3 سيناريوهات أمام الجزائر

الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة زاد حدة التكهنات السياسية.. وأعاد الجدل حول المادة 88 من الدستور

TT

جددت الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الأسبوع الماضي، وتطلبت نقله على وجه السرعة للعلاج في فرنسا، الجدل حول المستقبل السياسي القريب للبلاد وسيناريوهات أي انتقال محتمل للسلطة.

ورغم أن عددا معتبرا من الجزائريين باتوا مقتنعين بأن الطارئ الصحي الجديد للرئيس بات عائقا أمام احتمال ترشحه لولاية رابعة في انتخابات ربيع عام 2014، فإن بعض السياسيين راحوا يرسمون سيناريوهات أخرى تتعلق بانتقال للسلطة قبل ذلك الموعد، خصوصا مع تكثيف الجدل حول الاحتكام للمادة 88 من الدستور التي تتحدث عن إعلان شغور منصب الرئيس في حال مرض خطير.

يؤكد مراقبون لصيقون بمراكز القرار في الجزائر، أن إصابة الرئيس بالوعكة الأخيرة هي من ضمن وعكات يتعرض لها في فترات متقاربة، ولا يتم الحديث عنها أبدا. لكن الرئاسة سارعت هذه المرة إلى الإعلان عنها رسميا، وهو ما لم يحدث من قبل.. مما فتح باب التأولات على مصراعيه. البعض يرى أن الوعكة الصحية أنهت حلم الولاية الرابعة بالنسبة للرئيس، وآخرون يرون أنها قد تكون تحضيرا عمليا لها. فالرئيس بوتفليقة سيعود من باريس وبمهرجان وتظاهرات واحتفالات، ستوصف بالعفوية وسترفع فيها شعارات الولاية الرابعة، ومنها تبدأ مرحلة أخرى للإعداد الفعلي لولاية أخرى له.

يقول جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد المعارض، ومتزعم ما يعرف بجبهة معارضة ترشح بوتفليقة لولاية رابعة بالجزائر، أن عجز الرئيس بدنيا يمنعه من الاستمرار في الحكم، مما سيحرم المنتفعين من سياساته من مواصلة نهب ثروات البلاد. ويرى جيلالي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن الجزائر مقبلة على ثلاثة سيناريوهات، بعد الوعكة الصحية التي أصابت الرئيس، «الأول أن يستعيد الرئيس عافيته بما يسمح له الاستمرار في الحكم حتى نهاية ولايته، فينظم انتخابات رئاسية ويسلم السلطة لشخص آخر.. وهو سيناريو لا أعتقد حدوثه، أما السيناريو الثاني، أن يعود الرئيس إلى تسيير دفة الحكم، لكنه سيكون ضعيفا بدنيا وسيعلن عن انتخابات مبكرة في الخريف المقبل، والسيناريو الثالث، أن يستمر الوضع الصحي للرئيس، وبالتالي سيتم الإعلان عن شغور المنصب وستنظم الانتخابات في الآجال المعلن عنها دستوريا». ويرى جيلالي أن «أسوأ سيناريو يمكن توقعه، أن يطلب بوتفليقة لنفسه ولاية رابعة في حال استرجع لياقته وعاد إلى النشاط من جديد».

ويوجد الرئيس منذ السبت 27 أبريل (نيسان) الماضي بفرنسا، للعلاج بعد أن أصيب بجلطة دماغية لم تترك آثارا سلبية عليه، بحسب الأطباء الذي نصحوا عائلة الرئيس بنقله إلى باريس لإجراء فحوصات طبية، في نفس المستشفى الذي خضع فيه لعملية جراحية عام 2005.

وأوضح جيلالي أن الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس، الحالي الحديث عنها بمناسبة اقتراب موعد انتخابات الرئاسة (ربيع 2014)، «لم تعد مطروحة في اعتقادي منذ 27 أبريل الحالي»، في إشارة إلى يوم إصابة الرئيس بجلطة في الدماغ. وأضاف أن ترشح بوتفليقة لفترة جديدة ستكون كارثية على البلاد. ويتزعم سفيان جيلالي منذ شهور حملة ضد استمرار بوتفليقة في الحكم، وأطلق ما سمي جبهة ضد الولاية الرابعة بمعية رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ورجل الثورة محمد مشاطي (92 سنة).

