قضية الغاز بالأرقام والمعلومات

TT

أولا: هنالك اتفاقيتان تتعلقان بالغاز بين مصر وإسرائيل، إحداهما بين حكومتي مصر وإسرائيل والثانية بين شركات عدة إسرائيلية ومصرية وعالمية. الاتفاقية بين الشركات تنص على أن شركة الغاز الحكومية المصرية إيغاز (EGAS) تزود الغاز لشركة تسويق وتوزيع إسرائيلية خاصة بشراكة أميركية وعالمية، وفق شروط وأسعار تجارية محددة. والاتفاقية بين الحكومتين تنص على تعهد الحكومتين بضمان تنفيذ الاتفاقية طيلة 15 سنة. وقد تم توقيعها في سنة 2005.

ثانيا: لا علاقة بين هذه الاتفاقيات واتفاقية السلام وملاحقها الموقعة سنة 1979، حيث إنه لم يكن هناك موضوع غاز. ففي الملحق الاقتصادي لاتفاقية السلام، يتحدثون عن تزويد إسرائيل بالنفط المصري. وفي سنة 2005، عندما تطور استخراج الغاز المصري، أبرمت الصفقة حول الغاز بشكل مستقل. ومن اللحظة الأولى لتوقيع هذه الاتفاقية، ظهرت معارضة مصرية لها بسبب السعر الرخيص. وبدأ حديث في مصر وإسرائيل، عن أموال دفعت من تحت الطاولة بطريقة الرشوة. وحسب مصدر في الشركة الإسرائيلية، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الشركة المصرية تأثرت بهذه الأجواء ولم تزود إسرائيل بما تعهدت به من الغاز وظلت تقلل في الكميات. وفي سنة 2009، أي في زمن حكم الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، طالبت الشركة المصرية بتعديل الأسعار في الاتفاقية. وتم الاتفاق على رفع هذه الأسعار بالتدريج، من 2.75 دولار للوحدة الحرارية إلى 4.5 دولار.

ثالثا: الشركة الإسرائيلية دخلت في مصاعب مالية داخلية. بسبب هذه المصاعب لم تستطع الشركة أن تسدد ديونها للشركة المصرية بقيمة 56 مليون دولار. وقد وجدت حجة لتبرير عدم الدفع بالتفجيرات التي وقعت في أنبوب الغاز (14 مرة). فقالت إن هذه التفجيرات تمت بسبب غياب الأمن المصري وليس بسببها. وأنها تريد تعويضا عن ذلك. ولأن الاتفاقية بين الطرفين تنص على أن الخلافات بينهما تسوى بالحوار والتفاهم المباشر أو بتدخل الحكومتين، وليس بالتحكيم أو القضاء، فقد رفعت الشركة الإسرائيلية مطلبا بالتعويضات. والمبلغ الذي طلبته بدا خياليا: 8 مليارات دولار. وراحت تهدد باللجوء إلى القضاء الدولي، بدافع الثقة بأن تفجير أنبوب الغاز 14 مرة خلال سنة هو خلل كبير في العلاقات الاقتصادية العصرية يدل على غياب سيادة الدولة. وقد بدا واضحا أن هذا الادعاء، الذي يبدو مفهوما جدا في دول الغرب، سيحرج الحكومة المصرية. وسيجعلها تتدخل لوقف ضغوط الشركة المصرية على الشركة الإسرائيلية في موضوع الدفع.

رابعا: الشركة الإسرائيلية تعاني من مصاعب مالية أصلا، بعضها ناتج عن تفجير أنبوب الغاز، إذ إن قيمة أسهمها في البورصة قد انخفضت بشكل حاد، وقسم منها بسبب التنافس على تسويق الغاز في إسرائيل، بعد أن تم اكتشاف حقول للغاز في المياه الاقتصادية الإسرائيلية (والقبرصية واللبنانية) في عمق البحر الأبيض المتوسط. بسبب هذه المصاعب لم تستطع الشركة الإسرائيلية صرف سندات القبض للجمهور الإسرائيلي بقيمة 600 مليون شيكل (160 مليون دولار)، في موعدها المقرر هذا الشهر. وفي اليوم الذي انفجرت فيه الأزمة مع الشركة المصرية الأسبوع الماضي، عقدت جلسة بين ممثلي الشركة وممثلي أصحاب السندات الإسرائيليين، للاتفاق على إعادة جدولة هذا الدين لسنتين إضافيتين مقابل رفع الفائدة.

