بنادق الأفغان تتجه نحو قلوب الحلفاء

الحصاد المر لعقود من الحروب

صورة لمقاتلين من طالبان في أفغانستان (خاصة بالـ»الشرق الاوسط»)
TT

انتشر الرعب في قلوب الأميركيين بعد ازدياد قتل الجنود الأفغان للضباط الأميركيين المنتشرين في أفغانستان. وتفوقت أخبار قتل الجنود الأفغان الذين وجهوا بنادقهم إلى مدربيهم من ضباط وجنود حلف الشمال الأطلسي (الناتو) على العنف الدامي في أغلب أنحاء أفغانستان، وفي أغلب الأحوال يلوذ الجناة من الجنود الأفغان بالفرار من وحداتهم العسكرية باتجاه قراهم أو على الأكثر يلتحقون بصفوف مقاتلي طالبان.

وقال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، الأسبوع الماضي، إنه يشعر «بقلق شديد» بشأن الهجمات التي يتعرض لها جنود الأطلسي والجنود الأميركيون على يد «حلفائهم» الأفغان وتأثير تلك الهجمات على التعاون بين الجانبين. وصرح بانيتا: «لقد حاول أعداؤنا تقويض الثقة بين التحالف والقوات الأفغانية، وحاولوا بشكل خاص إعلان مسؤوليتهم عن عدد من الهجمات التي شنها جنود أفغان ضد جنود الحلف التي تحدث في موسم القتال هذا».

وبعد 11 عاما من اندلاع الحرب في أفغانستان، ما زالت الولايات المتحدة تواصل الدعوة إلى استراتيجية هجومية تهدف إلى إضعاف طالبان إلى درجة تدفعهم إلى التفاوض، لكن محللين يرون فكرة «القتال والحوار والبناء» هذه متناقضة ونتائجها غير مؤكدة. فالقدرة على «البناء» تعتمد على انتهاء القتال والتأكد من السيطرة على المنطقة المعينة، وهذا أمر بات من الصعب تحقيقه.

وقبل نحو عامين من انتهاء انسحاب كل القوات الأجنبية من أفغانستان المقرر في نهاية 2014، ما زال المستقبل غامضا حول ما ستكون عليه أفغانستان بعد خروج القوات الأجنبية وسط تشدد حركة طالبان الأصولية في الاتجاه نحو السلام، فيما يركز الغربيون على البحث عن اتفاق سياسي مع طالبان وإن كانوا يواصلون القتال على الأرض.

والأسبوع الماضي، أطلق جندي أفغاني النار على جنود من «إيساف» في أفغانستان، في حادث هو الخامس من نوعه خلال أسبوع. وأعلن متحدث باسم طالبان المسؤولية عن الهجوم الذي وقع في ولاية نانجارهار شرقي البلاد، قائلا، إن المهاجم ضابط شرطة كان على اتصال بـ«المقاومة» قبل الهجوم. وقال المتحدث باسم الناتو شارلي شتات لاندر، إن تحقيقا أوليا يشير إلى أن المهاجم ضابط في الشرطة الأفغانية، رغم أن الرجل كان يرتدي ملابس مدنية. وأضاف أن مطلق النار لاذ بالفرار.

وأصدر المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد بيانا أشاد فيه بإطلاق النار، معتبرا أن الشرطي «كان ينتظر مثل هذه الفرصة» لمهاجمة القوات الدولية. وقال إن ثلاثة أميركيين قتلوا في إطلاق النار الذي وقع الاثنين الماضي.

يذكر أن سبعة عناصر أميركية على الأقل قتلوا الأسبوع الماضي، إما بأيدي نظرائهم الأفغان أو على أيدي مهاجمين يرتدون ملابس عسكرية. وفي الوقت نفسه، قتل 11 عنصرا في الشرطة الأفغانية في ولاية نمروز جراء تعرضهم لإطلاق نار من قبل عنصر من طالبان تسلل إلى صفوفهم.

