سيرغي لافروف.. «وزير خارجية الأسد»

الدبلوماسي الروسي الرفيع دافع عن النظام السوري أكثر من دبلوماسيي دمشق حول العالم

TT

«لديه قدرة هائلة على نقد مواقف الآخرين بدلا من أن يضع حلا للمشكلات.. دكتاتوري عنيد.. نادرا ما يقبل أي آراء مخالفة لتعليماته.. آراؤه وتصريحاته مثيرة للجدل.. متناقضة في كثير من الأحيان، ورغم كل ذلك يحظى بالتقدير والاحترام في الأوساط الدبلوماسية، في نفس الوقت لمهارته وحنكته السياسية».

هذه هي بعض الأوصاف الذي يطلقها العاملون بالسياسة عندما يأتي ذكر اسم الدبلوماسي المخضرم «سيرغي لافروف» وزير خارجية روسيا الاتحادية، الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي السابق الدولة. وبرز لافروف، 62 عاما، بشكل لافت مؤخرا بسبب موقف بلاده الداعم بشدة للرئيس السوري بشار الأسد، والذي يواجه ثورة شعبية عارمة تطالب بتنحيه، حيث أطلق لافروف سيلا من التصريحات التي واجهت استهجانا عربيا ودوليا، لأنها وفرت غطاء دوليا لجرائم النظام السوري بحق شعبه، حتى إن البعض يعتبره وزير خارجية دمشق أكثر من موسكو لكثرة دفاعه عن الرئيس الأسد، حتى أكثر من جميع دبلوماسيي سوريا.

للافروف خبرة واسعة في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية تزيد عن 40 عاما، منذ تخرجه في المعهد الرسمي للعلاقات الدولية، وهو من أرقى الكليات السوفياتية للدراسات العليا عام 1972. ويحظى لافروف، الذي ولد في العاصمة موسكو في 21 مارس (آذار) عام 1950، لأب أرمني، بالتقدير في الأوساط الإصلاحية بموسكو، حيث يعتبر من الخبراء المحنكين في العلاقات مع الدول الغربية.

بدأ لافروف أول مهامه الدبلوماسية عام 1972 عندما عمل في سفارة بلاده في سريلانكا، إلى أن عمل في دائرة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية ما بين عامي 1976 و1981، وفي عام 1981 عين في منصب السكرتير الأول لبعثة الاتحاد السوفياتي إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وأنهى هذه المهمة بعد 7 سنوات بصفة رئيس مستشاري البعثة.

وفي عام 1988، أعاده وزير الخارجية السوفياتي وقتها، إدوارد شيفاردنادزه الإصلاحي، المقرب من الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف وواضع سياسة الإصلاح (البيريسترويكا)، إلى البلاد، حيث عين في قطاع العلاقات الاقتصادية في الوزارة. وقال عنه آنذاك فيكتور كريمينيوك نائب مدير معهد الولايات المتحدة وكندا، «إن شيفاردنادزه الذي كان يريد تحريك سياسة الاتحاد السوفياتي الدولية من جمودها أحاط نفسه بشخصيات شابة لامعة من بينها لافروف». وكان لافروف آنذاك عنصرا شابا في فريق شيفاردنادزه يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية، وكان يتميز بصفات تتباين مع الأنماط السائدة في السلك الدبلوماسي الروسي.

وفي عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي كلف لافروف بوضع استراتيجية جدية للسياسة الخارجية لروسيا، في عهد الوزير الإصلاحي أندرية كوزريف، الذي يصفه المحللون بأنه «ليبرالي متوجه إلى الغرب»، وفي نفس العام قام الوزير بترقية لافروف إلى منصب نائب وزير الخارجية فقد كان يحكى عن مدى التوافق بين هذين الرجلين فكلاهما ليبرالي وخبير في الشؤون الأميركية، لكن لافروف كان يوصف بأنه الأكثر «براغماتية».

وفي يوليو (تموز) 1994 وقبل سنتين من استقالة كوزريف بضغط من الإصلاحيين، باشر لافروف مهمته الثانية لدى الأمم المتحدة، فعين لمدة عشر سنوات تقريبا ممثلا دائما لدى المنظمة الدولية، وكان رجل موسكو في نيويورك في تلك الفترة المهمة والتي شهدت حروب كوسوفو والعراق، ولعبت فيها روسيا دورا حاسما من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي. وخلال عمله في هذا المنصب ترأس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدة مرات منها في ديسمبر (كانون الأول) 1995، يونيو (حزيران) 1997، يوليو (تموز) 1998، أكتوبر (تشرين الأول) 1999، ديسمبر 2000، أبريل (نيسان) 2002 ويونيو 2003. وقد ذكرت الصحف الروسية وقتها أن لافروف أدى عمله في الأمم المتحدة قدر المستطاع، رغم أن بلاده لم تتمكن من منع وقوع الحرب على العراق أو اتخاذ أهم القرارات في فترة ما بعد الحرب، في حين جرى العمل على النزاع في الشرق الأوسط بمساعدة الولايات المتحدة حصرا.

