عرب النقب.. ثلاث نكبات وينتظرون الرابعة

مشروع إسرائيلي جديد يرحل 40 ألفا منهم لإقامة 11 بلدة يهودية

TT

عبد الرحيم مكاوي، رجل في الثانية والستين من العمر، يحمل دفترا كتب عليه بخط سميك: «مذكرات رجل مرت عليه ثلاث نكبات، ويستعد للرابعة». فتحه وراح يقرأ منه اقتباسا عن آخر وصية سمعها من والده، قبل أن يودع الحياة الدنيا في اليوم الأول لعيد الفطر قبل ثلاث سنوات: «وصيتي لكم أن لا تخنعوا مثلنا». أغلق الدفتر وقال: «وأنا على وصية والدي. هذه المرة لن نخنع ولن نخضع، وكما قال شاعرنا توفيق زياد: لن يخضع منا حتى طفل يرضع». ولكن، عندما يبدأ باستعراض الأحداث وكيف تدحرج المشروع الإسرائيلي الجديد لهدم 35 قرية عربية وترحيل 40 ألف مواطن من سكانها بغرض إقامة 11 بلدة يهودية مكانهم، غزا الحزن محياه وطأطأ رأسه بخجل وقال بصوت خافت هذه المرة: «قد تنجح إسرائيل في دب الخلافات بيننا وزرع الفتنة، وقد يقودنا تخلفنا وأنانيتنا إلى الفشل وتنجح إسرائيل في تمرير المخطط، لكن عشرات الألوف منا سيقاومون، مهما يكلفنا ذلك من ثمن».

عبد الرحيم هو واحد من 40 ألف عربي من بدو النقب جنوب إسرائيل، الذين يتعرضون هذه الأيام لمخطط الترحيل، ومعهم يتضامن فلسطينيو 48 (المواطنون العرب في إسرائيل) وبعض القوى اليهودية. فالحكومة الإسرائيلية تبحث في مشروع قانون جديد لمشروع التطهير العرقي في هذه المنطقة، وبعد أن مررته في عدة أبحاث برلمانية تنوي إنهاء هذا الملف ومباشرة الهدم والترحيل. وتكون هذه نكبة رابعة لهم.

والعرب الذين يعيشون في النقب اليوم هم ذرية البدو الذين عاشوا مئات السنين أحرارا في الصحارى. يتنقلون من النقب إلى الضفة الغربية شرقا عبر جبال الخليل المجاورة، وغربا نحو قطاع غزة وسيناء المصرية. في سنة 1948 كانوا يشكلون 110 آلاف نسمة، أي بمقدار عدد جميع المواطنين العرب في إسرائيل حسب إحصاء سنة 1951. وقد حلت عليهم النكبة الأولى مثلما حصل للشعب الفلسطيني برمته، فبعد أن تصارعت مصر والأردن على هذه المنطقة، ووقعت بينهما اشتباكات مسلحة دامية، احتلتها إسرائيل بسهولة (بعد عدة أشهر من قيامها). وتمكنت من التخلص من غالبية السكان، عن طريق ترحيلهم نحو سيناء والضفة. ثم حلت عليهم نكبة ثانية في سنوات الخمسين الأولى بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر بزعامة جمال عبد الناصر، فقد خشيت إسرائيل أن يتواصل أبناء الشعب الواحد، من النقب وسيناء وقطاع غزة، ويشكلوا تهديدا لها، فأبعدتهم عن أماكن سكنهم ونقلتهم إلى القسم الشرقي من النقب، ليقتربوا من الحدود مع الأردن (التي كانت تسيطر على الضفة الغربية)، باعتبارها دولة آمنة.