وكانت المقاومة الأفغانية قد نجحت في قتل 3 جنود تابعين لحلف الأطلسي في إقليم هلمند، وذلك بعد مقتل 3 جنود آخرين قبل يوم واحد على يدي شرطي أفغاني.

وزادت الهجمات التي يشنها مسلحون يرتدون الزي العسكري على القوات الأجنبية في أفغانستان خلال العام الحالي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 جنديا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. ومنتصف الشهر الحالي أعلنت القوة الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان (إيساف) أن موظفا أفغانيا مدنيا يعمل في قاعدة لحلف الناتو جنوب أفغانستان قتل ثلاثة من جنود الحلف. وحصل هذا الحادث في أعقاب مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين أيضا برصاص قائد في الشرطة وعناصره، بعد دعوتهم لهم لعشاء عمل يبحث مسائل أمنية في مقاطعة هلمند الجنوبية.

وقال ناطق باسم «إيساف» إن «مطلق النار لم يكن يرتدي بزة عسكرية، وهو مدني يسمح له بالعمل في القاعدة».

وفي السياق ذاته، كانت وزارة الدفاع البريطانية أعلنت مقتل جندي بريطاني أثناء قيامه بدورية في جنوب أفغانستان. وقالت الوزارة في بيان لها إن الجندي، وهو من الكتيبة الثالثة، توفي متأثرا بجروح أصيب بها نتيجة عمل عدواني أثناء قيامه بدورية في إقليم نادي علي في ولاية هلمند.

وينتشر نحو 9500 جندي بريطاني في أفغانستان، مما يجعل القوات البريطانية ثاني أكبر قوة في قوات حلف الأطلسي بعد الولايات المتحدة. ويتمركز الجنود البريطانيون في منطقة هلمند وسط البلاد ويقاتلون متمردي طالبان كما يقومون بتدريب قوات الأمن المحلية. وذكر وزير الدفاع البريطاني، فيليب هاموند، أن مقتل الجنود لن يؤثر على مهمة بريطانيا هناك. وبمقتل هؤلاء يرتفع عدد الجنود البريطانيين الذين قتلوا في أفغانستان منذ بدء العمليات عام 2001 إلى 422 قتيلا. ومن المقرر أن تسحب بريطانيا 500 جندي بحلول نهاية العام.

وتسببت مثل هذه الحوادث التي يطلق فيها أفراد من قوات الأمن الأفغانية الرصاص على أفراد من القوات الأجنبية في توتر العلاقات بين الرئيس الأفغاني حميد كرزاي والقوى الغربية الداعمة له. ورغم التفاوت في عدد قتلى حلف شمال الأطلسي مقارنة مع 11 هجوما و24 قتيلا خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، فإن قادة حلف الأطلسي يقولون إن ازدياد عدد حوادث إطلاق النار يتناسب مع ازدياد حجم قوات الأمن الأفغانية المستهدف أن يصل قوامها إلى 352 ألف شخص.

