سلاح البيشمركة

صراع بين بغداد وأربيل حول الصلاحيات والمصالح

TT

أثير مؤخرا جدل حول تسليح قوات البيشمركة الكردية بإقليم كردستان العراق مع تصاعد حدة الخلافات المتفرعة عن الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق بتعقيد متزايد، وذهب البعض إلى حد التكهن بقيام إقليم كردستان بتوقيع عقود لصفقات تسليح مع بعض الدول على غرار العقود النفطية التي وقعتها أربيل مع شركات عالمية للنقط خلافا لرغبة الحكومة الاتحادية. وما عزز هذه التكهنات هو تصريحات نسبت إلى أمين عام وزارة البيشمركة التابعة لإقليم كردستان الفريق جبار ياور الذي أكد أنه «في حال امتناع الحكومة العراقية عن تجهيز وتسليح قوات البيشمركة والتي هي جزء من منظومة الدفاع العراقية، فإن قيادة الإقليم ستضطر إلى البحث عن مصادر أخرى للتسليح».

وبالطبع فإن مسألة التسليح، مثلها مثل حرية التصرف بالمشتقات النفطية، تنخرط في إطار تحديد طبيعة الدولة العراقية منذ حرب عام 2003 وسقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وطبيعة الفيدرالية في البلاد. وفي ما يخص إمكانية تسليح البيشمركة من مصادر غير عراقية تطرح الكثير من الأسئلة التي تثار في الأذهان من أهمها ما نوعية السلاح الذي تمتلكه قوات البيشمركة حاليا، ما مصادرها وعددها، ما هو موقف الدستور العراقي من هذه المسألة، وهل يحق للإقليم أن يوقع عقودا لتوريد السلاح، بالإضافة إلى أسئلة حول الدول المستعدة لبيعه، وكيفية دخوله الإقليم. هذه أسئلة كثيرة يفترض أن يرد عليها قبل الخوض في تصريحات المسؤولين العراقيين واتهاماتهم المتكررة لقيادة كردستان بالسعي إلى امتلاك السلاح لبناء جيش خاص بهم تمهيدا لإعلان انفصالهم عن العراق.

مصادر تسليح قوات البيشمركة الكردية

* تتسلح قوات البيشمركة حاليا بأسلحة خفيفة وخاصة لتأمين الوضع الداخلي لإقليم كردستان. وكانت أقصى آمال القيادة العسكرية الكردية في فترة ما يعرف بسنوات «الثورة التحررية» بجبال كردستان خلال أكثر من 8 عقود من القرن الماضي هو الحصول على بعض الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات. ولكن على امتداد عمر الثورة الكردية الذي تجاوز ما يقرب من ثمانين عاما لم تستطع قوات البيشمركة تطوير سلاحها ما عدا ما تغنمه من الجيش العراقي أثناء الحروب التي تخوضها بمناطق كردستان. فما عدا الأسلحة الخفيفة مثل الرشاشات وقاذفات الـ«آر بي جي» ومدافع من طراز «106 ملم» لم تمتلك تلك القوات أي أسلحة ثقيلة. ولكن مع سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تغيرات المعادلة عبر اغتنام قوات البيشمركة للكثير من أنواع الأسلحة الثقيلة في معسكرات النظام السابق، وخاصة في الفيلقين الأول والخامس المتمركزين في مناطق كركوك والموصل، حيث ساق الحزبان الرئيسيان الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني الكثير من الدبابات والمدرعات والمدافع التي تركها الجيش العراقي إلى معسكراتهما الخاصة داخل مدن الإقليم، لتكون قوات البيشمركة لأول مرة في تاريخها صاحبة للأسلحة الثقيلة.

وكانت معظم تلك الأسلحة معطوبة أو ناقصة جرى خلال السنوات اللاحقة إصلاح بعضها من قبل المهندسين العسكريين السابقين بجيش النظام، أو صيانة البقية الصالحة منها على الدوام.

