التوقيت الصعب لمحكمة مبارك

الانشغال بالإنتخابات الرئاسية قد يخفف الجدل حول الحكم

TT

تتوجه آمال شاكر، في ملابس الحزن السوداء، صباح يوم غد السبت، إلى مقر أكاديمية الشرطة. في رأسها سؤال يكبر بمرور الساعات: ماذا ستفعل إذا صدر حكم مخفف على الرئيس السابق حسني مبارك. كان ابنها اسمه أحمد، وقتل في ثورة 25 يناير 2011.

ليست آمال وحدها.. بل أنظار المصريين والعالم تتجه للقاعة التي سيمثل فيها الرجل الذي حكم البلاد نحو ثلاثين عاما، للاستماع إلى حكم القاضي أحمد رفعت في قضية قتل متظاهري ثورة 25 يناير 2011 والفساد المالي. ويحاكم مع مبارك في القضية الأولى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وستة من مساعدي الوزير، ويحاكم آخرون بمن فيهم نجلا مبارك، علاء وجمال، في القضية الثانية. ويقول الخبير القانوني والدستوري الدكتور شوقي السيد، إنه «ليس لأحد التكهن بالحكم الذي ينتظره العالم، خاصة أن ضم القضيتين لا يعني أن تفقد كل قضية سمتها الشخصية»، مشيرا إلى أن أي حكم سيصدر سيكون أمام أطراف الدعوى اللجوء إلى الطعون.

وبدأت القضية في 3 أغسطس (آب) العام الماضي حين مثل مبارك في أولى جلسات محاكمته المدنية في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي. وبعد 45 جلسة، كان آخرها يوم 22 فبراير (شباط) الماضي حددت جلسة 2 يونيو (حزيران) الحالي، للنطق بالحكم وأجازت نقلها على الهواء مباشرة.

وبينما يتوقع شباب من الثورة وأسر الشهداء البالغ عددهم 841 استشهدوا خلال الثورة، خروج مظاهرات تندد بأي حكم مخفف بحق مبارك ومساعديه، يرى مقربون من النظام السابق، أن الأوضاع في البلاد هدأت عن السابق، وأن الاحتجاجات التي كان يشارك فيها الملايين من القوى السياسية لن تعود مرة أخرى، خاصة مع دخول البلاد في مرحلة حسم الانتخابات الرئاسية. التفسير الأخير جاء في جلسات تحت طنين مكيفات الغرف، من بعض المراقبين قائلين إن التطورات الأخيرة تبشر بـ«قرب عودة النظام السابق»، في أعقاب دخول الفريق أحمد شفيق الذي كان رئيسا لوزراء مبارك، جولة الإعادة في الاقتراع على من يكون الرئيس الجديد أمام منافس الإخوان الدكتور محمد مرسي.

وتحت لافتات دعاية المرشحين للرئاسة في الشوارع المزدحمة تحت حر الصيف، تتنقل آمال شاكر، والدة أحمد زين العابدين، الذي قتل في مظاهرات 25 يناير 2011، وهي تتوقع، مرغمة، صدور حكم مخفف على مبارك.. ومثلها مثل المئات من أسر الشهداء، يبدو العالم ضبابيا حول آمال وهي تضع يدها على خدها في انتظار لحظة نطق الحكم. تقول: ماذا نتوقع.. لا أعرف. الكل خائف. من الممكن أن يخرج مبارك دون أي عقاب، والثورة تكون لا شيء.. لا ثورة. نحن كأسر للشهداء خائفون من هذا.. خائفون من أن يضيع شبابنا مرة أخرى، لأننا نتوقع أن يتهور باقي أولادنا، ويخرجوا في مظاهرات لا نعرف على أي شيء تنتهي.. من الممكن أن يتهور الشباب، ونحن لا نريد مزيدا من الشهداء.. لا نريد للشباب أن يموت.

لكن لماذا تتخوف هذه المرأة التي طافت على مدى أشهر بين المحاكم ومقار البرلمان والحكومة بحثا عما يريح قلبها، على الرغم من حصولها على مبالغ مالية مثلها مثل باقي أسر الشهداء.. ماذا تريد من مبارك. ألم يرتضي الجميع أن يقرر القضاء مصيره.. تقول: «تخوفي من أن يكون هناك من يحاول حماية مبارك. تخوفي من أن يكون هناك من يشفق على مبارك ويسعى لإنقاذه.. شعوري، ماذا أقول، ما زال يوجد ضباب وأشياء غير واضحة.. هذا شعور كل أسر الشهداء.. كلهم محروقون.. نحن محروقون في أيامنا. سنة ونصف سنة ولا شيء جديد. (الحكومة) أعطتني 30 ألف جنيه تعويضا عن ابني ومعاشا شهريا 1750 جنيها».

