الأردن: اللاجئون السوريون.. الهاجس الجديد

عمان تستنفر طاقاتها للسيطرة على تدفق الفارين من نيران نظام الأسد

TT

زادت وتيرة أعمال العنف والقمع في سوريا، وازدادت معها كثافة الفارين السوريين من الحرب، إلى حدود الدول المجاورة، خاصة إلى الأردن.. وحسب إحصائيات رسمية فإن أعدادهم قد بلغت رقما قياسيا؛ إذ وصل عدد اللاجئين الذين نجحوا في الفرار خلال أسبوع إلى نحو 17 ألف لاجئ، لكن الأردن ذو الإمكانيات المادية المحدودة قد يضطر إلى إغلاق حدوده أمام تدفق الوافدين، في حال تأخرت المساعدات الخارجية.

وتزيد قضية اللاجئين السوريين إلى الأردن مشكلة جديدة إلى المشاكل الموجودة أصلا بين البلدين. فالحدود التي يبلغ طولها 375 كيلومترا من جنوب بحيرة طبرية (شمال غرب) حتى نقطة التقاء الحدود الأردنية - السورية - العراقية (شرقا)، هي مشكلة في حد ذاتها، وتم وضعها خلال اتفاقية «سايكس – بيكو» عام 1916 من القرن الماضي زمن الاستعمارين البريطاني والفرنسي للمنطقة العربية، وما زالت قضية ترسيم الحدود بين الأردن وسوريا قائمة، ولم تحل رغم سنوات العسل التي مرت بها العلاقات الثنائية بين البلدين. كذلك ما زالت سوريا تستهلك الكمية الكبرى من مياه نهر اليرموك المشتركة، ولم تسمح للأردن بأخذ حصته المائية، حيث لم يتمكن الأردن الفقير مائيا من تعبئة سد الوحدة المقام على النهر بأكثر من 16 مليون متر مكعب، مع أن سعته التخزينية تبلغ 100 مليون متر مكعب. والزائر إلى المنطقة الحدودية من منطقة المخيبة جنوب طبرية، شمال غربي الأردن، بحاجة إلى تصريح أمني هذه الأيام كي يسير بطريق زراعي متعرج طوله 47 كيلومترا، ويلاحظ نقاط المراقبة العسكرية التي تتمركز فوق المرتفعات والمناطق المشرفة على الحدود، إضافة إلى الوديان السحيقة التي تنتهي بمجرى نهر اليرموك. وسرعان ما تبتعد عن هذه الوديان حتى تصل إلى منطقة سهلية، هي امتداد لسهل حوران، حيث تقع بلدات عمراوة والذنيبة والشجرة والطرة؛ وهذه الأخيرة تصدرت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام بعد سقوط قذائف وأعيرة نارية وسطها وإصابة طفلة بجروح.

وتشهد البلدات الأردنية الحدودية سابقة الذكر حالة استنفار من قبل الأجهزة الأمنية وقوات الجيش الأردني التي تتولى حماية الشريط الحدودي، خاصة في المنطقة الفاصلة بين بلدة الطرة وبلدة تل شهاب السورية، حيث يلاحظ الزائر مدى تداخل الحدود السياسية وتعرجها في سهل حوران لدرجة يصعب معها على الزائر أن يحدد هل هو في الأراضي السورية أم الأردنية، إلا من بقايا شريط شائك لم يعد له أثر في الآونة الأخيرة. كما أن تداخل ملكيات الأراضي بين الأردنيين والسوريين بدا واضحا، وكانت قوات الجيش في كلا البلدين - قبل الأزمة السورية - تسمح للمزارعين في البلدين بالعمل في أراضيهم من أجل زراعتها ضمن ترتيبات أمنية.

بدأت عمليات تسلل السوريين منذ بداية الأحداث في مارس (آذار) 2011 بالعشرات هربا من أعمال القمع والقتل التي تمارسها قوات النظام ضدهم. وهؤلاء وجدوا في مدينة الرمثا ملاذهم الآمن، خاصة أن تداخل العشائر الأردنية والسورية بدا واضحا هناك، فمعظم سكان الرمثا الأردنية لهم أبناء عمومة في مدينة درعا السورية، حتى وصل العدد إلى أكثر من 140 ألفا يتوزعون في شتى المدن الأردنية، وتم احتضانهم من قبل العائلات الأردنية. لكن مدينتي الرمثا والمفرق الحدوديتين كان لهما النصيب الأكبر في احتواء هذه الأعداد، وتقوم الجمعيات الخيرية الأردنية بتقديم مساعدات غذائية ومالية بالتعاون مع جمعيات خليجية.

