الغاز يشعلها

العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية مع واقع الإسلاميين في مصر.. ووجود المتطرفين في حكومة نتنياهو

TT

فتح قرار السلطات المصرية إلغاء اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بابا واسعا من الجدل والتكهنات حول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير، وفي القلب منها معاهدة السلام التي وقعت قبل نحو 30 عاما.

وما يزيد الجدل سخونة هو ظهور متغيرات جديدة على المشهد السياسي في مصر وإسرائيل، أبرزها سيطرة التيارات الإسلامية المصرية، المعروفة بعدائها السافر لتل أبيب، وعدم اعترافها بها أساسا، على البرلمان المصري، بالإضافة إلى بروز تأثير الرأي العام المصري في قرارات صانع القرار في القاهرة، والذي كان مغيبا إبان حقبة الرئيس السابق حسني مبارك. وفي الجانب الآخر، حيث يسيطر اليمين المتطرف على الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، وهو الأكثر اعتدالا بينهم، ووجود حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان، في الطاقم الوزاري، وهو صاحب دعوة، قصف طهران والسد العالي، والقائل أخيرا، إن مصر أخطر علينا من إيران.

لكن هناك إشارات أخرى تأتي من المجلس العسكري (الحاكم في مصر) ووزارة الخارجية المصرية توحي باستمرار العلاقات مع إسرائيل بنمط طبيعي رغم حدة التصريحات المتبادلة، وصدور بيانات تهدئة في تل أبيب تؤكد التوصل إلى تفاهم حول الموضوع.

واشتعلت قضية الغاز بين الطرفين منذ أكثر من عام، حينما بدأت جهات مجهولة بتفجير خطوط الأنابيب في سيناء، وتكرر هذا المشهد 14 مرة خلال 15 شهرا، قبل أن تعلن الشركة القابضة للغاز بمصر (إيغاز) والهيئة المصرية العامة للبترول قرار إلغاء تعاقدهما مع شركة «شرق المتوسط» التي تقوم بتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل لعدم التزامها بالشروط التعاقدية من تسديد التزاماتها المالية في الفترة الأخيرة حيث وصلت مديونياتها إلى 100 مليون دولار، وفقا لمحمد شعيب رئيس الشركة القابضة للغاز، الذي أكد أن قرار الإلغاء نهائي ولا رجعة فيه. وشدد عدد من المسؤولين المصريين على أن القرار تجاري وقانوني بحت وليس له أي أبعاد سياسية ولا يمثل تغيرا في السياسة الخارجية لمصر.

ودخلت مصر وإسرائيل في أربع حروب خلال 25 عاما، قبل أن توقعا معاهدة للسلام عام 1979 تقضي بإنهاء حالة الحرب بينهما واعتراف كل منهما بالآخر وإقامة علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وشعبية طبيعية، لكن السلام بين البلدين ظل دوما هشا وقنبلة موقوتة يمكن إشعالها بسهولة بسبب غياب الدعم الشعبي الرافض لكل أشكال التطبيع في مصر خصوصا.

ومنذ أيام، قابل الشعب والبرلمان المصري زيارة الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية للقدس بهجوم ضارٍ يعكس الغضب الشديد تجاه ما وصفوه بالتطبيع مع إسرائيل، ويقول مراقبون إن الزيارة لا بد أن تكون حازت موافقة ضمنية من المجلس العسكري، حتى وإن قال جمعة إنها زيارة بمبادرة شخصية. كما قالوا إن اتفاقية الغاز ما كان أن تلغى لولا شارة خضراء من المجلس العسكري، الذي تبع الخطوة بتصريحات نارية بقطع قدم من يعتدي على الحدود المصرية، وبدعوة الجيش للتأهب للدفاع عن الوطن.

واتفقت مصر مع إسرائيل عام 2005 على تصدير 1.7 مليار متر مكعب يوميا إليها لمدة 20 عاما، بأسعار يرى مراقبون أنها أقل من المتعارف عليه عالميا، وهذه الكمية من الغاز المصري كانت توفر 40 في المائة من احتياجات إسرائيل من الغاز الطبيعي، كما حصلت شركة الغاز التي تتولى عملية التصدير على إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات، لكن الصفقة واجهت رفضا شعبيا جارفا وصل لساحات المحاكم التي قضت بوقف تصدير الغاز لإسرائيل وهو ما لم ينفذه نظام الرئيس المصري السابق مبارك.

