيرات قطارات مدريد 2004، أو تفجيرات لندن 2005، وأخيرا «مسلح مدينة تولوز» الفرنسية الأسبوع الماضي.

يقول نعمان بن عثمان، القيادي السابق عضو مجلس شورى «الجماعة الليبية المقاتلة» وكبير محللي مؤسسة «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى سدة البيت الأبيض 2009 اعتمد بشكل كامل على الطائرات الأميركية من دون طيار (درون) لتقليص الوجود الأصولي في الشريط القبلي، خاصة في شمال وزيرستان وجنوبها، حيث باتتا مناطق غير آمنة لعناصر (القاعدة) وطالبان»، ويكشف ابن نعمان أن قيادات «القاعدة» والمهاجرين القادمين من أوروبا لتلقي التدريب على السلاح توجها عبر الشريط القبلي إلى ولايتي كونر ونورستان الأفغانيتين، حيث توجد معسكرات هناك لـ«القاعدة» وطالبان، وتحدث بن نعمان عن إحصاءات لدى مكاتب الاستخبارات الأوروبية، تشير إلى نحو 300 من أصول آسيوية عادوا إلى بريطانيا بعد تلقيهم التدريب العسكري في الشريط القبلي وفي داخل أفغانستان، مشيرا إلى أن «بعض الجهات الأمنية تبالغ في عدد المجاهدين الذين عادوا إلى الأرضي البريطانية، وفي فرنسا هناك إحصاءات تتحدث عن وجود نحو 50 شخصا بينهم (مسلح تولوز)». ويضيف: «أما ألمانيا فتعاني هي الأخرى من مشكلة العائدين من أرض الجهاد في الشريط القبلي، وبصفة خاصة من المرتبطين بالجماعات الأوزبكية الجهادية».

ومعلوم أن بن عثمان المقيم حاليا في بريطانيا كان من أوائل «الجهاديين العرب» الذين نبذوا تصرفات أبو مصعب الزرقاوي في العراق ووصفه بأنه «يمارس في العراق ما كانت تقوم به «الجماعة المسلحة» من عنف أعمى في أصعب «سنوات الدم» في جزائر التسعينات». فعل بن عثمان الأمر ذاته عام 2000 عندما جلس مع بن لادن وقادة «القاعدة» الكبار في قندهار وجادلهم هو ووفد من قيادة «المقاتلة»، من وجهة نظر شرعية بأن حربهم ضد الغرب لا يجوز شنها من أفغانستان وتحديدا من وراء ظهر حركة «طالبان».

يقول خبراء مكافحة الإرهاب إن «اتحاد الجهاد الإسلامي» الذي تأسس عام 2002 في المناطق القبلية الباكستانية ويتبع الحركة الإسلامية في أوزبكستان قام بتجنيد المئات من الأوروبيين. ويزعم الاتحاد بأن لديه أكثر من 500 مقاتل أجنبي من بينهم ما يربو على 60 مواطنا ألمانيا اعتنقوا الإسلام، وأيضا أن لديه مقاتلين أتراكا من أصول ألمانية والعشرات من الانتحاريين.

وجعلت الجماعة من بلدة «مير علي» وهي بلدة صغيرة في وزيرستان الشمالية مقرا لها وأقامت العشرات من مراكز التدريب في المنطقة الجبلية.

ويعتقد أن «اتحاد الجهاد الإسلامي» الذي يحتفظ بصلات وثيقة بتنظيم القاعدة مسؤول عن سلسلة تفجيرات في يوليو (تموز) عام 2004 ضد السفارتين الأميركية والإسرائيلية في العاصمة الأوزبكية طشقند».

كما اجتذبت أيضا الجماعات المسلحة الباكستانية الأخرى مسلمين يعيشون في مدن أوروبية. وعلى الأقل، فإن بعض الانتحاريين في هجمات لندن عام 2005 كانت لهم اتصالات بجماعات في باكستان وكما فعل فيصل شاة زاد صاحب المحاولة الفاشلة لتفجير «تايمز سكوير» بسيارة مفخخة في نيويورك 2010.

