الشاطر.. الفقيه أم السياسي؟

رجل الأعمال الإخواني.. من مطارد إلى سجين.. إلى المنافسة على «صفقة» رئاسة الجمهورية

TT

التفت جموع الإخوان حول خيرت الشاطر عند خروجه من باب السجن عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المطالبة بالحريات والحكم المدني المبني على القانون والمحاسبة.

أخذت هذه الجموع تنشد النشيد الإخواني القديم الذي يلخص شريعة الحكم لدى الإخوان ولدى الشاطر أيضا. يقول النشيد الذي شارك الشاطر في ترديده وهو يعود من غياهب السجن إلى نور الحرية: «الله غايتنا.. رسولنا زعيمنا.. رسولنا قدوتنا.. قرآننا دستورنا.. قرآننا شرعتنا.. جهادنا سبيلنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

يقول الشاطر بعد أن أصبح المرشح المحتمل للرئاسة عن جماعة الإخوان، إن «الشريعة» كانت وستظل مشروعه وهدفه الأول والأخير، وإنه «سيعمل على تكوين مجموعة من أهل الحل والعقد لمعاونة البرلمان في تحقيق هذا الهدف».

هذا القالب الإخواني التاريخي الذي يتمسك به المرشح لرئاسة أكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، ما زال هو خارطة الطريق للجماعة، وشريعة الشاطر أيضا، وهذا القالب هو مصدر خوف التيارات المدنية وخوف المسيحيين البالغة نسبتهم نحو عشرة في المائة من نحو ثمانين مليون مصري.. ولهذا كان الإخوان، والشاطر نفسه، يبعثون منذ سقوط نظام مبارك برسائل للطمأنة، بأنهم لا يريدون القفز على مقعد الرئاسة أو السيطرة على البرلمان والمجالس النيابية.

ولاحظ العديد من النشطاء وغيرهم من ذوي الحس السياسي والفني الذين شاركوا في الوقفات المليونية في ميدان التحرير في آخر أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك أن الإخوان تغيروا إلى الأفضل وأنهم كانوا كما يأمل المصريون منفتحين ومشاركين مع الآخرين، وكان من بين من لاحظ ذلك المخرج المصري خالد يوسف، لكنه فوجئ بعد الإطاحة بمبارك وانتهاء الاحتجاجات المليونية التي كانت تسير في شوارع البلاد، أن الجماعة عادت إلى إرثها التاريخي مرة أخرى بالبحث عن غنائم سريعا.

ولاحظ الناشط حسن محمد من ائتلاف شباب الثورة أن الإخوان أداروا ظهرهم للحركة الوطنية الثورية، «وبدأوا في جني مصالح بأي ثمن.. بلا ضمير». وهذا ما أغضب قطاعات من شباب الإخوان أيضا. وحين يستمع خيرت الشاطر إلى مثل هذه الوقائع وهذه الانتقادات يقول مباشرة إنه لا يتفق معها. ويملك الشاطر القدرة على إدارة دفة الحديث إلى وجهة أخرى مغايرة. ولا يدع الطرف الآخر المتحاور معه يستمر طويلا في التركيز على نقطة الحوار الخلافية. ويبدأ أحيانا بصوت مرتفع هجومي وبملامح غاضبة تخيف وتربك المحاور.

يفسر أحد المقربين من الشاطر طباعه وشخصيته كأمر مبني على خلفيته، حيث بدأ الانخراط في العمل السياسي منذ الصغر حين كان في المدرسة الثانوية، وميله السريع إلى دخول التيار الإسلامي ذي المرجعية اليقينية غير القابلة للجدال، وذلك منذ سنة 1967، وهي السنة التي كانت فيها مرارة الهزيمة من إسرائيل تشكل وجدان الشعب المصري. وقبل حرب تحرير سيناء عام 1973 أسس الشاطر مع آخرين نواة للعمل الإسلامي في جامعة الإسكندرية، وبعد الحرب انضم لجماعة الإخوان عام 1974.

لا يمكن الحكم على الشاطر من الشهور القليلة الماضية التي خرج خلالها من السجن عقب ثورة 25 يناير 2011. فحين خرج من السجن، بصفته نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، كان يتحدث عن رغبة قوية في التحالف مع جميع التيارات الموجودة على الساحة لبناء مصر ما بعد مبارك، من خلال خطوات سريعة وأخرى متوسطة وثالثة بعيدة المدى.. وقال فور خروجه من السجن ما معناه إن الفترة الماضية كانت فيها استقطابات بين النظام وعدد من القوى الأخرى، وخصومات بين الإخوان وتيارات أخرى، وأنه ينبغي طي الصفحة الماضية التي كانت عليها التيارات والقوى المصرية، وفتح صفحة جديدة للعمل من أجل المستقبل، من خلال التفاهم والتحاور والتركيز على المشتركات التي تجمع الأطياف للعمل معا من أجل الحرية والتنمية وتطوير البلاد.