وفي أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي، وافقت الحكومة الأردنية على افتتاح أول مخيم رسمي للاجئين السوريين في منطقة الزعتري القريبة من مدينة المفرق الحدودية، وذلك لاستيعاب الأعداد المتزايدة من هؤلاء اللاجئين ونقل آخرين كانوا يفترشون الشوارع والميادين العامة في مدينة الرمثا، بالتعاون مع الأمم المتحدة والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية. ويتسلل المئات - بل الآلاف حاليا - من السوريين كل ليلة عبر الشريط الحدودي من بلدة تل شهاب السورية المقابلة لبلدة الطرة الأردنية، حيث إن القوات الأردنية تقوم على مساعدة هؤلاء اللاجئين، وأحيانا تقوم بإطلاق النيران التحذيرية باتجاه القوات السورية، التي تطلق في العادة النيران على هؤلاء وتصيب بعضهم بجروح. وتقوم السلطات الأردنية بنقل الجرحى إلى المستشفيات الأردنية لإسعافهم، ونقل هؤلاء اللاجئين إلى مخيم الزعتري بعد أن يراجعوا الدوائر الأمنية.

والزائر إلى بلدة الطرة الأردنية في ساعة متأخرة من الليل يشاهد الحافلات العسكرية التي تنقل هؤلاء اللاجئين، ومعظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، إلى مخيم الزعتري. حيث يقول محمد الدرايسة، من سكان البلدة، لـ«الشرق الأوسط»: «اعتدنا في الآونة الأخيرة مشاهدة الحافلات العسكرية التي تنقل اللاجئين من عند الشريط الحدودي الذي لا يبعد مئات الأمتار عن البلدة. وعادة يكون هناك تنسيق بين أفراد الجيش (السوري) الحر والجيش الأردني بعدد القادمين من سوريا حتى يتم إحضار الحافلات الكافية وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى إلى المستشفيات الأردنية في منطقة الشمال». ويضيف «خلال الفترة الماضية كنا نسمع تبادل إطلاق النيران بين الجيش النظامي (السوري) والجيش الحر.. وأحيانا تصل إلينا بعض الأعيرة النارية الطائشة أو القذائف العمياء. وقد أصابت طفلة صغيرة بجروح طفيفة وخلفت حالة من الهلع والخوف بين الأهالي»، موضحا أنه «أحيانا يقوم الجيش السوري النظامي بإطلاق النيران على اللاجئين، وقد يصيب البعض منهم.. إلا أن القوات الأردنية تطلق النيران لمناوشتهم من أجل تغطية عملية الدخول».

ويشير الدرايسة إلى أن معظم من يصل إلى الأراضي الأردنية يكون منهكا من التعب والخوف والجوع، وقد تستغرق الرحلة من سبع إلى عشر ساعات مشيا على الأقدام أو الاختباء لأوقات طويلة حتى يتم تأمين الطريق. ويقول «تبذل القوات الأردنية جهودا كبيرة، وعلى مدار الساعة، لتأمين الشريط الحدودي بين الأردن وسوريا ومنع عمليات التسلل والتهريب، وحماية الأردن والمواطنين في تلك المنطقة من أي تداعيات سلبية. وإلى جانب هذا الواجب الرئيسي، تسهم هذه القوات بشكل فاعل بالتنسيق مع مختلف الأجهزة المعنية في استقبال اللاجئين السوريين من الشيوخ والأطفال». وتعمل هذه القوات على التخفيف من معاناة اللاجئين وتأمين الاحتياجات الأساسية لهم بالشكل اللائق، وكذلك تقوم بتسجيل البيانات الخاصة بهم، وتقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني لهم؛ من حيث الإطعام والإسكان، وتقديم الخدمة الطبية والعلاجية للمرضى والإسعافات الأولية للمصابين، وأيضا نقل اللاجئين إلى مراكز ومخيمات الإيواء الخاصة بهم.

