الهند.. مآسي آسام

بسبب التوترات الطائفية.. قرى تحرق ومواطنون يذبحون.. ونزوح بمئات الآلاف

TT

قالت سبلا موشاري (35 عاما) التي تعيش الآن مع ابنتيها المراهقتين في مخيم للاجئين البودو: «إذا عدنا سيهاجموننا مرة أخرى، فمن الذي سينقذنا؟ لقد عدت إلى منزلي ولم أجد فيه شيئا قط».

ويقول رزاق علي، البالغ من العمر 26 عاما «كان مشعلو الحرائق من البودو جاءوا بعد منتصف الليل». وبعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى قريته مع أخيه الأكبر ماتير رحمان، كان كل ما وجده علي كومة ما كان يطلق عليه في السابق منزله.

أما جوي محمد شيخ، فرافق زوجته وأطفاله الخمسة إلى مخيم للاجئين المسلمين، لكنه كان عاد إلى القرية ليحمي منزله، الذي تعرض للسلب، لكنه لم يحرق، وقال إنه شكل مع مجموعة من الرجال الآخرين فرقة لحماية المكان.

وقال: «نحن نريد حماية منازلنا، سيكون من المستحيل العودة إلى بعض القرى، فالأوضاع خطرة للغاية، لكننا لن نغادر القريبة، وإذا أرادوا قتلنا فليقتلونا، كيف نترك أرضنا؟».

هؤلاء هم بعض ضحايا التوترات الطائفية الأخيرة بين السكان البودو والمهاجرين المسلمين القادمين من بنغلاديش الذين استقروا في ولاية آسام شمال شرقي الهند. وقد تعرضت قرى بكاملها لعمليات سلب وأحرقت، وقد ألقت السلطات القبض على بعض الأفراد وألقى كل جانب باللائمة على الجانب الآخر.

وعلى الرغم من تأكيد المسلمين أن أصولهم تعود إلى مسلمي شرق البنغال الذين قدموا إلى الهند أثناء الاحتلال البريطاني، يزعم السكان المحليون أن تزايد أعداد المسلمين جاء نتيجة توافد لاجئين من مناطق أخرى في شرق باكستان قبيل الحرب الهندية - الباكستانية عام 1971، والهجرة غير الشرعية من بنغلاديش. ما يشكو منه السكان البودو هنا هو التشويه الذي يسببه تدفق المهاجرين غير الشرعيين للتركيبة السكانية والصراع حول ملكية الأراضي. ويعتقد البودو، السكان الأصليون لولاية آسام، أن تدفق الهجرة غير المنضبط من بنغلاديش شكل ضغطا على الأرض، ما يهدد هويتهم ويجعلهم غير قادرين على الحصول على الأراضي والوظائف والمتطلبات الأخرى، حيث ينافس البنغلاديشيون السكان البودو في الحقوق المستحقة لهم.

ويقول المسلمون، إن مثل هذه المزاعم إنما هي لذر الرماد في العيون بعيون بهدف التعتيم على الحملة البودية لطرد السكان المسلمين الأصليين والتي وصفوها بالتطهير العرقي. كانت بربرية العنف وفظاعته واضحة، فبعض القتلى الذين بلغ تعدادهم 85 شخصا، ذبحوا كالخراف، وحرق أكثر من 14.000 منزل ونزح أكثر من 400.000 شخص إلى مخيمات الإغاثة.

تكتظ المباني العامة والساحات والمدارس والكليات والمتنزهات والحقول بحشود من الأشخاص الذين تركوا منازلهم وقراهم مهجورة تماما. وتناثرت الكتب المدرسية والسلع وأشرطة الكاسيت على الأرض إلى جانب الجثث المتعفنة للحيوانات النافقة، في مشاهد مؤرقة لقرى كانت تضج بالحياة من قبل.