نوعية الأسلحة

* وأوضح الأمين العام لوزارة البيشمركة الكردية الفريق جبار ياور في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الأسلحة التي غنمناها قبل أكثر من عشرين سنة تسير نحو الاستهلاك والتقاعد، خاصة مع عدم وجود المواد الأولية للصيانة والتجديد كون أكثرها من الأسلحة الروسية». وامتنع ياور عن تحديد نوعية وكمية الأسلحة التي غنمتها قوات البيشمركة أثناء سقوط النظام السابق بذريعة أنها «أسرار عسكرية». ولكن «الشرق الأوسط» تستطيع أن ترسم صورة مقاربة للحقيقة فيما يتعلق بأنواع الأسلحة التي تمتلكها قوات البيشمركة حاليا من خلال ما تم استخدامه في القتال الداخلي منتصف التسعينات من القرن الماضي، مرورا بالعمليات العسكرية اللاحقة ضد الإرهابيين في الإقليم، وبحسب تلك المقاربة فإن تسلح البيشمركة يبدأ من بنادق «الكلاشنيكوف» إلى رشاشات الـ«بي كي سي» والرشاشات المضادة للطائرات ومدافع «106 ملم» وعدد من صواريخ الكاتيوشا. وكانت هذه الأسلحة الوحيدة المستخدمة أثناء القتال الداخلي بين حزبي بارزاني وطالباني منتصف التسعينات من القرن الماضي. وبعد سقوط النظام اغتنمت قوات البيشمركة الكثير من المدرعات والدبابات والمدافع النمساوية الثقيلة التي يصل مداها إلى 40 كم إلى جانب الراجمات.

وكانت الأسلحة التي تمتلكها قوات البيشمركة كافية طوال سنوات «النضال الثوري» للدفاع عن أنفسها للطبيعة الجغرافية لساحات القتال بالجبال، حيث إن تلك الطبيعة الجغرافية حالت دون استخدام الآليات العسكرية بشكل فاعل في المعارك الجبلية، خاصة أن البيشمركة في الثورة الجديدة التي اندلعت منتصف عام 1975 اعتمدت أسلوب حرب العصابات بديلا عن حرب الجبهات التي اعتمدتها قيادة «ثورة أيلول» السابقة لها. وبذلك كانت الرشاشات الخفيفة هي سيد الموقف في المعارك، بينما كانت الرشاشات المضادة للطائرات منصوبة فقط فوق المقرات الأساسية للقيادة وكانت أغلبها في مناطق نائية.

وتشتكي قيادة قوات البيشمركة من موقف الحكومة الاتحادية من مسألة تسليح وتجهيز البيشمركة، وهي مسألة أصبحت جزءا من الملفات العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية منذ خمس سنوات، بل إن الحكومة العراقية منذ عام 2007 أوقفت صرف ميزانية البيشمركة التي تصرف حاليا من قبل حكومة الإقليم على سبيل السلف لحين وصول الميزانية الخاصة من بغداد.

ويقول الفريق جبا ر ياور: «إن حكومة الإقليم وقعت مذكرة تفاهم مع الحكومة العراقية برعاية أميركية تقضي بتسليح وتجهيز قوات البيشمركة باعتبارها جزءا من منظومة الدفاع الوطنية العراقية، أو على الأقل تخصيص ميزانية للبيشمركة لتتمكن من شراء الأسلحة والتجهيزات العسكرية، ولكن الحكومة العراقية لا تلتزم بذلك، فمنذ عام 2007 أوقفت صرف ميزانية البيشمركة من ضمن ميزانية وزارة الدفاع العراقية، وتمتنع عن إطلاق حصة البيشمركة من الأسلحة والتجهيزات التي تخزنها حاليا بمعسكر التاجي ببغداد». وعن نوعية تلك الأسلحة والتجهيزات قال ياور «الحصة المخصصة لنا أكثرها تجهيزات عسكرية وليست أسلحة، مثل الآليات العسكرية من حفارات وحادلات وشفلات وناقلات وأجهزة مكتبية واتصالات، قدمتها قيادة القوات الأميركية إلى الجيش العراقي، وخصص جزء منها لقوات البيشمركة، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد تعهد بموجب رسالة وجهها إلى الأميركيين بأنه لا يمانع تجهيز وتدريب قوات البيشمركة كجزء من منظومة الدفاع العراقي، لكن الذي حصل هو عكس ذلك تماما، فقد منع وصول أي تجهيزات أو أسلحة من المساعدات المقدمة من أميركا إلى العراق والتي تقدر بـ250 مليون دولار».