وينظر كثير من قيادات العمل الإسلامي إلى محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر، الشهير بـ«خيرت الشاطر»، بعين الاعتبار. فالرجل المولود في الرابع من مايو (أيار) عام 1950 في مدينة شربين التابعة لمحافظة الدقهلية بالدلتا المصرية (شمال القاهرة)، لم ينكسر لا هو ولا تجارته رغم المحن. وهذا الصمود، كما يقول أحد المقربين منه، لوحظ عليه منذ مطاردات النظام الحاكم له وهو طالب يدرس الهندسة ثم كمعيد في الجامعة، ثم مع انخراطه في التجارة وتحوله سريعا إلى رجل أعمال.

وللشاطر، مثل علاقاته مع الإخوان، أسرة متماسكة قوامها عشرة أبناء وستة عشر حفيدا. وشغل موقع النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في عهد المرشد السابق محمد مهدي عاكف، ثم شغل موقع نائب المرشد العام الحالي محمد بديع. لكن وجوده داخل الجماعة ومكانته فيها يرجع الفضل في جانب منها إلى إمبراطوريته المالية الضخمة وإلى إيمان قيادات في جماعته بقدرته على إدارة الأحوال من خلف القضبان، وفقا للمراقبين. وقرر مجلس شورى الجماعة ترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية المقرر إجراؤها الشهر المقبل في مصر، مما اضطره لتقديم استقالته عن منصبه في الجماعة من أجل الترشح للرئاسة. وهذا أمر يرى بعض المراقبين أنه يتعارض مع شخصية الشاطر.. فهو لا يحبذ توجيه أي انتقادات لجماعة الإخوان، من قبيل حاجة الجماعة لمراجعة أفكارها وطريقة عملها بعد 82 عاما من تأسيسها، وهي مدة طويلة لم تقم الجماعة خلالها بأي مراجعة جوهرية رغم تغير الزمان والظروف.

وأصبح الشاطر محط أنظار كثير من المراقبين لعدة أسباب، منها شراكته المالية مع رجل الأعمال الإخواني حسن مالك الذي سجن معه في بعض القضايا، وكذا بسبب ما يعتقد أنه الدور المالي للشاطر في مسيرة الجماعة منذ الكشف عن قضية «سلسبيل» عام 1992، وما تلاها من قضايا ومصادرة لشركات وأعمال وأموال أثارت أقاويل لعدة سنوات عن الفاصل بين أموال رجال الأعمال التابعين للإخوان وأموال الجماعة نفسها. والشكوك في ما إذا كانت الأموال التي يديرها رجال أعمال الجماعة هي ملك لها، أم أنها ملك لهم، خاصة أن الجماعة لا تخضع لأي رقابة محاسبية من قبل الدولة أو أجهزتها المحاسبية والرقابية، وتكاد تكون الجهة الوحيدة الكبيرة التي لا رقابة مالية عليها من أي طرف في الدولة، لا قضائيا ولا أمنيا ولا محاسبيا. ويعتمد الشاطر على خلفية اقتصادية وثقافية استمدها من سوق التجارة ومن دراساته المتعددة للمجالات التنظيمية والإدارية والاقتصادية والإسلامية. ولهذا شارك في مجالس إدارات عدة شركات وبنوك. ومع التضييق الأمني عليه وعلى ألوف من كوادر وقيادات الجماعة طيلة فترة حكم مبارك، أمضى الشاطر سنوات في التنقل بين البلدان العربية والأوروبية. ولهذا ينظر إليه كركن أساسي من أركان مكتب الإرشاد منذ انضم إليه سنة 1995. وسجن الشاطر ست مرات كان آخرها عام 2006 عن طريق المحكمة العسكرية، حيث صودرت جميع ممتلكاته وممتلكات أسرته. ورغم صدور الأحكام ضده قبل العفو عنه، فإنه يقول إنه ثبت أنه لا صلة له بغسيل الأموال ولا صلة له بالاتهامات الموجودة ضده، فيما عدا الاتهام المعتاد بأنه منخرط في تنظيم محظور، بطبيعة الحال. ويرى الشاطر أن كل التهم التي تم توجيهها إليه باطلة وملفقة، كما يقول، وأصبح بعد الخروج من السجن عقب الثورة من أهم المؤثرين في القرار داخل الجماعة.