ويبدي المسلمون الغاضبون وصفهم بشكل دائم بالمهاجرين غير الشرعيين تخوفا، فيقول اللاجئون: «مع التهام النار لمنازلنا ووثائقنا، سيزعمون الآن أننا كلنا أجانب وسيضايقوننا كي نثبت أننا هنود». وأشاروا أيضا إلى مخيمات اللاجئين التي توجد منذ عقود ويتساءلون عما إذا كانوا سيتمكنون من العودة إلى حياتهم مرة أخرى، فمخيم لجنة منطقة بونجايجاون للاجئين المسلمين أقيم منذ عام 1993، ويذكر عبد الجمال، سكرتير اللجنة: «حدث ذلك بنفس الطريقة قبل 20 عاما، ففي إحدى الليالي عندما كنت نائما استيقظنا على أصوات طلقات الرصاص. كنت حينها في الخامسة والعشرين من. خرجت من المنزل ورأيت الكوخ تشتعل فيه النيران وفي ضوء اللهب رأيت الناس يتقاتلون بالخناجر والنساء والأطفال يهربون في كل اتجاه. جريت بأقصى ما أستطيع واختبأت في الغابة. فقد الكثير منا في هذه المجزرة أفرادا من عائلاتهم، وكان البعض محظوظا كي يتعرفوا على الأقل أقاربهم الذين ماتوا، في حين لم يجد آخرون أي مكان يذهبون إليه، سواء أكانوا أحياء أو أمواتا».

من ناحية أخرى، يلقي البودو باللائمة في أحداث العنف الأخيرة المهاجرين غير الشرعية القادمين من بنغلاديش. ويقول موشاهامين في مخيم إغاثة البودو: «بعضهم كانوا أصدقائي، لكن عندما يأتي أقاربهم عبر الحدود بالأسلحة والقنابل لا نستطيع التصدي لهم. الحقيقة أنهم يحذرون مسبقا في بعض الأحيان ويطلبون منا الرحيل. اللاجئون الذين يعبرون الحدود خطر، وهم مهربون ويريدون الاستيلاء على أرضنا».

خلال العقود الستة الماضية شهدت آسام الكثير من سفك الدماء. فقد اندلعت أولى الصدامات بين البودو والمسلمين في عام 1952 عندما حاول المسلمون الاستقرار في مناطق البودو. هذه التوترات التنافسية جعلت العلاقة بين البودو والمسلمين متقلبة بشكل كبير. فقد خلفت مذبحة نيلي أكثر من 3.000 قتيل غالبيتهم من المسلمين نتيجة الكراهية والغضب المشتعل بين الطائفتين. كما شهدت الفترة من عام 1991 إلى 1994 سلسلة من الصدامات وإجبار المسلمين على النزوح عن أراضيهم.

وتحفل آسام، التي يبلغ عدد سكانها 31 مليونا، بتاريخ طويل من الصراعات العرقية. ويتركز الصراع الحالي في المنطقة الغربية من الولاية التي يزعم البودو أنها أراضيهم. وعلى مدى سنوات حارب المتمردون البودو للحصول على حق الحكم الذاتي سياسيا، مع مطالب البعض بإقامة دولة وسعي آخرين إلى إقامة لإقامة دولة بودو المستقلة.

في عام 2003 توصلت الحكومة المركزية الهندية إلى اتفاق مع المتمردين البودو لوقف التمرد في مقابل إنشاء إقليم يتمتع بحكم ذاتي، وهو ما يعرف الآن باسم مناطق الحكم الذاتي الإقليمي لبودولاند، وهي الصيغة التي طالما استخدمها القادة الهنود في إخضاع الأقاليم، وإقناع المتمردين بالتخلي عن قوة السلاح في مقابل صناديق الاقتراح.

خفتت حدة النزاع الطائفي، لكن خطوط الصدع التي كشفت عنها الصدامات لا تزال باقية.

تقول سوميترا نازاري، سيدة من البودو، إن والدها الطاعن في السن، ضرب بفأس حتى الموت، فقد كان مشلولا ولم يتمكن من الهرب.

ولم يتبين متى سيتمكن الأفراد في معسكر اللاجئين من العودة إلى قراهم، فقد أقامت الوحدات شبه العسكرية وقوات الشرطة في آسام نقاط تفتيش خارج الكثير من القرى التي تتعرض للإحراق أو السلب، مقدمة الوعود بتحقيق الأمن.

وقد طالب رئيس الحكومة في ولاية آسام اللاجئين بالعودة إلى منازلهم هذا الأسبوع رغم التقارير التي تحدثت عن وقوع أعمال عنف جديدة في بعض المناطق.

