وزير خارجية ايران الجديد.. رجل الساعة

يحمل آمال تخفيف التوتر وتحقيق انفراجة بين إيران والغرب

TT

بقدر ما أصبح وجود محمد جواد ظريف على رأس وزارة الخارجية الإيرانية رمزا للأمل في تحقيق انفراجة في علاقات إيران بالولايات المتحدة، جاء تعامله مع وسائل الإعلام الاجتماعي علامة على القطيعة مع الماضي.

يعرف ظريف بأنه أول وزير في الجمهورية الإسلامية يمتلك صفحة على «فيس بوك» يديرها بنفسه، وهو ما يجعل ظريف، الذي فاز في التصويت على الثقة من البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي وزيرا للخارجية، وربما أرفع سياسي إيراني، يجري اتصالا مباشرا مع جمهوره وجمهور «فيس بوك».

كان ظريف قد أقيل من منصبه سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة قبل ست سنوات. الآن، نشرت أول صورة له وزيرا للخارجية. في رسالة أخرى على صفحته، شكر ظريف جمهوره، وأوضح أنه سوف يقدم تقارير منتظمة إلى الإيرانيين من خلال صفحة «فيس بوك» الخاصة به، وكذلك الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية.

شغل ظريف، الدبلوماسي الإيراني المخضرم الذي درس في الولايات المتحدة، منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة لمدة خمس سنوات. وكحال العديد من السياسيين في جميع أنحاء العالم، أدرك ظريف جيدا تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فيس بوك»، والفوائد السياسية المحتملة من استخدامه.

أنشأ ظريف صفحة له على «فيس بوك» قبل أن يصبح وزيرا في الحكومة الحالية. وعندما رشحه الرئيس حسن روحاني لتولي حقيبة الخارجية، أنشأ صفحة لمتابعيه بحيث يمكن لأي شخص متابعة ما ينشره على صفحته، وأوضح أنه يقوم على تحديث الصفحة بنفسه بمساعدة أبنائه.

بعد مصادقة البرلمان على تعيين ظريف، ازداد عدد متابعي صفحته على «فيس بوك» وانضم نحو 50.000 متابع إلى الصفحة في ثلاثة أيام، والعدد آخذ في الارتفاع حتى الآن.

وقبل فوزه في التصويت على الثقة، أكد ظريف على أن صفحته سيتم تحديثها بانتظام. ونشر صورة له مع قاضي بور، عضو البرلمان الجريء الذي أصبح موضع سخرية بسبب لهجته التركية. وقد أبدى ظريف دعمه للنائب، قائلا: «أصدقائي الأعزاء! لقد وجدت قاضي بور واحدا من أكثر النواب استقلالية وإخلاصا، وأنا أحترمه. أنشر صورة له لإظهار تأييدي له. أنا أطلب من جميع الأصدقاء احترام جميع الأعراق. إذا كنا نريد حقا تعزيز مكانة إيران والإيرانيين وإذا كنا نريد من العالم أن يحترم جواز السفر الإيراني، فعلينا أن نحترم بعضنا بعضا أولا. شكرا جزيلا.. وحظا سعيدا».

وكان جواد ظريف، الذي يعد أحد أبرع الدبلوماسيين الإيرانيين، منبوذا حتى الصيف الحالي وتم إبعاده من الحكومة من قبل المحافظين المتشددين بسبب عمله الوثيق مع البلدان الغربية. وبدلا من إطلاع العالم على أبعاد القضية الإيرانية كما كان يفعل خلال مسيرته الدبلوماسية على مدار 35 عاما كاملة، كان ظريف يقضي أيامه في التدريس بمركز التدريب التابع لوزارة الخارجية في جامعة هادئة بشمال العاصمة الإيرانية طهران.

وقد تغير هذا الموقف تماما عقب انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني في يونيو (حزيران) الماضي، وأصبح ظريف يشغل منصب وزير الخارجية الجديد للبلاد، ويبدو من المؤكد تقريبا أنه سيقود الوفد الإيراني في المفاوضات النووية مع الغرب؛ في إشارات ودلالات إضافية على أن روحاني جاد في الحد من التوترات مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وقال داود هرميداس باوند، وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العلامة الطابطبائي في طهران الذي يعرف ظريف معرفة شخصية: «ظريف هو الوجه الجديد للسياسة الجديدة. سياستنا الخارجية السابقة لم تسفر عن أية نتائج، وكانت سياسة مشؤومة في حقيقة الأمر. نحن بحاجة إلى مراجعة أساليبنا السابقة وتقليل حدة مواقفنا من أجل إيجاد حل للمشكلة النووية والحد من العقوبات».