وقد ربطت وسائل الإعلام الإسرائيلية بين هذه الجلسة وتفجير الأزمة. وقال المحلل الاقتصادي، عوديد شاحر، إن قيام الشركة بتفجير الأزمة جاء ليمارس ضغوطا على الحكومة الإسرائيلية لكي تتدخل لإنجاز اتفاق جديد مع أصحاب السندات، يكون مريحا للشركة.

خامسا: الشركة المصرية من جهتها، مسنودة بدعم من الحكومة المصرية والمجلس العسكري الأعلى، قررت تجميد اتفاق تزويد الغاز إلى الشركة الإسرائيلية، في خطوة تكتيكية للرد على خطوات الشركة الإسرائيلية في التحكيم. وقد حرصت القيادة المصرية على طمأنة الحكومة الإسرائيلية بأنها خطوة إجرائية لا تهدف إلى المساس باتفاقية السلام بين البلدين. وقد قبلت الحكومة الإسرائيلية هذا التفسير. وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بيانا واضحا في هذا الشأن جاء فيه أن «الحكومة الإسرائيلية توصلت إلى تفاهم مع القيادة المصرية وأنه بعد الفحص مع القاهرة تبين أن المصريين لم يبطلوا اتفاقية البيع بل أوقفوها بشكل مؤقت، ولم يتخذوا قرارا سياسيا بهذا الشأن لأن مصر تتمسك باتفاقية السلام، وأن كل الأمر هو خلاف تجاري بين السلطات المصرية والشركة الإسرائيلية التي لم تدفع التزاماتها».

سادسا: في الوقت الذي أصر فيه الطرفان على أن الخلاف تجاري ولا يمس بالاتفاقية، أصرت أطراف من الجهتين على أن الأمر ذو أبعاد سياسية. وحسب صحيفة «هآرتس»، فإن قرارا بتجميد اتفاقية الغاز لا يمكن أن يصدر عن شركة قطاع عام في مصر من دون موافقة المجلس العسكري والحكومة المصرية، وعليه فإنه موضوع سياسي بامتياز. ولكنها رفضت الدفاع عن الشركة الإسرائيلية وتصرفاتها.

سابعا: مثلما يوجد في مصر جهات كثيرة معنية بتصعيد الخلاف التجاري إلى خلاف سياسي، توجد في إسرائيل جهات كهذه، أولها الشركة نفسها. فهي تصر على ذلك وتحاول جر الحكومة جرا إلى صدام مع المصريين، حتى تخفض من التزاماتها المالية. وحسب الباحث الاقتصادي، كوشيه غورالي، فإن الشركة الإسرائيلية تعرف أن مصر تخشى من المحكمة الدولية في جنيف، التي ستبت في القضية، وتخشى حتى من التحكيم. ولذلك فإن تدخل الحكومة المصرية سيعجل بإيجاد حل. وهناك قوى سياسية في اليمين الإسرائيلي متحمسة لهذا التصعيد أكثر من الشركة التجارية. وقد برز بينها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، وهو رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف. وليبرمان معروف بتقربه الكبير من رجال الأعمال في إسرائيل والخارج، وهنالك ملف ضده في النيابة الإسرائيلية حول الحصول على دعم مالي سمين من رجل أعمال روسي أو أكثر. ولكنه معروف أيضا بمواقف عدائية من مصر وهدد ذات مرة بتدمير السد العالي في أسوان. فقد توجه ليبرمان برسالة رسمية إلى رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، يحذر فيها من أن الأوضاع الداخلية في مصر تشكل مصدر خطر استراتيجي على إسرائيل أكثر من الملف الإيراني.