وعلى مدى سنوات، اعتاد الرئيس بوتفليقة والمحيطون به، تسيير الأخبار المتعلقة بمرضه بطريقة خاصة. فقد كان الرئيس، وفي كل مرة يتفاقم فيها الحديث عن تعرضه لطارئ صحي، يلجأ إلى كاميرات التلفزيون العمومي لتفنيد تلك الأخبار. ويحتفظ المهتمون بقضية مرض الرئيس بحادثتين بهذا الخصوص، الأولى عندما تنقل إلى مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة لزيارة عالم الدين المصري يوسف القرضاوي الذي أصيب بوعكة، وحينها انتشرت بقوة إشاعة تتحدث عن وفاته.

والثانية لما استقبل عائلة لاعب كرة القدم الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، زين الدين زيدان مع شقيقيه مصطفى والسعيد، في الإقامة الرئاسية جنان المفتي وحينها كانت إشاعة وفاته ووفاة شقيقه الطبيب مصطفى، انتشرت بسرعة وأخذت بعدا تعدى حدود البلاد. وبعدها بأسابيع توفي مصطفى متأثرا بسرطان.

ويوجد شبه إجماع في الأوساط السياسية والإعلامية، على أن فضائح الفساد التي كتبت عنها الصحافة في المدة الأخيرة والتي أشارت إلى تورط شقيقه ومستشاره السعيد فيها، تركت أثرا بالغا في نفسية بوتفليقة وانعكست على صحته التي هي أصلا متردية منذ سنوات.

واللافت في تعاطي السلطات هذه المرة مع ملف الرئيس الطبي، أنها لأول مرة تكشف عن طبيعة مرض بوتفليقة. ففي نهاية 2005 قالت الرئاسة، إنه نقل إلى فرنسا لإجراء فحوصات طبية معمقة، واتضح فيما بعد بأنه أصيب بنزيف حاد في المعدة. وأثير جدل حول إصابته بورم ترفض السلطات الاعتراف به. وظل ملف صحة بوتفليقة سرا من أسرار الدولة طيلة 7 سنوات ونصف، ولكنه دخل رسميا ساحة التداول السياسي، كما ظلت الإشاعة حول مرضه تغذي صفحات الجرائد طول تلك المدة.

ويطرح الإعلان عن مرض الرئيس والكشف رسميا عن طبيعة ما يشكو منه، مسألة خلافته والسيناريوهات المطروحة بخصوص الشخصيات المؤهلة لقيادة للبلاد.

يقول إنور مالك المحلل السياسي الجزائري المقيم بفرنسا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «صحة الرئيس بوتفليقة ليست على ما يرام هذا أمر مفروغ منه، ووعكته الصحية تندرج في إطار تدهور حالته منذ العملية الجراحية التي أجريت عليه بفرنسا نهاية 2005. وكان وضعه الصحي هو الأمر الذي قد يفسد خطة الولاية الرابعة، ولذلك وجب مواجهة الأمر قبل موعد انتخابات الرئاسة المنتظرة في ربيع العام المقبل».

ويقول مالك، وهو ضابط عسكري سابق: «في تقديري الشخصي، لن يغادر بوتفليقة الحكم لأن في ذلك سيعني سقوط رؤوس كثيرة من المستفيدين من بقاء نظام حكمه.. وآخرين متورطين في قضايا فساد وجدوا في فترة حكمه، (14 سنة)، ما لم يجدوه حتى في فترة رئاسة الشاذلي بن جديد (1979 - 1992) التي وصفت بالسوداء، بل حتى أيضا في العشرية الحمراء حيث كان الجزائري لا يهمه ثروة بلاده بقدر ما يهمه عنقه فقط». ويقصد بالعشرية الحمراء في لغة الجزائريين، بفترة تسعينات القرن الماضي حيث حصد الإرهاب أكثر من 150 ألف روح، بحسب حصيلة رسمية.