ويقول عبد الرحيم، في حديث مطول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تقول رحلونا، تمر الكلمة هكذا بشكل عابر، وأرجوك أن لا تمررها هكذا. حاول أن تتصور كيف يتم ترحيل نحو عشرة آلاف شخص من بيوتهم المبنية أو خيامهم وبيوت الشعر المنصوبة ومن المراعي وآبار المياه. ومن كان يجرؤ على المقاومة يومها كانوا يجعلونه مثلا للآخرين، فيشبعونه ضربا وإهانة ويذلونه أمام عائلته وفي كثير من الأحيان كانوا يعتدون أيضا على النساء والأطفال. وقد سمعت قصصا كثيرة في هذا المجال، مع أن والدي ظل يقول حتى آخر أيام حياته: هناك أمور رويناها، وهناك أمور لا يمكن أن تروى لأحد وستدفن معنا في القبر، لأنها محزنة وقاسية». ويضيف: «كان علينا أن نبدأ كل شيء من جديد. أنا أذكر كيف كان معظم أبناء جيلي من الأطفال يرفضون المواقع الجديدة التي قذفونا عليها. وكنا نضيف إلى أهلنا عصبية على عصبية. لم يكن أحد يعترف بالصدمات النفسية التي تلقيناها. ولم يشعر أحد بحالات الجوع والفقر والفاقة التي عانيناها بسبب منعنا من دخول أراضينا المزروعة، فضاع الموسم الزراعي وتعبه ومصاريفه هباء. وفقدنا المراعي فنفقت الكثير من رؤوس الماشية، وانتشرت بيننا الأمراض، ونشأ لدينا جيل من البشر بلا أمن غذائي، وصارت تنخفض قامة أبنائنا بعدة سنتمترات، وهي علامات تعرف اليوم على أنها مرتبطة بشكل وثيق مع النمو البطيء والأغذية الناقصة».

المحامي شحدة بن بري، الذي ترك قبيلته في الصحراء وانتقل للعيش في بيت فاخر في مدينة بئر السبع، يقول في حديث خاص بـ«الشرق الأوسط»: «انتقالي إلى المدينة حصل بسبب ظروف العمل وتطور متطلبات حياتنا نحن الكبار وحياة أولادنا من الشباب». ويضيف: «لكن ارتباطنا بأهلنا وقضاياهم ظل يتربع على رأس سلم الأولويات». ويتابع بن بري، الذي يعتبر واحدا من دائرة القادة لنضال عرب النقب ضد مشروع الترحيل الجديد: «صحيح أن السلطات الإسرائيلية رسمت لنا مشروع فتنة بين القبائل لمنعنا من إدارة نضالنا من أجل السلام والمساواة والحريات، إلا أنها بمشاريعها الجنونية تضطرنا إلى الوحدة وخوض نضال مرير لصد هذه الجريمة عنا».

* مسلسل النكبات الأربع

* النقب أوسع منطقة من أرض فلسطين التاريخية، تمتد من القرية العربية المشهورة الفالوجة، على الحدود مع مصر، التي حاصرتها إسرائيل عام 1948 ثم دمرتها بعد احتلالها، وحتى بلدة أم رشرش التي أقامت إسرائيل مدينة إيلات على أنقاضها على الجانب الغربي من خليج العقبة. مساحة هذه المنطقة الشاسعة تبلغ ما يقارب 13 مليون دونم، أرض كان يقطن فيها نحو 110 آلاف نسمة من العرب الفلسطينيين، هجر 90% منهم بعد احتلال النقب عام 1948، كما تم تجميع كل من بقي في النقب في منطقة محصورة سميت بالسياج، وهي المثلث الواقع بين بئر السبع، ديمونا (كرنب) وعراد في مطلع الخمسينات، بحيث فرض عليهم الحكم العسكري إلى أواخر الستينات.

د. ثابت أبو راسن أحد النشطاء السياسيين في النقب ومدير مركز عدالة الذي يدافع عن الحقوق الدستورية للعرب في إسرائيل، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا تعترف المؤسسة الإسرائيلية بحق عرب النقب في ملكية أرضهم، مدعية زورا بأنها تستند في ذلك إلى قوانين كانت سارية من قبل في عهد الإمبراطورية العثمانية وعهد الاستعمار البريطاني، مع أن الحكومة البريطانية اعترفت بحق ملكية أهل النقب لأرضهم حسب قانون العرف والعادة. وأكد وزير المستعمرات آنذاك، ونستون س. تشرتشل، بحضور المندوب السامي هربرت صمويل، أن الحكومة البريطانية تعترف بملكية الأرض في بئر السبع حسب قانون العرف والعادة. وأضاف أنه مع قيام دولة إسرائيل سنت قوانين مختلفة لمصادرة الأراضي مثل قانون «الحاضر الغائب» عام 1951، وقانون أراضي إسرائيل عام 1953 لتمنع رد الملكية إلى أصحابها الحقيقيين، فحولت إسرائيل بموجب هذه القوانين نحو 11 مليون دونم إلى ملكية الدولة. وفي عام 1965 سن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قانونا للتخطيط والبناء، وبموجب هذا القانون أصبحت منطقة السياج منطقة زراعية يمنع فيها البناء فأصبحت كل البيوت والمباني في هذه المنطقة غير قانونية، وبذلك يتوجب على السلطات التنفيذية أن تطبق هذا القانون وتقوم بهدم المباني واقتلاع الأهل. وحتى تصعب الدولة على السكان الحصول على خدمات أساسية جعلت هذه المنطقة دون سلطة محلية أو إقليمية.