وينص الدستور العراقي على أن الدفاع ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية، إذ تنص المادة 107 من الدستور العراقي على أن «تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية» التي تشمل «وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها بما في ذلك إنشاء قوات مسلحة وإدارتها لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق، والدفاع عنه». وبسؤاله حول إمكانية عقد قيادة البيشمركة لصفقات سلاح مع دول أخرى لتسليح وتجهيز البيشمركة قال ياور «إن الدستور العراقي سكت عن هذا الموضوع، فالمادة 121 من الدستور تنص على أن يكون للإقليم قوات خاصة من الشرطة والآسايش (الأمن) تكون مهمتها هو الدفاع عن الإقليم، والسؤال هو كيف يمكن لهذه القوات أن تدافع عن الإقليم وهي لا تمتلك السلاح؟ نحن بالأساس ليست لدينا أي أموال مخصصة لشراء الأسلحة، ثم لو افترضنا أنه كانت لدينا أموال كافية لهذا الغرض فكيف وأين يمكن لنا أن نحصل على الأسلحة وندخلها إلى كردستان؟».

ويشير الفريق ياور إلى نقطة مهمة بقوله: «الأسلحة الموجودة حاليا تحت أيدينا هي أسلحة روسية الصنع، والعراق يتجه حاليا إلى التسلح من الغرب، فكيف يمكن لقيادة قوات مشتركة أن تنسق فيما بينها في حال شن عمليات عسكرية مشتركة في حين أن أنظمة التسليح والاتصال والآليات والذخائر تختلف بينها؟». يضيف «ثم لماذا تصرف الحكومة العراقية حتى الآن أكثر من 36 مليار دولار على تسليح وتجهيز الجيش العراقي ولا تخصص عشر معشار هذا المبلغ لتجهيز وتسليح البيشمركة وهي جزء من منظومة الدفاع العراقي؟». ويخلص الفريق ياور إلى القول «على الرغم من أن الدستور العراقي لم يضع أي قيد على استيراد الأسلحة إلى الإقليم، فإن هناك صعوبات كثيرة بهذا المجال، فلو حصلنا على السلاح كيف ننقلها إلى كردستان وعبر أي من دول الجوار، فالدبابات على سبيل المثال لا تنقل بطائرات مدنية، وحتى لو سنح لنا ذلك، فإن أجواء العراق خاضعة للمراقبة من قبل السلطات الاتحادية، وكردستان ليس لديها منفذ على البحر، ثم إن أي دولة بالعالم لا تستطيع أن توقع عقودا لصفقات أسلحة من دون موافقة الولايات المتحدة، ولذلك من الناحية العملية من الصعب جدا تسليح البيشمركة عبر صفقات أسلحة مع دول أخرى».

هذه وجهة النظر الرسمية في مسألة عقد صفقات الأسلحة، ولكن هناك من يرى إمكانية حصول كردستان على السلاح عن طريق التهريب، خاصة أن هناك تجارا لديهم خبرات طويلة في هذا المجال.

مناشئ التسليح

* كثيرا ما تصور أفلام هوليوود عادة مجموعة إرهابية تحصل على قنبلة نووية أو كيماوية من إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق وتحملها بشاحنة تخترق أراضي الكثير من تلك الجمهوريات لتنقل إلى مكان تستطيع فيه تلك المجموعات من تهديد الولايات المتحدة بها. وبعيدا عن هذا السيناريو، ليست هناك دول ما عدا تلك التابعة للمعسكر الشرقي السابق على استعداد لتزويد كردستان بالأسلحة الثقيلة. ولكن هناك مخاوف جدية من الحكومة الاتحادية في بغداد من حصول إقليم كردستان على أسلحة ثقيلة من دون علم وموافقة بغداد. ومن بين التصريحات الأخيرة الصادرة عن بغداد، صرح علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي يوم 30 يوليو (تموز) الماضي بأن إقليم كردستان يسعى لعقد صفقات تسليح لقوات حرس الإقليم مع دول أجنبية، معتبرا أن قضية التسليح تعد خارج صلاحيات الإقليم وأنها تدخل في صميم اختصاصات الحكومة الاتحادية.

ولعل الاتهامات الأخيرة التي وجهت إلى قيادة إقليم كردستان بعقد صفقات الأسلحة كانت تركز على دولتين شرقيتين هما هنغاريا وبلغاريا اللتان زارهما رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني خلال هذه السنة. ولكن مع كل ذلك من المستحيل نقل أي نوع أو كمية من الأسلحة الثقيلة عبر حدود الدول الثلاث المحيطة بالعراق، خاصة أن جميع تلك الدول تخشى من حصول إقليم كردستان على قدرات متطورة للانفصال عن العراق وبما في ذلك القدرة العسكرية على فرض ذلك.

