بن لادن.. زعيم يائس في آخر أيامه

عاش وسط عزلة ووحدة قاتلة.. ومراقبة لصيقة للفضائيات وشكاوى لا تتوقف

TT

تكشف وثائق أسامة بن لادن، التي نشرتها إحدى وكالات مكافحة الإرهاب الأميركية في الذكرى الأولى لمقتله، صورة جديدة عن الرجل الذي أدخل الرعب إلى القوى العظمى العالمية، وانتهت به الحال يائسا وسط عزلة كئيبة داخل منزل ناء في إحدى ضواحي مدينة أبوت آباد، الباكستانية، ووجد نفسه غارقا وسط حالة من الإهمال والنسيان.

وقد كتب، بخطه العربي المنمق، آلاف الكلمات التي ظلت طي الكتمان، والتي أرسلها إلى أتباعه في جميع أنحاء المنطقة، لكن لا يوجد أحد في صفوف المجاهدين يولي نصائحه أو تعليماته قدرا من الاهتمام، حسب ما جاء في مضمون تلك الوثائق. وبالطبع لم يكن من السهل عليه أن يتحمل هذا الإحباط الذي شعر به نتيجة ذلك. فمعظم توجيهات بن لادن كان يكتبها إلى العناصر القيادية التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال واليمن، لكنهم ببساطة لم يعودوا ينصتون إليه. وقد أخبرهم أنه يريد منهم أن يركزوا جهودهم على تحقيق خطته الشاملة بتدمير أميركا، لكنهم كانوا يفعلون شيئا آخر، حسب قراءات في تلك الوثائق.

طلب منهم تبني إقامة منهج العدل الذي يتسم بمزيد من المراعاة والحرص على صورتهم أمام الجماهير، ويرفض فرض أجزاء من الشريعة الإسلامية لا تتمتع بقبول واسع، مثل قطع يد السارق، لكن صوته ذهب أدراج الرياح. كما كان بن لادن يشعر بالإحباط من هجمات جماعات «القاعدة» على المدنيين، ومن المبادرات الإعلامية المتعجلة، وتركيز هذه الحركات على عمليات ذات طابع محلي بدلا من تركيز جهودها على الهدف الأكبر وهو تدمير أميركا.

وتظهر وثيقة أن المستشار الإعلامي لزعيم «القاعدة» آدم غادان (عزام الأميركي) قد نصحه بإبعاد التنظيم عن هذه الجماعات. وبعيدا عن صورة قائد «الجهاد» العالمي الذي حلم بأن يكونه، بدا بن لادن في الوثائق التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي في صورة قائد تجاوزته الأحداث يشكو في رسائل مطولة من أخطاء وتجاوزات تنظيمات تتحرك باسمه. ورغم وجود احتمال بأن يكون اختيار 17 رسالة مترجمة من بين ستة آلاف تم جمعها خلال الهجوم على منزل بن لادن في أبوت آباد تحت عنوان «بن لادن المهمش»، لتأييد هذه الفكرة، إلا أنها مع ذلك تعكس حالة زعيم غاضب يخط تعليمات وأوامر لم يتم العمل بها. وفي رسالة كتبت في مايو (أيار) 2010 يعرب مؤسس «القاعدة» عن الأسف خصوصا لتسبب أعمال وهجمات «المجاهدين» في سقوط ضحايا مسلمين مما أعطى حججا قوية لأعدائهم. وجاء في رسالته: «بعد انتشار المجاهدين في العديد من المناطق، انغمس البعض من إخواننا تماما في المعركة مع أعدائنا المحليين وارتكب العديد من الأخطاء بسبب سوء تقدير الإخوة مخططي العمليات». وأضاف أن قتل مسلمين في الاعتداءات «قضية هامة يجب أن نوليها الاهتمام، لأن الهجمات التي تنفذ دون الانتباه لذلك أثرت على تعاطف الجماهير مع المجاهدين. وهذا قد يجعلنا نكسب معارك لكننا نخسر الحرب في نهاية المطاف».