وقبل نحو شهر، طالب البرلمان المصري، الذي تسيطر التيارات الإسلامية على أكثر من 70 في المائة من مقاعده، بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، واستدعاء السفير المصري من تل أبيب، احتجاجًا على هجوم إسرائيل على قطاع غزة آنذاك.

وأكد البرلمان في بيان صادر عنه بالإجماع، والذي أعدته لجنة الشؤون العربية بالمجلس، أن مصر الثورة لن تكون أبدًا صديقًا أو حليفًا للكيان الصهيوني، الذي اعتبرها العدو الأول لمصر والأمة العربية، وأنها ستتعامل مع هذا الكيان باعتباره عدوًا، وأن الحكومة المصرية مطالبة بمراجعة كل علاقاتها واتفاقياتها مع هذا العدو، وما يمثله من مصادر تهديد حقيقية للأمن والمصالح الوطنية المصرية، كما طالب بوقف تصدير الغاز المصري لهذا الكيان وتجميد العمل باتفاقية الكويز وشروطها المجحفة بالسيادة والمصالح الوطنية المصرية، وتبني خيار المقاومة بكل أنواعها وأشكالها، والدعوة إلى تفعيل سياسة المقاطعة العربية الشاملة للكيان الصهيوني وما يتعامل معه من شركات عالمية، باعتبار هذه المقاطعة سندًا قويًا لخيار المقاومة، وهو البيان الذي رفضت وزارة الخارجية المصرية تنفيذه.

ويعتقد الدكتور عبد العليم محمد، الرئيس السابق لبرنامج الدراسات الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن العلاقات بين البلدين دخلت في مرحلة عدم اليقين. وقال عبد العليم لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح مؤكدا بالنسبة للطرفين أن صفحة جديدة ستفتح ولا أحد يعرف كيف ستكون»، ويعتقد عبد العليم أن تأثير التيارات الإسلامية لا يصل إلى حد تغيير الاتفاقية أو إعادة النظر فيها، قائلا «قد يكون تأثيرهم منصبا على العلاقات والاتفاقيات الاقتصادية والشعبية وليس بالسياسة الخارجية».

وعبر عقود، ظلت إدارة العلاقات المصرية الإسرائيلية في يد الرئيس السابق مبارك والمخابرات العامة التي رأسها اللواء عمر سليمان لـ18 عاما. وقبل ثمانية أشهر من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم نظام مبارك، قال وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، بنيامين بن أليعازر، إن حسني مبارك بمثابة كنز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، المثير أن أليعازر نفسه كان المسؤول الإسرائيلي الذي وقع اتفاق الغاز مع مصر في 2005.

وقبل نحو شهر من الانتخابات الرئاسية في مصر والتي يتنافس فيها مرشحون إسلاميون على رأسهم محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، قال عبد العليم: «تولي التيارات الإسلامية ممثلة في الإخوان لرئاسة الجمهورية يجعل الوضع معقدا للغاية؛ حيث ستتم محاصرة إسرائيل بمثلث ثلاثي من التشدد الديني في محيطها بالإضافة إلى إيران»، ويتوقع عبد العليم حينها إمكانية إعادة النظر في اتفاقية السلام، وغيرها من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.

ودائما ما يلعب مرشحو الرئاسة على وتر العلاقات المصرية الإسرائيلية لاكتساب التأييد الشعبي، حيث قال حمدين صباحي، المرشح لرئاسة الجمهورية، إنه سيعيد النظر في اتفاقيات الغاز وغيرها من الاتفاقيات المشتركة بين البلدين. ويقول خبراء إن ملف إدارة العلاقات بين القاهرة وتل أبيب سيستمر في يد المخابرات العامة.