غالبية الأسر التي فقدت أبناءها في أحداث 25 يناير هي أسر فقيرة بالأساس ولم يكن لها أو لأبنائها أي علاقة بالسياسة إلا فيما ندر. وأكثر هؤلاء لا يعرفون الفرق بين المحاكمة بالقوانين القائمة كما تجري الآن، والمحاكمة وفقا لقوانين ثورية أو في محاكم استثنائية. يريدون الانتقام.. ويرون أن القضاء إذا لم يصدر أحكاما مشددة فإنهم سينتقمون بطريقتهم.

ويقول الناشط الحقوقي الشاب الذي شارك في ثورة 25 يناير، محمد حسين، إنه كان يمكن أن تجري عملية استرضاء شاملة وتصالح مع أسر الشهداء، والتحدث معهم بوضوح، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، بخصوص الإجراءات القضائية الجارية، وأن القضاء لا بد أن يأخذ مجراه، وأن القاضي لن يحكم إلا بالأوراق والأدلة التي بين يديه. لكن هذا لم يحدث.

والوضع الآن يتلخص في أن «حرقة قلوب الأسر» ما زالت في الصدور. فالسيدة آمال تنظر إلى ولدها الفقيد باعتباره ابنا ورجل البيت أيضا، بعد وفاة زوجها. وهي تقول إن التعويضات والمعاش الذي صرفته لها الحكومة لا يعوضها بأي حال عن فقدها ابنها.. «ولا كل أموال الدنيا»، ولهذا ستتوجه هي وابنها الآخر محمد وابنتاها (واحدة تلميذة والأخرى متزوجة)، وباقي أسر شهداء الأحداث، إلى مقر المحكمة لسماع الحكم على مبارك، رغم أنها لا تتوقع ما يشفي صدرها.

الدنيا من وجهة نظر آمال مظلمة. وموت ابنها أحمد لم يغير حالها للأفضل.. هي في الوقت الحالي تعتمد على ابنها محمد رغم صغر سنه (22 عاما).. لم يكمل تعليمه ويريد أن يعمل سائق سيارة أجرة وينفق على والدته وعلى شقيقته الصغيرة إيمان التي تدرس في الصف الأول الإعدادي.

وتأخذ السيدة آمال نفسا عميقا وهي تقف عند سور المحكمة في انتظار أي أخبار جديدة. وهي تقول بكل بساطة إن ما تريده هو إعدام مبارك.. لكنها بعد دقيقة من الصمت والتفكير تتردد وتبدي خوفها من صدور حكم بالبراءة.. والسبب هو أن عددا كبيرا من الضباط الذين كانوا متهمين في قضايا قتل المتظاهرين أثناء أحداث 25 يناير، حصلوا على أحكام بالبراءة. ويخيف آمال أيضا قصص سمعتها من بعض المحامين والناشطين العالمين بدهاليز القانون. وتقول إنه في حالة صدور أحكام بالبراءة في قضية مبارك ووزير داخليته وستة من مساعدي الوزير في قضية قتل المتظاهرين، فإنه من الممكن أن يعودوا على المدعين من أسر الشهداء ويقاضوهم أو يطلبوا منهم تعويضات بسبب ما لا قوه من عذاب منذ إحالتهم للتحقيق والاحتجاز والمحاكمة طيلة سنة أو يزيد.

وفي يوم آخر من الأيام الحارة في صيف القاهرة تتوجه آمال بملابسها السوداء وتخترق زحام السيارات لتصل لمقر مجلس الشعب (البرلمان) الذي يهيمن على الأغلبية فيه نواب إسلاميون منبهرون بالوضع الجديد الذي أصبحوا عليه بعد أن كانوا يعيشون في سجون وأقبية مبارك. لكن مجلس الشعب مشغول عن قضية آمال وأمثالها من أسر ضحايا 25 يناير.. مشغولون، وسط لغط وهرج ومرج، بوضع تشريعات تضمن للتيار الإسلامي البقاء والصعود في درجات السلطة على أمل الوصول لمقعد الرئاسة الذي طالما احتكره مبارك نحو ثلاثين سنة.