وطلب بن لادن من القادة «الجهاديين» الذين لم يكن يتواصل معهم إلا بالبريد الشخصي، احترام سلطة «القيادة المركزية» لـ«القاعدة» وهي تسمية اخترعها الغرب لكن بن لادن تبناها. وقال في هذا الصدد: «برأيي، يمكن بلا أي مشكلة استخدام هذه العبارة لتوضيح الأمور»؛ بل إنه يطلب من أحد مخاطبيه «إعداد مذكرة تضم القواعد الواجب اتباعها للاتصال مع المجاهدين، وحين تكون جاهزة سنناقشها ونرسلها إلى كل المناطق وكذلك السياسة الواجب اتباعها بشأن الأعمال العسكرية». فيما تظهر وثائق أخرى مدى عمق الخلافات بين قيادات «القاعدة».

ويؤكد معدو التقرير المصاحب لرسائل أبوت آباد وهم أعضاء مركز مكافحة الإرهاب في مدرسة «ويست بوينت» العسكرية، أنه «فضلا عن كونه بعيدا عن القيادة العملانية للمجموعات الجهادية الإقليمية، فإن اللهجة المستخدمة في العديد من الرسائل تظهر أن بن لادن كان يجد صعوبة في التأثير ولو قليلا عليهم».

من جهته، يقول الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» إن «العالم كان بين يدي بن لادن مثل رقعة شطرنج، حيث نلاحظ من خلال قراءة هذه الوثائق أن بن لادن كان يتابع أخبار العالم، بصورة لصيقة، وكذلك أخبار تنظيمه بجميع فروعه بأدق التفاصيل الإدارية عبر اطلاعه المباشر على وسائل الإعلام العالمية وعبر مساعديه من الذين يتواصلون معه من خلال تقارير كانت تسلم له يدويا وبمحاذير أمنية في غاية الانضباط».

ويوضح الإسلامي المصري: «لاحظنا هذه النصائح والتحذيرات في الرسائل بينه وبين الشيخ محمود (عطية الله) الذي عينه قائدا لتنظيم القاعدة بعد مقتل مصطفى أبو اليزيد الشهير (بسعيد المحاسب)، حيث نصحه باختيار الوسطاء بدقة وأن يكونوا من أهل الثقة المجربين. وطلب منه أن يكون تسليم الرسائل في مكان عام مثل سوق أو مكان مزدحم والتشديد على اختيار الأماكن في أطراف القرى أو المدن، وعدم احتكاك الأطفال مع الجيران، مع تعليم الأطفال اللغة المحلية لعدم لفت السكان، والالتزام التام في المساكن وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وفي حالة تنقل الأفراد ينبغي اختيار الأيام كثيفة السحب والغيوم وتجنب الليالي المقمرة لتجنب طائرات الرصد. والابتعاد عن الأماكن التي تكثر فيها الفيضانات. وعدم تردد العضو على بيت أحد القادة أكثر من مرتين في الأسبوع إلا لضرورة.. وهكذا».

يقول السباعي: «لاحظنا أن بن لادن، لا يتعامل مع قادة تنظيمه بوسائل الاتصال الحديثة من هاتف أو بريد إلكتروني أو غيره. فالوسيط الثقة المجرب هو البريد الذي كان يتبعه مع أعضاء تنظيم (قاعدة الجهاد) في أفغانستان وباكستان وخراسان والعراق واليمن والجزيرة العربية والصومال والمغرب الإسلامي. كل ذلك عبر سلسلة بشرية كانت تتنقل عبر هذه المساحات الشاسعة ولم تكن المسألة مسألة أوامر إدارية فقط؛ بل كانت تتضمن شكاوى وأسئلة وردودا وملاحظات ونصائح وتوجيهات دعوية وإعلامية وأمنية في غاية الصرامة والسرية».

