مالي.. القبائل والفساد يتحكمان في مفاصلها

دول الجوار لن تسمح بـ«إمارة إسلامية» في شمالها

TT

يقول البروفسور محمد برقوق، مدير «مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية» بالجزائر، لـ«الشرق الأوسط»، إن مالي «لم تستطع منذ استقلالها بناء منطق دولة يقوم على فلسفة المواطن. فقد ظلت تسير بمنطق التوازنات القبلية، يعكسها بوضوح ترتيب هذه الدولة في ذيل القائمة من حيث التنمية البشرية مع تفشي الفساد». وقد حاول الرئيس المخلوع توماني توري منذ الانقلاب الذي قاده عام 1991، إيجاد نظام مشاركة تعددي شكلي في الممارسة السياسية، ولكنه قبلي من حيث الطبيعة الأنثروبولوجية، حسب الباحث الأكاديمي برقوق الذي يضيف: «ضعف هذا البلد في إدارة قضاياه الأمنية وارتباطاته بفرنسا بمفهوم التبعية لها، جعلته هشا أمام التأثيرات الخارجية. كما أن استفحال الأزمة في شمال مالي، ينبغي عند تحليله أن يؤخذ في الاعتبار، التوظيف الليبي والفرنسي للأقليات الطرقية ليس في مالي فقط وإنما في النيجر أيضا. فالعودة إلى التمرد للمرة الثانية عام 1990، كان بخلفية رجوع آلاف الطوارق الذين كانوا مقاتلين في الفيلق الأخضر الذي أنشأه الراحل القذافي».

ويرى عقيد الجيش الجزائري السابق، خبير الشؤون الأمنية، أحمد عظيمي، أن 3 عناصر جديدة تدخلت لتجعل تمرد الطوارق هذه المرة يختلف عن الحركات التمردية السابقة، من حيث المطالب ومن حيث القدرة القتالية؛ الأول، حسبه، ارتبط بسقوط نظام القذافي وعودة المئات من الطوارق الذين كانوا يعملون في كتائب القذافي إلى مالي. هؤلاء عادوا بكفاءة قتالية وأسلحة متطورة مما جعلهم يشكلون قوة ميدانية تتجاوز، من حيث التحكم في أساليب القتال والمناورة، قوة الجيش الحكومي. أما العنصر الثاني، فهو متصل بالأول، حسب الباحث في الشؤون الأمنية الذي يقول: «الانتصارات العسكرية المحققة في الميدان جعلت حركة الأزواد ترفع من سقف المطالب، فبعد أن كانت اجتماعية وسياسية في إطار الدولة الواحدة هي اليوم لا تقبل التفاوض على أقل من استقلال الشمال عن الجنوب».

من جهته، يقول المختص في البحوث الاستراتيجية محمد خوجه، إن اختفاء القذافي» شكل نقلة نوعية في البنية السياسية والإثنية لمالي، حيث إن هناك اتهامات للحلف الأطلسي بأنه فتح ممرات للوحدات المالية التي كانت موجودة في قوات القذافي، وسهل لها عملية العودة إلى شمال مالي، لاستنزاف القوات الليبية النظامية. وبذلك تكون حركة أزواد والحركة السلفية أنصار الدين، أكبر المستفيدين من انهيار سلطة القذافي في ليبيا.

ويعتقد خوجه أن إيفاد قوات عسكرية لدول غرب أفريقيا، بدعم من الاتحاد الأفريقي قد لا يكون الحل الأمثل للمشكلة المالية، «لأن هذه القوات النظامية تظل محدودة وعاجزة عن إعادة الاستقرار إلى مالي، في ظل إحياء النعرات والتحالفات الإثنية، ولا أحد يعرف حدود الفوضى التي سينشرها تفتت دولة مالي».

ويشرح بن عمر بن جانة، باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية، احتمال قيام «إمارة إسلامية» بمالي في ظل الحلف الجاري حاليا بين الطوارق و«القاعدة»، فيقول: «أستبعد إمكانية إقامة إمارة إسلامية في هذه الدولة، لأن دول الجوار والغرب تناهض هذه الفكرة تماما وتبدي معارضة شديدة للأفكار الجهادية التكفيرية التي تميز نهج الجماعات الإسلامية التي تنشط بالمنطقة».