تقول آمال وهي عائدة من مبنى مجلس الشعب صفر اليدين: «النواب في مجلس الشعب يمسكون في (خناق) بعض، وما فيش حاجة تتحقق أصلا. لا شيء يتحقق. نحن نتمنى من ربنا أن يكون هناك جديد». ولم تعرف آمال الطريق إلى مبنى البرلمان إلا هذه السنة. وهي تقوم بذلك في محاولة لترميم ما تبقى من أسرتها. فزوجها أصلا توفي منذ سنوات، وكان أحمد الذي قتل في 25 يناير، وهو خريج كلية سياحة وفنادق، هو من ينفق على البيت، رافضا أن تخرج أمه للعمل.

بعد الثورة الحال ازداد سوءا.. تمشي آمال بخطوات مثقلة ثم تجلس على رصيف الشارع، قرب مبنى مجلس الشعب، وبالتحديد في ميدان التحرير الذي تحول لساحة لبيع أعلام ثورات الربيع العربي.. السيارات تمرق مسرعة، والمارة يتلفتون حولهم في وجل، وهم يعبرون الطرقات.. لا يبدو أن آمال ترغب في أي حديث، وهي تتخيل، خائفة، لحظة النطق بالحكم يوم غد (السبت). تقول بصوت خفيض والدمعة تسقط على خدها إنها لا تعرف إلى أين تذهب. لا أحد في مصر يعرف إلى أين يمكن أن يذهب، ولا كيف يمكن أن يكون المستقبل. وتتنهد.

ومنذ بدء قضية مبارك ووزير داخليته وستة من مساعدي الوزير، إضافة إلى قضية ضباط آخرين في محافظات مختلفة، ساعدت معظم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على «تسخين» القضية و«شحن» المدعين، بل إن بعض وسائل الإعلام كالت اتهامات تفوق ما قدمته النيابة للمحكمة. ولهذا أصبح لدى أسر الشهداء اعتقاد بأن الحكم الوحيد المقبول هو الإعدام لمبارك وضباطه.

وينتمي غالبية أسر الضحايا لمناطق فقيرة لم تحظ بأي قدر من مبادئ الثقافة السياسية أو القانونية. وتعيش آمال وأسرتها في منطقة حدائق القبة شرق القاهرة، بجوار مستشفى وادي النيل.. «نحن على قد حالنا والحمد لله».

ولم يكن ابن آمال الذي خرج ضمن الاحتجاجات المليونية المطالبة بإسقاط نظام الحكم، ولقي حتفه، منخرطا في العمل السياسي في أي وقت من قبل، ولم يكن يعرف مبارك ولا مساعديه إلا من خلال صور التلفزيون والصحف. فبعد أن تخرج في كلية السياحة، بدأ رحلة البحث عن عمل، وهي معاناة تقاسي منها معظم البيوت المصرية منذ زمن، بسبب زيادة عدد السكان الكبيرة، وقلة فرص العمل وازدحام المدن بمن فيها. وبدلا من العمل في أحد الفنادق، انتهى المطاف بأحمد أن عمل سائق سيارة أجرة، مصطحبا شقيقه الأصغر محمد ليعلمه أسرار الحياة بعد وفاة والدهما.

تقول آمال: «لم يكن لأحمد ومحمد أي اهتمام بالسياسة ولا أي نشاط.. أحمد - الله يرحمه - كان من شغله لبيته. كان يريد أن يدخر ليستأجر شقة يتزوج فيها. وفي المرحلة الأخيرة كان قد ضاق به الحال بسبب الغلاء وكثرة المصاريف وقلة الشغل. أحيانا لم يكن في بيتنا لقمة للأكل.. كان كل مرة يدخل المنزل يقول يا رب أموت.. يا رب ما أرجع البيت.. هذا كان حال أحمد وحال كل الشباب.. أحمد كان عيني الشمال وعيني اليمين. افتقدته فافتقدت الرجل وافتقدت الابن».