ويتابع الدكتور أبو راس: «في أواخر السبعينات فرح الكثير من الإسرائيليين والعرب بتوقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية سلام، ولكن تبين أن هذا السلام انطوى على نكبة جديدة لعرب النقب، إذ تقرر نقل المطارات ومناطق التدريب الإسرائيلية من سيناء المحتلة إلى النقب. ومن سخريات القدر أن السلطات الإسرائيلية أطلقت اسم «قانون السلام» على هذا القانون، الذي صادرت بموجبه ما يقارب 85,000 دونم من عرب النقب، بدعوى وضعها تحت تصرف الجيش، ونقلتهم إلى منطقة جديدة. وفي عام 2004 سن قانون طرد الغزاة حيث اعتبرت الدولة العرب البدو في النقب غزاه يجب طردهم.

ويتابع أنه في عام 1969 بدأت الحكومة خطتها لتركيز عرب النقب في مجمعات سكنية منطلقة من الاستراتيجية القائلة بتركيز أكثر عدد ممكن من العرب على أقل مساحة ممكنة من الأرض ونشر اليهود على أكبر مساحة ممكنة من الأرض. بهذا الشكل قامت 7 مجمعات تركيز (تل السبع - راهط - عرعرة النقب - كسيفة شقيب السلام - حورة اللقية). وفشلت هذه الخطة في تركيز كل عرب النقب في هذه المجمعات، لأنها لم تجعلها قرى زراعية يحافظون فيها على تقاليدهم وعاداتهم. وفي أواخر التسعينات وأوائل القرن الحالي أضافت الدولة 7 مجمعات جديدة لتقام عليها بلدات لحل المشكلة. ومنذ السبعينات باشرت المؤسسة الإسرائيلية التخطيط لتوطين البدو قسريا وحددت لهذا الغرض سبع نقاط وقامت بحملة دعائية وتسويق سياسي يظهر التوطين القسري كعمل «تطويري» وتحضير لحياة البدو، بينما في الحقيقة إن المؤسسة الإسرائيلية أرادت الاستيلاء على أرض كل من دخل إلى مشاريع التوطين، وهذا ما حدث في حقبة السبعينات والثمانينات، واعتمدت أسلوب الترهيب والترغيب والخداع والتهجير.

* مشروع برافر

* منذ يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2007 كلف وزير البناء والإسكان في الحكومة الإسرائيلية، لتشكيل لجنة بحث مهمتها تقديم توصيات حول كيفية تنظيم السكن البدوي في النقب. وأنهت اللجنة عملها في يناير (كانون الثاني) 2008. وبعد فحص معمق لتقرير لجنة غولدبرغ لتنظيم السكن في النقب تمت المصادقة على القرار رقم 4411 تحت عنوان «تقرير مشروع تسوية تنظيم السكن في النقب (لجنة غولدبرغ).

ولكن هذه اللجنة ووجهت بمعارضة يمينية شرسة، فعلى الرغم من أنها أوصت بمصادرة نصف أراضي عرب النقب المتبقية، لغرض الاستيطان اليهودي، فإنها قررت الإبقاء على القرى القائمة حاليا وعدم هدم أي بيت فيها. فقررت الحكومة تضليل المحتجين، عبر تشكيل لجنة أخرى برئاسة إيهود رافر، لبحث كيفية تطبيق التوصيات. فخرجت هذه بتوصيات جديدة تقلل مساحة الأرض للعرب وتخصص الأراضي الباقية للجيش ولإقامة 11 بلدة يهودية جديدة في النقب. وقد اعتبرت التوصيات الجديدة خطيرة على مستقبل عرب النقب.