ويرى مراقبون أن إيران لن تسمح بذلك لأنها لا تريد في العراق إلا وجود أحزاب ضعيفة يمكن إخضاعها تحت سيطرتها بسهولة، وتركيا لن تقبل بذلك لأنها تتخوف من أن تتحول تلك الأسلحة إلى يد حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» المعارض لها، وسوريا حالها لا تساعد على مرور الأسلحة عبر أراضيها أو فوق أجوائها، وبذلك يبدو من المستحيل أن تنجح حتى عملية النقل بالتهريب عبر الحدود.

أقصى ما يمكن لدول الجوار أن تقدمه لإقليم كردستان من الناحية العسكرية هو الدعم اللوجيستي بسلاحها في حال رغبت بذلك. وقد حدث ذلك قبل نحو أربعين عاما في إقليم كردستان حينما دخل السلاح الإيراني في أتون الحرب الداخلية المندلعة بين قوات البيشمركة والجيش العراقي عام 1974. فكما يروي الدكتور محمود عثمان النائب العراقي المستقل حاليا والذي كان من أحد أهم قيادات المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في ذلك العام، أنه «بعد استئناف القتال في جبال كردستان عام 1974 وفي النصف الأخير تحديدا منه، قدمت إيران دعما لوجيستيا كبيرا لقوات البيشمركة، فقد تدخلت مدافعها وصواريخها إلى جانب البيشمركة في المواجهة مع جيش النظام العراقي الذي كان يقوده آنذاك أحمد حسن البكر وصدام حسين، وأرسلت إيران كتائب من مضادات الجو المتطورة في ذلك الزمن من طراز صواريخ (هوك) الأميركية، والمدافع البعيدة المدى، والصواريخ المضادة للدبابات والدروع لمساعدة قوات البيشمركة في التصدي للقوات العراقية».

وكانت «ثورة أيلول» في ذلك العام التي قادها الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني قد اعتمدت أسلوب حرب الجبهات المفتوحة ضد النظام العراقي، وفتحت لذلك جبهات مواجهة للجيش على امتداد حدود كردستان من زاخو إلى خانقين، وشهدت نهاية عام 1974 أعنف المعارك بين الجيش العراقي والبيشمركة بمحور الجبال المحيطة بمدينة رواندوز، حيث ركز الجيش العراقي هجماته عليها بهدف فتح الطريق أمام تقدم قواته نحو معاقل قيادة الثورة في مناطق كلالة وناوبردان وجومان. وفي خضم هذه المعارك ظهر الدعم الإيراني الذي ظنه المقاتلون الأكراد في ذلك الحين مؤشرا على أن إيران قدمت صواريخها ومدافعها لقوات البيشمركة، لكن ظهر فيما بعد أن إيران كانت تخوض حربا من وراء حدودها ضد الجيش العراقي وذلك بإسناد قوات البيشمركة بملاحقة الطائرات العراقية وضربها بالمدافع الثقيلة مباشرة من الحدود، وليس تزويد البيشمركة بتلك الأسلحة المتطورة. وكما يوضح عثمان: «كان هدف الحكومة الإيرانية في ذلك الحين لم يكن نصرة الأكراد وترجيح كفتهم بالنصر في تلك المعارك الشرسة، بل اتضح أن إيران كانت تحاول عبر الضغط على قوات الجيش العراقي بجبهات كردستان أن تدفع بالقيادة العراقية إلى تقديم التنازلات في مؤتمر قمة الجزائر المنعقد في ذلك العام، وقد نجحت بذلك، حيث أرغم شاه إيران محمد رضا بهلوي حينها صدام حسين على تقديم تنازلات كبيرة عن مياه وأراضي العراق للشاه مقابل وقف دعمه العسكري لقوات البيشمركة كما نصت معاهدة الجزائر التي وقعها الطرفان». وأضاف أن «هكذا ذهب الأكراد ضحية لخيانة الشاه لقضيتهم وانهارت ثورتهم بوقف الدعم العسكري الإيراني في وقت كادت قوات البيشمركة تسجل أكبر انتصاراتها في حربها ضد قوات الحكومة العراقية، حيث إن قيادات من النظام العراق السابق اعترفت بأن مخازنها فرغت من أي إمكانيات لمتابعة الهجمات على قوات البيشمركة، واعترف قادة البعث بأن مخازن الجيش العراقي لم يتبق فيها سوى 16 ألف إطلاقة بندقية».

