روحاني.. و«آمال العالم»

الغرب والشرق في انتظار أولى خطواته الرئاسية.. للحكم له أو عليه

TT

ما إن أعلن فوزه حتى انهالت التهاني على مكتبه.. من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن قادة أوروبا، ودول الخليج، حتى من البحرين، التي ما فتئت، تشتكي من تدخلات طهران في شؤونها الداخلية، كانت من أوائل المهنئين بفوز الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني.

الغرب يحمل همومه وقضاياه مع إيران، وبينها الملف النووي، والشرق يأمل أن يقيم علاقات جوار طيبة مع إيران. ويحبس العالم أنفاسه الآن، لمعرفة الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس الجديد، الذي سيتقلد منصبه في منتصف أغسطس (آب) المقبل.

ويتقلد روحاني منصبه حاملا أيضا آمال الإصلاحيين في الداخل، الساعين إلى قدر أكبر من الحريات الاجتماعية وانتهاج سياسة خارجية تحقق مصلحة البلاد، وترفع العقوبات وتنعش الاقتصاد الذي يسير نحو الانهيار، حيث يرجح كثير من المراقبين للشأن الإيراني أن يتبع الرئيس المنتخب الذي تميز بنبرته التصالحية في المحادثات النووية التي أجراها مع القوى العالمية بين سنتي 2003 و2005 سياسات معتدلة، لكسب قطاعات واسعة من الإيرانيين.

ودهش كثيرون لفوز روحاني بنسبة تجاوزت 50 في المائة بقليل في الانتخابات التي جرت يوم الجمعة حسب وزارة الداخلية، إذ إن النتيجة تعد جيدة نظرا لفوزه من الجولة الأولى على منافس محافظ قريب من الزعيم الأعلى علي خامنئي. فلا غرو أن روحاني اهتم في برنامجه بإصلاح العلاقات الخارجية لإيران واقتصاد البلاد الذي أضرت به العقوبات، ودعا لوضع ميثاق للحقوق المدنية. وساهم ذلك في جذب عدد كبير من الإيرانيين الذين يحرصون على تعددية سياسية أوسع في الداخل وإنهاء عزلة الجمهورية الإسلامية في الخارج.

وبفضل عمله كمفاوض يسعى للتوفيق بين الأطراف انتزع روحاني أصوات الناخبين من الداعين للإصلاح ممن كممت أفواههم طيلة سنوات، كما أنه يستطيع التعاون جيدا مع خامنئي نظرا لسجله النظيف في المؤسسة الدينية الإيرانية.

ولد روحاني في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1948 بالقرب من مدينة سمنان، وانتخب عضوا في البرلمان الإيراني سنة 1980، وتم تعيينه عضوا في مجلس الأمن الوطني الأعلى، عام 1989. وفي الفترة ما بين سنتي 1989 و2005 عمل أمينا لمجلس الأمن الوطني الأعلى، وفي سنة 1991 عين عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام. كما عين في سنة 1992، رئيسا لمركز الأبحاث الاستراتيجية التابع لمركز مجمع تشخيص مصلحة النظام. وانتخب عضوا في مجلس الخبراء سنة 1999، ثم أصبح في السنة نفسها نائبا لرئيس مجلس الشورى الإيراني لأربع فترات. وما بين 2003 و2005 عين رئيسا لفريق المفاوضين النوويين الإيرانيين وكبير المفاوضين مع الترويكا الأوروبية للمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.

وقد كانت لروحاني مواقف عامة جديرة بالاحترام، فقد أيد صراحة الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في إيران عام 2009، وانتقد الحكومة لقمعها المسيرات السلمية. وكتب في مقال نشر في صحيفة «مردم سالاري» الديمقراطية في فبراير (شباط) 2010: «من حق الناس الاحتجاج إذا ما سرقت أصواتهم، ولكن مثل هذه الاحتجاجات شيء جميل لأنه يبين أن للناس قيمة لأصواتهم». وكتب أيضا: «الاحتجاج السياسي ليس أمرا مباحا فقط، بل هو واجب سياسي واجتماعي يجب على الجميع القيام به»، مؤكدا أن من واجب الناس الاحتجاج ضد ما يعدونه سرقة لأصواتهم. وأضاف: «إذا كانوا على حق، فعليك أن تقبل وجهات نظرهم، وإذا كانوا على خطأ، فيجب عليك إثبات أنهم على خطأ، لا باستخدام العنف. ولكن بعض الناس لا يبدون تسامحا تجاه الاستماع إلى وجهات نظر معارضة».

