العراق.. ما بعد «الفصل السابع»

زيارة أمير الكويت إلى بغداد عام 2012 مهدت لطي تاريخ مشحون بالقلق

TT

على مدى العامين الماضيين تسارعت خطى العلاقات بين العراق والكويت.

ففي الوقت الذي كادت فيه أزمة ميناء مبارك خلال عام 2011 تعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول، عقب الاعتراضات البرلمانية والجماهيرية العراقية على خطط الكويت في هذا المجال، فإن الخطوة الكويتية التي تمثلت في إلغاء المرحلة الرابعة من الميناء بدت وكأنها الماء البارد الذي تم سكبه على تاريخ مشحون بالقلق والترقب بين البلدين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد.. فالزيارة التي بدت تاريخية، التي قام بها إلى العراق أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، خلال قمة بغداد عام 2012، كان لها وقع السحر في أن تأخذ العلاقات بين الطرفين بعدا آخر. وفي أعقاب تلك الزيارة تحركت الدبلوماسيتان العراقية والكويتية من أجل البحث عن مخرج لخروج العراق من تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

* كانت العقدة الأساسية التي تحول دون ذلك هي التعويضات التي تدفع إلى الكويت من قبل العراق، وبنسبة 5 في المائة من واردات النفط العراقي والبالغة 52 مليار دولار، بقي منها في ذمة العراق للكويت 11 مليارا سينتهي العراق من دفعها في حال بقيت أسعار النفط على ما هي عليه الآن نهاية عام 2015.

أما القضايا الأخرى العالقة فيقف في المقدمة منها القرار 833 الخاص بترسيم الحدود بين البلدين، وقضية المفقودين والأرشيف الكويتي، فقد تمت إحالتهما إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن القضايا المتبقية سوف يجري حلها عبر المفاوضات المباشرة بين البلدين.

وحيث إن مسألة القرار 833 تم حسمها باعتراف العراق به عندما تم خلال الشهور الماضية وضع العلامات الحدودية بين البلدين، فإن قضية المفقودين والأرشيف الكويتي كانت كفيلة بأن تعلن الكويت موافقتها على إيفاء العراق بالتزاماته الدولية حيال الكويت. وبالفعل فقد صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار إخراج العراق من طائلة الفصل السابع، بعد أكثر من عقدين من العقوبات التي فرضها المجلس بموجب هذا الفصل عقب غزو نظام صدام حسين للكويت في أغسطس (آب) سنة 1990.

* بداية جديدة

* المستشارة السياسية في مكتب رئيس الوزراء العراقي مريم الريس، أكدت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن خروج بلادها من تحت طائلة البند السابع «بمثابة بداية جديدة لعراق آخر انتهت معه حقبة الشغب السياسي وتهديد الأمن والسلم الدوليين مثلما كان الأمر عليه على عهد النظام السابق». وتضيف الريس قائلة إن «العقوبات التي فرضت على العراق بموجب هذا الفصل قيدته تماما وعلى كل المستويات، بما في ذلك التسليح والحلقات العلمية، فضلا عن السيادة التي بقيت منقوصة»، مشيرة إلى أن «العراق اليوم سوف يبدأ في لعب دور محوري في القضايا الإقليمية والدولية خصوصا أن المنطقة تعيش اضطرابات مخيفة، وهو ما يتطلب مواجهتها بشجاعة وعقلانية».

وأكدت الريس أن «العراق وخلال السنوات العشر الماضية من عمر التغيير أثبت عمليا أنه عنصر توازن في المنطقة، وأنه يقف على الحياد ولا يهدد أحدا، وهي مزايا سوف تتحول إلى أمر واقع وعملي الآن بعد خروجنا من الفصل السابع».

