إيران و«القاعدة» في العراق.. نقيضان تجمعهما المصالح

مؤشرات على استمرار دعم طهران للتنظيم الأصولي.. لم تمنعه الخلافات المذهبية

TT

في وقت كانت الحكومة العراقية تبحث عن تبريرات لما حصل خلال حادثة سجني التاجي و«أبو غريب» في الحادي والعشرين من شهر يوليو (تموز) الماضي، والذي أدى إلى هروب مئات السجناء، ضربت بغداد وبعض المحافظات العراقية الأخرى موجة جديدة من التفجيرات، حصدت أرواح المئات خلال فترة وجيزة، شهدت إحداها انفجار 17 سيارة مفخخة وثلاث عبوات ناسفة استهدفت معظمها أحياء في بغداد في يوم واحد.

تنظيم القاعدة في العراق، أعلن مسؤوليته عن هذه التفجيرات والتي أطلق عليها اسم «غزوة رمضان»، في وقت يؤكد فيه المراقبون السياسيون في بغداد أن هذه العمليات وبالطريقة التي باتت تنفذ بها فإنه من غير الممكن لتنظيم مهما كانت قوته أن يتمكن من تحقيق كل هذه النجاحات دون أن يكون مدعوما من طرف إقليمي قوي، وفي هذا الإطار أشارت معلومات أمنية إلى وجود تنسيق بين إيران و«القاعدة»، لم تمنعه الخلافات المذهبية، والأهداف السياسية المختلفة.

كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية العراقية، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، من مصادر عراقية أن إيران تزود تنظيم القاعدة بالعبوات اللاصقة لاستخدامها في العراق. وتفيد البرقية «السرية والفورية» الصادرة من وكالة الوزارة لشؤون الشرطة وتحمل تاريخ 18 يونيو (حزيران) 2013 والموجهة إلى مديرية عمليات الوزارة (مركز القيادة الوطني) بوجود معلومات عن «إدخال كميات من العبوات اللاصقة من إيران إلى العراق». لتزيد مزيدا من الغموض حول دور إيران وعلاقتها بـ«القاعدة».

كلاهما دخل إلى العراق بعد عام 2003 من أوسع الأبواب التي فتحها الأميركيون على الآخر. فالاحتلال الأميركي للعراق فتح المجال الحيوي لأقرب أصدقاء الولايات المتحدة إليها، وأيضا أبعد أعدائها عنها، حق التدخل في الشأن العراقي. وتستوي في ذلك دول طامعة أصلا في العراق منذ عشرات القرون.. إضافة إلى تنظيم القاعدة. فالعراق تحول إلى ملاذ ومستقر وقاعدة حشد وانطلاق.

علاقة كل من «القاعدة» وإيران مع العراق مرت بمرحلتين الأولى، مرحلة ما قبل الانسحاب الأميركي من العراق وتمتد من 2003 وحتى 2012، والثانية، مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي نهاية عام 2012 وحتى اليوم. ولكل مرحلة من هذه المراحل سماتها على الطرفين. فتنظيم القاعدة، الذي كان قد تمركز في المحافظات الغربية من البلاد وبخاصة محافظة الأنبار غرب العراق ذات المساحات الصحراوية الشاسعة، حظي منذ عام 2006 بهزائم كبيرة على أيدي قوات الصحوة هناك جعلت زعيمه حينذاك، أبو مصعب الزرقاوي، ينقل مهام عمله إلى محافظة ديالى شمال شرقي بغداد حيث قتل عام 2006 في غارة أميركية.

وخلال الفترة التي كان فيها الأميركيون في العراق تعددت سبل المقاومة للمحتل بين إسلامية ومدنية وإن كانت الأرجحية للمقاومة الإسلامية سواء كانت سنية وهي الغالبة أو شيعية ولكن على نطاق محدود.

أما إيران فإنها قبل الانسحاب الأميركي من العراق قدمت الدعم لكل طرف يريد مقاومة الأميركيين، طبقا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» الشيخ حميد الهايس، أحد أبرز شيوخ عشائر الأنبار ورئيس مجلس الإنقاذ فيها ممن حاربوا «القاعدة». ويقول الهايس: «إيران كانت تقدم دعما مفتوحا لكل من يريد مقاومة الأميركيين أو تحت هذه الذريعة في تلك السنوات ولا يهمها أن يكون هذا المقاوم سنيا أو شيعيا». وردا على سؤال عما إذا كان هذا الدعم شمل تنظيم القاعدة، قال الهايس، إنه «رغم صراعه الطويل والمستمر مع (القاعدة) ومطاردته لعناصرها فإنه لم يلمس بشكل قاطع وجود تعاون بين إيران و(القاعدة) خصوصا أن هناك عائقا أساسيا وهو أن الطرفين يكفر كل منهما الآخر عقائديا».

