10 سنوات غيرت وجه «جمهورية أتاتورك»

نجاحات «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا وإخفاقاته خلال عقد.. وماذا بعد القمة؟

TT

في تركيا، ثمة من يرى أن 10 سنوات لحكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، التي يحتفل بها غدا السبت، هي حتما «القمة» التي لا بد من انحدار بعدها للحزب الحاكم الذي بينت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعا، ولو طفيفا، في شعبيته التي شكلت مسارا لا يقل أهمية عن المسار الذي اتخذه مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال «أتا تورك» الذي يلقب بـ«أبو الأتراك». وفي المقابل ثمة من يرى أن الحزب الحاكم يعيش فترة شباب لم ينقطع زخمها، وإن كان هذا الزخم قد تأثر بعوامل مختلفة، منها الصعوبات الاقتصادية التي تعصف بالعالم وأوروبا والأزمة السورية التي تعتبرها تركيا «قضية داخلية» لها.

لكن في الحالتين، لا يمكن الفصل بين «الإنجازات» الضخمة التي حققها الحزب التركي الحاكم في المجالات السياسية والاقتصادية، عن الصراع التقليدي الدائر في البلاد منذ تأسيس الجمهورية مطلع القرن العشرين، وبين السؤال المطروح عن قدرة الحزب على الاستمرار في المنحى التصاعدي خلافا لقواعد اللعبة التي اعتادها الأتراك في حياتهم السياسية.

فـ«العدالة والتنمية» الذي أصبح السلطة الحقيقية في الجمهورية التركية، انتصر في الانتخابات على خصومه السياسيين بسهولة، لكنه احتاج 10 سنوات لترويض «حارس العلمانية» الجيش، مما قد يؤشر في نظر الكثير من المراقبين إلى مرحلة جديدة تتحول معها تركيا إلى نموذج للحكم في العالم الإسلامي.. قد لا يكون بريئا مع التشابه اللافت في أسماء الأحزاب العربية الناشئة قبل وبعد الربيع العربي التي لا يكاد واحد منها يخلو من أحد طرفي اسم «العدالة» أو «التنمية».

ويصف فرحات كنتل عالم الاجتماع في جامعة شهير بإسطنبول تلك التغييرات بأنها «ثورية»، لكنه أكد أن تلك «الثورة» توقفت قبل سنتين منذ أن أحكمت الطبقة البرجوازية الأناضولية التي كانت تشكل القاعدة الانتخابية لحزب العدالة قبضتها على الحكم بعدما تخلصت من هيمنة العسكر. وقال «أرى مقاربة تسلطية وحتى شمولية، من طرف حزب العدالة، تزداد حدة مع الوقت». واعتبر بكسين أوران المحلل السياسي في جامعة أنقرة أنه «حتى 2010 أنجز حزب العدالة أمورا مفيدة جدا ولكن منذ سنتين، بتنا نشهد كارثة حقيقية». ومن بين الإخفاقات يذكر عودة الخيار العسكري في النزاع الكردي منذ فشل المفاوضات مع متمردي حزب العمال الكردستاني والمأزق الذي آلت إليه المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. واعتبر الباحث أن آيديولوجيا حزب العدالة «تتضمن عناصر من فكر كمال أتاتورك والفكر التسلطي والمحافظ وربما من التيار الإسلامي لكن التوجه الإسلامي ليس العنصر الطاغي». ويدعم تحليله استطلاع نشرته في سبتمبر (أيلول) جامعة بوغازيتشي في إسطنبول أشار إلى تراجع ممارسة الشعائر الدينية في المجتمع التركي، وكشف أن بين 2006 و2012 انخفضت نسبة الأتراك الذين يقولون إنهم يؤدون الصلوات الخمس من 33،5% إلى 28،2%.

منذ 10 سنوات، اعتقد كثيرون أن حزب «العدالة والتنمية» سيكون مجرد «لقمة» أخرى من الأحزاب الإسلامية التي تساقطت واحدة تلو الأخرى أمام حراس العلمانية، أي الجيش والقضاء. فالمؤسسة العسكرية والقضاء، تميزا بالتعامل الحاد مع هذه الأحزاب التي حظرت واحدا تلو الآخر، بقرار قضائي أو بانقلاب عسكري.