وعلى صعيد البداية الجديدة نفسها التي وجد العراق نفسه فيها بعد خروجه من البند السابع يرى وزير العلوم والتكنولوجيا العراقي السابق الدكتور رائد فهمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك مسائل مهمة على صعيد بعض حلقات التكنولوجيا كانت ممنوعة على العراق، بحيث لا يستطيع استيرادها بموجب هذا القرار، وبالتالي فإن قيام المجتمع الدولي برفع العراق من طائلة البند السابع إنما هو بمثابة اعتراف منه بأن العراق أصبح بلدا آخر لم يعد يهدد أحدا، وأنه أوفى بما عليه من التزامات، وبالتالي آن الأوان لأن تستكمل كل حلقات سيادته». وأضاف فهمي أن «خروج العراق من هذا الفصل أتاح له مناخا أفضل على المستوى الدولي في الميادين الاقتصادية والعلمية، وفي المقدمة من ذلك قضية الاستثمار، حيث إن الشركات العالمية لم تعد بحاجة إلى المزيد من الضمانات لكي تستثمر في العراق، بعد أن تحول الآن إلى بيئة آمنة، وهو عامل إيجابي يتطلب من الجهات العراقية المسؤولة استثماره بشكل دقيق».

* الفصل السابع

* خضع العراق للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب القرار 661 الذي صدر في أغسطس من عام 1990 إثر غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت وإعلانها المحافظة العراقية التاسعة عشرة. وبعد صدور هذا القرار صدرت سلسلة أخرى من القرارات الدولية، وكلها جاءت تحت البند السابع، وهو ما يعني أنها ملزمة التنفيذ حتى لو اقتضى ذلك استخدام القوة. وعندما سعت الولايات المتحدة إلى إخراج العراق من الكويت ببناء تحالف دولي عريض فإنها احتاجت غطاء من مجلس الأمن. وعلى أثر ذلك بدأت المباحثات الأميركية - السوفياتية التي انتهت بإصدار القرار 678 الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي قضى باستخدام كل الوسائل الضرورية لإخراج العراق من الكويت. وأمهل القرار العراق لمدة 45 يوما للانسحاب من الكويت وإلا فإنه سيكون مضطرا لاستخدام «كل الوسائل الضرورية» لإخراجه، وهو ما يعني استخدام القوة. وحتى بعد إخراج العراق من الكويت وتوقيعه ما سمي اتفاقية صفوان عام 1991 فقد بقي العراق تحت البند السابع حتى بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، وتحسين العلاقة العراقية - الكويتية. وبعد مضي عشر سنوات على التغيير الذي حصل في العراق حصلت موافقة مجلس الأمن على إخراج العراق من تحت طائلة البند السابع وتحويل ما تبقى من قضايا عالقة إلى الفصل السادس.

* بين الماضي والحاضر

* للبحث عن إيجاد رابط بين الماضي والحاضر على صعيد ملف العلاقة بين العراق والكويت فإنه وطبقا لما قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أثناء مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، عقب جلسة التصويت التي تم بموجبها رفع العراق من البند السابع، فإن «العراق أوفى بالتزاماته تجاه قرارات مجلس الأمن». وأضاف زيباري أن «هذا اليوم سيشكل تاريخا مفصليا في علاقة العراق مع المجتمع الدولي، كما أن هذا التاريخ سيشكل تطورا نوعيا بين العراق والكويت»، مشيرا إلى أن «ما أنجزه العراق والكويت سيكون مثالا يحتذى به في حل النزاعات سلميا».

وتابع زيباري «بعد أن أنجزنا كل متطلبات المجتمع الدولي بقي علينا الحرب على الإرهاب والتطرف الديني، وهذا لا يمكن الانتصار عليه إلا بالتعاون الدولي»، لافتا إلى أن «أمام العراق تحديات إعادة الإعمار، وهذا ما يصعب تحقيقه دون بيئة آمنة سليمة، وتعاون مجلس الأمن الدولي».

أما المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي علي الموسوي فقد اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذا اليوم «يوم وطني يحق لكل العراقيين الخيرين أن يفخروا به خصوصا الأجيال القادمة، لأن خروج العراق من البند السابع الذي كان بسبب سياسات النظام السابق الحمقاء إنما تم من خلال جهود ضخمة بذلتها الحكومة والدبلوماسية العراقية بصبر كبير على الرغم من كل العوائق والشكوك». وأكد الموسوي أن «الحكومة العراقية جادة في التعامل مع جميع الدول على أساس قاعدة المصالح والمنافع المشتركة خصوصا بعد أن أدرك الجميع أن العراق الجديد يمثل عنصر توازن في المنطقة».