وأعلنت الولايات المتحدة على لسان الجنرال الأميركي جون ألان قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، أن حركة طالبان تقف وراء ربع الهجمات التي يشنها جنود أفغان على عسكريي الحلف، وهي نسبة أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقا. وأكد الجنرال ألان عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة من كابل الشهر الحالي أن هذه الهجمات التي يطلق عليها اسم هجمات «الخضر على الزرق» (تعبير يستخدمه الحلف الأطلسي للإشارة إلى الجهة التي ينتمي إليها المهاجم وتلك التي ينتمي إليها المستهدف) والتي يطلق فيها عسكريون أفغان النار على عناصر «الأطلسي»، ناجمة في 25% من الحالات عن اختراق عناصر من طالبان القوات الأفغانية. وهذا العام وقع 32 هجوما مماثلا قتل فيها 40 جنديا من قوات التحالف الدولي وأصيب 69 آخرون بجروح. وفي 2011، كان عدد هذه الهجمات 16 وقد أسفرت عن سقوط 28 قتيلا و43 جريحا، بحسب «الأطلسي». وكانت تقديرات سابقة لحلف الأطلسي تشير إلى أن 10% فقط من هذه الهجمات تقف وراءها حركة طالبان. وقال الجنرال الأميركي: «نعتقد أن النسبة تدور حول 25%»، مشيرا إلى أن «هذا الرقم سواء أكان 10% أم 25% هو رقم سنواصل التدقيق فيه من أجل تكوين صورة واضحة عن مدى الخطر التي يشكله العدو داخل قوات الأمن الأفغانية». وأوضح الجنرال ألان أن هذه الهجمات أسبابها متعددة؛ بينها - إضافة إلى اختراق حركة طالبان قوات الأمن والجيش الأفغانية - «خلافات ومشاعر عداء قد تتفاقم بين المهاجم وقواتنا بشكل عام، أو دوافع شخصية». وأوضح أن 10 جنود قتلوا في هجمات من هذا النوع خلال الأسبوعين الماضيين، مضيفا أن «الضغوط اليومية التي يرزح تحتها هؤلاء الجنود الأفغان، والتضحية التي يقومون بها متمثلة في صوم شهر رمضان، ووتيرتنا العملياتية.. كل هذه عوامل اجتمعت خلال الأسابيع الماضية وهي تفسر» الازدياد الواضح في هذه الهجمات، برأيه.

من جهتها، اتهمت أفغانستان الأسبوع الماضي جيرانها، في إشارة واضحة إلى باكستان ولكن من دون أن تسميها، باختراق قواتها الأمنية والعسكرية والوقوف وراء هذه الموجة من الهجمات. غير أن الجنرال الأميركي ألان أوضح أن حكومة كابل لم تزود الحلف الأطلسي بأي معلومة استخبارية تدعم هذا الاتهام. ومن المفارقات العجيبة أنه بينما كانت أعظم نجاحات الناتو في حقبة الصراع المعقد الاستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي، يشكل عجز الناتو في أفغانستان، عجزا لا يبدو له حل في الأفق، وعبئا ثقيلا جدا على كاهل الحلف، مما جعله يرهن سمعته ومستقبله على النجاح في أفغانستان؛ إذا إنه بعد حرب مكلفة ومميتة دامت لعقد من الزمان، قررت قوة المساعدة الأمنية الدولية بقيادة الناتو مغادرة أفغانستان وسط ازدياد الأنشطة الإرهابية بقيادة طالبان.

وحسب أرقام صادرة عن قوات التحالف، فإن هجمات المسلحين في أفغانستان ارتفعت بنسبة 11% خلال الأشهر الثلاثة الماضية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. فشهر يونيو (حزيران) الماضي وحده شهد أعلى عدد من الهجمات منذ عامين تقريبا، حيث بلغت ثلاثة آلاف، تراوحت بين تبادل لإطلاق نار، وتفجير قنابل يدوية، بحسب «إيساف».

ويأتي هذا التصعيد في الهجمات مع اقتراب سحب التحالف 130 ألف جندي بعد عشر سنوات من الحرب، وقبيل انتهاء المهلة المحددة لإنهاء العمليات القتالية عام 2014. وهو موعد أعلنه أولا الرئيس الأميركي باراك أوباما وبعدها صادق عليه «الناتو»، مع التأكيد على أهمية التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد تزامنا مع تسليم السلطة الأمنية إلى الأفغان لضمان عدم اتساع رقعة المعارك فيها.

وقوض اغتيال الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني، الذي كان مكلفا الاتصال بالمتمردين لإجراء مفاوضات سلام، على يد رجل ادعى أنه مبعوث لطالبان في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي، الآمال الضئيلة في التقدم على طريق المفاوضات. وبينما ما زال يصعب تقييم أثر العمليات العسكرية على الأرض، يخدم الوقت مصلحة المتمردين الذين حققوا تقدما في السنوات الأخيرة، وليس حلف شمال الأطلسي.