وفي تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قال أحد الدبلوماسيين في الأمم المتحدة عن لافروف «إن الجميع كان ينظر إليه باعتباره الشخصية الأكثر نفوذا في مجلس الأمن خلال فترة وجوده هناك.. فقد كان يمتلك سرعة بديهة ومعرفة شاملة ودقيقة ووعيا بكل ما يحدث، مع القدرة على التدخل الواضح في النقاشات والذي يمكن أن يغير بسهولة فحوى النقاش».

ويقول زملاؤه الذين تعاملوا معه عن قرب في مجلس الأمن إنه «يضع دائما مصلحة بلاده في المقدمة مهما كانت الظروف، لكنه في نفس الوقت كان لديه القدرة الهائلة لنقد مواقف الآخرين بدلا من أن يضع حلا للمشكلات، بينما كان مجلس الأمن يفضل الأشخاص الذين يبحثون عن الحلول الجماعية للمشكلات الجماعية وللأسف لم يكن لافروف يمتلك هذه السمة، لكنه كان لديه القدرة على التفاوض بشكل مرن رغم أنه كان دكتاتوريا عنيدا فهو نادرا ما يقبل أي آراء مخالفة لتعليماته، ومن صفاته أيضا أنه كان يتمتع بلخبطة خطط الآخرين، كما يصفونه بأنه متكتم يحسن الاستماع ومستعد دائما للخوض في قضية ما حتى النهاية».

جدير بالذكر أن لافروف، هو شاعر وصاحب قصائد غنائية، حيث كان قد كتب قصيدة يرد فيها على منتقديه نشرتها صحيفة «اوغونيوك» كان يقول: «يصلبوننا هنا بكل بساطة من دون أن يكترثوا إطلاقا لجهودنا». وفي التاسع من مارس (آذار) 2004 عينه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيرا لخارجية روسيا خلفا لإيكور إيفانوف، وكان من أوائل من عينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد توليه منصب الرئاسة فورا.

يعتبر نهج لافروف نهجا سوفياتيا إلى حد كبير فهو قاس جدا على الغرب، دائما يشك في مبادرات الآخرين، يحذر من الفخاخ الدبلوماسية وفي غاية الحساسية تجاه أي إساءة أو تجاوز لروسيا، كما أنه دبلوماسي بارع ومدافع مدني أكثر من كونه رجلا سياسيا. يقول عنه الدكتور بوبولو أحد الخبراء في السياسة الخارجية الروسية من مركز تشاتم هاوز في لندن إنه «شخص صعب ولكن موثوق به، مفاوض من الدرجة الأولى، لكنه يبدو أنه ليس جزءا من فريق بوتين حيث إنه مثال للوزير صاحب القرارات المستقلة».

برز لافروف بشكل لافت دوليا، في الأزمة الحالية للثورة السورية، بسبب موقف بلاده الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ورفض تخلي الأسد عن السلطة، ومنذ مارس 2011، أعاقت روسيا 3 مرات إصدار قرار في مجلس الأمن يندد بالقمع في سوريا ضد المدنيين في سوريا، آخرها أمس.

وقد أثارت مواقف وتصريحات لافروف بخصوص الأزمة في سوريا الكثير من الجدل والانتقادات والاستغراب أيضا على الصعيد الدولي والعربي، فقد أعلن لافروف في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 أن «موسكو تعتبر تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية خطيئة وعملا مقصودا مخططا له مسبقا». وتابع قائلا «أولئك الذين اتخذوا هذا القرار فقدوا فرصة مهمة جدا لنقل الوضع إلى مجرى أكثر شفافية»، مشيرا إلى أن هناك من لا يرغب أبدا في أن يتفق السوريون فيما بينهم.

ويتهم لافروف الدول الغربية بأنها «تحرض المعارضة السورية على تقويض الاستقرار في سوريا، ورفض أي دعوات للحوار»، وقال في أكثر من مناسبة إن «المتطرفين المسلحين يستخدمون المظاهرات السلمية بصورة ملتوية ووقحة لاستفزاز السلطات السورية على العنف».

وفي مقابل اتهام روسيا بأنها تمد النظام السوري بأسلحة ومعدات ثقيلة لمواجهة الثوار، يقول لافروف «إن هناك الكثير من الأسلحة المهربة من تركيا والعراق وبلدان أخرى إلى المتطرفين»، ويعتبر أن تطور الأحداث في سوريا لا يقتضي أن تنظر محكمة الجنايات الدولية فيه.

