ميانمار: مآسي الروهانغ المسلمين

سلطات بلادهم تعتبرهم «أجانب مقيمين».. ويواجهون إبادة جماعية متصاعدة وسط صمت دولي

TT

أمام الصدام الطائفي الذي تشهده ميانمار (بورما سابقا)، الذي يعد الأكثر دموية منذ سنوات، بات مصير الروهانغ المسلمين داخل ميانمار محفوفا بالمخاطر. وما زال العنف الطائفي يفترس ولاية راكين (غرب ميانمار)، على الرغم من إعلان الحكومة حالة الطوارئ هناك، ويتعرض المسلمون الروهانغ بشكل متزايد لهجمات منظمة تتضمن عمليات قتل واغتصاب واعتداء جسدي، طبقا لتقارير «منظمة العفو الدولية».

ووصلت الصدامات العرقية بين البوذيين في ولاية راكين وشعب الروهنغيا المسلم إلى مستوى اضطر الآلاف من الروهانغ إلى الفرار من منازلهم في مواجهة «إبادة جماعية متصاعدة». والروهنغيا هو شعب مسلم يعيش في ولاية أراكان في المستعمرة البريطانية السابقة بورما، المعروفة الآن باسم ميانمار. وتتضارب الأقوال حول أصل تسمية «الروهنغيا»، ويقول بعض المؤرخين الروهانغ مثل خليل الرحمن إن تسمية الروهنغيا جاءت من الكلمة العربية «رحمة»، وقد نسبوا ظهور هذا المصطلح إلى حادث تحطم سفينة وقع في القرن الثامن الميلادي، حيث يروي هؤلاء المؤرخون أن إحدى السفن العربية تحطمت بالقرب من جزيرة رامري، وأصدر ملك أراكان أمرا بإعدام التجار العرب الذين كانوا على متنها، فصرخوا بلغتهم: «الرحمة، الرحمة»، ومن ثم أطلق عليهم اسم «رحمة»، قبل أن يتغير الاسم بالتدريج من رحمة إلى روهانغ، إلى أن استقر في النهاية على روهنغيا.

إلا أن هذا الرأي يلقى اعتراضا من جهور الدين أحمد ونظير أحمد، وهما رئيس وأمين «مؤتمر مسلمي أراكان» السابقان على الترتيب، اللذين يقولان إن المسلمين الذين جاءوا في هذه السفينة يسمون حاليا مسلمي «ثامبو كيا» ويعيشون على امتداد ساحل أراكان، وإنه لو كان مصطلح الروهنغيا مشتقا من هؤلاء المسلمين، لكانت جماعة «ثامبو كيا» هي أول جماعة تعرف بالروهانغ، ويؤكد الرجلان أن الروهانغ يتحدرون من سكان روها في أفغانستان. وهناك مؤرخ آخر، هو شودري، يقول إنه تم تحريف كلمة «مروهاونغ» (وهي مملكة أراكان القديمة) بين السكان المسلمين لتتحول إلى روهانغ، وبالتالي سمي سكان الولاية بالروهانغ.

إلا أن د. جاكيه لييديه، الخبير في تاريخ أراكان، يقول إن مصطلح روهينغا في الحقيقة ورد في تقرير نشره البريطاني فرانسيس بوكانان هاملتون في القرن الثامن عشر، ففي مقالته التي نشرت عام 1799 بعنوان «معجم مقارن لبعض اللغات المستخدمة في إمبراطورية بورما»، ذكر بوكانان هاملتون: «سوف أضيف الآن 3 لهجات مستخدمة في إمبراطورية بورما، لكنها مشتقة بوضوح من لغة الشعب الهندوسي، الأولى هي اللهجة التي يتحدث بها المسلمون الذين استقروا في أراكان منذ زمن طويل ويطلقون على أنفسهم اسم روينغا، أو أبناء أراكان».

ويشير المؤرخ آيي شان من «جامعة كاندا للدراسات الدولية» إلى أن مصطلح الروهنغيا وضعه أبناء البنغاليين الذين هاجروا في خمسينات القرن العشرين إلى أراكان أثناء الحقبة الاستعمارية، ويؤكد أن المصطلح غير موجود في أي مصدر تاريخي بأي لغة قبل الخمسينات، إلا أنه يقول إن هذا لا يعني أن الجاليات المسلمة لم تكن موجودة في أراكان قبل عام 1824.