ويقول إنور مالك: «هناك توجه بلا شك في أعلى هرم السلطة، لا يريد أصحابها ولاية رابعة لبوتفليقة، ولكن هؤلاء ليسوا بالقوة التي تهدد الجهة الأقوى التي تريد له البقاء في قصر المرادية (مبنى الرئاسة). الآن يوجد صراع بلا شك وقد سقطت رؤوس كأحمد أويحيى (رئيس الوزراء السابق) وغيره وحتى تلك التي يطاردها الفساد ممن كانت تحسب على الدائرة المغلقة للرئيس بوتفليقة.. إن السيناريو الأقرب إلى الحقيقة، في نظري هذه اللحظة، هو نجاح أنصار الولاية الرابعة في التسويق لها حتى من خلال الوعكة الصحية للرئيس، ويبقى الأمر يخضع للمفاجآت المعروفة في المشهد السياسي الجزائري سواء بالوفاة أو بأشياء أخرى».

بدوره، ذكر المحلل السياسي الجزائري، العربي زواق، أنه ليست هذه المرة الأولى التي ينقل فيها الرئيس بوتفليقة للعلاج في الخارج، لكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها بصفة رسمية وعلى لسان الوزير الأول بأن الرئيس قد نقل إلى فرنسا للعلاج، وهو ما يعني أننا أمام وضع شبيه بذلك الذي تعرض له عام 2005، مع ما تبع ذلك من إجراء لعملية جراحية ومكوث بالمستشفى الباريسي لعدة أشهر، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مستجدات المرحلة، وهي أن الرئيس هذه المرة في حالة صحية ضعيفة، وأضعف مما كان عليه عام 2005، كما أن البلد يتخبط هذه المرة في مشكلات واضطرابات اعترفت السلطة بأنها خطيرة مثل ملفات الفساد والاضطرابات التي يعيشها الجنوب الجزائري، زيادة على هذا فإن العالم كله شهد تغيرات في هذه المرحلة، باستثناء الجزائر وكوريا الشمالية، والأخطر من كل هذا، أن ولاية بوتفليقة تقترب من نهايتها، وكل شيء متوقف على التساؤل المطروح على كل لسان، وهو هل سيترشح الرئيس لرابعة؟

ويرى زواق المعروف بكتاباته المعارضة لسياسات الرئيس، أن الذين يعرفون نفسية بوتفليقة يجزمون بأنه غير مستعد لمغادرة الحكم لو بقي قادرا على الحركة، وسيترشح حتما حتى ولو كان غير قادر على الخروج ولو مرة واحدة لتنشيط حملته الانتخابية، ويكفيه أن يوجه خطابا عبر التلفزيون، لكن هل الجزائر مقفرة من كل مكامن القوة إلى الدرجة التي يفعل بها رجل مريض كل هذا دون أن يقول له طرف آخر لا؟!! وأضاف زواق: «المؤكد أن بوتفليقة نجح في تحويل الساحة السياسة إلى صحراء جرداء قاحلة، كما أنه قزم المؤسسة العسكرية إلى الدرجة التي أصبح البعض من الجزائريين يشك، في أنها تشكل رقما يمكن الاتكال عليه في حالة تأزم الأوضاع إلى درجة خطيرة. والحقيقة التي يمكن الجهر بها، هي أنه شتان بين مؤسسة الجيش التي كان يقودها جنرالات بحجم جنرالات مطلع تسعينات القرن الماضي والمؤسسة العسكرية الحالية، وشخصيا أشك أن هذه المؤسسة تستطيع منع بوتفليقة من الترشح إذا ما رغب في ذلك حتى ولو أعلن عن ترشحه وهو ممدد فوق سرير».

وحول البدائل المطروحة لخلافة الرئيس في حال المانع الصحي، يقول زواق: «بالنسبة للبدائل المطروحة لخلافة بوتفليقة، شخصيا لا أرى من هو مؤهل لرئاسة الجزائر لو ترشح بوتفليقة، وكل الذين سينافسونه سيكونون مجرد أرانب لتسخين الحملة الانتخابية كما حدث في انتخابات الرئاسة الماضية، وهذا لأننا تعودنا في الجزائر على أن نتائج الانتخابات الرئاسية محسومة مسبقا لمن يسمى مرشح السلطة، فإذا ما تقدم بوتفليقة فسيتقدم كمرشح للسلطة بطبيعة الحال، أما إذا ما حدث تطور ما وأصبح بوتفليقة عاجزا وغير قادر حتى على الظهور في التلفزيون، فأرى شخصيا أسماء مثل أحمد أويحيى أو علي بن فليس (رئيس الحكومة الأسبق) والشريف رحماني (وزير الصناعة الحالي) وبدرجة أقل أحمد بن بيتور (رئيس الحكومة الأسبق). وتصنيفي لبن بيتور في ذيل الترتيب، راجع إلى أنه الوحيد الذي يتكئ على نفسه وقدراته فقط، هذا الاحتمال سيطرح في حالة العجز التام لبوتفليقة، أما في حالة عجزه عجزا جزئيا، أي أنه لا يترشح لكن تكون له كلمة في اختيار مرشح السلطة القادم، في هذه الحالة أرشح الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي يمكن الجزم بأنه يحظى برضا الجيش وفي نفس الوقت رضا بوتفليقة.