فمنذ أن اختار أتاتورك طريق الغرب والعلمانية معطيا ظهره للشرق والإسلام، كانت النخبة الحاكمة في صراع دائم مع الإسلاميين. وبعد وفاة أتاتورك اتخذت الأمور منحى آخر، مع اعتقاد مجموعة من الإسلاميين بإمكانية استعادة المبادرة بغياب القائد الكبير، فكان أن انضمت جماعات مثل طلاّب «رسائل النور» بإيعاز من شيخهم بديع الزمان سعيد النورسي بالإضافة إلى عدد من شيوخ الطرق الصوفية إلى الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس أحد أكثر رؤساء الوزراء شعبية في تاريخ تركيا، لكن الجيش انقلب عليه، وانتهى الأمر بإعدامه والقضاء على حركته في عام 1960.

وفي عام 1970 أسس الإسلاميون أول أحزابهم بقيادة نجم الدين أربكان تحت اسم حزب النظام الوطني، لكن هذا الحزب عاش 16 شهرا فقط فما لبث أن حظر بقرار قضائي. وقد منع أربكان من الترشح أو تأليف أحزاب أخرى، فكان أن تقدم بعض أنصاره بطلب تأسيس حزب السلامة الوطني عام 1972 الذي شارك في ثلاث حكومات ائتلافية مع كل من حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرال، وحزب الشعب الجمهوري بزعامة بولند أجاويد حتى انقلاب عام 1980 الذي كان حزب السلامة أحد ضحاياه واعتقل أربكان وبقي في السجن حتى عام 1983 حيث خرج إلى الإقامة الجبرية.

احتاج الإسلاميون عقدا آخر من الزمان ليعودوا إلى الواجهة عام 1996 عبر أربكان نفسه الذي ترأس حزب «الرفاه» ودخل في حكومة ائتلافية جمعته إلى حزب «الطريق القويم» بزعامة طانسو تشيلر بعد أن حصل على 18 في المائة من أصوات الناخبين. والرفاه كان الحزب الأول في نتائج الانتخابات، لكنه لم يستطع تشكيل الحكومة منفردا بطبيعة الحال، لكن اللافت أن البلاد استمرت 11 شهرا من دون حكومة لأن غالبية الأحزاب التركية رفضت الدخول معه في ائتلاف حكومي تحت تأثير الجيش، فاضطر لتقديم تنازلات كبيرة جدا لتشيلر التي نزعت منه معظم الوزارات الأساسية على الرغم من أن حزبها كان متخلفا بنسبة كبيرة عن «الرفاه».

في عام 1998 تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، بعد انقلاب عسكري «مقنع» عبر رسالة تهديد وجهها الجيش إلى السلطة السياسية. لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى تأسيس حزب جديد تحت اسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000. ومن جديد يعود أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003م حزب السعادة، لكن سرعان ما تم اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم عليه بسنتين في السجن وكان يبلغ من العمر 77 عاما.

في هذا الوقت كان نجم آخر يسطع، فقد انشق رئيس بلدية إسطنبول رجب طيب أردوغان مع عدد من النواب عن حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان كانوا يمثلون جناح المجددين وأسسوا حزب «العدالة والتنمية» الذي قدم نفسه على أنه «يتبع مسارا محافظا ليبراليا، معتدلا، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق ويسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي». وفاز الحزب في أول انتخابات يخوضها بـ23 في المائة من أصوات الناخبين الأتراك محققا مفاجأة مدوية. وحصل على 363 نائبا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة. لم يستطع أردوغان من ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة عبد الله غل. لكنه تمكن في مارس (آذار) عام 2003 من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه.

فاز الحزب في الانتخابات الثانية عام 2007 ليحكم منفردا، ثم حقق مفاجأة أكبر منها في الانتخابات الثالثة في عام 2011 بفوزه بـ50 في المائة من أصوات الناخبين الأتراك، لكنه مع هذا لم يستطع أن يحقق نسبة الثلثين التي تخوله تعديل الدستور منفردا.

استطاع الحزب برئاسة أردوغان تجنب المعركة المباشرة مع الجيش التركي الذي كان لا يخفي العداء له وللحزب، لكن ذكاء أركان الحزب جعلهم يلتحفون بقوانين الاتحاد الأوروبي للقضاء على نفوذ الجيش شيئا فشيئا، ثم استطاعوا ترويضه نهائيا في العام الحالي فأصبح قائد الجيش لأول مرة في تاريخه مواليا للحكومة، ثم ادخل 300 ضابط إلى السجن بتهمة التدبير لانقلاب لم يحصل، وازداد عدد أعضاء المحكمة العليا ليزداد نفوذ الحزب فيها، ويأمن شر الحظر الذي كان أن يحصل في العام 2008 ونجا منه الحزب بأقل الأضرار، بعد أن حكمت المحكمة الدستورية في تركيا برفضها بأغلبية ضئيلة دعوي بإغلاق حزب العدالة والتنمية بتهمة أنه «يقود البلاد بعيدا عن نظامها العلماني نحو أسلمة المجتمع»، إلا أن المحكمة على الرغم من قرارها وجهت رسالة تحذير إلى الحزب وذلك بفرض عقوبات مالية كبيرة عليه عبر حرمانه من نصف ما يحصل عليه من تمويل من الخزانة العامة التركية، ليصرح رئيس الحزب ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن «حزبه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية».

