هل تقوم الحرب من أجل هذه؟!

7 جزر صغيرة وقاحلة متناثرة في مياه بحر الصين الشرقي.. تتنازع بكين وطوكيو على سيادتها

TT

ربما تبدو جزرا صغيرة وقاحلة ومتناثرة على بحر الصين الشرقي.. ولكن ربما تنشب حرب كبرى بين العملاقين الآسيويين الصين، واليابان. فالصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، تدخل في صراع خطير مع اليابان، التي تأتي في المرتبة الثالثة اقتصاديا، بشأن السيادة على مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي، وقد بدأ هذا النزاع حول سبع جزر يطلق عليها اسم سينكاكو باللغة اليابانية ودياويو باللغة الصينية منذ عدة سنوات.

وتعد هذه الجزر جزءا من محافظة أوكيناوا التي تقع في أقصى جنوب اليابان، ولكن الصين تزعم خلال العقود الأخيرة أن هذه الجزر صينية في الأصل، ولكن اليابان قامت بضمها عام 1895 خلال الحرب الصينية اليابانية الأولى. ودخلت العلاقات بين البلدين منعطفا خطيرا عقب قيام الحكومة اليابانية بشراء ثلاث جزر غير مأهولة وقاحلة من مالكيها اليابانيين، وهو ما بدا إلى أنه إشارة على استعراض القوة من جانب اليابان في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وردا على ذلك، شهدت الصين مظاهرات عارمة مناهضة لطوكيو ومطالبة بمقاطعة المنتجات اليابانية. واتخذت الحكومة الصينية خطوات تهدف إلى إضفاء الشرعية على ادعاءاتها، مثل الإعلان عن ترسيم جديد للحدود وطالبت الأمم المتحدة بالاعتراف به، كما كثفت من دورياتها المعتادة من قبل سفن وطائرات المراقبة البحرية في وبالقرب من المجال الجوي لتلك الجزر.

وقالت الحكومة اليابانية بعد شراء الجزر إنها تسعى لتقليل حدة التوترات ولن تقوم بأي إنشاءات هناك، ولكن الصين ترى أن مجرد شراء هذه الجزر يعد بمثابة عمل استفزازي من جانب طوكيو.

واتخذ هذا الصراع منحنا أسوأ في الآونة الأخيرة، عندما قامت إحدى طائرات المراقبة البحرية الصينية بالتحليق فوق الأجواء اليابانية في سينكاكو. وعلى الفور، أرسلت اليابان ثماني مقاتلات من طراز «إف – 15» ردا على اختراق الطائرة الصينية للأجواء اليابانية، وهو ما أثار غضب بكين.

ووفقا لوسائل الإعلام اليابانية، فإن الحكومة اليابانية تدرس كيفية تعزيز طرق التصدي للطائرات الصينية في أعقاب تزايد الدوريات البحرية والجوية الصينية في المياه قبالة جزر دياويو في بحر الصين الجنوبي، وقد تأمر اليابان مقاتلاتها بإطلاق نيران تحذيرية باتجاه طائرات الاستطلاع الصينية. وتؤكد اليابان على أن الصين لم تدع ملكيتها للجزر إلا في مطلع السبعينات من القرن الماضي عقب ظهور أدلة على أن أعماق البحار المجاورة تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. ويشير المسح الجيولوجي إلى أن هناك ما يتراوح بين 1 و2 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وأكثر من 100 مليار برميل من النفط في المنطقة المحيطة بهذه الجزر.

وثمة توترات بين البلدين على مدار تاريخ طويل، فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1937 نتيجة للحرب الصينية اليابانية، كما قتل ملايين الصينيين نتيجة لسياسة اليابان التوسعية، علاوة على أن الخلاف مع اليابان يتردد صداه بشكل كبير بين الصينيين، وتتذكر الأجيال الأكبر سنا تاريخ الحرب الصينية اليابانية في 1894 - 1895 عندما قامت اليابان بإذلال الصين وضمت تلك الجزر إليها، كما يتذكر الكثير من الصينيين أيضا قيام اليابان باحتلال الصين في الحرب العالمية الثانية.

وقد انعكس هذا النشاط العسكري على الموقف السياسي؛ حيث اتخذت طوكيو موقفا متشددا وأعلن رئيس الوزراء المنتخب حديثا شينزو آبي أن طوكيو لن تتفاوض مع بكين بشأن الجزر المتنازع عليها وأن الصين كانت «مخطئة» عندما سمحت بالاحتجاجات العنيفة من جانب مواطنيها، وقال آبي في حديث صحافي: «تواجه العلاقات اليابانية الصينية أكبر تحد لها في القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بالدبلوماسية والأمن».

وفي الوقت نفسه، يتخذ آبي مواقف استباقية ضد مطالب الصين وطموحاتها الإقليمية، فبعد أيام قليلة من انتخابه، اتصل هاتفيا بقادة فيتنام وروسيا والهند وأستراليا وإندونيسيا وبريطانيا، وهي الدول (باستثناء بريطانيا التي تعد الحليف الأكبر للولايات المتحدة منذ فترة طويلة) التي تشترك في الحدود مع الصين ولديها نفس المخاوف بشأن النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي المتنامي للصين. وهددت اليابان أيضا بمراجعة دستورها الذي يجنبها الدخول في حروب.