لكن للسياسي والمفكر العراقي المعروف حسن العلوي رؤية أخرى على صعيد العلاقة بين ما هو تاريخي وما هو حاضر على صعيد العلاقة بين الكويت والعراق، حيث يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «العراق خرج من البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة على قاعدة موافقته على القرار الدولي 833 الخاص بترسيم الحدود بين البلدين، وأن هناك من اعتبر أن الحكومة العراقية فرطت في الحدود ومنحت الكويت أراضي عراقية»، معتبرا أن «هذا الكلام تنقصه الدقة التاريخية لأن هذا القرار استند إلى اتفاقية تم التوقيع عليها عام 1932 على عهد نوري السعيد، والتزمت بها الحكومات السابقة مثل عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر عام 1963 بعد أن كان ألغاها عبد الكريم قاسم». واعتبر أن «هذا القرار دولي منذ ذلك الوقت، ولا يرتب شيئا إضافيا للكويت، وموجود جزء منه منذ عهد عصبة الأمم المتحدة التي كان مقرها في جنيف».

* رفع القيود والحدود

* وفي الخلفيات فإن القرار 833 الخاص بترسيم الحدود بين العراق والكويت كان قد صدر عام 1993 ويقضي بترسيم الحدود بين الكويت والعراق، والممتدة بطول نحو 216 كم، وأدى تطبيق القرار بشكل جزئي في عهد النظام السابق إلى استقطاع مساحات واسعة من الأراضي العراقية وضمها إلى الأراضي الكويتية، وشمل أراضي في ناحية سفوان ومنطقة في أم قصر أصبحت منذ منتصف التسعينات بأكملها ضمن حدود دولة الكويت.

وفي مارس (آذار) الماضي عندما تم وضع العلامات الحدودية بين البلدين فقد تظاهر أهالي أم قصر احتجاجا على بناء الجدار الفاصل بين البلدين، وهددوا بالتعرض للكويتيين في حال الاستمرار ببنائه، كما طالب نواب البصرة في البرلمان العراقي حكومتي العراق والكويت والأمم المتحدة بإيقاف إجراءات ترسيم الحدود الجديدة ورفض ضم الآبار النفطية في المنطقة إلى السيادة الكويتية لحين الوصول إلى حل يرضي الطرفين وإعادة النظر في الاتفاق الذي وقعه النظام السابق مع الكويت.

لكن صدور القرار الدولي برفع العراق من البند السابع ألغى معظم الاعتراضات التي أثيرت بشأن هذه القضية، واضطرت الجهات التي كانت تبدي قدرا واسعا من الاعتراض على العلاقة مع الكويت إلى إعلان تأييدها لخروج العراق من الفصل السابع، ومنهم كتل سياسية مشاركة في الحكومة لكنها غالبا ما تنتقد سلوك الحكومة السياسي حيال الكثير من القضايا. لكن عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي صفية السهيل ترى في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن «خروج العراق من طائلة الفصل السابع حدث مهم وتاريخي لمستقبل العراق وشعبه ومفتاح رئيس للانطلاق إلى مستقبل أفضل من العلاقات السياسية والاقتصادية». وأضافت السهيل أن «ما فرض على العراق من عقوبات بسبب السياسات الطائشة والمغامراتية والعبثية التي كانت السبب في تدمير البلد ومعاناة الشعب العراقي وخلافات العراق مع جيرانه والعالم في عهد النظام السابق كانت هائلة وعديدة وقاسية وليس لها مثيل في تاريخ مجلس الأمن الدولي».

وأوضحت أن «خروج العراق من طائلة الفصل السابع يحسب للدبلوماسية العراقية والمفاوض العراقي الذي أخرج العراق من طائلة الفصل السابع الذي فرض عليه عقوبات دولية قاسية تحمل الشعب العراقي تبعاتها لسنوات».