وفي يونيو الماضي اتهم لافروف الولايات المتحدة بأنها تقوم بتسليح المعارضة السورية، وقال في مؤتمر صحافي له خلال زيارة قصيرة إلى إيران «إن روسيا تزود دمشق بأنظمة دفاع جوي بموجب صفقة لا تنتهك القانون الدولي إطلاقا، لكن ذلك يناقض ما تفعله الولايات المتحدة مع المعارضة، حيث إنها تزودها بالأسلحة التي تستخدم ضد الحكومة السورية».

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها مسؤول روسي واشنطن بهذا الوضوح بتسليح المعارضة السورية بعدما كانت تكتفي موسكو بالتنديد بقوى أجنبية، لم تسمها، تقدم دعما عسكريا للمعارضة. وفي تصريح له في 16 يوليو الماضي، أثار غضب واستفزاز السوريين قال لافروف «الرئيس السوري بشار الأسد لن يرحل لأنه يحظى بدعم كبير من الشعب السوري وليس لأن روسيا والصين تدعمانه»، وهو جعل المعارضة السورية تصفه بأنه «وزير فاشل لا يجيد قراءة التطورات التي تحدث في سوريا».

كما أثار تصريحه الذي قال فيه إن «مطالبة المعارضة السورية والمجتمع الدولي بقيام الرئيس السوري بالتخلي عن الحكم طواعية أمر مضحك وغير واقعي»، العديد من الانتقادات، إلى حد جعل بعض المراقبين يعتبرونه «نكتة سخيفة واستخفافا بعقول الناس واستمرارا للدعم المتآمر والمستمر لنظام هو يعرف جيدا أن يديه ملوثتان بالدماء». ويعتبر مراقبون أن تصريحات لافروف من الأزمة السورية ونظام بشار الأسد، لا تتعدى أن تكون شماعة لتبرير مواقف روســــــيا الداعمة للنظام الأســـــدي رغم كل ما يمارسه من أعمال وحشية ومجازر تجاه المواطنين الأبرياء في سوريا.

وفي الخامس من الشهر الجاري وصف لافروف طلب ميركل لإيواء الأسد بـ«المزحة»، وأكد أن الدعوات الصادرة عن العواصم الغربية إلى روسيا لتوفير «ملجأ آمن» للرئيس السوري تدل على سوء فهم لمواقف روسيا من الأزمة السورية، مشيرا إلى أن «مثل هذه الدعوات محاولة غير نزيهة لتضليل أناس جادين ينشغلون بالسياسة الخارجية أو عدم فهم موقف روسيا». ورغم الضغوط الدولية على روسيا لتغير موقفها من الأزمة السورية وتمتنع عن دعم بشار الأسد إلا أن لافروف كرر معارضة روسيا لمشروع قرار ناقشه مجلس الأمن أول من أمس بشأن تمديد مهمة المراقبة في سوريا والذي يتضمن تهديدا بفرض عقوبات، بل واتهم الدول الغربية بممارسة «الابتزاز» على بلاده لحملها على تأييد العقوبات في مجلس الأمن الدولي ضد النظام السوري ولفت إلى أنه من الخطأ تحميل روسيا والصين مسؤولية تعثر حل الأزمة السورية.

وقال لافروف في 21 مارس الماضي إنه يخاف إذا «انهار النظام السوري الحالي أن تقيم بلدان المنطقة حكم السنة في سوريا» مدعيا بذلك خوفه على حقوق الأقليات وأنه يبيح ارتكاب المجازر في حق الأكثرية.

واعتبر الكثير أن لافروف بهذا الكلام يجمع بين العداء الروسي الشيوعي التاريخي للإسلام والمسلمين وأهل السنة بشكل خاص، وبين مصالحه السياسية مع نظام الأسد. يقول الناشط السياسي السوري هيثم المالح إن «مواقف لافروف ليست مفاجئة، لأن الروس هم ورثة الستالينية، خصوصا بعدما تحولت روسيا من دولة شوفينية إلى دولة مافيوية». واعتبر المالح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من يحكم روسيا هي عصابة مافيوية أمثال لافروف وغيره، وموقف حكامها يتصف بالغباء وعدم الخبرة في السياسة الخارجية منذ زمن بعيد».

بعيدا عن السياسة فإن لافروف يعتبر رجلا رياضيا جدا، ويعرف السعادة من وجهة نظره على أنها «يقوم بأداء عمله على أكمل وجه وأن يقوم برياضة التجديف مع أصدقائه». ورغم ذلك هو مدخن من الدرجة الأولى، وفي عام 2003 تصدر مانشيتات الصحف العالمية عندما أبدى استياءه بسبب حظر جديد على التدخين في مقر الأمم المتحدة وطالب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان آنذاك بأن يقدم تفسيرا لذلك، وكان وقتها سفير روسيا لدى الأمم المتحدة. ولافروف متزوج وله ابنة اسمها «أيكاتيرينا».