ولعل حفل الاستقبال الذي أقيم في منزل الرئيس احتفالا بذكرى مرور 89 عاما على تأسيس تركيا، كان علامة فارقة في تاريخ تركيا. فقد دخلت «السيدة الأولى» وزوجة أردوغان إلى القصر الرئاسي لأول مرة في مناسبة رسمية، ووقف القائد الأعلى للجيش التركي جنبا إلى جنب مع زوجتي الرئيس ورئيس الوزراء، على الرغم من أن السيدتين كانتا ترتديان الحجاب الإسلامي. علما أن زوجة أردوغان كانت قد طردت من مستشفى حكومي حاولت زيارته لتفقد جرحى السفينة التركية مرمرة المشاركة في أسطول الحرية لهذا السبب. في السنوات السابقة، كان القادة العسكريون يرفضون علنا الوجود في الغرفة نفسها مع زوجات قادة «العدالة والتنمية» المحجبات. كما لم يكونوا سعداء أيضا بوجودهم في الغرفة نفسها مع نواب حزب «السلام والديمقراطية» الموالي للأكراد. وحتى وقت قريب، كان غل يعقد في هذه المناسبة احتفالين منفصلين، الأول خلال ساعات الظهيرة للجنود، والثاني في المساء. وكان الجنرالات يقيمون استقبالهم الخاص في المساء. هذا العام الوضع اختلف. كان هناك احتفال واحد شارك فيه الجنرالات والزوجات المحجبات ونواب حزب السلام والديمقراطية في قاعة واحدة. وقال طه أكيول، الكاتب في صحيفة «حرييت»: «الجيش التركي ينسحب الآن من السياسة».

استطاع الحزب تحقيق الكثير من الإنجازات الاقتصادية والسياسية خلال فترة حكمه. فقد أنجزت الحكومة اتفاقا مع صندوق النقد الدولي طهرت بمقتضاه النظام المصرفي وفرضت انضباطا صارما في الميزانية ما أدى إلى عودة الثقة وزيادة النمو، حتى إن تركيا سجلت أربع مرات نسبة نمو تتجاوز 8% في ظرف عشر سنوات. وارتفع إجمالي الناتج الداخلي للفرد الواحد خلال السنوات العشر ثلاثة أضعافه من 3500 دولار في 2002 إلى 10400 دولار في 2011.

وقد كشف رجب طيب أردوغان خلال كلمته في المؤتمر الرابع للحزب الحاكم، عن أطروحاته حيال تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا، حيث يستهدف الحزب تحقيق نهضة اقتصادية كبرى لتغدو تركيا واحدة من أكبر عشر اقتصاديات على مستوى العالم، ليبلغ بمقتضى ذلك نصيب المواطن التركي من الدخل القومي نحو 25 ألف دولار سنويا. وقد حققت تركيا بالفعل قفزات اقتصادية مهمة تمثلت في ارتفاع الدخل القومي التركي من 230 مليار دولار إلى 774 مليار دولار. وارتفعت نسبة النمو الاقتصادي من 5.3 إلى 8.5 في المائة. وارتفعت الصادرات التركية من 36 مليارا إلى 135 مليارا ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 144 مليار دولار بنهاية عام 2012. وانخفضت نسبة البطالة إلى 9.8 في المائة بدلا من 10.2 في المائة. هذا بالإضافة إلى ازدياد عدد السياح من 13 مليون سائح إلى 31.5 مليون سائح سنويا، بإيرادات تقدر بـ23 مليار دولار، وهي تطورات أفضت في مجملها إلى أن تحتل تركيا المرتبة السادسة عشرة عبر العالم من حيث قوة الاقتصاد.