ومحمد مراح الفرنسي من أصل جزائري نفذ ثلاثة اعتداءات أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص في مدينة تولوز الشهر الحالي، وأعلنت السلطات الفرنسية تلقيه تدريبات في باكستان، ونقلت المصادر في العاصمة إسلام آباد عن مسؤولين استخباراتيين باكستانيين أن العشرات من المسلمين الفرنسيين تلقوا تدريبات بمعسكرات طالبان شمال غربي باكستان، في الوقت الذي تحقق فيه السلطات الباكستانية في ما إذا كان مراح ضمن هذه الأفواج. وتضيف أن 85 فرنسيا تلقوا تدريبات بمعسكرات طالبان الباكستانية خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن معظمهم يحمل جنسيات مزدوجة من دول شمال أفريقيا. وكان مراح قد زعم تلقيه تدريبات في معسكر لتنظيم القاعدة في منطقة وزيرستان أثناء زيارته لباكستان، قبل مقتله باشتباكات مع القوات الفرنسية في مدينة تولوز الفرنسية، الأسبوع الماضي.

وانتهت مذبحة تولوز بوابل من 300 رصاصة أطلقته عناصر من صفوة الشرطة الفرنسية بعد حصار هذا الشاب لمدة 32 ساعة كاملة، في مشهد يستحق أن يكون ضمن أحد أفلام الحركة في هوليوود.

وفي غضون أعوام قليلة، كان الشاب الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح قد تحول من مجرم صغير ضيق الأفق، إلى جهادي يقوم بعمليات وحشية، تمثلت في إطلاقه النار من مسافة قريبة على رؤوس أطفال صغار بالمدرسة، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص.

وفي الأسبوع الماضي، أسدل الستار على تلك القصة الإجرامية لهذا الشاب الذي يبلغ من العمر 24 عاما، بعد أن أطلقت الشرطة الفرنسية النار عليه بعد تبادل لإطلاق النار استمر لنحو ست دقائق، بيد أن ثمة أسئلة كثيرة تطل برأسها من وراء ذلك الحدث الإجرامي؛ منها: كيف تحول مراح من لص صغير إلى جهادي خطير يشتبه في سفره إلى الشريط القبلي، لتلقي التدريبات الجهادية هناك؟ ولماذا قتل ثلاثة جنود ومعلما يهوديا وثلاثة من أطفال المدارس بدم بارد؟ ومن هو محمد مراح الحقيقي؟

يجيب أصدقاء طفولته في ضاحية إيزار في تولوز عن تلك الأسئلة، حيث يقول نيكو، وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره ويضع غطاء قميصه بإحكام حول وجهه الشاحب، لـ«صنداي تلغراف» البريطانية: «لا أستطيع أن أصدق أنه قام بكل هذا. لقد كان واحدا منا، ولم يكن متعصبا من الناحية الدينية، ولم يذهب مطلقا إلى المسجد».

وفي الواقع، اختلط مراح في طفولته بالصبية في فرنسا، حيث ولد في مدينة تولوز لعائلة جزائرية الأصل، ونشأ في ضاحية إيزار مع شقيقتيه عائشة، وهي فتاة متحررة وغير متدينة، وسعاد وهي أكثر تدينا من عائشة، إضافة إلى شقيقين، وهما عبد القادر (29 عاما)، والأخ الأكبر عبد الغني، بحسب «صنداي تلغراف» البريطانية. أما والدة مراح زليخة (54 عاما) فقالت إنها «تشعر بالذنب» لأنها لم تكن قادرة على منع نجلها من ارتكاب تلك الجرائم الجنونية، وتساءلت عما إذا كان بإمكانها أن تمنعه مما قام به أم لا، حسب ما ورد على لسان محاميها جان إيف غونيو عقب الإفراج عن زليخة في وقت متأخر من يوم الجمعة.

من جانبه، قال عبد القادر، وهو شقيق مراح الذي كان بصحبته عندما سرق الدراجة التي استخدمها مراح في إطلاق النار على ضحاياه، والذي يتم استجوابه الآن في باريس، إنه لم يكن على علم بأن شقيقه كان يخطط للقيام بتلك الهجمات، ولكنه «فخور به».

وأشارت وسائل إعلام فرنسية أمس إلى أن الهاتف الجوال لعبد القادر قد وجد قريبا من المدرسة اليهودية التي شهدت قيام شقيقه بقتل ثلاثة أطفال ومدرس، وأن الشقيقين قد تناولا العشاء معا في الليلة التي سبقت القيام بتلك الجريمة.