وهناك عوامل عدة تساهم في هذه التطورات، من بينها الجارة باكستان.. فعلى الرغم من الضغوط الأميركية، فإن باكستان الراعية التاريخية لطالبان في التسعينات من القرن الماضي، ترفض أن تهاجم عسكريا القواعد الخلفية لشبكة حقاني المتمركزة داخل حدودها.

وهناك أيضا عقدة غياب التفاهم بشأن اتفاق لتقاسم السلطة في أفغانستان بسبب عداء الطاجيك والأوزبك في الشمال لأي مفاوضات مع طالبان الذين ينتمي معظمهم إلى الباشتون؛ العرقية المنافسة لهم في جنوب وشرق البلاد. ويقول الخبراء في الشأن الأفغاني إن عناصر طالبان قد لا يكونون مستعدين لقبول أفغانستان تعددية، معتبرين أن وقفا غير رسمي لإطلاق النار سيكون وسيلة مثلى لاختبارهم.

وهناك تساؤلات حول تعدد المؤتمرات حول أفغانستان في ظل استمرار مسلسل الأزمات التي يدفع الشعب الأفغاني ثمنها من دمائه وأمنه واستقراره. وبعد 11 عاما على احتلال أفغانستان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وعشر أخر على المؤتمر الأول الذي عقد في مدينة بون الألمانية حول مستقبل البلاد، تم عقد قمة «الناتو» في مدينة شيكاغو الأميركية التي شارك فيها أكثر من 50 زعيما عالميا يتقدمهم الرئيس الأميركي أوباما نهاية مايو (أيار) الماضي، واتفق التحالف العسكري المؤلف من 28 عضوا والدول المشاركة بقوات على تسليم المسؤولية الأمنية في أفغانستان إلى قوات الأمن الأفغانية بحلول منتصف عام 2013 وسحب قواتهم بحلول نهاية عام 2014.

وقال الخبير الأفغاني محمود عبد الرحمن المتخصص في شؤون الدفاع لـ«الشرق الأوسط»: «إنه لأمر يبعث على القلق أن تسلم القوات الدولية المسؤولية الأمنية إلى قوات الأمن الأفغانية وتغادر أفغانستان بحلول عام 2014 في الوقت الذي تعد فيه قوات الأمن الأفغانية ضعيفة التجهيز وينشط مقاتلو طالبان في كل مكان تقريبا بالبلاد». ويضيف عبد الرحمن: «كيف يمكن أن يأمل الجيش الأفغاني الوليد في التغلب على التهديدات الأمنية التي تشكلها طالبان والسيطرة على الحدود غير المحكمة (مع باكستان)؟».