ويفسر أحد مصادر الجماعة هذا الأمر على خلفية قدرة الشاطر على المساهمة السخية في الإنفاق على الجماعة، وفي الوقت نفسه تمسكه بتوجهها المتشدد.. هو ليس سياسيا بالمعني الحرفي للكلمة.. ويقول منتقدوه إنه لم يخض أي انتخابات بالمعنى المعروف للمنافسة الديمقراطية بين جماهير من الناخبين، وظل معظم جهده منصبا على الجانب الدعوي الرومانسي الذي يرى من نهايته دولة الخلافة الإسلامية وقد تحققت بفعل الرغبة الشعبية لجموع المصريين.. أو كما كان يقول عقب خروجه من السجن.. رؤيته مثل رؤى العديد من القيادات العتيدة في الجماعة تتلخص في أنه لا يجوز الاستعجال في وصول الإخوان ككيان دولي له فروع محلية في عدة دول عربية وإسلامية، إلى الحكم، وأنه ينبغي التركيز على تربية الشعوب تربية إسلامية، إلى أن تكون هناك رغبة شعبية قوية لتطبيق شرع الله، وأن هذا الأمر لن يتحقق في الوقت الحالي ولا في العقود المنظورة.

ولهذا السبب كانت القيادات الإخوانية طوال السنوات العشر الأخيرة ترفض التحول إلى حزب، وتفضل أن تظل إما جماعة وحزبا، وإما جماعة دون حزب.. ويرى قادتها وعلى رأسهم خيرت الشاطر نفسه أن حزبا أو عدة أحزاب للإخوان لا يمكن أن تغني عن وجود الجماعة.

ويقول أحد المقربين من خيرت الشاطر إنه لو خُير مكتب الإرشاد اليوم بين حل الجماعة وحل الحزب لاختار حل الحزب، من أجل الإبقاء على الجماعة ذات الطبيعة الفضفاضة ماليا وسياسيا ودينيا واجتماعيا.. ويضيف أن هذه رؤية الشاطر أيضا.. «الشكل الحالي للجماعة قادر على البقاء، لكن الحزب يمكن أن يتراجع دوره في الشارع، كما أنه يخضع للرقابة من ناحية الإنفاق المالي والتحركات والاتصالات وغيرها».

القيادات القديمة، وهي التي تسيطر على مكتب الإرشاد، أدمنت العمل السري طيلة فترة حكم عبد الناصر والسادات ومبارك. وكانت تحركات خيرت الشاطر وأنشطته المالية والدعوية والتنظيمية داخل الحركة الإسلامية أولا ثم حركة جماعة الإخوان بعد ذلك، مبنية على السرية والكتمان والمراوغة والمناورة. وأسهم ابتعاد الشاطر عن العمل العام المباشر والواسع، في تركيزه على الدراسات والقراءات المتنوعة، لكن المحصلة النهائية كما يلاحظ عليه البعض المزيد من التمسك بمنهج الجماعة في العمل بالطريقة التقليدية الجامدة والمتربصة في آن واحد.. وهي الطريقة التي أصبحت على ما يبدو تغضب قطاعات من شباب الإخوان الذين يريدون مسايرة تغير الزمن من خلال التعاون مع الكتل السياسية الأخرى والتحلي بالمرونة والبعد عن الخطاب الاستعلائي الإقصائي المخيف للآخرين وللشركاء في الوطن. ومع ذلك أضفت سنوات السجن والمطاردة والمصادرة لأموال الشاطر، مسحة من البريق على الرجل الملتحي المشبع بالمرارة.. رجل له عينان متحديتان على وجه عريض فوق بنية جسمانية قوية. رغم انتمائه للمدرسة الإخوانية المتشددة فإن عناصر شخصيته ومعاناته في محن الأنظمة السابقة، جعلته مصدر إلهام للشباب.. وجعلته أيضا مفاوض الجماعة السري مع أطراف متعددة داخل مصر وخارجها.

ولا تخفي هذه المصادر أن الشاطر التقى خلال فترات التنكيل به من جانب النظام، بقيادات أمنية وسياسية من رجال مبارك، وأنه جرت مفاوضات عديدة بين الطرفين من أجل تخفيف الضغط المتبادل بين الجانبين. كانت الجماعة تضغط على النظام، وكان النظام يرد عليها بالاعتقالات والمحاكمات التي طالت الشاطر نفسه.