وقد نمت بذور التطرف في نفس مراح وسط تلك التكتلات السكنية بمدينة إيزار، حيث يتسكع الصبية في جنبات شوارعها ويشقون طريقهم في ممراتها الضيقة وهم يقودون دراجاتهم البخارية. وقد انفصل والدا مراح وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره بعد، وبدأ والده يقضي معظم وقته في الجزائر، تاركا نجله الصغير يواجه المتاعب والمشكلات بمفرده.

ويقول محامي مراح كريستيان اتلان: «لم يكن مراح طالبا جيدا، وكان يتم طرده من المدرسة بين الفينة والأخرى، كما كان يتنقل من مدرسة لأخرى، وتم فصله من الدراسة وهو في سن صغيرة». والتحق مراح بالعمل ميكانيكي سيارات في إحدى الورش بالمدينة، وعمل بها لمدة عامين. وكان مراح يعشق السيارات، وأظهر أصدقائه لصحيفة «صنداي تلغراف» الساحة المليئة بالحصى الموجودة خلف ملعب كرة القدم، حيث كان مراح وأصدقاؤه يستأجرون السيارات والدرجات النارية ويدخلون في سباقات في ما بينهم. وعندما بلغ مراح عامه السابع عشر، تم اعتقاله لأول مرة بسبب اشتراكه مع عدد من الشباب في قذف إحدى الحافلات بالحجارة، واتجه بعد ذلك إلى تخريب الممتلكات العامة والسرقة، وتم اعتقاله 18 مرة جنائيا، وأصبح وجها مألوفا للشرطة في المدينة.

وكانت أجهزة مكافحة التجسس ترصد منذ سنوات محمد مراح بعد عودته من أفغانستان، لكنها اعتبرت أن مجموعته السلفية المتشددة لا تشكل خطرا محدقا، حسب وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان. ويرى لوي كابريولي المسؤول السابق في المديرية الفرنسية لمراقبة الأراضي أن نموذج الجهاديين معروف منذ نحو 15 سنة.. «إنهم أحيانا من المجرمين الصغار الذين ينتقلون إلى قلب التيار السلفي».

وقال كابريولي إنه إذا كان محمد مراح أقام مرارا في أفغانستان وباكستان كما أكد غيان «فلا بد أن يكون استفاد من شبكات للتوجه إلى هناك» مؤكدا أنه «ربما كان أيضا من «الذئاب المنفردة» أو العائدين من أرض الجهاد. وقدرت أجهزة الاستخبارات الغربية مؤخرا بـ«بضع عشرات» عدد هؤلاء الجهاديين العائدين من المناطق القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية، وبينهم بضعة فرنسيين، وهم يخضعون لمراقبة مشددة.

من جهته، يقول لـ«الشرق الأوسط» الإسلامي المصري ياسر السري مدير «المرصد الإسلامي» بلندن، وهو جهة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم: «رغم التنوع العرقي في فرنسا، فإن هناك مشكلات اقتصادية واجتماعية نتيجة المعاناة من التهميش وعدم توفير الخدمات أو فرص العمل بسبب التعامل مع أبناء الجالية المسلمة بعنصرية.. ففي المجال الرياضي، نجح منتخب فرنسا بأبناء الأقليات مثل زيدان وتيرام وتريزيغيه ودجوركاييف، وفي الميدان الاقتصادي، هناك الفرنسيون من ذوي الأصول العربية والأفريقية الذين ما زالوا غائبين عن المناصب القيادية داخل 1000 شركة تعد الكبرى في البلاد، والواقع يعكس انغلاق إدارات تلك المؤسسات ورفضها الكفاءات الفرنسية من أبناء المهاجرين». وقال السري: «تخطت نسبة البطالة بين الشباب في الضواحي 40 في المائة. والفرنسيون من أصل عربي يعيشون التهميش في أحياء الصفيح ويتلقون تعليمهم في مدارس خاصة بهم لا تمكنهم في ما بعد من مواصلة الدراسات العليا». وأوضح: «لقد أصبحت حكومات العالم بأسره تتعامل مع الأفغان العرب؛ بل ومع كل ما هو إسلامي، بحساسية وعدوانية في بعض الأحيان؛ إما لاعتقادها أن هؤلاء مصدر خطر حتمي، وإما للظهور أمام الإدارة الأميركية بمظهر الولاء والاعتدال والحرص على مساندة سياسة واشنطن، في حربها ضد الأصولية الإسلامية». وأعرب عن اعتقاده أن مراح تصرف بفردية وإمكانات محدودة وليس ضمن إطار شبكة؛ «فالأهداف كانت ارتجالية وعشوائية.. قد يكون يحمل الفكر، لكن ليس بالضرورة أنه (قاعديّ) أو ضمن شبكة أو تنظيم».