الهايس اليوم قريب من الحكومة العراقية بخلاف زملائه السابقين في «صحوات الأنبار»، وبخاصة الشيخين أحمد أبو ريشة وعلي الحاتم السليمان اللذين تحولا من التحالف مع رئيس الوزراء نوري المالكي إلى العداء له بعد اندلاع مظاهرات المحافظات الغربية. ولهذين الأخيرين رؤية مختلفة بصدد علاقة إيران بـ«القاعدة». فرؤية الهايس تقوم على أن «إيران كانت مستعدة لمحاربة أميركا بأي أداة وقد تكون (القاعدة) إحداها» ولكنه يستبعد أن تكون هناك علاقة مستمرة بين الطرفين بسبب فروقات هائلةلا يمكن تخطيها».

مقابل ذلك، يقول مصدر مقرب من الشيخ أبو ريشة، إن «هناك صلات وثيقة بين الاستخبارات الإيرانية والسورية وبين قيادة (القاعدة)». ويضيف المصدر أن «إحدى مهام قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العراق منذ سنوات عدة تأمين دخول مقاتلي (القاعدة) عبر الأراضي الإيرانية قادمين من أفغانستان وباكستان إلى المدن العراقية». ويضيف المصدر أن «القوات الأميركية كانت على علم بهذا التنسيق والعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة»، إذ جرى اعتقال أعضاء في المجاميع الخاصة التابعة للميليشيات الشيعية اعترفوا بأنهم قنوات اتصال وتنسيق مع مجاميع أخرى من «القاعدة»، ولذلك أبلغت الاستخبارات الأميركية قيادة «الصحوات» مرارا بأن القيادة الإيرانية فتحت حدودها وجيوبها بسخاء لعناصر «القاعدة» في السنوات السابقة.

ومن الأنبار التي شهدت هزيمة «القاعدة» أواخر عام 2007 إلى ديالى التي تعتبر الآن من أكثر المناطق سخونة على صعيد عمليات تنظيم القاعدة لا سيما أن الصراع الطائفي هناك وصل لحد التهجير الشيعي لقرى سنية في قضاء المقدادية بسبب معاودة «القاعدة» نشاطها بشكل مكثف من خلال الهجمات على الحسينيات ومجالس العزاء الشيعية. وفي وقت يبدو الأمر كأنه صراع بين طرفين سني مدعوم من «القاعدة»، ولو ضمنا، وشيعي مدعوم من إيران علنا وبالتالي تبدو نظرية وجود علاقة بين «القاعدة» وإيران مستبعدة فإن نائب رئيس ديوان الوقف السني الدكتور محمود الصميدعي لديه رؤية أخرى. إذ قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشكلتنا الآن هي مع التطرف من الجانبين الشيعي الذي يكفر السنة والسني الذي يكفر الشيعة»، مضيفا أن المعلومات التي بحوزته تفيد بأن تنظيم القاعدة الضالع الآن في معظم العمليات التي تبدو كأنها انتقام من الشيعة ينتقم من السنة لأن ردود الفعل التي تحصل ضد السنة كبيرة ومؤلمة، مشيرا إلى «وجود شيعة في تنظيم القاعدة إلى جانب السنة وأن هذا التنظيم يحظى بدعم إيران».

وحول مصدر المعلومات التي بحوزته بشأن ذلك قال: إن «إيرانيين أبلغوه بذلك فضلا عن أنه لا توجد معسكرات لـ(القاعدة) في العراق وهو ما يعني أنها تتدرب في مكان قريب وأن ما تقوم به من عمليات كبرى مثل تهريب السجناء إنما هي إمكانيات دول وليس منظمات، كما أن (القاعدة) تحتاج إلى دعم لوجيستي لتنفيذ عملياتها».

ورغم أن عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، محمد الخالدي، يرى أن «من الصعب الحديث عن تنسيق ظاهر بين إيران و(القاعدة) ومن الصعب إثباته لأنه يحتاج إلى أدلة تقنع من يرى صعوبة ذلك بسبب الخلافات العقائدية الحادة»، فإن المتحدث الرسمي باسم محافظة ديالى تراث محمود يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «في الكثير من العمليات ضد تنظيم القاعدة في ديالى عثر على أموال إيرانية لدى من يلقى القبض عليهم أو يقتلون فضلا عن أسلحة ومعدات من صنع إيراني».