* بن لادن والإعلام

* يضيف السباعي الخبير المصري في «القاعدة» والتنظيمات الأصولية: «أعتقد أن بن لادن كان يرى أن الإعلام نصف المعركة.. وأن أي دعوة عقدية من دون إعلام ستتآكل وتتلاشى تدريجيا.. فأسامة بن لادن كان يكافح من أجل أن لا تموت الفكرة التي يعتقدها.. لذلك كان يهتم منذ نشأة تنظيم القاعدة في طوره الأول في أفغانستان بالإعلام، ثم سار على هذه الفكرة نفسها التي كرسها في أدبيات أنصاره، وهذا ما لفت انتبهانا في الوثائق المنشورة حديثا من اهتمام بن لادن بالإعلام بل وتقييمه لوسائل الإعلام العالمية، لا سيما وسائل الإعلام الأميركية وتصنيفها من (محايد) و(معاد) و(وسيط) و(ساقط)، وحديثه عن أشهر البرامج الحوارية والحديث عن مقدمي البرامج وتوجههم ومدى حياديتهم، وتركيزه على مسألة الاستعداد للذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر 2001. وكيفية تسويقها إعلاميا وكيفية استغلال الإعلام عموما. وكان يهتم بنوع الخطاب الإعلامي سواء له أو للدكتور أيمن الظواهري الرجل الثاني في (قاعدة الجهاد) والحديث عن تصحيح بعض المعلومات والاهتمام بجودة التصوير. وكان يرى توزيع المادة الإعلامية على أكثر على من قناة بحيث تكون هناك منافسة بين القنوات بغية إخراج المادة خوفا من تفوق إحدى القنوات على أخرى، هذا في حالة أنه لم يتم الاتفاق مع قناة بعينها على نشر المادة. وقد كان ينصح بالتقليل من ظهور قادة (القاعدة) كما في الوثيقة رقم 3 في رسالته لأبي بصير الوحيشي أمير تنظيم (القاعدة في جزيرة العرب)، وتركيزه على بعض الكتاب والمفكرين سواء من العرب أو من الغرب وحتى اهتمامه بالشعب الآيرلندي وتعاطفه معهم.. وغير ذلك من مسائل لافتة في الوثائق المنشورة».

وتلقي الوثائق المكتوبة في 175 ورقة خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) من عام 2006 وحتى أبريل (نيسان) من عام 2011، ومنها رسائل مبعوثة من زعماء آخرين في التنظيم، وكان بن لادن مختبأ في بيت سري في مدينة أبوت آباد الباكستانية، ضوءا على قلق بن لادن من ابتعاد المسلمين ورفضهم عقيدة «الجهاد» التي يؤمن بها التنظيم ويروج لها.

وتبين الوثائق تحذير بن لادن من مخاطر تنفيذ عمليات وهجمات داخل العالم الإسلامي، والتركيز بدلا من ذلك على الولايات المتحدة. وتشير بعض الوثائق إلى أن التنظيم كانت له علاقات متوترة مع إيران، ولا توجد أي مؤشرات واضحة أو قوية عن وجود دعم مؤسساتي من باكستان. وناقش بن لادن في رسالة كتبت في أبريل من عام 2011 الربيع العربي، واعتبره «حدثا عظيما»، وكاتبها هو «أبو عبد الله» كناية عن بن لادن، وهي موجهة للشيخ (محمود) الليبي عطية عبد الرحمن بتاريخ 26 أبريل 2011 أي قبل أسبوع من مقتل زعيم «القاعدة»، ويفصل فيها استجابته للربيع العربي مقدما استراتيجيتين مختلفتين؛ الأولى للعالم العربي وتستدعي تحفيز الناس للخروج ممن لم يبدأوا بالاحتجاجات والطلب منهم الخروج على الحكم. أما الاستراتيجية الثانية، فهي حول أفغانستان للحث على الالتزام بالجهاد هناك. وقتل الليبي عطية عبد الرحمن في 22 أغسطس (آب) 2011 في هجوم لطائرة من دون طيار في منطقة وزيرستان القبلية الباكستانية.

