السيدة الأولى.. سلاح أوباما الناعم

قصة كفاح وصلت إلى قمة السلطة

TT

يقول المثل: «وراء كل رجل عظيم امرأة».. والبعض يضيفون: «أعظم منه». فدور المرأة كبير في التأثير على زوجها وعلى مستقبل أسرتها في مفاصل مختلفة من الحياة، وبغض النظر عن تفاصيل العائلة المعينة. وتلعب زوجة الرئيس الأميركي، باعتبارها السيدة الأولى، بشكل أخص دورا كبيرا في السياسة، وإن كان بصورة غير مباشرة. وتلعب السيدة الأولى دورا اجتماعيا وسياسيا وتاريخيا يعكس مكانة المرأة في المجتمع الأميركي، وكثيرا ما يكون له نفوذ قوي داخل وخارج الدوائر السياسية ويتم استغلاله بصورة واضحة في الحملات الانتخابية.

وقد تألقت ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في كلمتها الحماسية أمام الحزب الديمقراطي، بداية الشهر الحالي، لحشد الناخبين لدعم زوجها لإعادة انتخابه لفترة ولاية ثانية. واستغلت كل قدراتها ونفوذها وتأثيرها على الجماهير لحشد تأييدهم لزوجها. وركزت السيدة الأولى على صفات زوجها ومبادئه، وأكدت أنها كانت البوصلة التي توجه قراراته في كل المجالات من تعليم واقتصاد وصحة، وحاولت كسب تأييد الأميركيين عن طريق الإشارة إلى أن الرئاسة لم تغير زوجها وأنه يستحق ثقة البلاد لولاية ثانية.

وذكرت ميشيل أوباما أنها وزوجها ينحدران من أسرتين متواضعتين، وأنها ابنة موظف بلدية ووالدتها سكرتيرة، في حين نشأ أوباما من دون أبيه مع والدته التي كانت تعمل جاهدة لتسديد فواتيرها. وقالت ميشيل: «النجاح لا يقاس بالمال الذي تكسبه، وإنما بالفارق الذي نحدثه في حياة الآخرين»، متحدثه عن أوباما الأب والزوج الذي لم ترده أن يتغير بعد وصوله للرئاسة، وأكدت أنها تحب زوجها أكثر مما كانت تحبه قبل أربع سنوات.

وقد بدا واضحا تأثير السيدة الأولى على الأميركيين، وقد أخذتهم بأناقتها وفستانها الزهري وأدائها الصادق، وتأثرها أثناء إلقاء الخطاب المعد مسبقا وهي تقرأه بحماس واندفاع. وقالت ميشيل أوباما أمام 6 آلاف مندوب للحزب: «علينا أن نوحد صفوفنا وأن نقف إلى جانب الرجل الذي يمكننا الوثوق به، لدفع هذه البلاد إلى الأمام»، وسط تصفيق الحاضرين لأكثر من دقيقة ونصف وهم يرفعون لافتات كثيرة كتب عليها: «نحن نحب ميشيل».

هذا التأثير على الناخبين، وخاصة على السيدات، بدا واضحا في استطلاعات الرأي، حيث تتجاوز نسبة تأييد الأميركيين لميشيل أوباما نسبة 65 في المائة، أي أكثر بـ20 نقطة من معدل التأييد لزوجها. وبات واضحا في التغريدات المرسلة إلى ميشيل أوباما عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أثناء الخطاب، حيث بلغت 28 ألف تغريدة في الدقيقة. وأشاد المحللون الأميركيين في وسائل الإعلام بخطاب ميشيل، إذ قال أحدهم: «إننا نشهد تحول ميشيل من زوجة سياسي إلى سياسية محنكة».

وقد لعبت زوجة المرشح الجمهوري، آن رومني، دورا مماثلا في حشد تأييد الناحبين لزوجها في مؤتمر الحزب الجمهوري، مما حدا ببعض المحللين إلى وصف الانتخابات الرئاسية لعام 2012 بأنها تدور حول المرأة حيث كان التركيز على المتحدثات من النساء والناخبات من النساء، وتحدثت كل من آن رومني وميشيل أوباما بخطابات عاطفية حول دور كل منهما كأم وزوجة.