ويرى الباحث دومينيك توماس، المتخصص في التيارات الإسلامية المتطرفة في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، أن «طريقة التحرك واللوجستية التي استعملها محمد مراح، تدل على أن إمكاناته محدودة وأنه لا ينتمي إلى شبكة على ما يبدو». وأضاف الباحث الذي يصف محمد مراح بأنه إرهابي منفرد، أن «اختيار أهدافه ينم عن ارتجال رغم أنه فعل ذلك بطريقة مدروسة». وأكد أن إعلان الشاب انتماءه لتنظيم القاعدة «ليس أمرا ذا دلالة خاصة» لأن «أي أحد يمكن أن يعلن الانتماء لتنظيم القاعدة». وأشار إلى أن بعض الفرنسيين يتوجهون إلى باكستان، عبر شبكات، «لتعميق انتمائهم للتيار السلفي» أو «للتدريب العسكري» في معسكرات أفغانستان. لكن دومينيك توماس يشدد على أنه «في فرنسا 99.9% من السلفيين لا يمارسون العنف»، فيما خلص جان - بيار فيليو، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس، ومؤلف كتاب «تاريخ (القاعدة) الحقيقي» إلى القول إن «(الذئاب المنفردة) ينحون دائما إلى الانتماء إلى منظمة أوسع بكثير تتجاوزهم هم أنفسهم». وبالنسبة لتفجيرات لندن التي حدثت عام 2005، بعد أن عاد زعيم الانتحاريين في تلك العملية محمد صديق خان من الشريط القبلي، «فربما كانت متوقعة لأكثر من سبب، ولعل من أهم تلك الأسباب احتضانها لجالية إسلامية كبيرة والعديد من رموز الحركات الأصولية ذات الميول الحركية؛ الأمر الذي يدعو للتساؤل ويتطلب الإجابة، حول قبول لندن هذا الخليط من الانتماءات السياسية الدينية». وكان اثنان من المفجرين الانتحاريين لتفجيرات لندن زارا معسكر تدريب لتنظيم القاعدة قبل تنفيذ هجماتهم في العاصمة البريطانية، وذلك حسب زعيم «القاعدة» الحالي أيمن الظواهري في بيان منسوب له في شريط فيديو، عقب تنفيذ الهجمات 2005. فقد قال أيمن الظواهري إن شاهزاد تنوير ومحمد صديق خان، زارا المعسكر بحثا عن «الشهادة». وجاءت تفجيرات لندن بعد مرور قرابة أربع سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وبعد أكثر من عام من تفجيرات «قطارات الموت» في مدريد، وكان الاعتقاد السائد في الغرب أن التنظيمات الجهادية العالمية التي نسجت شبكاتها العنكبوتية في كامل أوروبا قد تلاشت وتفككت بفعل تصعيد المطاردات الأمنية ضدها، وتشديد تشريعات مكافحة الإرهاب للحيلولة دون تكرار ما حدث خلال عقد التسعينات من استغلال لقوانين التجنيس واللجوء السياسي الأوروبية من قبل «أئمة العنف»، مثل أبي حمزة المصري المعتقل في سجن «بيل مارش» شديد الحراسة بجنوب غربي لندن وأبي قتادة المطلوب ترحيله إلى الأردن، ونشطاء التيارات السلفية الجهادية لدعم التطرف وإدارة وتمويل أعمال الإرهاب انطلاقا من أوروبا. لكن احتلال العراق واتساع رقعة العنف فيه، تحت شعار مقاومة الاحتلال والجهاد ضد «الشيطان الأكبر» الأميركي وحلفائه الأوروبيين، خلق بؤرة استقطاب جديدة توافد نحوها الآلاف من الشباب المتطوعين لـ«الجهاد» في العراق، على غرار ما حدث في السابق بأفغانستان والبوسنة والشيشان وكوسوفو.