وتتناول الرسالة مسائل عديدة مثل ندرة التواصل مع «القاعدة» في العراق، والرهائن في أيدي «القاعدة» في المغرب والصومال، وتظهر الوثائق اهتمام بن لادن البالغ بالإعلام الجهادي ومتابعته اللصيقة للفضائيات حتى برامج أقوال الصحف يعلق عليها، وفي فقرة يقول: «فيما يخص برنامج (شاهد على العصر) فأنا لا أميل إليه، حيث إن المذيع الذي يقدم البرنامج يخرج عن اللباقة في بعض برامجه». ويضيف: «يبدو أنه قد حدث لبس في مسألة الإعلام الجهادي، فهو ركن رئيسي في الحرب، فلم أقصد الاستغناء عنه أبدا، وإنما المراد هو لفت النظر إلى أن مستوى إجراء اللقاءات لم يصل إلى الدرجة المطلوبة، فدعوتكم للتطوير أمر حسن ونؤيدكم عليه».

وفي رسالة أخرى إلى الشيخ محمود، يقول: «أرجو إفادة الأخ بصير (ناصر الوحيشي زعيم القاعدة في اليمن) بأن يكون الظهور الإعلامي مهمته.. ولكن عليه التقليل من الظهور في هذه الفترة إلا لضرورة، وإن استدعت الضرورة أيضا أن يصدر أحد الإخوة خطابا فيتم إطلاع بصير عليه قبل بثه على الإعلام، وتتم الإشارة له إن لم تكونوا قد أشرتم بأن خطاب الأخ سعيد الشهري الذي صدر عن اعتقال إحدى الأخوات في بلاد الحرمين لم يكن مناسبا في ذلك التوقيت». ويحذر من الصحافيين ويقول: «ينبغي أن يكون في حسابكم أن الصحافيين ربما يكونون مراقبين مراقبة لا نشعر بها نحن ولا هم، سواء أرضية أو عبر أحد الأقمار الصناعية»، واستشهد بلقاءات جرت مع قياديين من طالبان، حيث تعرف الأميركيون على منازلهم، مثل أبي حمزة المهاجر (قائد القاعدة في العراق) الذي قتل في أبريل 2010، عبر المراقبة بالأقمار الصناعية. وعلى هذا الأساس، «فمن باب أخذ الحيطة بالحذر، وإهدار جهود الأعداء، اجتنبوا لقاء الصحافيين، والطريقة المثلي للتعامل مع الإعلاميين هي التعامل بالبريد».

وفي نقطة أخرى يفرض الحس الأمني وجوده على بن لادن في حديثه عن «البقاء على فترات طويلة في التواصل بيننا، أمر فيه نقاط ضعف من الناحية الأمنية؛ إذ أنه يسهل على الأعداء الوصول إلى طريقة التواصل بيننا». ويطالب باتخاذ إجراءات منها «أن لا يلتقي الإخوان الوسيط من طرفنا مع الوسيط من طرفكم، لتسليم واستلام الرسائل إلا في أحد الأسواق المغلقة، كالأسواق في المراكز التجارية، وأن يرفع الأخ الذي يخرج من وزيرستان تقريرا عن كل رحلة، يفيد فيه إذا كان الوضع الأمني طبيعي كالعادة، أو إن حصل تغيير أو مستجد أمني، كزيادة في التدقيق أو الاستجواب، أو تم استبدال عناصر التفتيش بعناصر أكثر وعيا وانتباها».

* السيرة الذاتية للعولقي

* وفي رسالة تحمل تاريخ 27 أغسطس 2010، توجه بن لادن إلى معاونه المقرب عطية عبد الرحمن الذي كان يمثل إحدى أهم القنوات لنقل رسائل بن لادن إلى أتباع «القاعدة»، وفي الرسالة، يأمر بن لادن عبد الرحمن بمطالبة ناصر الوحيشي (المعروف بأبو بصير أو بصير)، زعيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، بالبقاء في منصبه بدلا عن تعيين أنور العولقي زعيما، ويسأله عن رؤيته ورؤية أنور العولقي في ما يخص اليمن. ويُذكر أن عبد الرحمن الليبي الجنسية قد قتل في باكستان بعد مرور سنة. أما العولقي فقُتل في سبتمبر 2011 في اليمن.