ويقول المقربون من السيدة الأولى ميشيل أوباما (48 عاما) إنها امرأة ديناميكية، ذات شخصية قوية، مرحة ولبقة وخفيفة الظل، محبة لزوجها وعائلتها إلى أبعد الحدود، ولذا تحظى بشعبية كبيرة. وقد أصبحت ميشيل في الأشهر الماضية أكبر مدافع عن زوجها أمام استياء الناخبين من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وشاركت مند مارس (آذار) الماضي في أكثر من 80 تجمعا لجمع الأموال لحملة أوباما.

يشيد أنصارها برقتها وذكائها وفصاحتها وقدرتها على الاندماج مع الآخرين بسرعة وسهولة، أما منتقدوها فيأخذون عليها صراحتها المبالغ فيها وسخريتها وتقلب مزاجها، ومشاعرها العنصرية تجاه البيض، وتطلق عليها بعض وسائل الإعلام اليمينية اسم «النصف المر لأوباما».

وقد تعرضت ميشيل لانتقادات كثيرة بسبب طريقتها في الحديث عن زوجها، فقالت عنه أنه يشخر أثناء نومه، ورائحة فمه تكون مزعجة في الصباح، ولم يتعلم أبدا وضع جواربه المتسخة في سلة الغسيل. وقالت ميشيل عن تصريحاتها: «لا أستطيع أن أمسك لساني، ودائما أمزح مع زوجي، وهو قادر على التعامل مع امرأة قوية، وهذا أحد الأسباب التي تجعله قادرا على أن يكون رئيسا».

وفي المقابل، خرج الرئيس أوباما بتصريحات أكثر صراحة في برنامج «ذا فيو» على محطة «إي بي سي» في مايو (أيار) الماضي، معترفا بأن زوجته ميشيل تسخر من شكل أذنيه، ومن طريقة تناوله للفول السوداني، حيث يأخذ حفنة كبيرة ويلقيها في فمه مرة واحدة، وتشعر بالغيرة عندما يغني. وقال عنها أوباما: «إنها أكثر مني ذكاء، وأشد مني بأسا، وبالتأكيد أجمل مني».

جذبت ميشيل أعين جمهور الناخبين الأميركيين لأول مرة، عندما ألقت خطابا حماسيا وقويا في المؤتمر الديمقراطي عام 2004 وقد انتخب باراك أوباما بعده في مجلس الشيوخ ليصبح سيناتورا عن ولاية إلينوي في نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس العام. وفي عام 2007، شاركت في كثير من المؤتمرات لمساندة زوجها حتى فاز بترشيح الحزب الديمقراطي، ثم فاز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية في عام 2008.

ومنذ ظهور آل أوباما في دائرة الأضواء، عرف عن ميشيل أوباما أنها شخصية فولاذية، وأدرجتها جامعة هارفارد في لائحة قائمة الـ100 خريج الأكثر تأثيرا، واختارتها مجلة «بيبول» ضمن قائمة السيدات الأكثر أناقة لعام 2008، وأشادت المجلة بأناقتها الكلاسيكية الواثقة. وأصبحت قدوة للنساء ونموذجا في عالم الموضة والأزياء. حيث تعكس أزياء السيدة الأولى شخصيتها وثقافتها بقدر ما تعكس إنفاقها وطريقتها الاقتصادية.

وضعت ميشيل أوباما في مقارنات كثيرة مع سيدات الولايات المتحدة السابقات عليها، قورنت بجاكلين كنيدي في أسلوبها وأناقتها، وقورنت بباربرا بوش في انضباطها، وعلق المحللون على فستانها أثناء حفل تنصيب أوباما رئيسا في يناير (كانون الثاني) 2009 بأنها يحمل مزيجا من نانسي ريغان، زوجة الرئيس الجمهوري رونالد ريغان ذات الشعبية العالية، وجاكلين كيندي، زوجة الرئيس الأميركي الديمقراطية ذات الشعبية الواسعة أيضا، جون كيندي. ولكن الفرق الواضح والأكيد بينها وبين السيدات السابقات عليها كان لون بشرتها.