من جهته، يلخص الدكتور عامر حسن فياض، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، رؤيته بخصوص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قائلا إن «خروج العراق من تحت طائلة هذا البند يعني خروج العراق من دائرة القيود إلى دائرة الحريات، حيث إن العراق كسر آخر قيد سياسي وقيد مالي كان مكبلا به». وأضاف فياض أن «العراق بموجب ذلك أصبح مكتمل السيادة وذا قرار مستقل، وسوف يتم التعامل معه كدولة معترف بها بالكامل من قبل المجتمع الدولي سياسيا». وأوضح فياض أن «الجانب المالي في عملية الخروج من هذا الفصل تتمثل في أن أكبر ثروة مالية عراقية هي النفط ترسل حتى الآن إلى صندوق تنمية العراق التابع للأمم المتحدة، حيث يستقطع منها نسبة 5 في المائة كتعويضات ومن بعدها يستخدمها العراق، بينما من اليوم فصاعدا سوف يتعامل العراق مع ثرواته المالية باستقلالية كاملة». وأشار الدكتور فياض إلى أن «هناك تحديات كبيرة أمام العراق، حيث إن أموال العراق بموجب ذلك محمية دوليا من قبل الولايات المتحدة، لكن اليوم باتت أموال العراق تحت الحماية العراقية، وهو ما يتطلب جهودا وإمكانيات للارتفاع إلى هذا الأمر، حيث أصبح العراق الآن يحتاج إلى قوة حماية عراقية لأمواله وثرواته، حيث إن هناك من سيتقدم قضائيا ضد العراق لوجود دعاوى كثيرة بهذا الاتجاه من مخلفات غزو الكويت، وبالتالي فإن المسألة هي ليست مجرد خروج من البند السابع، بل هي مسؤولية داخلية لمواجهة تحديات محتملة».

* نصر بلا حرب

* بالنسبة لصدام حسين فإن ما حصل بسبب غزو الكويت وتداعياته القاسية على الشعب العراقي لم يكن هزيمة بل كان نصرا مؤزرا أطلق عليه اسم «أم المعارك». ومن وجهة نظره فإن النصر الذي تحقق كان بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها على إسقاط نظامه. لكن الولايات المتحدة أسقطت نظام صدام حسين في عام 2003 بعد 13 عاما من الحصار والعقوبات. فكان ثمن تلك الحرب هزيمته الشخصية ومن ثم إلقاء القبض عليه في حفرة بالقرب من مسقط رأسه بتكريت ومحاكمته وإصدار حكم الإعدام بحقه. وكان رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي هو من وقع على مرسوم إعدام صدام حسين عام 2006. واليوم وبعد رفع العراق من طائلة العقوبات الدولية فإن المالكي يعتبر أن ما تحقق بالنسبة له كان نصرا بلا حرب. وفي كلمة له بمناسبة تصويت مجلس الأمن على إخراج العراق من البند السابع قال المالكي إن العراق يتجه نحو الخارج بفتح آفاق العلاقات الطيبة وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وفيما شدد على المضي في سياسة الأبواب المفتوحة، وصف خروج العراق من الفصل السابع بـ«النصر». وأضاف أن «هذا النصر عاد به العراق سيدا عزيزا يملك كامل سيادته وسيطرته على خيراته واقتصاده وسياسته وعلاقاته مع دول العالم»، معتبرا أن «الإجماع الدولي لصالح العراق والداعم لتوجهاته الجديدة لم يأت صدفة أو اعتباطا بل جاء نتيجة عمل دؤوب وسياسات تتسم بالوضوح والحكمة استطاعت في نهاية المطاف أن تنقل العراق من دولة تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين في ظل حكم المغامرين إلى دولة مساهمة في صناعة الأمن والسلم الدوليين». وأضاف المالكي «سنمضي بسياسة الأبواب المفتوحة معتمدين مصلحة العراق أولا والوقوف على أرضية مشتركة مع الآخرين حتى لو اختلفنا في تفاصيل وخصوصيات القضايا الثنائية»، موضحا أن «العراق الجديد سيضع إمكاناته وتجاربه في خدمة أشقائه والعالم، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب وإعادة بناء الدولة».