ويضيف محمود أن «هذه الدلائل تؤكد أنه بصرف النظر عن الخلافات العقائدية فإن المصالح هنا أقوى». وفي السياق ذاته يرى اللواء المتقاعد والخبير العسكري العراقي عبد الخالق الشاهر في حديث أنه «لا يمكن لإيران أن تكون بلا (قاعدة) حيث إن (القاعدة) ضرورة لإيران في ظل هذا الوضع وبالتالي فإن تطابق الأهداف والمصالح يجعل من العلاقة بين الطرفين سالكة». ويضيف الشاهر أن «إيران باتت تعتمد في عملها نظرية المجال الحيوي وهي من أكثر دول العالم اهتماما بالعراق بالدرجة الأولى ودول الخليج العربي بالدرجة الثانية وهي ترى أن هذه البلدان هي المجال الحيوي لسياستها وأن هذه السياسة تحتاج إلى ذراع للتنفيذ مثل (القاعدة) طالما أنه يحتاج تسهيلات للوصول إلى أهدافه لا تتوفر له من دون غطاء من هذا الوزن».

ريتشارد دالتون، الخبير في الشؤون الإيرانية من معهد الدراسات الاستراتيجية «تشاتهام هاوس» في لندن يستبعد، هو الآخر، وجود دعم إيراني لـ«القاعدة» في العراق حاليا. وقال دالتون لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدي دليل على ذلك. أجد الكلام عن مثل هذه العلاقة غير معقول، فتنظيم القاعدة هو عدو لدود لإيران وبالعكس وهذا العداء يكرسه الآن دور إيران في دعم الحكومة السورية في مواجهة عناصر (القاعدة)». وأضاف: «أعتقد أن إيران كانت على اتصال مع بعض المجموعات السنية المناهضة للأميركيين في العراق وأنها قدمت بعض الدعم لجماعة أنصار الإسلام. لكن ذلك الدعم كان تكتيكيا وكان هدفه فك القبضة الأميركية وساعدتها في ذلك استراتيجيتها التي تضمنت عدة محاور بما في ذلك معارضة اتفاق بين الولايات المتحدة والعراق بشأن إقامة قواعد عسكرية».

وبسؤاله عما إذا كان الدعم الإيراني المفترض لـ«القاعدة» حاليا ربما هو لجعل العراق مضطربا أمنيا إلى الحد الذي تطلب فيه حكومته تدخلا إيرانيا، أجاب دالتون «أعتقد أن لإيران مصلحة قوية في نجاح الحكومة العراقية، باعتبارها الحكومة الشيعية الأخرى الوحيدة (بعد الحكومة الإيرانية) في دولة ذات غالبية شيعية. ولكن إيران، حالها حال الولايات المتحدة في سوريا، ستكون مترددة في نشر قوات في العراق. أتوقع أن تدعم إيران الحكومة العراقية عبر تحالفات محلية في العراق بدلا من أن تنجر مباشرة إلى الحرب الأهلية التي تنذر بالاندلاع مجددا».

وللشبهات في علاقة إيران بـ«القاعدة» في العراق بعد آخر يطال الحكومة العراقية ذاتها التي ترى نفسها معنية بالوضع في سوريا بحكم تداعيات هذا الوضع على أمن العراق أساسا لكنها تخضع في نفس الوقت، كما يرى مراقبون، لتأثير إيران في تعاملها مع الأزمة السورية ذلك التعامل الذي وصفه أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، في مقابلة تلفزيونية قبل أيام بـ«المخزي»، مثيرا في الوقت نفسه شكوكا حول «تواطؤ» حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في هروب سجناء من تنظيم «القاعدة» من سجنين قرب بغداد قبل أسبوع وفي «وصولهم» إلى سوريا. وليس واضحا ما الذي يمكن أن تجنيه الحكومة العراقية من مثل هذا «التواطؤ» الذي نفته بشدة على لسان علي الموسوي، المستشار الإعلامي للمالكي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط». فهل خضعت الحكومة العراقية، إن كان هناك فعلا هكذا «تواطؤ» لضغط إيراني بهدف إضعاف معارضي النظام الحاكم في سوريا وذلك بتقوية جناح المتشددين في جبهة «النصرة» الذين لا ترتاح إليهم بقية فصائل المعارضة وبالتالي تقويض المعارضة ككل؟