تعتبر أعمال الشغب في آسام أسوأ الصدامات المجتمعية التي تشهدها الهند منذ فبراير (شباط) عام 2002 عندما اندلعت الاضطرابات بين الهندوس والمسلمين في ولاية غوغارات الغربية، التي راح ضحيتها 2.500 شخص غالبيتهم من المسلمين. وبعد نحو ستة أسابيع من أعمال العنف لم يقدم أحد أسباب المصادمات.

ويرى أودايون ميسرا (67 عاما)، وعالم النفس البارز في معهد أوميو كومار داس للتغيير الاجتماعي والتنمية، أن الصراع ناتج عن رغبة البودو في استعادة السيطرة على الأراضي التي فقدوها بشكل تدريجي وصار المهاجرون المسلمون القادمون من بنغلاديش الأهداف الرئيسية لهم لأنهم الأجانب الواضحون بالنسبة لهم.

يشير البودو إلى زيادة في أعداد السكان المسلمين، الأكثر تنظيما من الناحية السياسية في الوقت الراهن، ويرى المحللون أن البودو يخشون من خسارة الحكم الذاتي على المنطقة نتيجة ارتفاع أعداد المسلمين وغير المسلمين على البودو بها.

ويعتقد هارش دوبهال ماهانتا، الناشط في مجال حقوق الإنسان، بعد زيارة إلى غرب آسام، أن الصراع الدائر في آسام ليس سوى محاولة ممنهجة ومنسقة لتكوين مجتمع بودو متناغم، فالمسلمون البنغال الذين استقروا في المنطقة قبل نصف قرن لا يجيدون اللغة الآسامية حتى الآن وهو ما يخلق نوعا من الشكوك وانعدام الثقة.

وتقول سيما تشيشتيا، صحافية بارزة: «لم تتضح الأسباب الحقيقية للعنف بعد»، فالتقرير الذي أعد قبل 28 عاما لكشف الأسباب وراء المذبحة الوحشية التي حدثت في آسام عام 1983 لم ينشر إلى الآن.

وأضافت، الواضح هنا هو أن الصدامات مع المسلمين في آسام أفادت إلى حد بعيد الأحزاب القومية الهندوسية التي لم تقم بجهود واضحة لمنع تكرار مثل هذه الأحداث واستغلوها عوضا عن ذلك كأداة انتخابية للحصول على الأصوات.

وأوضحت أن الصدامات عادة ما تصور على أنها بين مواطني آسام ومسلمين «غرباء» على الرغم من التاريخ الطويل للمسلمين في الولاية.

وكتبت: «ما يذهب في طي النسيان في غمرة هذه اللحظة هي الملامح التاريخية الجوهرية، فعلى مدى قرن، أثناء الحكم البريطاني استقر البنغلاديش، بما في ذلك المسلمين، في ولاية آسام».

ويشير الكاتب الصحافي البارز فارغيز جورج إلى أن تعزيز قوات الأمن على طول الحدود الهندية - البنغلاديشية لم يتمكن من حل مشكلة الهجرة غير الشرعية القائمة، التي يرى المحللون أنها أحد أهم أسباب العنف في آسام.

وقال: «ينبغي حل مشكلة الهجرة غير الشرعية من بنغلاديش إلى الهند من منظور متطور للتوصل إلى حلول دائمة، وإلا فسيتطور النقاش إلى خطاب حول كراهية الأجانب».

وقد وجدت الدراسة التي أجراها بوبان كومار ناث، من جامعة طب جورهات والإحصائي ديليب تشاندرا ناث، أنه نتيجة لاستمرار الهجرة من بنغلاديش وارتفاع معدلات المواليد، ارتفع عدد السكان في ولاية آسام بنسبة 6 في المائة في الفترة بين عامي 1951 و2001، في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد السكان المحليين بنسبة 7.2 في المائة.

يعكس هذا التحول أيضا، زيادة المتحدثين باللغة البنغالية بنسبة 6 في المائة، في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد المتحدثين باللغة الآسامية بنسبة 9 في المائة، مما يؤكد هذا التوجه آخر الإحصاءات السكانية التي أجريت عام 2011 والذي أظهر ارتفاعا كبير في معدلات النمو وصلت بين 20 إلى 24 في المائة بين المهاجرين.

ويقول تشاندرا ناث، إن نقل التحول الديموغرافي لآسام إلى جانب ارتفاع مستوى معيشة المهاجرين وغير البوديين هو ما أثار هذه الصدامات.