فبينما خرجت عن قيادات سابقة في الجماعة تصريحات تؤكد ضلوع الشاطر في تفاهمات مع قيادات أمنية وسياسية للتوصل إلى توافقات بشأن نسبة الإخوان من مقاعد برلمان عام 2005، الذي شهد أكبر حصة للإخوان قبل الثورة، التقى الشاطر في مرحلة ما بعد الثورة مع سياسيين غربيين كانوا في السابق يرفضون التعامل مع الجماعة وينظرون إليها بريبة.

أما في داخل الجماعة نفسها فلم يتورع البعض عن وصفه، بعد أن ترشح للرئاسة، بأنه مثل يوسف الصديق الذي خرج من السجن إلى حكم مصر لإنقاذها من المجاعة. في كل مرة تجمعك مع خيرت الشاطر فرصة للحديث فهذا يعني أن الحديث يدور عقب خروجه من السجن قبل أن يعود إليه مجددا. ولهذا لا يتذكره من عرفوه في تلك المناسبات التي خرج فيها إلى النور إلا باعتباره رجلا يحمل داخله نيرانا من الغضب من هول ما رأى.. لا يعنيه أن يكون حاكما أو قائدا بقدر ما يعنيه أن ينقل إليك، سواء عن قصد أو دون قصد، مقدار الظلم الذي وقع عليه منذ أبعده السادات عن التدريس في الجامعة إلى أن تم الحكم عليه في قضايا ميليشيات الأزهر وغسيل الأموال في عهد مبارك، مرورا بسنوات طويلة من المعاناة.

يجعلك تشعر بمعاناته، لكن في كبرياء، ويترك لديك انطباعا بأنه ممسك رغم كل شيء بزمام الأمور.. فأسرته بأولادها وبناتها الكثر لم تتعرض للانهيار، وما إن تضرب الحكومة أنشطته المالية إلا ويعود ليوقفها على قديمها مجددا. لكن قرار ترشيح الإخوان له للمنافسة على موقع الرئيس أثار ردود فعل متباينة وقسم صفوف الكثير من القوى بما فيها قوى ما يسمى بالإسلام السياسي. بدا أن القرار نال من مصداقية الجماعة، بعد أن تعهدت من قبل، وتعهد الشاطر نفسه، بعدم المنافسة على هذا الموقع. وبدأت الجماعة تتحدث عن ضرورة احترام إرادة الشعب، والقول بأن الواقع المتغير هو من أجبرها على تغيير موقفها، لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي ستواجهها الجماعة وبالتالي سيواجهها خيرت الشاطر نفسه الذي يعد من طبقة رجال الأعمال الكبار، وهي الطبقة التي ظلت منبوذة من قطاع من الشعب في السنوات الأخيرة من حكم مبارك بسبب تدخلها في السياسة و«التكويش» على مواقع الحكم والمال، وظل حلم الإطاحة بتزاوج السلطة والمال حلم الملايين من المصريين الذين خرجوا إبان ثورة 25 يناير.

هذه معضلة يراها حتى البعض من المتنورين داخل الإخوان. ووصل الحد إلى التساؤل عقب ترشح الشاطر: «كيف يكون هناك تاجر أو تاجر شنطة رئيسا للجمهورية؟»، ووصف تاجر الشنطة من الأوصاف المثيرة للريبة في الأوساط العامة، بعد أن ظهر هذا المصطلح في أيام الانفتاح الاقتصادي الذي اتبعه السادات كبديل عن النظام الاشتراكي الشمولي.. كما ارتبط وصف تاجر الشنطة بتجارة العملة التي راجت بشكل واسع مع بداية سياسة الانفتاح في السبعينات، وأسست لظهور أباطرة التجارة السريعة وظهور شركات توظيف الأموال التي كان من أبرز الناشطين فيها قيادات من التيار الإسلامي الصاعد على الساحة حينذاك..