وقد اشتهرت ميشيل أوباما بارتدائها لفساتين بلا أكمام لإظهار ذراعيها وقوامها الممشوق. وركزت وسائل الإعلام على فستانها الذي ظهرت به في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي صممته ترايسي رايس ذات الأصول الأفريقية، وقارنته بالفستان الأحمر الذي ظهرت به آن رومني في مؤتمر الحزب الجمهوري من أزياء «أوسكار دي لارونتا»، حيث يعكس فستان ميشيل الذي لا يتعدى ثمنه 400 دولار رسالة إلى الطبقات المتوسطة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. في حين جاء ثمن فستان آن رومني بما يجاوز 2000 دولار ليعكس ثقافتها وانتماءها لطبقة الأغنياء.

وأثار أوباما انتقادات لاذعة عندما علق ساخرا أنه يجب على السيدة الأولى أن تحصل على أجر مقابل عملها الصعب. وأثار ذلك الانتقادات حول الأموال التي تنفقها السيدة الأولى من نفقة دافعي الضرائب في رحلات لهاواي لقضاء العطلة، ورحلات لجميع أنحاء العالم، ولشراء الملابس، إضافة إلى طاقم الموظفين الذين يعملون لمساعدة السيدة الأولى، حيث يعمل 18 موظفا بمكتب السيدة الأولى ويحصلون سنويا على ما يقرب من 1.5 مليون دولار (وفقا لتقرير الإدارة السنوي إلى الكونغرس حول موظفي البيت الأبيض وأجورهم).

* قصة كفاح

* تقول عنها صديقتها المقربة فاليري غاريت، التي أصبحت من أقرب المستشارين للرئيس أوباما: «أهم ما يميزها أنها متواضعة وقادرة على الاستمرار في تواضعها حتى وهي السيدة الأولى، وتتعامل مع الأطفال كما تعامل أطفالها هي، ولذا يعتبرها الكثيرون أمّا مثالية ورمزا لكل الأمهات».

ويرسم البيت الأبيض للسيدة الأولى صورة الزوجة المهتمة بشؤون منزلها وأسرتها، وتأتي ابنتاها ماليا 14 عاما وساشا 11 عاما في المرتبة الأولي لاهتماماتها. ويقول موقع البيت الأبيض: «عندما يسأل الناس السيدة الأولى ميشيل أوباما عن الوصف الذي تختاره لنفسها، فإنها لا تتردد في القول إنها أم ماليا وساشا».

ويركز الحزب الديمقراطي على قصة كفاح ميشيل وقدومها من أسرة سوداء متواضعة الحال، ويعتبر وصولها إلى مركز السلطة والأضواء قصة كفاح مثيرة لحماس الطبقة المتوسطة وتجسد الحلم الأميركي. ولا يمل آل أوباما من ترديد قصة حياة ميشيل التي تمتلئ بها كل المواقع الإلكترونية، وتضع ميشيل أوباما في صفحتها على «فيس بوك» كثيرا من الصور العائلية مع أبويها وأخيها غريج، كما تضع صورا لزوجها وابنتيها أثناء قضاء الإجازة بعيدا عن الرسميات. وتركز ميشيل دائما على حياتها العائلية ضمن دور الزوجة وربة البيت من الدرجة الأولى كي تتناسب مع «القيم العائلية» المحافظة. ولدت ميشيل في 17 يناير 1964 في شيكاغو بولاية إلينوي، وهي ابنه فريزر وماريان روبنسون، كان والدها يعمل مسؤولا بإدارة المياه بمدينة شيكاغو، وعلى الرغم من مرضه بمرض تصلب الشرايين، فإنه لم يتغيب عن عمله يوما واحدا، حتى يوفر لأبنائه مصاريف التعليم، وعاشت ميشيل وأخوها غريج في بيت متواضع في الجانب الجنوبي «الفقير» من شيكاغو. وتمتد جذور أسرة روبنسون الأب إلى ما قبل الحرب الأهلية حيث عاش الجد الأكبر جيم روبنسون كـ«عبد» في ولاية جنوب كارولينا.