وبينما كانت هذه الهجمات مسؤولة عن نحو 13 في المائة من الخسائر البشرية بين الأجانب هذا العام، وتأكيد زعيم طالبان الملا محمد عمر أن متمردين نجحوا في اختراق قوات الأمن، يقول حلف شال الأطلسي إن أقل من حادث واحد بين كل 10 حوادث أظهر أدلة على تورط طالبان. وعلقت «نيويورك تايمز» في تقرير لها على أحدث المستجدات في قضية استهداف القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان، بالقول: «على الرغم من قرار الحكومة الأفغانية اتخاذ إجراءات جديدة للحد من هذه الهجمات، فإن مكتب الرئيس كرزاي أكد لأول مرة أن أجهزة مخابرات أجنبية هي التي تقف وراء شن مثل هذه الهجمات». وأفادت الصحيفة أن المتحدث باسم الرئيس الأفغاني إيمال فايزي أعلن أن السلطات الأفغانية تدرس كل هجوم شن من قبل جنود تابعين لقوات الأمن الأفغانية على نظرائهم الأميركيين على حدة، وأنه تبين من استجواب من قبض عليهم من المتهمين أن جهات أجنبية تابعة لدول مجاورة هي التي تقف وراء هذه الهجمات دون أن يذكرها بالاسم. ومع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن الحكومة الأفغانية كثيرا ما تتهم باكستان وإيران بالضلوع في تخطيط مثل هذه الهجمات، الأمر الذي يخالف تقييمات قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في هذا الشأن. حيث رجحت قوات التحالف أن ما يقرب من 90% من هذه الهجمات شنت نتيجة نزاعات شخصية أو ضغوط نفسية أو بسبب اختلافات ثقافية بين الشعب الأفغاني والشعوب الغربية. ومن الجانب الآخر، أعرب العديد من المسؤولين الغربيين والأميركيين – حسب ما أوردت الصحيفة - عن دهشتهم من تقييمات الحكومة الأفغانية حول هذه القضية؛ بل وذهب البعض منهم إلى الانتقاص من أهمية التصريحات التي أدلى بها فايزي. وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) رفض الكشف عن هويته: «إننا لا نمتلك ثمة مؤشرات حول ضلوع كيانات أجنبية في هذه الهجمات». وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من اعتراف الحكومة الأفغانية بأن عددا من هذه الهجمات شن بدافع الانتقام من تصرفات القوات الأميركية تجاه الشعب الأفغاني وأن حركة طالبان ومجموعات مسلحة أخرى هي المرتكب الفعلي لها، فإن هذه المجموعات نجحت في فعلتها تلك بفضل مساعدات من مخابرات أجنبية. وتنفي الحكومة الباكستانية اتهامها بالتورط في عمليات دعم طالبان أو تجنيد قوات أفغانية لمهاجمة عناصر طالبان.

ووفقا لخطة الناتو، ستمتلك أفغانستان قوة أمنية قوامها 352 ألف جندي بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2012 وستحتفظ بهذا الحجم على مدار العامين التاليين لذلك. ولكن مع تحسن الوضع الأمني، تأمل في خفض عدد قوات الأمن الأفغانية إلى 228500 وستحظى بميزانية سنوية تقدر بـ 4.1 مليار دولار أميركي تقدمها الولايات المتحدة ودول التحالف. وعلى الرغم من أن تجديد الالتزام تجاه أفغانستان في قمة الناتو بث مرة أخرى الأمل في نفوس الأفغان، فإن مسلحي طالبان انتقدوا تلك القرارات؛ إذ إنهم يدعون إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية مبكرا من البلاد، وهو أمر متناقض؛ إذ إن طالبان تدعي أنها تحارب «الاحتلال».

وكان الرئيس الأميركي أوباما قد تعهد في كلمته أمام قمة الناتو في شيكاغو بعدم ترك أفغانستان بمفردها، وقال: «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها مع الرئيس حميد كرزاي في كابل تضمن أن لا يقف الأفغان بمفردهم، وسنتفق حول علاقة طويلة الأمد للناتو مع أفغانستان أبعد من عام 2014».

بدوره، سعى الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن إلى إظهار وحدة زعماء الحلف بعد تعهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بسحب قوات بلاده البالغة 3500 جندي هذا العام، مؤكدا أن هولاند أكد أنه وبلاده «ملتزمون بدعم أفغانستان بطرق مختلفة»، حيث قال في وقت سابق إن باريس ستستمر في تدريب القوات الأفغانية.