وقال محللون سياسيون إن طوكيو حريصة الآن على اختبار رد فعل بكين من خلال إشعال المواجهة العسكرية والعمل على الحصول على تنازلات من بكين خلال المحادثات التي ستجري في المرحلة المقبلة، وعلاوة على ذلك، وجه آبي تحذيرا قويا للقادة الصينيين من خلال التلويح بإعادة النظر في التزام طوكيو بالسلام في الدستور الذي فرضته عليها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

ومن جانبه، تحدث شى جين بينغ، الذي من المقرر أن يشغل منصب الرئيس الصيني في شهر مارس (أيار) المقبل، عن فكرة «التجديد»، التي كانت دائما عنصرا قويا في تاريخ الصين، وقال إن ذلك يرتبط بـ«الحلم الصيني». وعقب انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، قال شي جين بينغ إنه «عازم على حماية الحقوق والمصالح البحرية للصين وتحويل الصين إلى قوة بحرية». ولم ينس الصينيون الإهانة التي تعرضوا لها خلال حربي الأفيون في القرن التاسع عشر، عندما استخدمت القوى الغربية السلاح لفرض حقها في بيع الأفيون بحرية في الصين خلال عهد أسرة تشينغ.

أصر وزير الخارجية الصيني أن التوترات كانت خطأ يابانيا بالأساس، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية هونغ لي إن الجزر صينية ومن ثم فإن الطلعات التي تقوم بها الطائرات الصينية على الجزر دوريات طبيعية.

وقال هونغ في مؤتمر صحافي في بكين: «التوترات العصيبة الحالية في العلاقات اليابانية - الصينية هي خطأ ياباني كامل، نحن نطلب من الجانب اليابانيين مواجهة الحقيقة وإظهار الصدق للقيام لبذل جهود حثيثة لحل المشكلات العالقة بشكل مناسب». وقال رئيس تحرير هندي بارز، رام موهان، خبير الشؤون الصينية، إن أي نزاع بين الصين واليابان قد تكون له عواقب خطيرة؛ حيث تجمع بين الدولتين روابط قوية في التجارة والاستثمار؛ حيث تأتي اليابان كثاني أكبر شريك تجاري للصين بعد الولايات المتحدة حيث بلغت قيمة التعاملات التجارية بين البلدين في عام 2011 ما يوازي 345 مليار دولار، تمثل 9 في المائة من إجمالي التجارة الكلية في الصين. وهو يفوق حجم التجارة التي تقوم بها الصين مع دول مجموعة بريك - البرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا - إضافة إلى بريطانيا، كما تعد الصين أضخم شريك تجاري للصين؛ حيث بلغ حجم ورادات الصين 21 في المائة من صادرات اليابان، أما الأقرب لها فهي الولايات المتحدة بنسبة 12 في المائة ثم كوريا الجنوبية بنحو 6 في المائة.

اجتذبت الصين استثمارات مباشرة من اليابان في عام 2011 بلغت 12 مليار دولار في الوقت الذي لم تجذب فيه اليابان سوى قدر محدود من رأس المال الصيني. واحتلت الصين المركز الأول كوجهة للسياحة الدولية لليابانيين في عام 2011؛ حيث عبر أكثر من 3.6 مليون ياباني البحر لزيارة الصين، بزيادة 50 في المائة عن العقد الماضي. وفي ذروتها عام 2009 أرسلت الصين 1.4 مليون زائر إلى اليابان بما في ذلك سائحين ورجال أعمال، انخفض الرقم إلى مليون في عام 2011 الأمر الذي عزاه المحللون إلى الزلزال والكارثة النووية التي ضربت اليابان في مارس 2011 والتوتر الذي شاب العلاقات بين البلدين وقوة الين الياباني، لكن الأعداد تبدو آخذة في الارتفاع هذا العام.

وصرحت شيلا سميث، زميلة مجلس العلاقات الخارجية بـ«ناشيونال جيوغرافيك»: «الطاقة هي ما يقود سلوك الكثير من الصينيين، ما يقف على المحك الآن ليس الجزر الصخرية ولا الماعز البري الذي يعد ضمن السكان القلائل للجزر، بل ما يوجد بالأسفل، هناك على المحك ما هو أكثر بكثير من مجرد مجموعة من الجزر الصغيرة».

وقالت سيتفاني كلين أهلبراندت، مديرة مشروع مجموعة الأزمات: «هناك حاجة ملحة إلى استخدام آليات تخفيف حدة الأزمات وزيادة الاتصالات بين بكين وطوكيو للحد من مخاطر وقوع صدامات عرضية أو حدوث تصعيد». وعلى الرغم من إدراك اليابان لأهمية التجارة والاستثمار في الصين يبدو أن الأمن القومي بالنسبة لها يأتي على رأس أولوياتها في اللحظة الراهنة.