أما في السياسة فقد ارتفعت تركيا إلى مرتبة اللاعب الإقليمي مع دورها المتنامي في الصعود على الرغم من كل المشكلات التي واجهت سياسة «صفر مشكلات» التي بدأتها وزارة الخارجية بقيادة أحمد داود أوغلو. ومن مكاسبه، النظر إلى القضية الكردية بمقاربة جديدة يحاول حزب العدالة التجاوب معها من خلال السماح بتعليم اللغة الكردية وإنهاء المحرمات المحيطة بقضايا مثيرة للجدل مثل إبادة الأرمن. وقال أردوغان في المؤتمر إنه يسعى إلى استكمال الإصلاحات السياسية التي أدت إلى إبعاد الجيش عن الحياة السياسية، وتغير الفكرة التي رسخت في أذهان قطاعات واسعة من الأتراك بأن مؤسسة الجيش وحدها حامية الجمهورية التركية، وأن قادة الجيش يمكن أن يكونوا بديلا عن السياسيين في تركيا.

ويهدف الحزب إلى استكمال ذلك من خلال إقرار دستور جديد بديل عن دستور عام 1982، بما يحول دون حظر الأحزاب السياسية في تركيا، ويضمن إلزام المؤسسة العسكرية بأن تصبح أكثر شفافية، ويدعم مطالب الأكراد بالحصول على الخدمات العامة باللغة الكردية، ويحظر إصدار قوانين تتسم بالتمييز أو تحض على الكراهية، ويسقط «عتبة» الـ10 في المائة من أصوات الناخبين اللازمة لتمثيل الأحزاب في البرلمان، والقضاء على التشريعات التي يستخدمها الجيش كذريعة للانقلابات، وضمان نزاهة القضاء وإلغاء المحاكم العسكرية العليا، وتحويل «قوات الدرك» إلى قوات مدنية تقدم خدمات الشرطة العامة. وعلى الرغم من الإنجازات الاقتصادية والسياسية، لكن الخلاف بقي عميقا في الناحية الاجتماعية، حيث يواجه الحزب المزيد من الاتهامات بالسعي إلى أسلمة الدولة، وهو ما ينفيه قادة الحزب، وإن كانوا يصرون على «المحافظة على التقاليد»، وهو أمر لم يخفه أردوغان نفسه الذي قال في كلمة أمام البرلمان التركي «نريد تربية نشء متدين»، وقال للمعارضة «هل تنتظرون من حزب محافظ وديمقراطي مثل العدالة والتنمية (الحاكم) أن ينشئ جيلا من الملحدين؟ ربما يكون هذا شأنكم ورسالتكم، لكنه ليس شأننا، سننشئ جيلا ديمقراطيا محافظا يؤمن بقيم ومبادئ أمتنا». وقد أثار هذا الكلام غضب وقلق العلمانيين الأتراك الذي يتهمون أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالعمل شيئا فشيئا على أسلمة المجتمع التركي، وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض - الذي أسسه كمال أتاتورك - كمال كيلشدار أوغلو إن «اجتذاب الأصوات باستخدام الدين خطيئة» واصفا أردوغان بأنه «أحد تجار الهيكل».

ويرفض النائب عن أنقرة البروفسور أمر الله أشلر الاتهامات المتعلقة بأسلمة النظام. ويقول أشلر الذي كان أحد مساعدي أردوغان المقربين قبل ترشحه إلى البرلمان لـ«الشرق الأوسط» إن «تركيا بلد علماني فالدستور ينص على هذا، فلا يوجد أي نقاش على الصعيد الرسمي في هذا الصدد. فالبعض في تركيا يخلط الأوراق فيتهم بأن النظام أسلم وما شابه ذلك من الادعاءات غير منطقية. فلم يتغير أي شيء في هذا السياق منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم غير وصول أشخاص متدينين للحكم في تركيا».

كما أن حكم حزب العدالة أصبح الآن مهددا بصعوبات اقتصادية حيث إن الأزمة التي تعصف حاليا بأوروبا أكبر زبائنها دفعت تركيا إلى خفض توقعاتها في النمو لسنة 2012 إلى 3،2%. وقال سيف الدين غورسيل الاقتصادي في جامعة بهتشه شهير في إسطنبول أن «تحقيق معدل نمو من 3% ليس كافيا لاحتواء البطالة» في تركيا حيث يفترض استحداث 500 ألف وظيفة سنويا لتلفية الضغوط الناشئة عن النزوح من الريف وزيادة النساء العاملات والنمو السكاني. وأضاف «لذلك لا بد على الأقل من تحقيق نمو بمعدل 4،5 إلى 5%»! مؤكدا أن «حزب العدالة يدخل مرحلة صعبة من تاريخه».