وذكر موقع «اي كاجواليتز» الإلكتروني، الذي يرصد ضحايا قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، أنه منذ إطلاق العمليات ضد طالبان في أكتوبر 2001، لقي 3007 جنود مصرعهم؛ من بينهم 1979 أميركيا. ولا توجد إحصاءات بشأن عدد الضحايا في صفوف القوات الأفغانية في الحرب ضد طالبان. وحثت الولايات المتحدة كابل على زيادة التدقيق في المتقدمين للخدمة في القوات الأفغانية بعد أن تكرر قتل ضباط في الشرطة الأفغانية جنودا من قوات حلف شمال الأطلسي، مما زاد إجمالي قتلى قوات التحالف جراء مثل هذه الهجمات إلى تسعة خلال 11 يوما. وقد أدى خطر هذه الهجمات إلى تضاؤل الثقة بين قوات الناتو وحلفائها الأفغان، وهو أمر يبعث على القلق بالنسبة للقوى الغربية التي تعتزم سحب معظم قواتها مع نهاية عام 2014. واتفق وزير الدفاع الأميركي بانيتا والرئيس الأفغاني كرزاي على زيادة التدقيق في المتقدمين للخدمة في القوات الأفغانية لمحاولة وقف هذه الهجمات الآخذة في الازدياد؛ إذ أصبحت تقع حاليا بمعدل هجوم في كل أسبوع، وزاد عددها عن إجمالي هجمات العام الماضي. وقالت وزارة الدفاع الأميركية في بيان إن بانيتا حث كرزاي على العمل مع حلف شمال الأطلسي على زيادة جهود جمع المعلومات والتحري وتكثيف الاتصالات مع شيوخ القرى الذين تربطهم علاقات بالجيش والشرطة. وأضاف البيان: «عبر الاثنان عن شعورهما المشترك بالقلق بشأن هذا الموضوع، واتفقا على أن يعمل المسؤولون الأميركيون والأفغان معا بشكل وثيق لتقليل إمكانية وقوع مثل هذه الهجمات في المستقبل». وقتل اثنان من أفراد القوات الأميركية الخاصة الشهر الحالي رميا برصاص جندي أفغاني في ولاية فراه بغرب البلاد، بعد إعلان زعيم طالبان الملا محمد عمر أن عناصر حركته نجحوا في اختراق قوات الأمن. وبعد مقتل اثنين من مستشاريه العسكريين على أيدي حركة طالبان، سحب حلف شمال الأطلسي، كل مستشاريه العسكريين العاملين في الوزارات الأفغانية. وندد البنتاغون، بالهجوم الذي قال مسؤولون أميركيون إن منفذه لا يزال طليقا، وأسفر عن مقتل ضابطين أميركيين برتبتي عقيد ورائد، مما دفع بقائد قوات الناتو، الجنرال ألان، لإصدار أوامر باستدعاء كل المستشارين العسكريين التابعين للناتو، العاملين بوزارات أفغانية في العاصمة كابل. وحث وزير الدفاع الأميركي بانيتا الحكومة الأفغانية على اتخاذ إجراء حاسم لحماية قوات «الناتو» ووقف العنف وذلك بعد مقتل ضابطين أميركيين بالرصاص داخل مبنى وزارة الداخلية الأفغانية.

وتثير مشكلة الهجمات المتتالية من مسلحين في زي عسكري أفغاني رسمي تحديات كثيرة، على رأسها قضية الثقة بين الطرفين، خاصة مع الاستعداد للانسحاب من البلاد. كما أن الاعتماد على القوات الأفغانية مسألة أساسية من أجل مواصلة العمل على تنمية أفغانستان وإخراجها من حالة «الدولة الفاشلة» غير القادرة على توفير أبسط الخدمات لشعبها. ويقول الخبراء الغربيون إن أفغانستان ستظل تعتمد على المساعدات الاقتصادية العالمية حتى عام 2025، وإنها ستحتاج إلى 10 مليارات دولار على الأقل سنويا لدعم الشرطة والقوات المسلحة بعد مغادرة القوات الأجنبية البلاد بنهاية 2014. وتبدو الأرقام كبيرة للوهلة الأولى، لكنها ستكون أقل من حجم التكلفة السنوية العسكرية الحالية التي يتحملها المجتمع الدولي في أفغانستان والتي تصل إلى 140 مليار دولار.