والآن بعد التغيير السياسي في العراق وتماشيا مع المستجدات على الساحة العراقية، هناك احتياجات مختلفة للسلاح لإقليم كردستان. بسؤال العقيد العسكري المتقاعد عثمان المفتي حول أساسيات تسليح أي جيش أو قوات دفاعية على مستوى قوات حرس الإقليم بما يمكنها من الدفاع عن كيان الإقليم، قال «تسليح أي جيش أو قوات بحاجة إلى معرفة الاستراتيجية، وإلى تحديد ودراسة البنية التحتية، وكذلك التحالفات السياسية الموجودة في المنطقة، والأهم من ذلك هو معرفة العقيدة العسكرية لهذا الجيش، هل هي شرقية أم غربية». وأضاف «إن في حال تسليح قوات البيشمركة فإن الموارد وتحديد الاستراتيجية يتحكمان بمسألة التسليح»، موضحا «في العقود السابقة كانت العقيدة العسكرية للجيش العراقي شرقية، واليوم تحولت إلى غربية، لذلك عندما يتم تسليح الجيش أو أي قوات في العراق يجب أن تكون البنية والاستراتيجية واحدة».

دول الجوار

* تتحكم علاقة إقليم كردستان بدول جوار العراق بتحديد الكثير من قراراتها السياسية. وحول موقف دول الجوار من مسألة تسليح البيشمركة، وخاصة موقف تركيا البلد الأقوى في تحالفاته السياسية والاقتصادية مع كردستان العراق، ومدى إمكانية حصول موافقتها على مرور الأسلحة التي تتعاقد عليها قيادة الإقليم مع الدول الأخرى قال الدكتور يوسف كوران الخبير الاستراتيجي في الشؤون التركية: «من المستبعد جدا أن توافق تركيا بمرور أي أنواع أسلحة حتى وإن كانت خفيفة عبر أراضيها إلى كردستان العراق، لأنها لا تسمح تحت أي ظرف أن تتقوى المنظومة الدفاعية الكردستانية لعدة أسباب من أهمها إبقاء كردستان ضعيفة وجعلها بحاجة دائمة إليها، وثانيا تخوفها من انتقال السلاح إلى يد معارضيها وخاصة حزب العمال الكردستاني». وهناك من يرى أن قيادة الإقليم نجحت في تقديم إغراءات نفطية لتركيا للسماح لها بتصدير النفط الخام إليها، مما يعني أنه من الممكن أن تقدم إغراءات أخرى لدفعها بالموافقة على مرور الأسلحة عبر أراضيها خاصة أنها قريبة من دول المعسكر الاشتراكي السابق. ولكن قال كوران «صحيح أن قيادة كردستان نجحت في إغراء تركيا فيما يتعلق بالنفط، فكردستان تبيع النفط إلى تركيا بسعر أقل من الأسعار المتداولة في العالم، وطبعا تركيا تعاني من أزمة في الطاقة لذلك تسمح بتصدير النفط إليها، ولكن مسألة السماح لمرور الدبابات والراجمات والصواريخ وما إلى ذلك من الأسلحة التي يفترض أن تكون متقدمة لكي تستطيع قوات البيشمركة أن تستخدمها بمواجهة تسليح القوات العراقية بالأسلحة الأميركية المتطورة، هذا أمر غير متوقع وغير ممكن على الإطلاق».

وفي الختام نعود إلى الدكتور محمود عثمان، القيادي الكردي الذي تحدث بصراحة عن أوضاع العراق والفوضى التي تضربه حاليا بسبب انتهاج حكومة المالكي لسياسة تهدف إلى بناء جيش قوى على غرار الجيش العراقي السابق لتخويف القوى السياسية فيقول «ما معنى أن يسعى المالكي لتشكيل جيش وقوى أمنية وصلت أعدادها إلى مليون و200 ألف منتسب، لقد تخلصنا من حكم صدام القمعي، لنبتلي اليوم بجيش المالكي ومؤسساته الأمنية». وبالطبع فإن السعي إلى الحصول على سلاح في إقليم كردستان ينبع من عدم الثقة الموجودة مع حكومة المالكي بشكل خاص وحول العلاقة مع الحكومة الاتحادية إجمالا، على الرغم من أن رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري نفسه كردي كما هو الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية. ولم يستبعد عثمان حصول البيشمركة على الأسلحة على الرغم من أن الكثير من المصادر تستبعد ذلك، ولكن عثمان يقول: «في ظل الفوضى الحالية بالعراق، والفساد الضارب بـأطنابه على أعلى مستويات القمة، يمكن شراء أي شيء من الخارج حتى لو كان سلاحا متطورا، وخاصة من الدول الفقيرة مثل دول المعسكر الاشتراكي السابق».