وتنتظر آمال السيدات اللائي أصبحن صديقات لها بحكم الظروف المتشابهة. وهن سيدات فقدن أولادهن وأشقاءهن في أحداث 25 يناير يأتين من ضواحي أخرى من القاهرة ومن مدن مجاورة. تنتظر لقاءهن منذ الصباح الباكر من يوم غد السبت. وأكثر هؤلاء النسوة ومن معهن من آباء وأشقاء مكلومون، يفسرون الأمور بطريقتهم الخاصة. تقول آمال إنه بعد اتصالات مع صديقاتها الجدد من العاصمة ومن السويس والإسكندرية اتفقن جميعا على أن إعدام مبارك ربما لا يكون ذا جدوى، لأنه رجل كبير في السن (85 عاما)، وبالتالي نحن سنطالب بإعدام ولديه. لكن إذا لم يصدر حكم بإعدامه سنقوم بثورة ثانية.

وربما تكون الأحكام صادمة لهذه الأسر التي عانت منذ مقتل أبنائها من مرارة الفقد والانتظار. ويتوقع أحمد عبد اللطيف، وهو محام حديث التخرج من ثوار 25 يناير صدور حكم مخفف على مبارك ومن معه في القضية. والشاب عبد اللطيف عضو في حزب التجمع اليساري، وعضو مؤسس في اتحاد الشباب الاشتراكي، يقول إنه «وفقا للأدلة المقدمة للقاضي، ووفقا لتعدد المتهمين، أتوقع أن يكون الحكم مخففا.. وهذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث حالة من الغليان بين الشباب وينتج عنه خروج جميع الشباب وأهالي الشهداء في مظاهرات. وأنت تعرف أن الحالة الثورية التي ما زالت مستمرة هي نتيجة حماس زائد عند الشباب، بينما القاضي مجبر على العمل والحكم وفقا للقانون والأدلة وليس وفقا للحالة الثورية في الشارع. أتوقع ألا يزيد الحكم على مبارك على السجن سبع سنوات».

وعن ردود الفعل الانتقامية التي يهدد بها بعض الثوار وأسر الشهداء، ضد مبارك وولديه، يرى عبد اللطيف أن مثل هذا الكلام «كلام عاطفي لأن أولادهم أو أقاربهم استشهدوا.. لكن الأمر على أرض الواقع يخضع للقانون.. على أي حال أتوقع أنه سيكون هناك تبرير لأي تصرف يصدر إذا صدر حكم مخفف على مبارك. ولذلك أقول إنه وفقا للحالة الثورية، وبصفتي أحد الشباب الذين اشتركوا في الثورة، كان لا بد أن تكون هناك محاكمة ثورية وكان يجب على مجلس الشعب أن يصدر قانونا للمحاكمة في الجرائم ضد الإنسانية. أنا، عن نفسي، سأقف مع أهالي الشهداء في أي موقف يتخذونه».

حتى لو خرج المحتجون على أحكام القضاء في قضية مبارك، فإن المتوقع أن يكون خروجهم للميادين أقل مما كان في السابق، بسبب انشغال القوى السياسية والشبابية بانتخابات الإعادة في انتخابات الرئاسة المقرر لها يوما 16 و17 من الشهر الحالي. ومن شباب الثورة أيضا، يقول أحمد مجدي، وهو أيضا أحد أعضاء حملة المرشح الرئاسي السابق هشام البسطويسي: «أعتقد أن مبارك لو أخذ براءة فإن المصريين سينزلون للميدان لكن ليس بالكثافة الثورية التي كانت أيام ثورة 25 يناير، لأننا أصبحنا في الوقت الحالي في حالة تراجع ثوري ومرحلة انتخابية تشغل الجميع أكتر من أي شيء آخر».

وإذا صدر حكم بالبراءة، يتوقع مجدي أن يسهم الإعلام، المتهم بعضه بالموالاة لرموز النظام السابق، في تفريغ حالة الغضب عن طريق استضافة ضيوف يدعون للرضا بما أصدره القضاء من أحكام، معربا عن اعتقاده أن مجلس الشعب أيضا سيشهد جلسات ساخنة للحديث عن موضوع قضية مبارك، ويدعو إلى إصدار تشريعات جديدة تسمح بإعادة محاكمته.

أما لو صدر حكم مخفف في القضية فإن الكلام في الموضوع عن حق الشهداء، حسب أحمد مجدي، سيقل وسيقل معه الغضب الثوري.. وفي حالة صدر حكم بالإعدام، وهو أمر يستبعده مجدي، لكن إذا حدث، فإن «احتفالا شبيها بالاحتفال بتنحي مبارك سيعم الميادين وتطلق الألعاب النارية»، لكن مجدي أعرب عن اعتقاده في أن مبارك سيأخذ براءة «لعدم اكتمال الأدلة ولأن القانون لا يدينه»، ولأن «مجلس الشعب لم يقر اتفاقيات دولية كان يمكن بموجبها محاكمة مبارك كمجرم حرب».