ويعد الصدام الطائفي الذي تشهده البلاد حاليا هو الأكثر دموية منذ سنوات، مما يثير مخاوف دولية بشأن مصير الروهانغ داخل ميانمار. وما زال العنف الطائفي يفترس ولاية راكين (غرب ميانمار)، على الرغم من إعلان الحكومة حالة الطوارئ هناك، ويتعرض المسلمون الروهانغ بشكل متزايد لهجمات منظمة تتضمن عمليات قتل واغتصاب واعتداء جسدي، طبقا لتقارير «منظمة العفو الدولية».

وعلى الرغم من عدم وجود أي مشكلات فيما يتعلق بمواطنة 135 جماعة عرقية معترفا بها رسميا في أنحاء ميانمار، ينتشر معظمها في المناطق الحدودية للبلاد مع الهند وبنغلاديش والصين وتايلاند، فإن الدولة تنظر إلى شعب الروهنغيا باعتبارهم دخلاء، حيث يوجد في ولاية راكين منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية نزاع ما بين الأهالي والمستوطنين، فالبوذيين من ولاية الراكين يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لهذه الأرض، وينظرون إلى المسلمين الروهانغ على أنهم «مهاجرون غير شرعيين»، وأنهم منبوذون داخل المجتمع البورمي.

وتعود جذور اضطهاد المسلمين الروهانغ إلى بداية الحرب العالمية الثانية، حينما غزت القوات اليابانية بورما، التي كانت وقتها تحت الحكم الاستعماري البريطاني، ويقال إنه في تاريخ 28 مارس (آذار) 1942، قام القوميون من ولاية راكين بذبح نحو 5 آلاف مسلم في منطقتي مينبيا ومروهاونغ. ومنذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1962، دأب الجيش على استهداف شعب الروهنغيا بطريقة وحشية وممنهجة، مما أدى إلى انتشار جرائم قتل واغتصاب وتعذيب المدنيين.

وفي عام 1978، أطلق الجيش «عملية التنين الملك» لطرد شعب الروهنغيا، مما دفع أكثر من 200 ألف شخص إلى الهروب من ولاية راكين إلى بنغلاديش المجاورة، حيث ظلوا لعقود طويلة يعيشون في مخيمات لاجئين في غاية القذارة.

وفي ثمانينات القرن العشرين، نزعت الطغمة العسكرية الحاكمة الجنسية عن هذه الأقلية المسلمة، كما حرمتها من بطاقات الهوية، لتوجد بذلك فعليا جالية مشردة بلا جنسية. وقد تلتها حملة مشابهة عامي 1991 - 1992، أجبرت ما يزيد على 250 ألف شخص على الفرار إلى حياة اللجوء والتشرد، كما أدى هذا الاضطهاد إلى زيادة أعداد الروهانغ الذين يعيشون في السعودية وباكستان والهند وماليزيا وبنغلاديش إلى 1.5 مليون شخص.

وكانت آخر مرة يحتل فيها شعب الروهنغيا عناوين صحف العالم عام 2009، حينما اعترضت السلطات التايلاندية قوارب محملة بالرجال المنهكين داخل المياه الإقليمية بالقرب من الساحل جنوب غربي تايلاند، وأعلنت جماعات حقوقية وقتها أن مصير ما يزيد على ألف مسلم روهانغ أعادهم الجيش التايلاندي إلى البحر ما زال مجهولا.

وبحسب الموقع الإلكتروني لـ«المنظمة الوطنية لشعب الروهنغيا في أراكان»، فإن المسلمين الروهانغ يحتاجون إلى استخراج تصريح حكومي للزواج، كما أنه من المحظور عليهم إنجاب أكثر من طفلين في العائلة الواحدة، إضافة إلى تعرضهم لعبودية حديثة من خلال تشغيلهم بالسخرة؛ ونظرا لأن الحكومة الوطنية تحرمهم من حقهم في التمتع بجنسية وطنهم، فإن الكثيرين من الروهانغ يتعرضون لمصادرة أراضيهم، بالإضافة إلى منعهم من السفر. وتعتبر منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن الحرمان من حق المواطنة هو أهم مشكلة يواجهها مسلمو الروهنغيا.

وتعتبر حكومة ميانمار الروهانغ «أجانب مقيمين»، وهذا الحرمان من حقوق المواطنة الكاملة يعني أن شعب الروهنغيا يتعرض لانتهاكات أخرى، مثل فرض قيود على حرية الحركة، ووضع موانع تمييزية للالتحاق بالتعليم، والمصادرة الاستبدادية للممتلكات.

وفي عام 2012، كان عدد الروهانغ الذين يعيشون في ميانمار هو 800 ألف، وتقول الأمم المتحدة إنهم من أكثر الأقليات المضطهدة في العالم. ونتيجة للتمييز الممنهج الذي تعرضوا له على مدار السنوات الماضية، فقد هاجر الكثيرون منهم إلى دولتي بنغلاديش وماليزيا المجاورتين، حيث يوجد في الوقت الحالي 300 ألف من الروهانغ في بنغلاديش، و24 ألفا في ماليزيا، كما يعيش ما يصل إلى 111 ألفا على الحدود ما بين تايلاند وميانمار.