يشكل خطأ اليابان في التعامل بشكل كامل مع ماضيها معوقا أمام سياستها الخارجية الحالية لكنها تتضاءل مقارنة بإحساس الصين التاريخي بأحقيتها بالهيمنة الإقليمية والتوجه الجديدة المناهضة لليابان الذي تدعمه الدولة.

خلال الأسابيع الماضية، اقترحت صحيفة «الشعب» الصينية اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي وصحيفة «الصين اليوم»، التي تصدر باللغة الإنجليزية والمملوكة للدولة، تطبيق عقوبات اقتصادية على اليابان ردا على الممارسات اليابانية على الجزر، نشرت صحيفة «الصين اليوم» لجين بايسونغ، المحلل في مؤسسة تابعة لوزارة التجارة الصينية: «سيتضرر الاقتصاد الياباني بشدة إذا فرضت الصين عقوبات اقتصادية عليه، وستكون خسائر الصين أقل نسبيا».

الخسائر التي ستنتج عن الحرب التجارية بين الصين واليابان ستتعدى نطاق الدولتين، فسلسلة الإمداد لكل شيء بدءا من أجهزة الـ«آي باد» إلى السيارات تعتمد على المواد والأجزاء التي يتم تصنيعها وإعادتها بين الصين واليابان. والشركات الأميركية والكورية الجنوبية والماليزية والألمانية والتايلاندية تقف وسط العلاقة الاقتصادية اليابانية الصينية.

ويعبر هيو وايت، الباحث في الجامعة الوطنية الأسترالية عن اعتقاده أن الصراع المتجدد في الجزر هي آخر مؤشر على توجه الدولتين نحو الحرب. وستضطر الولايات المتحدة إلى الدخول فيه.

وكتب في صحيفة «سيدني مورننغ هيرالد» إننا الآن نشهد أنواعا من الأوضاع التي يقول التاريخ إنها كانت سببا في نشوب الحروب - على الرغم من أن الصراع لن يصب في صالح أحد.

هكذا تبدأ الحرب عادة: مواجهات تتزايد باضطراد حول شيء لا قيمة له بالأساس، لذا لا تتعجب إذا دخلت اليابان والولايات المتحدة الحرب مع الصين العام المقبل حول الجزر غير المأهولة. ولا تعتقد أن الحرب سيتم احتواؤها وستكون قصيرة. حرب الطاقة الجديدة في المحيط الهادي هي آخر ما يحتاجه العالم حيث تواجه الحكومات تحديات بيئية خطيرة والحاجة إلى استثمار مليارات الدولار في مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لكن فرص وقوع ذلك زادت في الأسابيع الأخيرة.

خلفيات النزاع

* نشأ النزاع في عام 1972 بعد إعلان الصين رسميا رفضها لسيطرة اليابان على جزر سينكاكو، باعتبار أن الجزر تعود لها تاريخيا.

* يبدو وعلى حسب مراقبين فإن الحافز الأساسي كان نشر تقرير حول وجود النفط في الجرف المحيط بهذه الجزر، وينظر إلى هذا الأمر على أنه السبب الاقتصادي للنزاع الحدودي.

* الواقع فإنه نتيجة للحرب العالمية الثانية، فإن اليابان وفق اتفاق سان فرانسيسكو تنازلت عن احتلالها لتايوان وجزر سينكاكو التي كانت تابعة لمقاطعة تايوان.

* موقف الصين أقوى من وجهة النظر التاريخية. فبالنسبة لليابان يبدأ تاريخ الجزر من عام 1885، أي بعد خسارة الصين في الحرب مع اليابان حين احتلت اليابان تايوان وكل ما حولها.

* هذه الجزر الصغيرة، مساحتها نحو 6000 متر مربع، لكن أهميتها تكمن في أنها نقطة يبدأ منها تحديد المنطقة الاقتصادية والمياه الإقليمية لليابان.

* الكثير من هذه الجزر مجرد صخور تظهر فوق الماء، وتختفي تحته في فترة المد.

* موقف الولايات المتحدة:

- حين احتلت الولايات المتحدة أوكيناوا، استخدمت هذه الجزر كهدف للقصف لتدريب طياريها، ولا تمثل أي قيمة أخرى بالنسبة للأميركيين.

- حين تفاقم هذا النزاع في عام 2010 بقي الأميركيون في الظل طويلا دون إعلان موقف، لكنهم اضطروا لذلك العام الماضي، فنائب وزير الخارجية كروولي قال: نعم نعرف بوجود هذه الجزر، لكننا لا ننوي التدخل في هذا النزاع.

- وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قالت: «هذه الجزر تدخل في منطقة الاتفاق الأميركي الياباني للدفاع المشترك»، لكنها لم تعد بأي مساعدة.

- منذ فترة وجيزة أعلنت المتحدثة الصحافية في الخارجية الأميركية أن واشنطن لا ترغب في الاصطفاف إلى جانب أي من الطرفين.

- تعد اليابان من أهم شركاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي، لكن الصين هي الاقتصاد الثاني في العالم، بآفاق واسعة، وحسب آراء خبراء فإن الولايات المتحدة لن تقوم بأي تدابير عملية للتدخل في النزاع، وستسعى لتسهيل الحل الدبلوماسي ولتخفيف حدة التوتر.