ويشرح المحامي بن بري ذلك قائلا: «في خريف سنة 2011 أقرت حكومة إسرائيل ثلاثة برامج كارثية بخصوص عرب النقب، الأول والصادر بتاريخ 11 سبتمبر (أيلول) 2011 (قرار 3707) والمدعو تقرير الطاقم الوزاري لتنظيم توطين البدو، أما القرار الثاني فقد صدر في اليوم نفسه ورقمه 3708 تحت اسم (برنامج لتعزيز النمو الاقتصادي وتنمية السكان البدو)، أما القرار الثالث فبتاريخ 30 أكتوبر 2011 (قرار رقم 3782) تحت عنوان «إقامة مستوطنات مشارف عراد». هذه القرارات الثلاثة ملتصقة بعضها ببعض، لذا فمن أجل فهم القرار الأول والثاني علينا أن نقرأ القرار الثالث (3782) الذي ينص على ما يلي: «خلال الرؤية الصهيونية لازدهار النقب ووفقا لسياسة الحكومة لتطوير وتنمية وجذب السكان وزيادة المعروض من المساكن في الضاحية مرورا بنقل قواعد الجيش الإسرائيلي إلى النقب تقرر ما يلي: أولا: الشروع في إنشاء مجمعات استيطانية ذات طابع قروي على مشارف عراد، في الجنوب. منطقة مساحة تغطي المنطقة بين عراد (شارع 31) جنوبا ويمتد بين شوكيت (السقاطي)، وميتار وحورة الغربية ويحد من المجلس الإقليمي تمار، ومدينة عراد ومنطقة كسيف. وثانيا: إلقاء المهمة على مدير مكتب رئيس الحكومة لتنسيق تنفيذ أعمال الموظفين بشأن إنشاء المنطقة الاستيطانية بمساعدة دائرة الاستيطان التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون مع وزارة الإعمار والإسكان والتنسيق مع وزارة الداخلية ووزارة تطوير النقب والجليل ووزارة الزراعة والتنمية الريفية ووزارة العمل وحماية البيئة ووزارة المالية ودائرة أراضي إسرائيل من قبل رئيس ديوان الحكومة في غضون أربعة أشهر. وثالثا: تنسيق العمل مع الموظفين العاملين على تسوية توطين البدو حسب قرارات الحكومة رقم 3708 و3707 الصادرة بتاريخ 11 سبتمبر 2011، ورابعا: تخصيص مليون شيقل (الدينار يساوي 5 شواقل) لإقامة طاقم العمل على أن يتم تحويل المبلغ من وزارة المالية لرئيس الوزراء في غضون 20 يوما.

«هكذا تقر الحكومة بإقامة عشر مستوطنات يهودية تهدف إلى استيعاب 300000 مستوطن يهودي في المنطقة الموجودة ما بين عراد ومنطقة السقاطي، ومن أجل إقامة هذه المستوطنات سيتم اقتلاع خمس قرى عربية، وهي: عتير وأم الحيران وتل عراد والحمرة وسعوة والباط».

ويكشف بن بري أن أحد قادة الحركة الاستيطانية، يارون بن - عزرا، المدير العام لقسم الاستيطان الصهيوني، كان أكثر صراحة وشفافية في كشف حقيقة أهداف المشروع الجديد، إذ قال: «هنالك هدف آخر لقرار الحكومة وهو الاستيلاء على الأراضي الأخيرة المتبقية وبالتالي منع المزيد من غزو البدو لأراضي الأمة ومنع التواصل البدوي أو العربي في ما بينهم في المنطقة المنحصرة بين جنوب الخليل إلى عراد، ومن ديمونا ويروحام حتى بئر السبع. أما البند الثالث لقرار الحكومة المذكور فهو لا يدع مجالا للشك بأن إقامة المستوطنات العشر اليهودية منوط بتنفيذ القرارين السابقين 3707 و3708، وأن عملية توطين اليهود تأتي بتنسيق كامل مع موظفي الحكومة المكلفين بترحيل البدو العرب عن أراضيهم وفقا للقانون المقترح».