وقد توقفت بنغلاديش عن منح الروهانغ صفة لاجئين منذ عام 1992، وبينما يعيش 28 ألفا منهم في مخيمين تحت رعاية «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، يعيش الآخرون كلاجئين غير شرعيين في عدد من المخيمات متدنية الحال التي تنتشر في أنحاء جنوب شرقي بنغلاديش. وفي مستعمرات الروهنغيا غير الشرعية حيث لا توجد كهرباء أو مرافق صحية، يعيش اللاجئون في فقر مدقع، كما أنه في بلد فقير ومتخم بالسكان مثل بنغلاديش، فإن وجود الروهانغ لا يكون محل ترحيب من قبل السكان المحليين.

وبدأت بنغلاديش في ملاحقة الروهانغ الذين يقيمون في البلاد عام 2009. وتم إلقاء القبض على كثيرين والزج بهم في السجون بتهمة التسلل. وأجبر الكثير من الروهانغ الموجودين بشكل غير قانوني إلى العودة لميانمار في عملية «إعادة» رسمية من قبل سلطات الدولة.

استهدفت مبادرة مشتركة من الأمم المتحدة عام 2010 إقامة مشروع بقيمة 33 مليون دولار أميركي لصالح اللاجئين، وكذلك السكان المحليين، لكن عرقلت حكومة بنغلاديش المشروع الذي كان سيتولى الاتحاد الأوروبي وأستراليا تمويله وشككت في نوايا الأمم المتحدة، زاعمة أنها محاولة سرية غير شريفة لإعادة تأهيل اللاجئين وتوطينهم في البلاد.

وتقول سلطات بنغلاديش إن أي مبادرة جديدة لمساعدة الروهانغ في بنغلاديش سوف تجذب المزيد من اللاجئين، لذا فلن تسمح المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بزيادة دعمها للروهانغ. ومع تأجج التوترات مؤخرا، رفض مسؤولو بنغلاديش استقبال قوارب محملة باللاجئين الروهانغ الذين حاولوا الهروب من بلادهم. وبحسب ما ذكرت «بنغلاديش بوست»، صرحت حكومة بنغلاديش بتمسكها بقرارها بعدم فتح حدودها أمام الروهانغ في الوقت الحالي. وقال وزير الداخلية البنغلاديشي موني: «يضغط المجتمع الدولي علينا من أجل قبول اللاجئين طبقا للقانون الدولي، وهذا ليس عدلا. نحن نعارض هذا الأمر منذ أن بدأ الروهانغ في اللجوء إلى بنغلاديش، فالقانون الدولي لا يمكن أن ينطبق على هذا الوضع».

ويقول سيد زبير أحمد، صحافي هندي: «صمت المجتمع الدولي وعدم تحريكه ساكنا هو ما جرأ حكام ميانمار على القيام بهذا. حتى أونغ سان سو كي، التي تحظى بتقدير حول العالم لنضالها البطولي، ظلت صامتة حتى عندما وجهت بهذا الموقف خلال زيارة لها في أوروبا مؤخرا.

العالم العربي والإسلامي منشغل بسوريا وعدد من القضايا ولم يقم بالكثير تجاه هذا الموضوع سوى إصدار البيانات وإطلاق الدعوات اللامبالية. بالنسبة للأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي واتحاد دول جنوب شرقي آسيا، ما قل هو الأفضل. «هل من المثير للعجب إذن أن ينظر إلى الروهانغ باعتبارهم لقمة سائغة؟».

سلطت أعمال الشغب، التي حدثت في ولاية راكين عام 2012، الضوء مرة أخرى على الوضع البائس لمسلمي روهنغيا. وبلغ عدد قتلى المسلمين الروهانغ 700 وعدد المفقودين 1200 والنازحين مئات الآلاف نتيجة أعمال الشغب والنهب والاغتصاب، بحسب مجموعة من المنظمات غير الحكومية في المملكة المتحدة. وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن عدد منازل الروهانغ التي تم إضرام النيران بها خلال الاضطرابات بلغ 1.336، لكن تذكر منظمة «بلاتفورم» لحقوق الإنسان ومقرها بريطانيا، أن العدد وصل إلى 6 آلاف. ووجهت أصابع الاتهام إلى جيش وشرطة بورما بلعب دور رئيسي في استهداف الروهانغ من خلال عمليات اعتقال وعنف تعسفية. وصرح رئيس بورما، ثين سين، الأسبوع الماضي في بيان رسمي قائلا: «مستحيل أن تقبل ميانمار الروهانغ لأنهم مهاجرون غير شرعيين ولا ينتمون إلى أهل ميانمار». كذلك لم تتحدث أونغ سان سو كي، زعيمة المعارضة في بورما والحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، كثيرا عن معاناة الروهانغ والظلم الواقع عليهم.