ويقول مراقبون إن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب سيعاد تشكيلها من جديد بعد رحيل نظام مبارك الذي شارك إسرائيل في فرض حصار قاس على قطاع غزة لسنوات، كما تغاضى كثيرا عن تكرار قتل الجنود المصريين على الحدود المشتركة بين البلدين بالرصاص الإسرائيلي دون حتى المطالبة باعتذار رسمي لم يأت أبدا خلال حكم مبارك، وهو الاعتذار الذي جاء في أغسطس (آب) الماضي حين قتل ستة جنود مصريين برصاص طائرة هليكوبتر إسرائيلية على الحدود بين البلدين مما سبب أزمة شعبية حادة انتهت باعتذار إسرائيل، قبل أن يقوم مئات المصريون باقتحام سفارتها في القاهرة في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأوضح السفير السيد أمين شلبي، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الرأي العام في مصر أصبح متغيرا مهما في معادلة العلاقات المصرية الإسرائيلية بشكل لا يمكن إغفاله أو إهمال أثره.

ومع قرار مصر بوقف الغاز عن إسرائيل، أطلق وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، تصريحات جد معادية لمصر يقول فيها إن مصر أخطر على إسرائيل من إيران، كما كشفت مصادر سياسية في إسرائيل أن ليبرمان توجه برسالة رسمية إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يحذر فيها من أن الأوضاع الداخلية في مصر تشكل مصدر خطر استراتيجي على إسرائيل أكثر من الملف الإيراني. وبحسب المصادر، قال ليبرمان في الرسالة إن «الموضوع المصري مقلق أكثر بكثير من الموضوع الإيراني لأن الحديث يدور عن أكبر دولة عربية، لها أطول حدود مع إسرائيل تمتد على مئات الكيلومترات»، وأضاف ليبرمان، في رسالته وكذا في جلسات سرية مغلقة، إنه على ضوء التطورات في مصر يجب اتخاذ قرار سياسي شجاع بإعادة بناء قيادة عسكرية للمنطقة الجنوبية عبر إعادة تشكيل سلاح الجنوب الذي كان قد تم حله بعد اتفاقية السلام، على أن يشمل هذا الفيلق، ثلاثة أو أربعة قطاعات أو ألوية محددة للجنوب، ورصد الميزانيات اللازمة وتجهيز رد إسرائيلي لسيناريوهات مستقبلية محتملة، وكلفت القاهرة سفيرها في تل أبيب بالاستفسار عن تصريحات ليبرمان.

وجاءت الردود المصرية الرسمية أكثر حدة وإن لم تذكر إسرائيل صراحة، حيث طلب المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، من الجيش المصري أن يكون جاهزا على الدوام لحماية حدود مصر، وقال طنطاوي في كلمة أثناء تفقده لمناورة عسكرية بالذخيرة الحية تجرى في سيناء، إن حدود مصر ملتهبة بصفة مستمرة، مشددا: «إذا اقترب أحد من حدود مصر، سنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة»، ورغم أن طنطاوي لم يذكر إسرائيل تحديدا، فإن تزامن التصريحات مع تصاعد الأزمة بشأن تصدير الغاز فسّر بأنه رسالة إلى تل أبيب.

كما أوضح اللواء أركان حرب محمد فريد حجازي، قائد الجيش الثاني الميداني المصري، أن القوات المسلحة المصرية في سيناء قادرة تماما على تأمينها ضد أي عدوان أو فرد أو جهة تسول لها نفسها الاعتداء عليها، مؤكدا أن خطة التدريب والعمليات الموجودة حاليا لدى القوات المسلحة قادرة على تأمين سيناء.

ويؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء عبد المنعم كاطو، أن من مصلحة مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية الإبقاء على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وقال كاطو لـ«الشرق الأوسط»: «الاتفاقية لا علاقة لها باتفاقية تصدير الغاز، والتصريحات الإسرائيلية شيء تعودنا عليه»، وتابع كاطو: «على إسرائيل أن تعلم أن المساس باتفاقية كامب ديفيد ليس له معنى سوى إعلان الحرب، وإسرائيل لا تريد حربا».

وبعيدا عن التكهنات بخصوص مستقبل العلاقات بين البلدين، يعتقد السفير حسن الهريدي، مساعد وزير الخارجية مدير إدارة إسرائيل الأسبق بالخارجية المصرية، أن الأمر كله لا يعدو مناورة سياسية للحصول على مكاسب اقتصادية أفضل.

وقال الهريدي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أمام محاولة مصرية لإعادة تصدير الغاز بأسعار وكميات وشروط جديدة، منها مدة العقد نفسه»، مشددا على أن التصريحات المتبادلة بين القاهرة وتل أبيب تعكس حرص الطرفين على استمرار علاقتهما السياسية.