«في ما يخص ما ذكره الأخ بصير بخصوص الأخ أنور العولقي فحبذا أن تفيدوه عني في رسالة خاصة به بأن يبقى في منصبه، فهو مؤهل وقادر على إدارة الأمر في اليمن. وحبذا أن تطلبوا من الأخ بصير أن يرسل إلينا السيرة الذاتية مفصلة ومطولة للأخ أنور العولقي وكذلك المعطيات التي اعتمد عليها في تزكيته مع إفادته بأن تزكيته معتبرة ولكن نريد أن نطمئن أكثر؛ فعلى سبيل المثال نحن هنا نطمئن إلى الناس بذهابهم إلى الخط وتمحيصهم هناك». وفي الرسالة، يبدو بن لادن مستاء من بعض البيانات التي أصدرها زعماء تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» عبر وسائل الإعلام.

ويبدو أن بن لادن لم يكن معجبا بأنور العولقي الذي اغتالته القوات الأميركية العام الماضي ولم يكن بن لادن معجبا بأساليبه الإعلامية، والعولقي المولود في أميركا كان خطيبا مفوها ومتحدثا لبقا وكان خلف عدد من المبادرات الإعلامية خاصة مجلة «إلهام» الإلكترونية بالإنجليزية، وحذر بن لادن من الآثار الخطيرة لها.

ويقول تقرير مركز مكافحة الإرهاب أن بن لادن لم يكن على علاقة وثيقة مع خليفته أيمن الظواهري، بناء على أن اسمه لا يرد كثيرا في أوراقه أو مراسلاته. وكما يرى المركز أن هذا ربما يعود إلى أن الظواهري تصرف بطريقة منفردة من دون الرجوع إليه عندما قبل ضم جماعات جديدة للتنظيم.

وتظهر الوثائق بشكل مقصود نجاح الغارات الأميركية في أفغانستان واليمن والعراق في قطع الرؤوس الكبيرة، ونصيحته بن في أكثر من موضع للشيخ محمود بأن يصدر تعليماته بالخروج الآمن لقيادات التنظيم من الشريط القبلي، وأن لا يخرج أولاده من إيران إلى هناك، وأن يستغلوا الليالي التي يغيب فيها القمر للخروج الآمن بعيدا عن مراقبة طلعات «الدرون» الطائرات الأميركية من دون طيار، ولا تكشف الرسائل سوى القليل، إلا أنها تكشف مع ذلك عن القلق الذي أحس به بن لادن حيال وضع نجله حمزة الذي يوجد تحت رحمة غارات الطائرة من دون طيار في المناطق القبلية الباكستانية حيث قتل عدد كبير من ناشطي «القاعدة»، ويبدي زعيم تنظيم القاعدة قلقه أيضا حيال صورة تنظيمه ومختلف فروعه التي سببت الاعتداءات التي نفذتها سقوط «ضحايا مدنيين من دون جدوى» وكان من نتيجتها أن فقدت مودة السكان المسلمين. وتكشف الرسائل أيضا «النقاشات الداخلية في تنظيم القاعدة ومخاوف زعيم منعزل لكنه يبقى على اتصال مع أتباعه».

ولعل أكثر ما يؤثر في النفس هو إحساسه بأن أفول نجم تنظيم القاعدة كان يعود، بدرجة أقل، إلى مقتل معظم عناصر القيادة العليا للتنظيم في الهجمات المتواصلة التي شنتها الطائرات الأميركية من دون طيار، أو إلى تلك الموجة التاريخية من ثورات الربيع العربي، التي بادر بإعلان تأييده لها. وتكشف الوثائق الكثير عن الأنشطة الداخلية لـ«القاعدة»؛ منها تركيز مفاجئ على اسم التنظيم نفسه، حيث وورد في إحدى الرسائل: «اسم الكيانات يحمل اسمها ويعبر عنها غالبا». وجاء في رسالة لكاتب غير معرّف أن «هذا الاسم (قاعدة الجهاد)، اختُصر من قبل الناس ولا يتذكره كثيرون اليوم». واقترحت الوثيقة بعض الأسماء الجديدة للشبكة الإرهابية مثل «جماعة وحدة المسلمين»، أو «حزب توحيد الأمة»، أو «جماعة تحرير الأقصى»، أو «جماعة تحرير ونهضة الأمة».