وفي وقت يتم فيه تقديم ما تتمتع به تركيا من رخاء ومزج بين القيم الديمقراطية والإسلامية على أنه نموذج ينبغي أن يحتذي به العالم العربي الذي يعج بالاضطرابات، تواجه البلاد صراعاتها الداخلية على السلطة، ما بين الإسلاميين والعلمانيين. وعلى الرغم من ثناء كثيرين على تراجع سلطة العسكر، فإن النقاد يقولون إن هذه الصراعات قد كشفت أيضا عن أوجه الخلل في الديمقراطية التركية، مشيرين على وجه الخصوص إلى الإجراءات القمعية التي تتخذها الحكومة التي تميل نحو الإسلاميين مع من يخالفها ومع الصحافة أيضا؛ حيث يقبع داخل السجون هنا صحافيون أكثر من أي مكان آخر في العالم، حيث تواجه تركيا أكثر من ألف شكوى أمام البرلمان الأوروبي تتعلق بالحريات الإعلامية، لتصبح الأولى في هذا المجال في أوروبا، علما أن البلد الثاني هو فرنسا التي تواجه نحو 100 شكوى فقط.

ويرى البعض أن موجة الإحباط هذه هي التي ولدت الانفجار الذي حصل في الشارع في الأسبوع الماضي عندما اشتبك متظاهرون مع رجال الشرطة احتجاجا على منعهم من تنظيم المظاهرة التقليدية إلى قبر «أتاتورك» في عيد الجمهورية.

وبالإضافة إلى التحديات الخارجية، وفي مقدمها الأزمة السورية، يواجه الحزب الحاكم تساؤلات حول المستقبل، مع إعلان زعيمه (أردوغان) عدم ترشحه لرئاسة الحزب لمرة جديدة، وفقا لما ينص عليه النظام الداخلي للحزب، مسقطا بذلك التوقعات حول احتمال تعديل هذا النظام لمصلحة بقائه رئيسا للحزب. لكن في الوقت نفسه عززت هذه الخطوة نظرية استعداده للترشح لرئاسة الجمهورية بعد تعديل الدستور لتحويل نظام الحكم رئاسيا. ويقول أشلر: «لا شك أن أردوغان رشح نفسه للمرة الأخيرة لرئاسة حزب العدالة والتنمية، كما أنه حسب النظام الداخلي ليس من حق أردوغان أن يرشح نفسه للنيابة في الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجرى في سنة 2015. أي إن أردوغان سيستمر في رئاسة الوزراء حتى سنة 2015 هذا في حالة عدم ترشحه لرئاسة الجمهورية في منتصف سنة 2014. ولكن الكل يتوقع ترشح السيد أردوغان لرئاسة الجمهورية وأنا منهم، أتوقع شخصيا ترشح أردوغان لرئاسة الجمهورية».

وأشار إشلر إلى أن «هناك نقاشا طويلا في الأجواء السياسية في تركيا حول صلاحيات رئيس الجمهورية الذي سينتخبه الشعب لأول مرة. وكذلك النقاش يدور حول هل سينتقل تركيا إلى نظام رئاسي كما هو المطبق في أميركا أو نظام نصف رئاسي كما هو المطبق في فرنسا. أنا شخصيا أرى أن تركيا تحتاج إلى نظام رئاسي خصوصا بعدما أقر الشعب انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب في الاستفتاء الذي أجري في سنة 2007. من ناحية أخرى تركيا مشغولة في السنة الأخيرة بصياغة دستور مدني جديد. شكلت لجنة بهذا الخصوص في البرلمان في السنة الماضية وقدمت الأحزاب الأربع الممثلة في البرلمان ثلاثة أعضاء لهذه اللجنة، والمتوقع أن تنتهي هذه اللجنة أعمالها نهاية السنة الجارية. نحن كحزب العدالة والتنمية لن نغادر الطاولة حيث إننا جادون في صياغة دستور مدني جديد، ولكننا نحتاج إلى دعم حزب آخر لأن عدد نوابنا غير كاف في البرلمان للقيام بتغيير دستوري. وسنرى ما الذي سيحدث في الأشهر المقبلة». وأبدى إشلر، أسفه كيف أنه وفيما يتعلق بانتقال تركيا إلى نظام رئاسي هو أن النقاش يدور حول شخصية أردوغان، حيث إن المعارضة تتناول الأمر من منظور ضيق فلا تريد أن يكون أردوغان رئيسا قويا ذا صلاحيات. «لا شك أن هذا المنظور خاطئ لأن أردوغان كبقية الناس بشر وسيموت في يوم ما.. أما جمهورية تركيا فستعيش إلى الأبد، فالبلد في رأيي يحتاج إلى نظام رئاسي قوي».