ويرى تريتا بارسي المحلل الإيراني المقيم في الولايات المتحدة أن فوز روحاني المدوي أظهر أن ميزان القوة الجديد في إيران بات أكثر تعقيدا مما كان يعتقد البعض. وكتب في تعليق من خلال البريد الإلكتروني: «رغم استمرار سيطرة المتشددين على المفاصل الرئيسة للنظام السياسي فإن المعتدلين والإصلاحيين أثبتوا أنهم قادرون على الفوز بفضل الدعم الجماهيري حتى في ظل ظروف غير مواتية».

ونجح روحاني في حشد أصوات أبناء الطبقة المتوسطة والشبان في الحضر ممن عانوا على مر أعوام من حملات أمنية أحبطت أي معارضة. وخرج أنصار الرئيس السابق محمد خاتمي عن صمتهم ليساندوا روحاني في وقت سابق من الشهر الحالي عقب انسحاب مرشحهم من السباق الذي هيمن عليه أنصار خامنئي المحافظون.

واكتسب روحاني زخما أكبر بفضل مساندة الرئيس الأسبق على أكبر رفسنجاني بعد استبعاد الأخير من سباق الرئاسة في الشهر الماضي. وتعهد روحاني بوضع ميثاق للحقوق المدنية وتطبيقه وانتهاج سياسة خارجية تقوم على «التفاعل البناء مع العالم» ودافع عن حقوق المرأة والأقليات العرقية.

ورأس روحاني، 64 عاما، المجلس الأعلى للأمن القومي خلال رئاسة رفسنجاني الذي يتسم ببراغماتية نسبية وبراعة في العمل السياسي الواقعي وخاتمي الذي أجرى إصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق عرقلها متشددون في مواقع بارزة بالمؤسسة الدينية وقادة الحرس الثوري.

وترأس روحاني محادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا شهدت موافقة إيران خلالها على تعليق أنشطة تتصل بتخصيب اليورانيوم في عام 2003 لحين إجراء مزيد من المفاوضات بشأن امتيازات تجارية ودبلوماسية لإيران، لكن غياب الثقة بين الطرفين أعاق التنفيذ في نهاية المطاف. واستقال من منصبه بعد أن تقلد أحمدي نجاد السلطة في 2005.

واستأنفت إيران تخصيب اليورانيوم، بل توسعت فيه. ووجهت اتهامات إلى روحاني بأنه شديد المهادنة في المفاوضات وحاول منافسوه المتشددون استغلال هذه الانتقادات. وشن روحاني هجوما مضادا عنيفا في مقابلة مع التلفزيون الإيراني في 27 مايو (أيار) الماضي ووصف محاوره بأنه «جاهل» حين قال إن برنامج إيران النووي توقف خلال ترؤسه للمفاوضات. وقال روحاني: «هذا كذب»، مشيرا إلى أن إيران واصلت إحراز تقدم في الخبرات النووية خلال رئاسته للمجلس الأعلى للأمن القومي، مضيفا أنه جنب البلاد تهديدات إسرائيل والولايات المتحدة بمهاجمة مواقع نووية. وتابع: «منعنا الهجوم على إيران، تذكروا الظروف الحساسة في ذلك الوقت... أخضع الجيش الأميركي أفغانستان واحتل العراق. وظن أن الدور سيأتي على إيران في اليوم التالي أو بعد ذلك».

وفي أول مؤتمر صحافي له بعد إعلان فوزه عبر عن رغبته في تطوير العلاقات مع السعودية، كما أصدر عدة إشارات إلى رغبته في الانفتاح على العالم وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، ولكنه رفض المطلب الغربي بوقف تخصيب اليورانيوم. وقال إن أولوية حكومته هي تعزيز العلاقات مع دول الجوار وتقليل التوترات مع الولايات المتحدة، رغم اعترافه بأن إعادة العلاقات مع واشنطن المقطوعة منذ 34 سنة أمر معقد ويحتاج إلى عملية طويلة. وكان موقفه من سوريا أقل وضوحا بقوله إن «مشكلات سوريا يحلها السوريون»، وأضاف: «يجب على الدول الأجنبية عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، فإذا كانوا يريدون حل المشكلات فإن عليهم أن يتوجهوا إلى الحكومة الحالية في سوريا. ونحن على يقين من أن الانتخابات في 2014 سوف يكون لها تأثير كبير على مستقبل الصراع».

وحول البرنامج النووي قال روحاني إن «إيران سوف تتخذ خطوتين رئيستين من أجل حل مشكلة العقوبات: توفير المزيد من الشفافية بشأن البرنامج النووي الذي هو شفاف أصلا، وأيضا خلق الثقة المتبادلة». ولكن روحاني نفى العودة إلى تعليق تخصيب اليورانيوم الذي تعهدت إيران به كإجراء لبناء الثقة بين عامي 2003 و2005.