مع ذلك ليس الرعب المنتشر في الشوارع فقط هو كل ما يعانيه الروهانغ، حيث تموج مواقع إلكترونية ومدونات وصفحات على «فيس بوك» خارج ميانمار بدعوات كراهية تدعو إلى التطهير العرقي للروهانغ. وجاء في إحدى المشاركات: «يوما ما بعد أن نحل مشاكلنا السياسية، سوف نطردهم ولن ندعهم يطأون أرضنا مرة أخرى». سلطت المشاركات الضوء على المفهوم السائد بين أهل بورما من أن الروهانغ ليسوا مواطنين. لا يتم الإشارة إلى الروهانغ في هذه المشاركات بكلمة «أسكالا» التي تستخدم لوصف السود فحسب، بل ينظر إليهم أيضا باعتبارهم «إرهابيين».

على سبيل المثال جاء في إحدى المشاركات المعبرة: «لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا. وآمل أن تفهم أونغ سان سو كي أنها ليست أعمال بلطجة ضد أقلية، وهم ليسوا أقلية على أي حال. إنها قضية سيادية، فهذا إرهاب وما هم إلا أعداء أشرار للحرية».

لعبت حرية الإعلام الوليدة في بورما دورا كبيرا في إثارة التوترات الدينية، حيث انتشرت المعلومات المغلوطة داخل بورما التي أججت الاضطرابات، حيث اتهم الإعلام تنظيم القاعدة و«الإرهابيين البنغال» بارتكاب أعمال العنف في محاولة لنشر الإسلام في آسيا. ويزعم الكثيرون أن الروهانغ هم من يضرمون النار في منازلهم للفت الانتباه. وعاش الروهانغ في المنطقة الحدودية بين بنغلاديش وميانمار لأجيال، لكن كما يوضح ما أعقب أعمال الشغب من أحداث، لا يتعاطف مواطنو ميانمار، سواء النخبة أو العامة، مع كارثة افتقادهم وطنا ودولة ينتمون إليها.

الأمر الذي يدعو إلى المفاجأة هو أن كو كو غي، الشخصية البارزة في الاحتجاجات الداعية إلى الديمقراطية عام 1988 والذي تعرض لقمع وحشي من قبل الجيش وكان معتقلا سياسيا إلى وقت قريب، عارض حصول الروهانغ على حق المواطنة، وأشار ضمنا إلى أن الأجانب المتعاطفين معهم ينبغي عدم تدخلهم في هذا الأمر، وهو ما يتوافق مع وجهة النظر التي يتبناها الجيش منذ وقت طويل.

قال كو كو غي: «حان الآن وقت إعلان رأينا في الروهانغ بوضوح. إنهم لم يكونوا يوما جزءا من ميانمار. ونحن نرى أن السبب وراء أعمال الشغب التي تحدث حاليا في بوثيدونغ وماونغداو بولاية راكين هو المهاجرون غير الشرعيين من بنغلاديش الذين يطلق عليهم اسم الروهانغ، وبعض الاستفزازات المزعجة من المجتمع الدولي». وفي الوقت الذي يسكت فيه العالم عن المذبحة التي يتعرض لها مسلمو الروهانغ، يتفاجأ الكثيرون بعدم اهتمام الإعلام الغربي بالتركيز على كارثتهم.

أوضح المعلق السياسي الهندي، بي جيه فارغيش، أن ما حدث في رواندا يتكرر في ميانمار، ويمكن لتدخل مبكر فعال من قبل المجتمع الدولي أن ينقذ الروهانغ من محرقة محققة. كذلك لم يعلق الدالاي لاما، الزعيم البوذي الحائز على جائزة نوبل للسلام، الذي تتعالى صرخاته منددة بالانتهاكات التي تحدث لسكان التيبت على أيدي السلطات الصينية، على ما يحدث من قتل جماعي للمسلمين في ميانمار البوذية. ولم تنبس القيادة المسلمة في الهند والمنظمات الإسلامية التي تندد بما يحدث من جرائم قتل في فلسطين، ببنت شفة وهي تشاهد التطهير العرقي للمسلمين في دولة الجوار. أليس صمت العالم الإسلامي عما يحدث جريمة؟