وتعمل فرق الإغاثة من مفوضية الأمم المتحدة والهيئة الأردنية الخيرية الهاشمية على تقديم الخيام والفراش والاحتياجات الخاصة بهم، أو ما يطلق عليه «الطرد الصحي» من مواد تنظيف وصابون ومناشف، إضافة إلى الطعام، حيث يصل معظم هؤلاء منهكين من التعب والعطش والجوع. وتشارك هذه الفرق مستشفيات ميدانية من المغرب وفرنسا والإمارات العربية، إضافة إلى حملات تبرعات قدمتها المملكة العربية السعودية وقطر وغيرهما من دولة الخليج العربي.

وأمام ازدياد الأعداد الكبير، ووصولها إلى أرقام قياسية، أصبحت فرق الإغاثة عاجزة عن تقديم الخدمات الإنسانية بالشكل المطلوب. وقد نفدت تقريبا جميع الخيام الموجودة في المستودعات الرئيسية. وإذا ما كانت هناك عمليات نزوج جماعية كبيرة، فإن الأردن سيكون عاجزا عن إسكانهم في الخيام، وقد يضطر إلى فتح المدارس مؤقتا في انتظار وصول الإمدادات الدولية التي وعدت العديد من الدول بإرسالها إليه بشكل عاجل، بحسب مصادر أردنية. وقد أدت الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في الزعتري إلى خروجهم في مسيرات احتجاجية، نتجت عنها صدامات مع قوات الأمن، التي أصيب منها 28 عنصرا بجراح، أحدهم حالته خطرة.

وبعد هذه الأحداث، أصبح الأردن الرسمي متوجسا من وجود خلايا نائمة تابعة للنظام السوري، طالما تحدثت عنها وسائل الإعلام الأردنية، حيث دلت التحقيقات على أن مثيري الشغب هم من مؤيدي النظام، والبعض منهم أرسله النظام السوري لافتعال المشكلات والإساءة إلى اللاجئين السوريين. إلا أن الحكومة الأردنية أرسلت رسالة سريعة وحاسمة إلى النظام السوري بإعلانها ترحيل 200 لاجئ من مثيري الشغب في المخيم، واتخذت عدة إجراءات أمنية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الأحداث.

فعلى مدار الأزمة السورية، ظل الأردن ملتزما بخط محايد لتفادي عداء سوريا، التي تعتبر شريكا تجاريا مهما له ومعبرا حيويا لبضائعه. لكن مع تسارع وتيرة تدفق اللاجئين واستمرار الحرب داخل سوريا، تعقدت الأمور بالنسبة للأردن، مما دفعه إلى تغيير نسبي في مواقفه تجاه جارته الشمالية، فقد حذر الأردن أكثر من مرة من احتمال تأثير ما يجري في سوريا على استقرار المنطقة لينحاز أكثر فأكثر إلى معارضي النظام السوري.

ويقول رئيس الوزراء الأردني الأسبق سمير الرفاعي إن «الأزمة في سوريا، بالنسبة للأردن، تحمل أبعادا وتحديات واحتمالات مفتوحة وقد تصبح - في لحظة من اللحظات - مسألة أمن قومي أردني، أكثر منها أزمة خارجية يعيشها بلد عربي مجاور». ويضيف أن «الاحتمال الأسوأ بالنسبة لنا في الأردن هو استمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وتطوره تاليا إلى حرب أهلية، بدأت مقدماتها بالبروز على الأرض مع وجود حالة ملموسة من الانقسام الأهلي، بين مؤيدي النظام ومناصري الثوار»، مشيرا إلى أن مثل هذا الاحتمال يعني أن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا لا يمكن أن تبقى ضمن نطاق حدودها السياسية، وإنما ستسعى للتمدد إقليميا، وعلى كل صعيد، و«ستكون لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة علينا في الأردن».

لكن يبقى التحدي الأكبر الذي يواجهه الأردن في الوقت الحالي هو استمرار تدفق اللاجئين السوريين عبر الحدود بأعداد كبيرة، من دون تدخل الدول الغنية لمساعدته في احتواء هذه المشكلة؛ مما تترتب عليه أعباء إضافية أمام شح موارده والمديونية التي تثقل كاهله، مما يجعله عاجزا عن استقبال المزيد من اللاجئين السوريين. وقد يضطر الأردن إلى المطالبة بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لإغاثة السوريين في بلادهم. وتقول السلطات الأردنية إن عدد اللاجئين السوريين فوق أراضيها يتجاوز 190 ألف لاجئ، وإن 17 ألف طالب منهم في انتظار الالتحاق بالمدارس الحكومية أو إنشاء مدارس خاص لهم بسبب اختلاف المناهج الدراسية.