ولا يشكك أحد في الماضي الثوري لروحاني، إذ كان عضوا نشطا في المعارضة التي أطاحت بشاه إيران في سنة 1979، ولا يزال روحاني عضوا في المجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، والأخيران مجلسان استشاريان نافذان.

كان روحاني تابعا نشطا لآية الله الخميني، خلال السنوات التي سبقت ثورة 1979 ألقي القبض عليه عدة مرات لإلقاء خطب هاجم فيها الشاه. على الرغم من رحيله عن إيران قبل عامين من الثورة فإنه كان صاحب نشاط ملحوظ في السياسة حيث ألقى عدة محاضرات للطلبة الإيرانيين المقيمين في الخارج.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران انتخب روحاني عضوا البرلمان الإيراني لخمس فترات متتالية، بدءا من عام 1980 وحتى 2000، وشغل الكثير من الوظائف الأخرى، بما في ذلك نائب رئيس البرلمان، ورئيس لجنة الدفاع ولجنة السياسة الخارجية. كما شغل منصب عضو في مجلس الرقابة على الإذاعة في الفترة بين عامي 1980 و1983.

وخلال الحرب بين إيران والعراق، شغل روحاني الكثير من المناصب العسكرية وعين نائبا للقائد العام للقوات المسلحة عام 1988. وبعد تشكيل المجلس الأعلى للأمن القومي عام 1989 اختاره آية الله خامنئي عضوا في المجلس. ولا يزال في هذا المنصب منذ ذلك الحين. وهو عضو في مجلس مصلحة تشخيص النظام منذ عام 1991، الذي اختاره لعضويته أيضا المرشد الأعلى.

وأشار روحاني إلى أنه لن يخوض الانتخابات في حالة مشاركة رفسنجاني، لكن مجلس صيانة الدستور استبعد رفسنجاني؛ إذ كان من شأنه أن يمثل أكبر تهديد لمكانة خامنئي. وخلال ولايتي الرئيس أحمدي نجاد تصاعدت حدة الخلافات مع الغرب بشأن البرنامج النووي لإيران، وفرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على البنوك والنفط الإيراني.

وأدى تشديد العقوبات الدولية إلى انخفاض حاد في قيمة العملة الإيرانية وضاعف من تأثيرها ما يصفه منتقدو أحمدي نجاد بسوء إدارته للاقتصاد.

وتحسر روحاني على حال الاقتصاد في البلاد ولمح إلى أنه يرجع في جزء منه إلى عزلة إيران المتزايدة نتيجة تعنتها في الخلاف النووي مع الغرب، وتعهد بتشكيل حكومة تتسم «بالحكمة وتبث الأمل» في حالة انتخابه.

وقال في مقابلة مع تلفزيون الدولة في الآونة الأخيرة: «إذا نظرنا إلى حال البلاد والمشكلات في الريف والحضر والصغار والكبار والطلبة.. الجميع يعلم المشكلات والقضايا الاجتماعية في حياتنا اليومية. هل توجد أسرة لم تتضرر من البطالة؟».

ويقول دبلوماسي بجامعة الدول العربية في القاهرة رفض كشف هويته: «نتمنى أن يكون الرئيس الإيراني الجديد مؤمنا بالحل السياسي في سوريا.. ومؤمنا بتطلعات الشعب السوري في الحرية والتغيير، وأن تكون إيران عنصرا للحل ومساعدا على الخروج من الأزمة». ومضى يقول: «جميع المعلومات التي نقرأها عن روحاني المرشح المدعوم من المعتدلين قد تدعو للأمل، لكنّ هناك فارقا كبيرا بين الحملات الدعائية وخطاب المسؤولية عندما يصبح رئيسا».

وفي البحرين قالت وزيرة الإعلام سميرة رجب: «أعتقد أن روحاني فرد في فريق. وأي أحد يأتي من ذلك الفريق سيواصل السياسة ذاتها... لم تعد لدينا ثقة في النظام الإيراني بعد ما حدث في البحرين».

وفي مصر قال مراد علي، وهو متحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين: «نتطلع لنرى كيف سيتصرف المرشح الفائز»، مضيفا: «هل سيكون هناك تغيير في السياسات من الإيرانيين، خصوصا في ما يتعلق بالأزمة السورية؟.. نحن بصفة عامة نقبل التعاون مع إيران.. لكن لدينا مخاوفنا المرتبطة بتدخلها في الشؤون السورية».