وفي الثمانينات وحتى مطلع التسعينات ارتبط حلم الثراء برجال ملتحين يحرمون ربا البنوك ويروجون لتأسيس اقتصاد خاص بهم لا يتسبب في دخول جهنم.. إضافة إلى ظهور نشاط غسيل الأموال فيما بعد. واتخذ النظام الحاكم، إجراءات صارمة ضد أموال الإسلاميين التي تجمعت لديهم بشكل رأى فيه النظام تهديدا له.. فبدأت عمليات المصادرة والمطاردة المرتبطة بالنشاط الديني السياسي لتلك الجماعات، سواء من الإخوان أو السلفيين أو ما بين هذا وذاك.. وبينما اختفت كثير من الأسماء الإسلامية الاقتصادية، ظل اسم خيرت الشاطر يخبو ويتوهج بين السجن والجماعة وبين الهروب إلى الخارج والعودة، وبين الخسائر الضخمة لشركاته والقدرة على حمايتها في أحلك الظروف وإعادة تشكيلها مرة أخرى.

يتساءل أحدهم: إذا كان المصريون قد رفضوا في السنوات الماضية أن يتولى رجل أعمال موقع وزير في الحكومة، أو في الحزب الحاكم سابقا، فما بالكم وأنتم كجماعة تأتون برجل أعمال لموقع رئيس الدولة؟ ومن هؤلاء الذين يريدون إجابة عن مثل هذا السؤال، خصوم الإخوان، وهم معروفون، وأنصارهم أيضا، ومنهم النائب السابق لمرشد الجماعة الدكتور محمد حبيب. وسيتعين على الجماعة وعلى الشاطر الإجابة عن هذا السؤال. وغالبية الردود التي جاءت في الأيام الأخيرة بدت غير مقنعة أو تحتاج إلى شروح وتفاصيل وحواش.. ويقول مقربون من الشاطر إنه سيتخلى عن إدارة أعماله، لكن هذا كان يقوله أباطرة حزب مبارك أيضا من رجال الأعمال في الحزب ومجلس الوزراء.

هل الشاطر قريب من التيار السلفي. البعض يقيس طول لحيته وهي أكثر طولا من لحى باقي قيادات الجماعة، باعتبارها تعكس قربه أو بعده عن التيار السلفي ذي التفسير المتشدد للدين والحكم الإسلامي. ويقول أحد المقربين من الشاطر إنه على اتصال بالتيار السلفي بشكل قوي، وإن قطاعات من التيار السلفي تؤيده، ليس باعتباره مجرد إخواني ولكن باعتباره قياديا إسلاميا يعتمد عليه. ولولا ترشيح السلفي حازم أبو إسماعيل لكان التيار السلفي سارع بتأييد ترشيح الشاطر دون تردد.

ومع ذلك ما زالت بعض القيادات السلفية تنظر للشاطر بارتياب. وحزب النور السلفي لم يعلن موقفا محددا من الشاطر رغم اللقاءات والمشاورات الجارية بين الطرفين.

وحتى شهور قليلة ماضية كان الشاطر يرفض أن يضع البعض جماعة الإخوان تحت عنوان أنها «تشكيل سياسي يسعى للحكم»، وينظر الشاطر إلى نفسه وإلى جماعته باعتبارهما «أصحاب مشروع لبناء نهضة مصر على أساس المرجعية الإسلامية». ويتزايد القلق أيضا مع استمرار الخطاب الإخواني الذي يلبس الدين بالسياسة. وهذه القناعات الإخوانية مقلقة للتيارات السياسية الأخرى. ويؤمن الشاطر بدور آخر أكبر وأوسع للجماعة في تربية الناس وتعديل سلوكهم وأخلاقهم من أجل تمسكهم بالدين، وأن هذا هو السبيل لتحقيق «نهضة مصر»، قائلا إن هذا الدور يختلف عن دور حزب الإخوان.

شخصية الشاطر وترشحه للرئاسة يفتحان الباب لأسئلة عن طبيعة علاقته مع مرشد الجماعة ومكتب الإرشاد الذي يديرها وهو مكتب مبني على مبدأ السمع والطاعة لأعضاء الجماعة وقياداتها.. وسيجد الشاطر صعوبة كما يقول المراقبون في الإجابة عن مثل هذا السؤال أيضا. وإذا ظلت العلاقة بين الطرفين على ما هي عليه، فستخلق حالة غير مسبوقة في نظام الحكم المصري وهي أن تكون هناك مرجعية لرئيس الدولة تختلف عن المرجعية الديكتاتورية والقانونية والشعبية، ألا وهي شرعية المرشد ومكتب الإرشاد الذي تقول الجماعة بل والمرشد محمد بديع نفسه إنه منصب أكبر من منصب رئيس الدولة. يقول أحد المعلقين: هل هذا يذكرك بشيء؟ ويجيب: انظر إلى نظام ولاية الفقيه في إيران. إنه نظام حكم ديني ديكتاتوري، مع الفارق في التشبيه بطبيعة الحال.