وقد انهارت المفاوضات السابقة بشأن البرنامج النووي الإيراني بسبب إصرار الغرب على أن تتوقف الحكومة الإيرانية أولا عن تخصيب اليورانيوم، حيث ترى القوى العالمية أن هذه هي الخطوة الأولى لتصنيع أسلحة نووية، في الوقت الذي يصر فيه الإيرانيون على حق بلادهم في تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود اللازم لمفاعلات الطاقة والاستخدامات السلمية الأخرى. ويرى محللون الآن أنه يمكن التوصل لحل لهذا المأزق السياسي في ظل القيادة الإيرانية الجديدة.

وقال السفير الفرنسي السابق في طهران فرانسوا نيكولود الذي اجتمع بظريف كثيرا: «نحن على يقين بأن ظريف - إذا فُوض للتعامل مع القضية النووية - سوف يعمل بصورة سريعة ورسمية على تقديم أفكار جديدة مثل قيام إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة وذلك بوصفه حلا وسطا».

وإذا قررت القيادة الإيرانية اتباع سياسة جديدة لتخفيف حدة التوترات مع الغرب، فإن ظريف سيكون هو الشخص المثالي للقيام بذلك.

وعودة إلى «فيس بوك»، فقد تم إغلاقه في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع على صحتها عام 2009، لكنه أصبح الموقع الاجتماعي الأكثر شعبية جدا إلى حد أن العديد من الساسة الإيرانيين أنشأوا لهم صفحات عليه. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها وزير بإنشاء صفحة عامة لمتابعيه في إيران. فظهرت صفحات مثل «khamenei.ir»، نسبت إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، لكن لم يكن هناك أي تأكيد رسمي من مكتبه. هذه الصفحة يتابعها ما يقرب من 53.000 شخص، ومن الواضح أنه يجري تحديثها من قبل المقربين من آية الله خامنئي.

وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية 2012، أنشئت صفحتان لاثنين من كبار مجلس النواب؛ هما محمد رضا باهونار وشهاب الدين الصدر. لكن كليهما نفى وجود حسابات باسمه على «فيس بوك». وقال باهونار، الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام لجمعية المهندسين الإسلامية : «ليس لدي أي صفحة في (فيس بوك) أو غيرها من الشبكات الاجتماعية». كما أصدر الصدر أيضا رسالة، قائلا إنه يعلن عن مواقفه من خلال الموقع الرسمي للبرلمان الإيراني أو صفحته الشخصية على الإنترنت.

وهناك سياسيون آخرون لم ينفوا نشاطهم على «فيس بوك»؛ يأتي على رأسهم حسن الخميني، حفيد آية الله روح الله الخميني، ويأتي ابنا حسن الخميني كأكبر المستخدمين النشطين للموقع. ويأتي نائب الرئيس السابق محمد علي أبطحي، رئيس أركان الرئيس السابق محمد خاتمي، كأحد المستخدمين النشطاء على «فيس بوك»، وكذلك رئيس بلدية طهران السابق، والأمين العام لحزب البناء التنفيذي، وغلام حسين كرباشي، ونائبة الرئيس السابق ورئيسة قسم البيئة معصومة ابتكار، والنائب الإصلاحي السابق أحمد بورنجاتي، والمستشارة السابقة لخاتمي زهرة شجاعي، والنائب السابق جمشيد أنصاري، من بين المسؤولين السابقين الذين يملكون حسابات على «فيس بوك».

وكان آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، قد صرح: «نحن نشهد أن صفحة (فيس بوك)، التي لا تفرض أي تكلفة على الناس، تحمل التأثير نفسه للإذاعة والتلفزيون على الملايين من الناس. ونقل أشرطة الفيديو أو الصور التي التقطتها الهواتف الجوالة في جميع أنحاء العالم. بالنسبة لي، إنه حدث مبارك للعالم». ويملك أبناء رفسنجاني مهدي وفائزة حسابات خاصة بهم في «فيس بوك». وإجمالا، فإن استخدام حسابات «فيس بوك» من قبل الساسة الإيرانيين لا يزال يخطو خطواته الأولى، ولكن وجود جواد ظريف على الشبكات الاجتماعية الشعبية ربما يكون خطوة لكسر المحرمات التي تدفع السياسيين الآخرين إلى الشبكة في المستقبل القريب. وكان ظريف يعمل سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة بين عامي 2002 و2007، ووجه إليه بعض النواب المعارضين لترشيحه اتهام الارتباط مع مسؤولين أميركيين خلال عمله في حكومة أحمدي نجاد.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي، إن السياسة الخارجية «لا تصنع بالشعارات»، في انتقاد ضمني لسلفه محمود أحمدي نجاد، وذلك في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية، فيما أكد وزير خارجيته جواد ظريف أن مبادئ سياسة إيران الخارجية ثابتة وغير قابلة للتغيير، مؤكدا أن العقوبات الغربية لم ولن تؤدى إلى تغيير السياسات المبدئية للجمهورية الإسلامية في إيران»، مشيرا إلى أن مبادئ سياسة إيران الخارجية قائمة على الدستور وإرشادات قائد الثورة الإسلامية و«هي ما تشكل أسس العلاقات الدولية لإيران، وغير قابلة للتغيير».