تشكلت الخريطة السياسية لشبه القارة الهندية، بعد حمام دماء على سياسات الهوية التي أدت إلى تأسيس باكستان ثم بنغلاديش. وكان هناك ثمن كبير لهذه الممارسة لا تزال الشعوب تدفعه اليوم. وعند دراسة مسرح شبه القارة الهندية في تلك الفترة ستجد أن آسام كانت مهدا لأخطر أزمة إنسانية. عندما سارع الهندوس إلى الهرب من باكستان للقدوم إلى الهند وحدث تدفق للاجئين الاقتصاديين من بنغلاديش وهو ما أشعل الفوضى في الولاية.

فشل الدولة الهندية في التعامل مع الأحداث الأخرى كان واضحا، فعلى الرغم من مقتل 3.000 شخص في مذبحة نيلي عام 1983، لم يقبض على مشتبه به واحد أو يعاقب أحد. وبالمثل عندما وقعت حكومة الاتحاد اتفاق بودولاند الجديد عام 2003 لم تصر على تسليم مقاتلي البودو لأسلحتهم. هذه هي ذات المجموعات التي قوضت من سلطة مجلس مناطق بودولاند. ووفق السياق التاريخي فقد سمحت بضم المناطق التي قد يشكل البودو فيها أقلية التي يديرها مجلس مناطق بودو. وعلى الرغم من شروطها أن الأرض ما عادت لتباع أو تشترى من قبل غير البودو في المنطقة، سمحت للمسلمين بالاحتفاظ بحقوقهم القائمة، وتجاهلت الحظر على سلب الأراضي.

وقد حملت الصدامات في هذه المنطقة القاصية من الهند موجات صادمة غير مسبوقة في البلاد، حيث اتخذت القضية طابعا سياسيا وانقسامات بين دينية بين الهندوس والمسلمين. بيد أن البودو ليسوا هندوسا فقط، بل هم أيضا مسيحيون والروحانيون. وكان للعنف تأثير الدومينو على باقي البلاد.

فقد شهدت العاصمة المالية للهند مومباي احتجاجات واسعة وأعمال عنف في حي آزاد ميدان، مما أسهم في تعقيد الأمور توزيع صور الصدامات في آسام بين المتظاهرين. وانتابت المتظاهرين حالة من الهياج وبدأوا في الاعتداء على رجال الشرطة والصحافيين. وقد أدت الاحتجاجات الضخمة التي قادها مسلمو مومباي إلى مقتل اثنين وإصابة العشرات.

وفي أعقاب عدة أيام من النقاش السياسي حول الصراع في آسام، واصلت الهند تعاملها مع التوترات العرقية. فقد فر الآلاف المتحدرون من الشمال الشرقي والذين أصابهم الخوف، من المدن المختلفة في الهند للعودة إلى منازلهم مرددين شائعات بأن المسلمين يسعون للانتقام لما حدث في آسام. وقد خصصت قطارات من مدن الهند المختلفة لنقل سكان مناطق الشمال الشرقي إلى آسام في أعقاب انتشار الشائعات عبر الرسائل النصية القصية والبريد الإلكتروني بأنهم قد يواجهون هجمات كرد فعل على أحداث العنف في آسام. وقال مواطنو الشمال الشرقي إنهم فروا لأنهم تلقوا تهديدات بمواجهة ما لا تحمد عقباه، وهو ما أجج مشاعر الخوف لديهم.

نشرت الحكومة الهندية التي واجهت اتهامات بالتأخر في التحرك خلال الأيام الخمسة الأولى من أعمال الشغب، آلافا من قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية في المنطقة. وتجوب قوافل من الشاحنات العسكرية الطريق الرئيس ودوريا ليلية في المكان. وقد زار رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ المناطق التي شهدت أعمال الشغب وأعلن عن تقديم الحكومة ثلاثة مليارات روبية لإغاثة وإعادة تأهيل الناجين.

وأضاف المحللون أن هناك حاجة ماسة لإيجاد حلول بعيدة المدى للمشكلة، محذرين من أن هذا العنف المجتمعي سيواصل الظهور بين الحين والآخر، مخلفا المزيد من القتلى. وعلى الرغم من الهدوء الذي يعتري الموقف الآن، أكد رئيس الحكومة في آسام أن المنطقة مثل بركان يثور بشكل متكرر.