وكيف تحول المخطط إلى مشروع قانون؟ يجيب بن بري: «على الرغم من تسمية مشروع القانون الفضفاضة (قانون تنظيم إسكان البدو في النقب) لسنة 2013، فإن بنده الأول يكشف حقيقته التي لا تمت بصلة إلى التنظيم أو الإسكان. ها هو البند الأول لمشروع القانون ليعرفنا على أهدافه: (1) تنظيم ملكية الأراضي في النقب حيال ادعاءات الملكية التي قدمها السكان البدو في النقب. (2) التمكين من تطوير النقب لما فيه منفعة جميع سكانه والتمكين من توفير حلول إسكانية للبدو في النقب».

ويوضح قائلا: «إذن نحن بصدد مشروع للبت في الملكية، والأصح نزع الملكية، وليس مشروع توطين أو إسكان كما يتخيل البعض ممن يقرأون عنوان القانون. ويبقى هذا القانون مختلفا عن بقية القوانين التي شرعها الكنيست، فهو الأسوأ وهو الأبشع أخلاقيا ودستوريا».

ويشرح قائلا إن القانون أولا يحدد كيفية تعويض أصحاب الأراضي عن طريق تأليف لجان تعويض يعينها رئيس الحكومة. هذه اللجان الحكومية ستقوم بتسجيل بروتوكولات ولكن نشرها سيتم فقط بالطريقة التي تراها اللجان مناسبة حسب وجهة نظرها، وهي مخولة أن تشطب أسماء أصحاب الأراضي المدرجين في قراراتها أو أي وسيلة تمكن من التعرف عليهم قبل النشر. وهذا البند يأتي لمنع التسريبات كي لا يعلم صاحب الأرض مدعي الملكية مجريات البت في قضية جارة على سبيل المثال وكي لا يتسنى له المطالبة بالمساواة مع غيره في حال قرر المساومة ولإثارة الشكوك والتخوين وزرع الفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع. ناهيك بخرق مبدأ الشفافية والمساواة وحرية المعرفة والاطلاع على محتويات القرارات أو الطعن بمصداقيتها أو التوجه إلى القضاء. وثانيا هذا القانون يسري فقط على أصحاب الأراضي البدو العرب، وهو لا يسري على «الكيرين كييمت» مثلا أو «سلطة التطوير» أو «الدولة»، التي تعتبر أكبر «مالكين» للأراضي العربية المصادرة، وحتى إذا كانت لهذه المؤسسات مطالب ملكية في نفس المنطقة (في النصوص السابقة تم التوضيح أنه يسري فقط على البدو العرب)، فإن القانون لا يشملهم. لذا فهو قانون عنصري يتناقض مع مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع الواحد والمؤسسات. وثالثا: في حالة توجه أحد أصحاب الأراضي للمحكمة ضد أحد (من ذوي النفوس الرخيصة) ممن توجهوا إلى لجنة التعويض مدعيا أنه صاحب الأرض الحقيقي، فلا يحق للمحكمة أرجاء عملية التسوية إلا في حالات استثنائية. ورابعا، أنواع التعويض ستستند فقط على الأدلة التي بحوزة الدولة (كالتصوير من الجو أو خرائطها) ولن تستند على أدلة المواطن صاحب الأرض.

ويضيف بن بري بندا خامسا فيقول: «هناك كذبة اسمها كذبة التعويض، فيزعمون أنهم سيعوضون كل صاحب أرض بقيمة 50%، والأصح القول إنهم يسلبون 50%، ولكن هذه كذبة إضافية، فحسب البند 46 لمشروع القانون فإن المقابل يتم فقط حسب نوعية الأرض، وفي حالة وجود صاحب الأرض المدعي الملكية عليها، وكان قد استغلها حين قام بتقديم دعواه بالملكية. وبكلمات أخرى يعني أن كل من طرد بشكل قسري من أرضه حتى سنوات السبعين فلا يستحق أي مقابل لأرضه المسلوبة».