من جهته، يقول حامد المطلك، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، إن «كل المعطيات المتوفرة تدل بوضوح على أن لإيران ضلعا في كل ما يجري في العراق وبمختلف الصيغ والوسائل والأساليب». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «إيران لا تضمر خيرا للعراق وأنها سعت وتسعى بكل وسيلة ممكنة لتدمير العراق وإبقائه تابعا لها وسوقا لبضائعها ومنفذا لأجنداتها في المنطقة». وأشار إلى تصريحات أدلى بها أخيرا الجنرال جورج: يسي، القائد العسكري الأميركي السابق في العراق، عن «تورط» إيران في تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 الذي فجر الحرب الطائفية في العراق التي استمرت حتى عام 2008 وقال إن «المعلومات التي أشار إليها الجنرال كيسي بشأن دور إيران في تفجير مرقدي سامراء والتي لم يجر التعامل معها بما تستحقه من عناية واهتمام هي واحدة من مؤشرات كثيرة»، مؤكدا أن «(القاعدة) اعترفت فعلا بقيامها بهذا العمل ولكنه طبقا لواقع الحال فإن من سهل العملية هي إيران رغم أنه لا توجد أدلة عملية وهذا الأمر ناتج عن ذكاء الطرفين الإيراني وتنظيم القاعدة بل على العكس من ذلك فإنهما يعملان في الظاهر على تعميق خلافاتهما العقائدية وهو أمر معروف ولا جدال فيه ولكن هذا شيء والممارسة السياسية على أرض الواقع شيء آخر».

ومع كل ما يمكن استنتاجه من هذه الآراء فإن الوثيقة الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية تؤكد وتثبت أن إيران تزود تنظيم القاعدة بالعبوات اللاصقة لاستخدامها في العراق. وتفيد البرقية «السرية والفورية» الصادرة من وكالة الوزارة لشؤون الشرطة وتحمل تاريخ 18 يونيو (حزيران) 2013 والموجهة إلى مديرية عمليات الوزارة - مركز القيادة الوطني - بوجود معلومات عن «إدخال كميات من العبوات اللاصقة من إيران إلى العراق ومن ‏خلال منطقة زرباطية الحدودية الكائنة في محافظة واسط». وتضيف البرقية أن العبوات اللاصقة «روسية الصنع» وأنها «فعالة جدا من حيث التأثير والقوة ‏الانفجارية». وجاء في البرقية أيضا أن هذه العبوات «تم تسلمها من مجموعة التجهيز التابعة لتنظيم القاعدة ‏الإرهابي وجرى تعميمها على جميع الولايات». وتدعو البرقية الجهات المختصة إلى «تدقيق صحة المعلومات أعلاه واتخاذ ما يقتضي بصددها ‏من إجراءات». ورغم محاولاتها لم يتسن لـ«الشرق الأوسط » الحصول على تعليق من وزارة الداخلية حول هذه البرقية.

وفي تعليقه على هذا الأمر عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد العميد سعد معن عن شكوكه حيال البرقية الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الوثيقة مشكوك فيها وإن عملية فبركة وتسريب الوثائق باتت أمرا معروفا في العراق رغم أن قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 المعدل يفرض عقوبات صارمة على تسريب الوثائق تصل إلى سبع سنوات».

وأضاف أن «إيران هي الأخرى تعرضت إلى عمليات تفجير وهي مستهدفة ولكننا كقوات أمنية وبصرف النظر إن كانت هذه الوثيقة صحيحة أم لا ومن أي مصدر أتت فإننا في حال معرفتنا بما تحتويه نتعامل معها بما يحفظ أمننا الوطني» مشيرا إلى أنه «مع ذلك فإن تنظيم القاعدة له أذرع في كل الدول بوصفه تنظيما عالميا وتعاني منه هذه الدول وبالتالي فإن هذا لا يعني أن هناك تواطؤا أو تسهيلات تقدم لهذا التنظيم من هذه الدولة أو تلك بل هو يحاول استغلال كل الثغرات الموجودة والنفاذ منها».

وأوضح أن «المنافذ الحدودية العراقية تتعامل مع المعلومة أو أي مادة آتية من أي دولة من دول الجوار بقدر خطورتها على الأمن الوطني ولا علاقة لذلك بكون هذه الدولة أو تلك علاقتها بالعراق جيدة أم لا؟» موضحا أن «التعامل هنا مجرد من أي مضمون سياسي بل هو عمل أمني بحت».