درست ميشيل أوباما علم الاجتماع والدراسات الأفريقية الأميركية في جامعة برينستون العريقة وتخرجت بدرجة امتياز عام 1985، وبعد تخرجها في كلية الحقوق جامعة هارفارد عام 1988 عملت في مكتب محاماة أوستن سيدلي شيكاغو، حيث التقت في وقت لاحق بالرجل الذي أصبح سيناتورا ثم رئيسا للولايات المتحدة. ويعتبر تعليم ميشيل أوباما وعملها محامية مرموقة أمرا يرمز إلى إخلاصها لزوجها والوقوف بجواره بينما يتابع طموحه السياسي، مما تطلب منها أن تركز جهودها على العائلة لاحقا. التقت ميشيل وأوباما في فرع شركة «أوستن سيدلي للقانون» بشيكاغو التي تعمل في مجال التسويق والملكية الفكرية، حيث جاء أوباما للعمل متدربا، وكانت ميشيل تتقلد منصب مستشار بالشركة. وتذكر ميشيل في كثير من الأحاديث التلفزيونية أنها رفضت في البداية الاستجابة لطلب أوباما في الخروج معا، إلا أنها رضخت في النهاية، وسرعان ما وقعا في الحب، وجاءت أول قبلة بينهما في مركز شيكاغو للتسوق. وقد قام مركز تسوق شيكاغو في أغسطس (آب) الماضي بوضع لوحة كبيرة لباراك أوباما وهو يقبل ميشيل، في إشارة إلى القبلة التي تمت بين الزوجين قبل عشرين عاما.

وفي 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1992 تزوج باراك وميشيل في كنيسة المسيح، بعدها اتجهت ميشيل إلى العمل العام في مستشفيات جامعة شيكاغو. ورافقت زوجها خلال حملاته الانتخابية حتى فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2008 لتصبح أول سيدة سوداء تتقلد منصب السيدة الأولى.

وتركز ميشيل في عملها الاجتماعي كزوجة الرئيس على خدمة ودعم عائلات العسكريين وتشجيع الخدمة الوطنية وتعزيز الفنون والتغذية الصحية السليمة خاصة للأطفال. وأطلقت ميشيل حملة «هيا نتحرك» لتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة وتناول الوجبات الصحية، ولاحقتها كاميرات الصحافة والتلفزيون وهي تعلم الأطفال زراعة الخضراوات في حديقة البيت الأبيض. وقد أصدرت ميشيل أوباما كتابا بعنوان «أميركا تزرع - قصة حقيقة البيت الأبيض وحدائق المطبخ في كل أرجاء أميركا». كجزء من مهمتها في تعزيز تناول الطعام الصحي. وقد استعرض الكتاب محطات في حياة السيدة الأولى من طفولتها في شيكاغو إلى حياتها في البيت الأبيض.

ويذكر أنه خلال الحملة الرئاسية الانتخابية الأولى لعام 2008، كررت ميشيل عدم رغبتها في الظهور كثيرا في الإعلام، أو التدخل في الشؤون السياسية، مؤكدة أنها «الأم الأولى» قبل أن تكون السيدة الأولى. كما أنها تحاول عدم الظهور كثيرا في الحملات الانتخابية. إلا أنه مع اقتراب موعد الانتخابات عام 2008، ومع شدة المنافسة بين أوباما والمرشح الجمهوري حينها جون ماكين، قررت حملة أوباما الاعتماد بشكل أكبر على ميشيل بسبب شعبيتها، خاصة بين فئات مهمة من الناخبين من الشباب والسيدات والأميركيين من أصول أفريقية. وهذه المرة أيضا، قررت ميشيل أن تدخل في مخاض الحملة الانتخابية رغم ترددها. وتؤكد مصادر من حملة أوباما أن السيدة الأولى ما زالت سياسية في جذب الناخبين وتشجيعهم على دعم زوجها. وباتت ميشيل أوباما تسمى في بعض وسائل الإعلام الأميركية بـ«السلاح السري» أو «السلاح الناعم» الذي يمكن لأوباما إطلاقه في الحملة الانتخابية. وتعتبر ميشيل أوباما اليوم من أكثر النساء المؤثرات في الولايات المتحدة، وربما الأهم من ذلك المرأة الأكثر تأثيرا على رئيس القوة الأكبر في العالم.