ويرى إنور هدام القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، المحظورة، واللاجئ بالولايات المتحدة، على صفحته بـ«فيس بوك»، بخصوص مصير الحكم بعد مرض الرئيس، إن «بلدنا الجزائر في حاجة إلى إرادة سياسية وطنية، من أجل استعادة الثقة بين جميع التيارات السياسية، ومن أجل انحياز المؤسسة العسكرية والمخابراتية إلى الشعب، حتى نتمكن معا من تحقيق تغيير حقيقي للنظام السياسي القائم وطبيعة صنع القرار فيه.. إننا في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية (تنظيم أسسه في المنفى) نرى أن أحد معالم التغيير المنشود، يكمن في إحداث القطيعة التامة والفعلية مع النظام القائم وتدابيره للهروب إلى الأمام بل إلى المجهول. إننا مع السيناريو الذي يعتمد أولوية استعادة السيادة للشعب، وفتح المجال لجميع أبناء وبنات الشعب للمشاركة في التنافس السياسي التعددي النزيه لخدمة الشعب».

ويقول رشيد تلمساني أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إن «إعلان مرض الرئيس حدث غير عادي في تقاليد النظام الجزائري، الهدف منه تحضير الرأي العام لخلافة بوتفليقة». ويعيد مرض الرئيس الجزائري الذي سبق أن قضى فترة نقاهة طويلة في 2005، إلى الواجهة مسألة خلافته قبل أشهر من انقضاء ولايته الرئاسية الثالثة، بحسب تلمساني.

ويضيف: «قبل الجلطة الدماغية الصغيرة التي تعرض لها، كان الرئيس متأكدا من انتخابه لولاية رابعة، حتى إن المتعاطفين معه كانوا يحضرون لطلب ترشحه بمناسبة نهائي كأس الجزائر بين مولودية الجزائر واتحاد الجزائر الأربعاء».

لكن بعد هذه الأزمة الصحية فإن المعطيات تغيرت، بحسب تلمساني الذي أشار إلى احتمالات أخرى، في حالة أن الرئيس يكمل ولايته الثالثة ولا يترشح لخمس سنوات أخرى. في هذه الحالة ستدخل الجزائر في مرحلة انتقال ديمقراطي للسلطة. وفي هذه الحالة أيضا ستطرح مسألة أخرى، وسيصبح المجال السياسي مفتوحا لأول مرة في تاريخ الجزائر ولن يكون بمقدور الديوان الأسود (النافذون أصحاب القرار السياسي) اختيار مرشح النظام وسينقسم الجيش إلى عدة مجموعات».

أما ضابط الجيش السابق والمحلل السياسي أحمد عظيمي فيرى أن بوتفليقة يمكن أن يعلن انتخابات رئاسية مسبقة كما فعل سلفه اليمين زروال في 1998. وأبدى عظيمي قناعته بأن سن الرئيس، 76 سنة، ومرضه لن يسمحا له بالترشح لولاية رابعة في 2014. وقال: «إذا قرر البقاء إلى نهاية ولايته فسيسعى لأن تكون له كلمته في اختيار من يخلفه، لكني أعتقد أن المسؤولين الجزائريين غير مستعدين لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة. الأمور لم تتضح بعد».

ومعروف في الجزائر أن الجيش منذ الاستقلال الجزائر في 1962، هو الذي يختار الرئيس، من أحمد بن بلة (1962 - 1965) وهواري بومدين (1965 - 1978) والشاذلي بن جديد (1979 - 1992) ومحمد بوضياف الذي استدعي من منفاه الإرادي في المغرب ليتم اغتياله بعد ستة أشهر في يونيو (حزيران) 1992 واليامين زروال (1994 - 1999) وأخيرا بوتفليقة.