ويستطرد قائلا إن الرواية لا تنتهي عند هذا الحد، إذ إنه وحتى وإن استغل أرضه ووجد عليها وما زال كذلك فهو لن يتلقى نصف أرضه بعد سلب النصف الآخر إلا بعد أن يوافق جميع المدعين (كالإخوة والأقارب) على الصفقة وإلا فإن التعويض سينخفض إلى 20 في المائة. ويضيف بأن هناك كذبة أخرى في قضية «التعويض» هي شرط استيفاء سبعة شروط مجتمعة إضافية، تعجيزية ومهينة، منها على سبيل المثال: أن يسلم أرضه للسلطة وأن يخلي ويهدم ما عليها، وأن يسكن بمكان مخصص للسكن، وأن يزيل ويهدم ما على الأرض التي يتلقاها من الدولة كبديل (النصف أو الربع الذي يتلقاه من أرضه) كل مبنى أو غرض قائم بشكل غير قانوني، وأن يوقع خطيا على موافقته على كل ذلك، وفي حالة تسليم جزء من أرضه لشخص آخر فعليه بادئ ذي بدء أن يسمح له بالوجود على أرضه. وبعد أن يتم تهجير وسلب المواطن من أرضه سيتم «منحه» قسيمة أرض للسكن وسيتم خصم ثمن القسيمة من «التعويض» الذي يستحقه عن الأرض الأصلية.

* الهدم والتدمير والإرهاب والعودة إلى الحكم العسكري

* ويتابع المحامي شحدة بن بري قصة هذا المخطط الاستيطاني، فيقول: «بعد كل هذا ينتقل بنا مشروع القانون إلى التهديد والوعيد. فحسب هذا القانون يجوز لمدير سلطة أراضي إسرائيل أو لمدير لواء في سلطة أراضي إسرائيل بالتشاور مع مدير السلطة أو من يفوضه أن يقرر في أمر الإخلاء بأن على حائز الأرض أن يخليها خلال المدة المحددة في الأمر، والتي لا تقل عن ثلاثين يوما من تاريخ تبليغه به»، ويستطرد قائلا إنه في حالة عدم الإخلاء ينص مشروع القانون على ما يلي: «تنفيذا للأمر يجوز لمن فوض بذلك بموجب قانون العقارات العامة الدخول إلى الأرض المراد إخلاؤها والعمل على إخلائها من كل شخص ومتاع واتخاذ التدابير كافة الكفيلة بضمان تنفيذ الأمر، كما يجوز له لدى الحاجة استعمال قدر معقول من القوة والاستعانة بمساعدة من الشرطة لهذا الغرض».

ثم يوضح مشروع القانون وينص على ما يلي: «على الرغم مما ورد في قانون التنظيم والبناء، يتيح أمر الإخلاء الصادر بموجب هذا القانون هدم البناية حتى دون ترخيص بهدمها (البند 69 د)». بكلمات أخرى إن الدولة لن تعمل بموجب قانون التنظيم والبناء الساري على كل مواطنيها، والذي يستوجب إصدار أمر من المحكمة بقصد هدم المنزل وسماع المواطن قبل قرار المحكمة، بل يودع القضية بيد موظفي الدولة واستثناء سريان قانون البناء على عرب النقب، وإن عملية الهدم ستجري دون محكمة، بل بقرار موظف لدى السلطة ودون أمر قضائي. مشروع القانون لا يتيح للمحكمة المركزية إلغاء أمر الموظف، إذ تم تقييد المحكمة بشروط لوقف الهدم، شروط لا يمكنها أن توجد في النقب.

ويختتم بن بري قائلا إنه «على الرغم من أن مخطط الاقتلاع سيتم بالتنسيق على أعلى المستويات من قبل رئيس الحكومة وقيادة الشرطة والدوريات الخضراء ودوائر التنظيم، نرى وللأسف أن معركة التصدي لهذا المشروع التهجيري تدار على المستوى المحلي عن طريق لجنة منبثقة عن لجنة المتابعة للجماهير العربية. لذا يتطلب الأمر أن ينتقل النضال ضد هذا المخطط ليكون حاضرا وبالتنسيق الكامل على أعلى مستويات تنظيماتنا الحزبية والجماهيرية والبلدية وخلق طواقم عمل ميدانية وحقوقية وإعلامية ودولية لمنع نكبة أخرى في البلاد».