ويوضح الدكتور شوقي السيد قائلا: «إجابتي محددة هي أن القضية طالما بقيت وظلت أمام ضمير المحكمة وسلطة القانون واختصاص القضاء فيظل تقدير الدليل والثبوت أو عدمه، بعد جلسات المرافعة وبعد أن قامت النيابة والدفاع عن المتهمين والمدعون بالحق المدني بأداء مسؤولياتهم، وبعد أن اكتظت القضيتان بالأوراق والملفات وعشرات الآلاف من الصفحات.. فضلا عن أن تقدير العقوبة وتقدير الثبوت من اختصاص المحكمة وحدها».

ويقول الدكتور السيد: «ليس لأحد أن يتكهن بالعقوبة أو الحكم مقدما، لكن يمكن أن تكون أقصى العقوبة وإما عقوبة مخففة، أو أن يأتي (القرار) بمد الحكم للمداولة، خاصة أن القضيتين منضمتان لبعضهما البعض وهما قتل المتظاهرين والفساد المالي.. وهذا الضم لا يفقد كل قضية استقلالها لأن كل قضية مقيدة بقرار إحالة وأدلة الثبوت أو النفي.. والضم لا يعني أن تفقد كل قضية سمتها الشخصية».

ويزيد الدكتور شوقي السيد مشددا على أن القاضي يحكم بضميره فقط بغير مؤثرات عاطفية أو سياسية أو خارجية، وفي المقابل هناك من الرأي العام من يتحدث ويتكهن من خارج الأوراق بلغة قد تكون عاطفية، مع أو ضد، ولا يعلم ما هو بالأوراق وما هو الحكم.

ويضيف: «نحن أمام سلطة قضاء تحكم بالقانون ورأي عام ينتظر حكما متأثرا بجراح ودماء الشهداء.. ونقف أمام محكمة الجنايات، أي قاض طبيعي وليس قاض استثنائي، وليست محاكم خاصة ولا محاكم ثورة، وبالتالي، وفي ضوء كل هذا، علينا أن نتقبل الأحكام أيا كانت، ثقة في القضاء المصري وتاريخه الطويل، خاصة أن حق الطعن مكفول لكل أطراف الدعوى، سواء كانت النيابة أو المتهمون أو المدعون بالحق المدني».

وعن فرص الطعون قال: «تقدم بعد 40 يوما، وإذا رفض الطعن يتم تقديم التماس لإعادة النظر وهو طريق استثنائي مقيد بشروط، بأن تكون هناك أدلة جديدة ظهرت، لم تكن موجودة أيام المحاكمة الأولى». ويقول إن «النقض» يكون مرة واحدة فقط.. لكن لو ألغت الحكم (نقضته) تعود القضية مرة أخرى لمحكمة الجنايات، وقابل للطعن مرة أخرى. وهذه الإجراءات تسري على كل الأطراف في القضية، على قدم المساواة.

وعن ردود الفعل المتوقعة من جانب الثوار وأسر الشهداء، يقول الدكتور السيد: «هنا الخطر.. لأننا طالما نحن أمام قضاء طبيعي، من النيابة العامة إلى محكمة الجنايات، فهذا يعطي حقوقا أوسع لكل أطراف الدعوى.. طالما أخذنا حقنا في الدفاع كمتهمين وكنيابة وكمدعين بالحق المدني فعلينا أن نمتثل لحكم القضاء وهذا هو الطريق الصحيح دون انفعال، لأن الانفعالات تؤدي إلى الاضطراب». وتتخذ السلطات منذ عدة أيام استعدادات لتأمين مقر المحكمة وما حولها. ويضيف الدكتور السيد أن «الحكم في هذه القضية ينتظره العالم كله ليرى هذا المشهد»، مشيرا إلى أن التعقيب على الأحكام وانتقادها بعد صدورها لا يكون إلا أمام ساحات المحاكم أو المجلات العلمية والكتب المتخصصة وليس للشارع العام والشاشات. لكن السيدة آمال شاكر، وهي تستعد لحضور المحاكمة، في نفس ملابس الحزن السوداء، لا تتوقع ما يمكن أن تقوم به هي ومن معها بعد سماع النطق بالحكم على مبارك.