وأوضح أن الدفاع عن وحدة‌ التراب والاستقلال والحرية وخدمة أبناء‌ الشعب والعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية تشكل أسس هذه المبادئ‌ التي لا يمكن أن تتغير في ظل أي ظروف. وتطرق إلى مواقف إيران من التطورات الأخيرة في المنطقة والعالم، وقال: «الشعب الإيراني لن يتخلى عن حقوقه أبدا، ونحن لا يمكن أن نساوم على حقوقنا».

وتطرق إلى السياسات العدوانية التي تنتهجها أميركا ضد إيران، وقال إن «الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني أدت إلى أن تلجا أميركا إلى فرض عقوبات جديدة ضد إيران وهي على أعتاب حكومة التدبير والأمل».

* جواد ظريف في سطور

* ولد محمد جواد ظريف عام 1960 في طهران. وقد شغلت الدبلوماسية والشؤون الخارجية جل حياته المهنية، واستطاع أن يبني شهرته بصفته سياسيا تكنوقراطيا براغماتيا وفعالا وذلك خلال تدرجه في السلك الدبلوماسي. وقبل كل شي يعرف عن ظريف اطلاعه على الولايات المتحدة وطريقة عمل الأمم المتحدة بعد أن أمضى عشرات السنين في العمل معهما.

فقد بدأ ذلك في سن مبكرة، حيث تلقى تعليمه العالي في الولايات المتحدة؛ إذ حصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو عام 1984. وبعدها تابع تحضيره شهادة الدكتوراه في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر؛ حيث حصل على شهادة الدكتوراه في القانون والسياسة الدولية عام 1988.

وعند إتمام دراسته ونظرا لمعرفته ومواهبه، عرضت على ظريف الفرصة للانضمام إلى البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة.

وفي بداية حياته الدبلوماسية، شارك ظريف في عمل المفاوضات خلال فترة عمله مستشارا للأمم المتحدة التي امتدت بين عامي 1982 و1988.

وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه، أصبح ظريف المستشار والقائم بالأعمال في البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة. وبين عامي 1988 و1989 تم تعينه مستشارا لوزير الخارجية الإيرانية وقتها علي أكبر ولايتي، ثم أصبح أستاذا زائرا في كلية العلاقات الدولية في طهران.

من عام 1989 إلى 1992 عاد ظريف إلى الأمم المتحدة نائبا لمندوب إيران الدائم لدى نيويورك.

بين عامي 1992 و2002 عين ظريف في منصب نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية قبل أن يعود إلى الأمم المتحدة مرة أخرى بين عامي 2002 و2007 مندوب إيران الدائم هناك. خلال هذا الوقت تولى ظريف مجموعة من الوظائف داخل الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز.

وقد شغل ظريف عضوية التحرير لعدد من المجلات العلمية بما في ذلك مجلة «الشؤون السياسية والدولية الإيرانية» ومجلة «السياسة الخارجية الإيرانية»، كما كتب العديد من الأبحاث حول مواضيع مختلفة مثل نزع السلاح وحقوق الإنسان والقانون الدولي والصراعات الإقليمية.

ومن حيث وجهات نظره، ينظر إلى ظريف على أنه شخصية معتدلة دعت إلى اتباع موقف مهادن للولايات المتحدة وحلفائها.

وينظر إلى ظريف على أنه واحد من المهندسين الأساسيين لما يعرف بالصفقة الكبرى، وهي كانت خطة لحل الملفات العالقة بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2003 وذلك بحسب تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي.

وفي عام 2007 كان ظريف المتحدث الرئيس في مؤتمر المجلس الإيراني - الأميركي الذي حضره تشاك هيغل ودينيس كوسينتش ونيكولاس كريستوف وآندروس ليدن.

استقال ظريف من منصبه ممثلا دائما لإيران لدى الأمم المتحدة عام 2007 وخلفه محمد خزاعي الدبلوماسي المعروف بمواقفه المحافظة والقريبة من محمود أحمدي نجاد.

وقد تم ترشيح ظريف لمنصب وزير الخارجية من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، لمعرفته ومهاراته الدبلوماسية، في وقت كانت فيه إيران عازمة على إيجاد وسيلة لتحسين مكانتها الدولية وإيجاد طريق للخروج من العزلة المتزايدة.

وبعد الموافقة على ترشيحه، ستكون له الأولوية في التفاوض مع دول «5+1» (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة لألمانيا) حول برنامج إيران النووي وذلك للتقليل من العقوبات المفروضة على إيران.

على الرغم من أنه ينظر إليه بعين العطف في الأوساط الغربية، فإن ظريف قد يواجه متاعب في شكل معارضة من قبل المحافظين داخل إيران.. فعلى سبيل المثال اضطر ظريف إلى أن يدافع عن ترشيحه أمام منتقديه من خصومه في البرلمان الذين انتقدوه لصداقاته مع دبلوماسيين وأساتذة جامعيين غربيين.